"جيل زد" في المغرب… لماذا يرفض الحوار مع الحكومة ويخاطب الملك؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 6 أكتوبر 202519 دقيقة للقراءة

بين خطاب رسمي يَعِدُ بالإنصات والحوار، وواقع ميداني متوتّر تشوبه مواجهات وأعمال العنف، وجدت حكومة عزيز أخنوش، نفسها أمام اختبار صعب في ظل الاحتجاجات المتواصلة لـ"جيل زد"، والتي تتسع رقعتها يوماً بعد آخر، حيث أعلنت في اجتماع مجلس الحكومة المنعقد يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، التجاوب مع مطالب هذه التعبيرات الشبابية، مؤكدةً استعدادها فتح باب الحوار والنقاش من داخل المؤسسات والفضاءات العمومية. غير أنّ "جيل زد" كان جوابه واضحاً: لا حوار مع الحكومة، سنخاطب الملك.

الشرارة المشتعلة برغم وعيد النيابة

لم يكن متوقَّعاً أن تنزلق احتجاجات "جيل زد" في المغرب إلى موجة من المواجهات وبعض أعمال التخريب، خصوصاً أنّ بداياتها حملت طابعاً سلميّاً. كما شدّد منظمو هذه الاحتجاجات، عبر منصّاتهم الرقمية وبياناتهم المتتالية، على ضرورة أن تبقى الوقفات سلميّةً، ومعبّرةً عن مطالب اجتماعية واضحة.

غير أنّ يومَي 29 و30 أيلول/ سبتمبر الماضي، شهدا تحوّلات دراماتيكيةً في عدد من المدن، من بينها القليعة (قرب أكادير)، وإنزكان، وسيدي بيبي، ووجدة، وسيدي يوسف بن علي وتامنصورت علي في مدينة مراكش، بالإضافة إلى مناطق أخرى شهدت انفلاتات أمنيةً رافقها عنف طاول الممتلكات العامة والخاصة، إذ أُحرقت سيارات تابعة للشرطة، وتعرّضت مراكز للدرك الملكي، والبلديات، ومؤسّسات بنكية، للتخريب، ووصل الأمر إلى استخدام الأمن الرصاص في بعض المواجهات.

ينبّه عبد المومني إلى أنّ "أخنوش ليس إلا أحد المستفيدين الكبار من منظومة حكم سبقته، وأكيد أنها ستستمر بعده بالمواصفات نفسها وبالنتائج الكارثية ذاتها، إذا لم يتم التوافق على تغييرات هيكلية عميقة في سير الدولة المغربية وسير اقتصادها وتوزيع خيراتها وتشغيل المواطنين والمواطنات، وتكوين أطفالهم وتطبيبهم"

حصيلة الأحداث كانت ثقيلةً، لقي فيها ثلاثة أشخاص مصرعهم، من بينهم طالب يدرس في معهد السينما قُتل بالرصاص بينما كان يوثّق الأحداث التي رافقت الاحتجاجات، فضلاً عن عدد من الجرحى في صفوف المحتجين وبعض عناصر قوات الأمن، ما جعل المشهد يخرج من إطاره الاحتجاجي السلميّ إلى دائرة العنف والتوتر المفتوح.

مطلع الشهر الجاري، حذّرت النيابة العامة -على لسان رئيس قطب الدعوى العمومية وتتبّع تنفيذ السياسة الجنائية، أحمد والي علمي- من أنّ "أعمال التخريب والعنف عقب الوقفات غير المصرّح بها، لا علاقة لها بأيّ شكل من الأشكال بحرية التعبير، وتصل إلى عقوبات ثقيلة تتراوح بين 10 و20 سنةً سجناً، وأحياناً أخرى إلى المؤبد". في اليوم التالي، قُدّم 106 أشخاص، إلى المساءلة أمام النيابة العامة في استئنافية أكادير وحدها.

رفض الوساطة… خطاب مباشر إلى الملك

وفيما أكد رئيس الحكومة المغربية على ضرورة الحوار والنقاش من داخل "المؤسسات" و"الفضاءات العمومية"، أشار وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، إلى ضرورة "هيكلة الحوار" و"تنظيمه"، عبر "مطالب قابلة للنقاش" وفي "أفق زمني قريب"، عادّاً أنّ الحراكات الشبابية التي تحتجّ لا تتميز بـ"التنظيم الكلاسيكي كما هو متعارف". 


وجاء رد شباب "جيل زد" على هذين التصريحين واضحاً مباشرةً، في الليلة نفسها، وفي أثناء اجتماعهم على تطبيق "الديسكورد"، حيث وجّهوا رسالةً تحمل خطاباً مباشراً إلى الملك محمد السادس، متجاهلين الحكومة. كما أنّ خطابهم للملك كشف عن مسافة شاسعة بين خطاب السلطة ومزاج الشارع الشابّ، معلنين رفضهم لأيّ وساطة حكومية أو حزبية. ولم يترك خطاب "جيل زد" مجالاً للتأويل حيث تمسّك بالرفض القاطع للحوار مع الحكومة، والإصرار على أن تكون المخاطبة مباشرةً مع رأس الدولة، ما يعكس عمق أزمة الثقة بالمؤسسات الوسيطة من أحزاب وبرلمان وحكومة.

رسالة المحتجين الشباب لم تقتصر على هموم اجتماعية ومعيشية آنية، بل تذهب أبعد من ذلك، نحو مساءلة جوهر البنية السياسية في المغرب، بما فيها: إقالة الحكومة، ومحاسبة الفاسدين، وحلّ الأحزاب المتورّطة، والإفراج عن معتقلي الاحتجاجات. كما تعلن عن أنّ هذا الجيل الجديد، لا يرى في الوساطة السياسية التقليدية قناةً صالحةً للتعبير عن طموحاته، بل يطرح بديلاً يقوم على التواصل المباشر مع المؤسسة الملكية باعتبارها المرجع الأخير لضمان الحقوق وإعادة بناء الثقة.

الغضب الرقمي يتجاوز الأحزاب

ولا يضع شباب "جيل زد" في المغرب، الثقة بالأحزاب السياسية التي وجدت نفسها في مأزق غير مسبوق، وهو لا يرى فيها إمكانية أن تكون وسيلةً للتعبير، ولا يرى أيضاً في المعارضة مؤسسةً قادرةً على تمثيلها. هم شباب يتحركون خارج قنوات الوساطة الكلاسيكية التي اعتادت الدولة والأحزاب أن تشتغل من خلالها.

ومن دون لافتات حزبية أو شعارات أيديولوجية، يقود هذا الجيل احتجاجاته المستمرة، بغضب اجتماعي متدفق، ومتشظٍ، وغير قابل للاحتواء عبر الأدوات السياسية القديمة، ويبدو أنّ الأحزاب السياسية التي يتجاوز عددها 30 حزباً، بما فيها المعارضة، قد تحوّلت في نظر المحتجين إلى جزء من المنظومة ذاتها، أي فاقدةً القدرة على الوساطة والشرعية التمثيلية.

ومردّ ذلك إلى أنّ "جيل زد" ليس مجرد فاعل عابر في مشهد احتجاجي، بل هو انعكاس مباشر لعمق الأزمة البنيوية التي تعيشها الحياة السياسية في المغرب المتمثلة في: غياب الثقة، وضعف التجديد، وعجز المؤسّسات عن مجاراة لغة ورهانات جيل رقمي لا يعترف سوى بمنصاته وشبكاته كفضاء للانتماء والتعبئة.

مع ذلك، تأطير "جيل زد" ليس ترفاً مؤسساتياً أو شعاراً بيروقراطياً، بل يحوّل الغضب إلى مشروع منظم ومستدام، والفوضى إلى قوة اقتراحية، كما يمنح المطالب أفقاً واقعياً وسياسياً، ودونه قد يفتح الشارع أبوابه لكل الاحتمالات الممكنة.

إشادة بالتدخلات الأمنية!

بالعودة إلى تصريح رئيس الحكومة، أخنوش، فبرغم ما حمله من إشارات إلى الانفتاح والاستعداد للإنصات، إلا أنّ عدداً من المحللين والناشطين السياسيين يشكّكون في جدوى هذه الرسائل، عادّين أنّ أخنوش لا يملك سلطة القرار في ما يتعلّق بالشق الأمني.

في هذا الصدد، يقول الناشط السياسي والحقوقي، فؤاد عبد المومني، لرصيف22: "رئيس الحكومة في المغرب شخص يقرأ أوراقاً أُعدّت له من طرف الديوان الملكي أو من أجهزة المخابرات. وفي أحيان كثيرة، قد لا يعلم ما تتضمّنه سلفاً. كما لا يعتقد أحد في المغرب أنّ السيد أخنوش يقرّر في السياسية الأمنية والتدخّل الأمني، بل قد لا يكون لها غطاءً سياسياً".

ويضيف عبد المومني، وهو معتقل سياسي سابق خلال "سنوات الجمر والرصاص": "قد يكون من حسابات من أعدّوا خطاب رئيس الحكومة وبيان أحزاب الأغلبية الحكومية، وتصريحات الناطق باسم الحكومة، إرباك السيد أخنوش وحكومته من أجل جعلهما كبش فداء في هذه المواجهة، حتى يبقى الدور الجميل للملك، الذي سيبيّن أنه تدخّل عند طلب الشعب من أجل تخليصه من هذا الشخص البغيض الذي هو أخنوش".

"أخنوش ليس إلا أحد المستفيدين الكبار من منظومة حكم سبقته، وأكيد أنها ستستمر بعده بالمواصفات نفسها والنتائج الكارثية عينها، إذا لم يتم التوافق على تغييرات هيكلية عميقة في سير الدولة المغربية وسير اقتصادها وتوزيع خيراتها وتشغيل المواطنين والمواطنات، وتكوين أطفالهم وتطبيبهم"، يردف المتحدّث.

ويرى الناشط السياسي أنّ العناصر الأساسية التي يمكن قراءة التدخّلات الأمنية عبرها تظهر في الوقائع، وسلوك رجال ونساء الأمن في الميدان، وتصريحات النيابة العامة، ووزارة الداخلية أو تلميحاتها في هذا الشأن، كما اتضح في اليومين الأوّلين للحراك، السبت 27 والأحد 28 أيلول/ سبتمبر 2025.

"لاحظنا أيضاً كيف أنّ ردود الفعل في الميدان عنيفة جداً، فأن يصل الأمر إلى قتل ثلاثة أشخاص خارج الثكنة التي قيل إنّ الشباب هجموا عليها وإنّ كل طلقات الرصاص تصيب الضحايا في أماكن قاتلة، وأن تبقى العديد من الأسئلة المعلّقة، فهذا ما يستدعي التحرّي القوي والدقيق. لا تزال القوة على فرضه لم تتبيّن إلى حد الآن"، يضيف عبد المومني.

تهدئة أوروبية وتحذير أممي

الجمعة 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، دعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف المعنية إلى الحفاظ على الهدوء تعقيباً على الاحتجاج الاجتماعي الواسع على تردّي الخدمات الصحية والتعليمية. وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية أنور العنوني: "نقرّ بأهمية مشاركة الشباب في الحياة العامة وندعو جميع الأطراف المعنية إلى الحفاظ على الهدوء".

بينما يراهن الاتحاد الأوروبي على لغة الحياد الهادئ التي تعكس حرصاً دبلوماسياً، يتجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى استخدام لغة حازمة في ما يتعلّق بتعليقه على الاحتجاجات في المغرب حيث شدّد على أنها يجب أن تتم بشكل سلميّ يحترم الأرواح والممتلكات وسيادة القانون، داعياً إلى إجراء تحقيق عاجل ونزيه، بهدف تحقيق المساءلة. وفي مؤتمر صحافي، قال النائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، ردّاً على أسئلة الصحافيين، إنّ الأمين العام يرحّب بإعلان الحكومة المغربية نيتها المشاركة في حوار مع الشباب والاستماع إلى أصواتهم.

"لا جدوى من الحوار مع الحكومة بل يجب إسقاطها"

عدم ثقة "جيل زد" بالحكومة، ورفضه الحوار معها، أمران تُحذّر حتى بعض الأحزاب السياسية، من التعامل معهما بكثير من التفاؤل. من بين هذه الأحزاب، فيدرالية اليسار الديمقراطي، التي يقول عضو مجلسها الوطني، ونائب الكاتب الوطني لشبيبة الحزبية، عادل البوعمري، في تصريح لرصيف22: "في حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي وشبيبته لا نرى أيّ جدوى من انتظار الحكومة للاستماع إلى المحتجين أو الدخول معهم في نقاش جاد ومسؤول، لكون الحكومة في موقع 'الخصم والحكم' في الوقت نفسه، والدليل طبيعة التدخّلات الأمنية (ضد المحتجين)".

يصف البوعمري، التعامل مع المحتجين بأنه كان "كارثياً"، حيث شمل القمع والاعتداءات والاختطافات، مبرزاً أنّ بعض الشبّان والشابات قضوا ما يزيد على 12 ساعةً في الاحتجاز، فضلاً عن سقوط ضحايا برصاص الدرك بعد الادعاء باقتحام محتجين مراكز الدرك، وهو ما يعدّه "غير صحيح، وتبريراً واهياً لا يمكن تصديقه".

ويؤكد عضو المجلس الوطني لفيدرالية اليسار الديمقراطي، أنّ "الدولة والحكومة والأجهزة الأمنية مطالبة بتقديم إجابات واضحة" عن التعامل العنيف مع الشباب المحتجين، مشدّداً على أنه "من غير المقبول انتظار أي موقف إيجابي أو سلبي من الحكومة" لأنها -في نظره- تتحمّل كامل المسؤولية السياسية، وتالياً "يجب إسقاطها اليوم قبل الغد".

وسبق أن قاطع حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، مشاورات وزارة الداخلية حول الانتخابات ورفضت شبيبته المشاركة في المشاورات التي دعا إليها وزير الشباب والثقافة والتواصل. ويقول البوعمري: "وزير الشباب والثقافة والتواصل الذي يفترض أن يكون صلة وصل مباشرةً مع الشباب، هو في الواقع بعيد عن قضاياهم وهمومهم. الوزارة التي جاءت عبر انتخابات مطعون في نزاهتها، ولم تفتح أي نقاش جدّي منذ سنوات، من غير المقبول أن تحاول اليوم فتح حوار شكلي".

كما يشير المتحدّث إلى أنّ "الحكومة تفتقد القدرة على مخاطبة 'جيل زد' أو أيّ جيل آخر، لأنّ المطالب التي رفعها هذا الجيل -من مستشفيات ومدارس وفرص شغل وكرامة وعدالة اجتماعية- ليست حكراً عليه، بل هي قضايا تمسّ مختلف الفئات العمرية في المجتمع". 

ويوضح أنّ "موقف الفيدرالية ثابت، نحن نطالب دوماً بالملكية البرلمانية، حيث لا يتدخّل الملك مباشرةً في النقاش السياسي، بل تترك المسؤولية للحكومة والمؤسسات المنتخبة التي تدبّر المليارات من أموال الشعب".

ويتساءل: "من يتحمّل المسؤولية عن ميزانيات ضخمة ثم يُعفى دون محاسبة؟"، مشيراً إلى أنّ مسألة الإعفاء الوزاري ليست حلّاً بحد ذاتها وإنما يكمن الحل في "بناء ملكية برلمانية حقيقية، تضمن وحدة البلاد واستقرارها، وفي إطار واضح من المحاسبة والمسؤولية، بعيداً عن أن يكون ذلك على حساب المواطنين".

خلل في تنزيل البرامج

وإذا كانت أصوات المعارضة تصبّ في مجملها في سياق تحميل الحكومة مسؤولية التعاطي الأمني والغياب عن تقديم حلول عملية، يبدو خطاب ممثلي أحزاب الأغلبية أكثر ميلاً إلى التأكيد على الطابع البنيوي للأزمة، باعتبار أنّ التحدّيات المطروحة تتجاوز منطق الأغلبية والمعارضة، وهذا ما يؤكده لرصيف22، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، هشام عيروض.

يقول عيروض: "التعبيرات الاحتجاجية الأخيرة عكست نظرةً مغايرةً لدى هذه الفئة العمرية من الشباب للمشهد السياسي ومكوناته، وتالياً المسؤولية اليوم جماعية تتجاوز منطق الأغلبية والمعارضة. فهي تسائل مشهداً حزبياً يشتغل بنهج ووسائل أصبحت متجاوزةً"، متمسّكاً بأنّ "ما يُفرض على الأحزاب السياسية ومؤسسات الوساطة عموماً هو أن تتغيّر في بنيتها وتغيّر آليات اشتغالها، وإلا ستجد نفسها في هامش التحوّلات المجتمعية المتسارعة. فالشباب لا ينتظرون خطابات جامدةً، بل يريدون خطابات صادقةً وإنجازات ملموسةً وبروفايلات تحسن الإنصات الجيد لهم وتتفاعل معهم".

"هناك مجهودات كبيرة تبذلها القطاعات المعنية، لكن الواقع يؤكد أنّ هناك خللاً ما في تنزيل البرامج القطاعية المعنية بالصحة والتعليم، وعلى هذا الأساس الحكومة مطالبة اليوم وبشكل مستعجل ببلورة جواب سياسي تبلوره في إجراءات عملية ذات أثر ملموس تصوّب بها ومن خلالها ما خرج عن الخط الناظم للإصلاح وتسرِّع ما يجب تسريعه"، بحسب عيروض. 

كذلك، يرى عضو حزب الأصالة والمعاصرة، المشارك في الائتلاف الحكومي، أنّ "المطالب التي عبّر عنها الشباب الذين اختاروا الاحتجاج بطريقة سلميّة وحضارية تعكس وعيهم الجمعي بضرورة الإسهام في تسريع وتيرة التنمية ببلادنا، لا يمكن اختزالها في مجرد رد فعل عابر"، بل إنّ "هذه الدينامية تعكس أزمة ثقة متراكمةً بين الشباب والمؤسسات. لذلك أرى أنه من الطبيعي بل من الصحي أن يعبّر جزء من شابات وشبان الوطن عن رفضهم لعدد من الظواهر والممارسات التي يعرفها المشهد الحزبي الوطني، تتجلّى أساساً في الفجوة الكبيرة بين الخطاب السياسي والواقع المعيشي والتي تعكس جودة الخدمات العمومية في عدد من القطاعات وفي مقدمتها قطاعا الصحة والتعليم".

"تعامل الحكومة مع هذه المطالب لم يرتقِ إلى مستوى وعي الشباب واحتجاجاتهم، وكان على الحكومة على الأقل إدانة التدخّلات الأمنية والاعتقالات والتوقيفات والمتابعات التي طالت هؤلاء الشباب العُزّل والسلميّين، الذين خرجوا للمطالبة بحقوق متفق عليها من الجميع، وأبانوا عن وطنيتهم وحبهم للوطن"

المطلوب بالنسبة لهشام عيروض، اليوم، "ليس تجاهل هذه الأصوات والمطالب وإنما الإقرار، أولاً، بوجود خلل ما في النسق العام الذي تدبّر به السياسات العمومية، وثانياً، المبادرة إلى بلورة حلول عملية وإجرائية تتسم بالجدية والواقعية والأثر الملموس في الحياة اليومية". 

ويقول عيروض، إنّ "حزب الأصالة والمعاصرة، يتفهّم هذه المطالب الاجتماعية، وتبنينا إياها يأتي من منطلق حرصنا الجماعي، سواء من داخل مؤسسات أجهزة الحزب أو من خلال مشاركتنا في الائتلاف الحكومي المدبّر للشأن العام خلال هذه الولاية الحكومية، وبهذا القدر نفسه من التفهم نؤمن أيضاً بأنّ الحوار من داخل المؤسسات هو الآلية الأنسب والأنجع للترافع على هذه المطالب التي تظلّ عادلةً ومشروعةً".

مبادرة جيل 2030

يستشهد عيروض بمنصة "جيل 2030"، التي أطلقها حزب الأصالة والمعاصرة، الثلاثاء 4 آذار/ مارس 2025، وهي مبادرة تهدف إلى إشراك الشباب في السياسات العمومية وفتح المجال أمامهم للتفاعل مع التحوّلات التي يشهدها المجتمع المغربي. يقول عيروض، وهو منسق هذه المبادرة: "جيل 2030 مبادرة شبابية مدنية من الشباب وإليهم، اشتغلنا عليها لفترة طويلة من الوقت بناءً على تشخيص دقيق قمنا به، وتهتمَّ برؤية الشباب للسياسات العمومية والسبل الكفيلة بتعزيز مشاركتهم في بلورة جيل جديد منها".

مع ذلك، يلفت إلى أنّ "هذه الدينامية ليست بديلاً عن المؤسسات، وإنما هي جسر يربط الشباب بالفعل السياسي، تكمن قوتها في أنها توفر للشباب فضاءً حراً وصادقاً للتعبير دون وصاية ولا رقابة أو خطوط حمراء، ثم تعمل على تحويل المطالب إلى مقترحات عملية". ويستطرد: "المبادرة حصّنت وعزّزت مصداقيتها لدى آلاف الشباب الذين توافدوا على فضاءات الحوار التي نظمتها المبادرة أو من خلال منصّتها الرقمية، على أن تكون قوة اقتراح وضغطاً إيجابياً وتنتصر لرؤية الشباب ومطالبهم وتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنمية، وكذلك ستظل منصّةً وفضاءً لأصوات شابات وشبان الوطن تسهم في إعادة بناء جسور الثقة بين الشباب والمؤسسات وتفتح أفقاً جديداً أمام مشاركتهم السياسية".

خطاب حكومي بارد

"تعامل الحكومة مع هذه المطالب لم يرتقِ إلى مستوى وعي الشباب واحتجاجاتهم، وكان عليها على الأقل إدانة التدخّلات الأمنية والاعتقالات والتوقيفات والمتابعات التي طالت هؤلاء الشباب العُزّل والسلميّين، الذين خرجوا للمطالبة بحقوق متفق عليها من الجميع، وأبانوا عن وطنيتهم وحبهم للوطن"، هذا ما يؤكده لرصيف22، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد أسامة أوفريد. 

ويضيف: "الحكومة مطالبة بالموضوعية في تحليل الأزمة، وتقديم إجراءات عملية لحل المشكلات، وليس الاكتفاء بالكلام الفضفاض أو البلاغات الشكلية التي لا يقبلها الشباب، ولا تقدّم حلولاً في الصحة والتعليم والشغل أو في محاربة الفساد، هناك حاجة إلى حلول حقيقية تعكس تطلعات الشباب وانتظاراتهم، وإلى إيقاف جميع المتابعات والاعتقالات والتعامل بعيداً عن المقاربة الأمنية".

"جيل زد عبّر عن مطالبه وملفاته المطلبية عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصةً ديسكورد، دون أن تفرز هذه الاحتجاجات قيادة حوار تقليدية. لذلك، على الحكومة أن تتبنى آليات حوار حقيقيةً تتماشى مع هذا الشباب ومنصاته، وليس الطريقة الكلاسيكية التي تعتمد على قيادات تفاوض وتتكلم، هذا الجيل أحدث ابتكاراً جديداً في الحراك المغربي، إذ استطاع إنشاء منصات تواصل تجمع مئات الآلاف من الشباب، بعيداً عن المنطق التقليدي"، يشدّد أوفريد.

هوّة بين المواطن والأحزاب

فضلاً عما سبق، يلفت المتحدث إلى أنّ "الحكومة إذا أرادت أن تبعث إشارات جديةً، عليها الانحياز للحوار الجدي، ووقف كل المقاربات الأمنية وإيقاف جميع الاعتقالات والمتابعات بحق الشباب المحتج السلميّ. كما يجب أن تقوم بمصالحة وطنية حقيقية عبر إطلاق المعتقلين السياسيين ومعتقلي الحراكات كافة، وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف، لإرسال إشارات واضحة للشبان والشابات وليس مجرد حوارات شكلية لا تعطي أي نتيجة".

ويختم أوفريد بأنه "على الحكومة أيضاً إطلاق إجراءات عملية في القطاعات الحيوية، ومحاربة الفساد، لتكون رسائلها حقيقيةً وملموسةً، فرفض جيل زد لكل الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب اليسار، ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة تراكمات سياسات الدولة، فهذه الأحزاب غالباً ما تسعى للاستفراد بالقرار وإظهار نفسها كسلطة وحيدة، بينما تُهمّش الأحزاب الديمقراطية والتقدمية التي تحمل مشاريع تعبّر عن تطلعات المواطنين". 

"رسّخت المنظومة الحزبية في أذهان الشباب والمواطنين فكرة الابتعاد عن العمل السياسي، وهو ما يؤدي إلى نتائج عكسية، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى أحزاب ونقابات لتأطير المجتمع والقيام بدور الوسيط بينه وبين الدولة، نجد أنفسنا أمام أزمة ثقة هيكلية"... عن رفض "جيل زد" الحوار مع الأجسام الوسيطة في المغرب

فقدان الحسّ السياسي

ليست الأحزاب اليسارية وحدها من عبّر عن موقف جدوى حوار "جيل زد" مع الحكومة. عضو اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية (شبيبة حزب إسلامي)، أشرف الملهوف، يقول لرصيف22، إنّ للحكومة سوابق في التعاطي مع الاحتجاجات السلميّة، إذ "تفتقد الحسّ السياسي وتعتمد على التكنوقراط، بالإضافة إلى الظروف التي رافقت انتخابات 2021، والتي شابها إنفاق المال لدعم بعض المرشحين، وما نراه الآن من فساد لبعض أعضاء هذه الأحزاب، الذين أصبح بعضهم معتقلاً إما على قضايا المخدرات أو اختلاس المال العام".

ويضيف: "السنوات الماضية، وعلى مدى عقود، شهدت تبخيساً لكل ما هو سياسي ومؤطر، واحتقاراً لكل من يعمل داخل المنظومة الحزبية، وهو أمر لا يقتصر على الأحزاب الأخرى فحسب، بل يشمل حزبنا أيضاً. وقد رسّخت المنظومة الحزبية في أذهان الشباب والمواطنين فكرة الابتعاد عن العمل السياسي، وهو ما يؤدي إلى نتائج عكسية، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى أحزاب ونقابات لتأطير المجتمع والقيام بدور الوسيط بينه وبين الدولة، نجد أنفسنا أمام أزمة ثقة هيكلية".

سوابق الحكومة المغربية

ويشير عضو شبيبة العدالة والتنمية، إلى أنّ "الحكومة لم تكن عند المستوى المطلوب في التعامل مع الاحتجاجات الشبابية السلميّة، التي اندلعت أولاً على شبكات التواصل الاجتماعي ثم امتدت إلى الشارع للمطالبة بمطالب اجتماعية واضحة ومشروعة، ومؤطرة بالدستور وبثوابت البلاد، مثل الحق في التعليم والصحة والتوزيع العادل للثروة والعدالة الاجتماعية".

وأضاف عضو اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية: "إن القطاعَين التعليمي والصحي شهدا إضرابات واسعةً خلال عهد هذه الحكومة، وإنّ الاحتقان الاجتماعي ومطالب جيل زد لم تلقَ استجابةً حقيقيةً، بل صدر بلاغ الأغلبية، وهي هيئة غير دستورية لم نسمع عنها سابقاً، ولم يكن واضحاً دور هذا البلاغ أو جدواه". ويوضح أنه "عند خروج رئيس الحكومة، لم يكن هناك توازن، حيث شكر رجال الأمن والقوات العمومية دون تقدير لمساهمات المواطنين وتفهمهم، حتى حين خرجت بعض الاحتجاجات السلميّة عن مسارها نتيجة وجود بعض المندسّين والمخرّبين".

ويختم حديثه: "الأحزاب في الأغلبية كانت قد وعدت المواطنين بتحسين قطاعي الصحة والتعليم في برامجها الانتخابية، إلا أنّ تعاملها مع احتجاجات رجال ونساء التعليم في السنوات الماضية، يوضح أنها حكومة غير مسؤولة، وغير سياسية، ولا تراعي المصلحة العامة". 

وفي قلب التوقّعات، يبقى رهان "جيل زد" على المؤسسة الملكية، التي يعلّق عليها آماله في الاستجابة لمطالبه، ولتمكينه من فضاء حقيقي للحوار والمشاركة في صناعة مستقبل المغرب، والأيام وحدها ستحدّد إن كان رهانه رابحاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image