مظاهرات Genz-212 في المغرب… انتفاضات مؤجّلة يُحييها جيل الرقمنة

مظاهرات Genz-212 في المغرب… انتفاضات مؤجّلة يُحييها جيل الرقمنة

رأي نحن والحقوق الأساسية

السبت 4 أكتوبر 20257 دقائق للقراءة

عرف المغرب على مرّ تاريخه انتفاضات مجهضة عدة غالبيتها كانت بفعل محرِّكات اجتماعية واقتصادية. فمنذ الاستقلال عن الحماية الفرنسية والاستعمار الإسباني، وجد الشعب المغربي نفسه حبيس نوع آخر من الاضطهاد يشلّ رغبته في التعبير السياسي الحرّ، وفق ما يذكره الصحافي الفرنسي جيل بيرو، في كتابه "صديقنا الملك"، والذي يرسم فيه تاريخ الاستبداد في المغرب منذ الاستقلال.

هذا الوضع نما أكثر خلال فترة حكم الملك السابق الحسن الثاني، الحقبة التي عُرفت بمصطلح "سنوات الرصاص". تلك الحقبة الزمنية المظلمة التي شهدت إخفاءات قسريةً، واعتقالات وتعدّيات على حقوق الإنسان، بحسب تعريف هيئة الإنصاف والمصالحة التي تشكّلت في ما بعد للتحقيق في هذه التجاوزات.

هذا الزمن، الذي كتب عنه الأدباء وتفنّن في وصفه المؤرخون، دخلت فيه البلاد وارتمت في ظلمات القمع والاستبداد. الفترة التي اغتيل فيها المعارض الشهير المهدي بن بركة وأُعدم فيها انقلابيون. الشاهد أنّ هذه الفترة التي لم يكن فيها وجود للإنترنت، ولم يكن العالم فيها آنذاك متصلاً ببعضه بعضاً كما هو الحال اليوم، عرفت شتى أنواع الإجرام في حق المعارضين أو حتى المواطنين البسطاء، بما في ذلك التغييب القسري والسجن والاعتقالات.

بعد جيل "الجمر والرصاص"، وجيل "20 فبراير"، وجيل "حراك الريف"، يطلّ علينا اليوم جيل Z. جيل لا يكتفي باللعب وفق القواعد القديمة، بل يضع قواعده بنفسه. جيل يشارك، يطالب، يصرخ... ويرفع صوته أعلى من أي صوت سبق أن سمعناه

أذكر أيضاً أحداث الريف في عام 1958، وقد سمعنا عن رواية "تزممارت الزنزانة رقم 10" الشهيرة لأحمد المرزوقي، التي تتحدّث عن هذه الفترة المظلمة من تاريخ المغرب. أذكر أيضاً أحداث فاس عام 1965 و1981 في الدار البيضاء، والانتفاضة المعروفة بـ"شهداء الكوميرة". 

هذا فضلاً عن آليات القمع التي تطوّرت في ذاك العصر، خاصةً بعد محاولات الانقلاب في سبعينيات القرن العشرين، والتي خلّفت سخطاً تجاه أي محاولة للانتفاض أو التعبير عن الانتقاد مع عدم تسامح تامّ من طرف السلطة وإبعاد المواطن عن السياسة.

هذا الزمن الذي أحكي عنه، هو زمن آباء وأجداد ربما جيل Z الذي خرج الآن في 2025 ليتحدّث ويخبر العالم بأنه جيل جديد، وحتى ينبّه الدولة المغربية إلى أن هناك فرقاً كبيراً وشاسعاً بين جيل اليوم وجيل الأمس. هذه الدولة لم تُغيّر أبداً من أساليبها وظلّت عالقةً في هذه الفترة الزمنية، غافلةً عن أنّ الشعب، خاصةً شبابه وصغاره، قد تجاوز هذا العهد بمراحل.

مع اقتحام الإنترنت المشهد السياسي، سارع الشباب المغربي إلى التعبير عن غضبه ضد السياسيين، نافضاً عنه غبار إرث "سنوات الرصاص" البالية التي خنقت أصوات أجيال وأجيال من قبلهم. الشعب المغربي متعطّش إلى الحرية وكسر قيود الممنوع والمحظور. قيود فرضتها موروثات تاريخية وسلطة تُستمد وتتغذّى من الماضي تصطدم مع شعب سارع إلى استعمال واستغلال أدوات الإنترنت منذ أن ظهرت، في الانخراط والمشاركة والعمل السياسي والنقد والتجمع ومناقشة كل الأحداث السياسية في البلاد.

 فمنذ 2011، ونحن نجد تحرّكات سياسيةً واجتماعيةً واقتصاديةً مهمةً في الفضاء الرقمي، بدايةً من احتجاجات "20 فبراير" الكبيرة التي غيّرت مصير البلاد وأجبرت السلطات على تغيير المسار وإخراج دستور جديد بصيغة جديدة ثم أدّت إلى صعود الإسلاميين ممثلين في حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. شيئاً فشيئاً، ومع الاستجابة للمطالب ولو نسبياً، أصبح وعي الشباب أكبر بقوتهم في التأثير إذ إنّ أثر حركة "20 فبراير" لا يزال حتى الساعة يُلقي بظلاله على ذاكرة الشباب اليوم.

جاء بعد ذلك "حراك الريف" في عام 2016، والذي اندلع بسبب انتشار وتداول مواقع التواصل الاجتماعي فيديو محسن فكري، ثم موجة الغضب من غلاء الأسعار، وحملة المقاطعة في 2018. كل هذه التحرّكات المتتالية تدلّ على شيء واحد هو أنّ هذا الشعب متشوِّق إلى التعبير عن نفسه وقد وجد في الإنترنت أخيراً ما كان قد حُرم منه في السابق. 

غير أنّ ما سبق لا يدلّ على أنّ التظاهرات الحالية بقيادة جيل Z-212، لها علاقة أو تشابه مع الاحتجاجات والتحركات السابقة. هذا الحراك فريد من نوعه وسبّاق على مختلف المستويات. فالكثير من المراقبين للشأن المغربي يرون أنّ السلطات وأجهزة الدولة كلها كانت مندهشةً من هذا الجيل الجديد الذي لا يعرفون عنه شيئاً، فقد طال استسهال التعامل مع الشعب الذي دائماً ما تم ضمان ولائه وخضوعه، وهو ما يفسّر صدمة الحكومة واندهاشها.

فكل هذه المصطلحات الجديدة لا تعرف السلطات عنها أي شيء، على سبيل المثال مصطلح جيل زد نفسه، وديسكورد التي هي المنصّة الحاضنة لأعضاء GENZ 212. هذه المنصّة التي يتحدّث بعض المشاركين عن أنها تجسيد للديمقراطية، يطبّق فيها هؤلاء "العدل والمساواة " بأيديهم. نسخة رقمية من الديمقراطية يتم فيها التصويت على كل القرارات، على أماكن التجمعات، وعلى الشعارات والمطالب، وهذا ما أدهش المراقبين للحدث.

بعد جيل "الجمر والرصاص"، وجيل "20 فبراير"، وجيل "حراك الريف"، يطلّ علينا اليوم جيل Z. جيل لا يكتفي باللعب وفق القواعد القديمة، بل يضع قواعده بنفسه. جيل يشارك، يطالب، يصرخ... ويرفع صوته أعلى من أي صوت سبق أن سمعناه.

صرخة هذا الجيل هي الصرخة التي ظلّت مكتومةً لعقود، ثم دوّت فجأةً، وفاجأت كل من سمعها. صرخة تُعلن عن ولادة زمن جديد، زمن يكتبه الشباب بأنفسهم. حركة جيل زد بعيدة عن كل ما عرفناه وألفناه. حركة من دون رأس، من دون زعيم، ومن دون تمجيد لأشخاص معيّنين. حركة تقول إنها من الشعب وله وإليه، ترفع سقف الآمال في التغيير إلى أعلى المستويات، وتجعل شعباً بأكمله يجرؤ على الحلم في حين أنه اعتاد على عدم تسامح سلطاته مع الحالمين.

الإنترنت بصفته مرآةً للمجتمع يذكّرنا بنظرية "الفضاء العام" التي تحدّث عنها مفكرون كثيرون مثل كانط وهابرماس، وهو فضاء يتم فيه الحوار بين الإعلام والمواطن وأصحاب السلطة بطريقة تقليدية، إلا أنه مع حضور الإنترنت أصبحنا أمام نسخة جديدة من "الفضاء العام" الذي يتحاور فيه المواطنون في ما بينهم دون إشراك السلطة التي لا تزال تتشبّث بنسخة "الفضاء العام" التقليدية وتحاول أن تجرّ إليه الشباب.

ما نشهده اليوم شرخ جديد وقطيعة بين جيل قديم تشكّل وعيه في ظل استمرارية الحراكات المطلبية، وجيل جديد وُلد في زمن الرقمنة والعولمة. فهل يحقّق "جيل ديسكورد" العدالة للشعب المغربي؟ وهل تتمكن الرقمنة من الثأر لأحلام في التغيير حملها مغاربة جيلاً بعد جيل وطال تأجيلها؟

لكن هؤلاء الشباب طوّروا الآن بنى جديدةً يتحاورون من خلالها وتتمركز معظمها عبر الإنترنت، وهذا ما رأيناه منذ بداية الربيع العربي وحراك "20 فبراير" عام 2011، الذي وُلد على فيسبوك، وكل ما جاء بعد ذلك من احتجاجات ومن حركات داخل الفضاء الرقمي وآخرها تحرّكات "جيل زد" الذي اشتعل من إفريقيا إلى آسيا وأمريكا اللاتينية.

لكن، في سياق أكثر خصوصيةً، أي سياق المجتمع المغربي الذي يظلّ مجتمعاً تقليدياً بامتياز، تبرز فرادة التحوّلات الجارية. فهذا مجتمع عرف عقوداً من استقرار السلطة، ونظاماً ملكياً راسخاً منذ قرون، واستمراريةً في حكم واحد، ما جعل البعض يصف هذا الوضع بـ"الاستثناء المغربي"، وهو استثناء يُقدَّم كميزة حافظت على تماسك النظام السياسي والاجتماعي، حتى إنّ الملكية أصبحت، كما قد يقول البعض، جزءاً من "الحمض النووي" للشعب المغربي.

غير أنّ ما نشهده اليوم هو شرخ جديد وقطيعة بين جيل قديم تشكّل وعيه في ظل تلك الاستمرارية، وجيل جديد وُلد في زمن الرقمنة والعولمة. هذا الشرخ بين الأجيال يطرح أسئلةً كبرى حول طبيعة المشهد السياسي ذاته، وحول قدرة السلطة على إعادة إنتاج مشروعيتها في مواجهة جيل لا يعترف بالقواعد نفسها ولا يخضع للمنطق عينه. فهل يحقّق "جيل ديسكورد" العدالة للشعب المغربي؟ وهل تتمكن الرقمنة من الثأر لأحلام في التغيير حملها مغاربة جيلاً بعد جيل وطال تأجيلها؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منذ 12 سنةً، مشينا سوا.

كنّا منبر لناس صوتها ما كان يوصل،

وكنتم أنتم جزء من هالمعركة، من هالصوت.

اليوم، الطريق أصعب من أي وقت.

وصرنا بحاجة إلكن.

Website by WhiteBeard
Popup Image