لم يتوقف الحديث عن حفل زفاف فنانة المكياج دينا هشام، ابنة المختصّة بالعلاقات الزوجية والصحة الجنسية، هبة قطب، منذ يومين. تغلب عليه رائحة التنمّر تجاه العروس ووصمها بأنها تعاني من اضطراب فرط الحركة، وتشويهها واتهامها بـ"سوء الخلق" و"الفجاجة".
رقص العروس وغناؤها وفرحتها الواسعة في يومها المميز هذا، وقُبلة على فم عريسها، و"تورتة" من الـ"فرايد تشيكن"، وصرخات التعبير عن الحماسة، كانت بالنسبة لعشرات الأشخاص أسباباً كافيةً لمهاجمتها -وأهلها- واتهامها بالبحث عن "التراند" و"الشهرة" -برغم أنها معروفة بالفعل- وبـ"الانحلال".
أشتمّ في الهجوم على دينا، الذي لم يبدأ بعرسها، رائحة "انتقام" و"غضب خفيّ" من أمّها، حتى إنّ كثيرين لا يذكرونها في منشوراتهم وفي تعليقاتهم المسيئة والناقدة باسمها، بل بوصفها "بنت هبة قطب"
في مصر، لا حرج على العريس مهما عبّر -ورفاقه- عن السعادة في العرس. لكن فرحة العروس دائماً ما تحيطها قيود ومخاوف من "كلام الناس" وأحكامهم، إن هي "بالغت" في إظهار فرحتها، فيتم تحذيرها من قِبل الأهل والمعارف عادةً بضرورة أن تكون "عاقلةً" و"الضحكة بحساب" حتى لا يقول المعازيم إنها "مدلوقة وما صدّقت تتجوز"، علماً أنّ الرقص و"التنطيط" معياران كافيان لاعتبار العروس "مبالِغة" في فرحتها.
أمور أخرى قد تستدعي نظرات اشمئزاز من بعض المعازيم -إن لم يكن جميعهم- وصولاً إلى تدخّل الأهل لـ"ردع" العروس، منها مثلاً أن تسمح لعريسها بضمّها أو تقبيلها في فمها حيث لا يزال كثيرون يعدّون ذلك "قلة حياء" وربما مؤشّراً على أنّ هذه العروس "خبرة" (بالمعنى السلبي الذي يصنَّف انحرافاً أخلاقياً)، أي خبرت القبلات سابقاً.
فأن تجذب دينا هشام عريسها وتقبّله من فمه، طامة كبرى للعشرات، وسوط لجلدها وجلد أسرتها التي برأي هؤلاء "معرفتش تربّيها". كما "استفز" كثيرين ظهور العروس "المحجبة" وهي تقود الـ"دي جي" على أنغام "I'm different" من فيلم "زكي شان"، واسم الأغنية مفارقة لا يجب إغفالها.
"بنت هبة قطب"
لكن برأيي، كان كل هذا ليمرّ أو ينتهي بعد انتقادات عابرة، لولا أنها "ابنة هبة قطب"… نعم، هذه الطبيبة التي كانت من بين أوائل الاختصاصيات المتحدِّثات علناً في الصحة الجنسية والعلاقة الحميمية بين الزوجين، إن لم تكن الأولى. وهي في مطلق الأحوال تبقى الأجرأ. لا يغفر كثيرون لهبة قطب أنها فتحت باب الحديث العلني في هذا التابوه المحرّم حتى أصبحت معتادةً على الشاشات مناقشة العجز الجنسي للرجل والرغبة الجنسية للمرأة، وأن تذهب نساء إلى العيادات المتخصّصة بحثاً عن حياة جنسية مستحقة، وطلب الطلاق إن كانت هذه الحياة غير مرضية لهنّ.
أشتمّ في الهجوم على دينا، الذي لم يبدأ بعرسها، رائحة "انتقام" و"غضب خفيّ" من أمها، حتى إنّ كثيرين لا يذكرونها في منشوراتهم وفي تعليقاتهم المسيئة والناقدة باسمها بل بوصفها "بنت هبة قطب".
عُرفت دينا بعملها في مجال المكياج الذي درسته في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وبمقاطعها اللطيفة والمبهجة وهي تتحدّث إلى والدها أو ترقص معه في مناسبات عامة.


وهذه قصة أخرى أقدم، فقرب الفتاة من والدها، والعلاقة القوية التي تربطهما، لطالما جلبا لها الانتقادات والتعليقات التي لا تُحتمل بما في ذلك التشكيك في طبيعة العلاقة بينهما، على غرار: "دي مش علاقة بنت بأبوها دي علاقة زوج وزوجته". ووصلت إلى حدّ تأكيد البعض أنّ هذه الفتاة لن تهنأ يوماً بعلاقة زوجية سعيدة بسبب ارتباطها "غير العادي" -بالنسبة لهم- بوالدها.
لكن دينا خُطبت، وكانت تظهر في مقاطع مصوّرة مع خطيبها تعكس الانسجام والمحبة بينهما، وتزوجت وأظهرت فرحةً عارمةً بعريسها في زفافهما، ولا تزال هذه التعليقات المسيئة حول علاقتها بوالدها مستمرةً… ولا يزال التذكير بأنها "بنت هبة قطب" في سياق انتقادها، وكأنه "سُبّة"، مستمرّاً أيضاً.
في بلاد لا تسمح للنساء بالتعبير عن مشاعرهنّ علناً، وتخشى فيها كثيرات من التعبير عن رغباتهنّ العاطفية والجنسية حتى مع أزواجهنّ خشية التشكيك في أخلاقهنّ، ما أحوجنا إلى العشرات من أمثال "بنت هبة قطب"
لا أعتقد أنّ هناك أيّ غضاضة في أن يرى شخص دينا هشام شخصيةً ثقيلة الظل أو محتواها غير مهم، أو لا يستحق المتابعة. لكن المزعج في الانتقادات الموجهة إليها -وكثير منها لنساء مع الأسف- أنها تعكس على نحو كبير عدم الوعي بأهمية تعبير الأشخاص عن مشاعرهم بالطريقة التي تناسبهم، وعدم الوعي بأهمية احترام الآخرين لذلك دون أدنى حق لأي شخص في الحكم على هذه الطريقة أو تقييمها. كون دينا هشام محجبةً ولا تلتزم -كما يرى منتقدوها- بـ"أصول الحجاب الشرعي"، وترقص مع عريسها وتقبّله بحميمية، أمور لا تخصّ سواها تماماً كما أنّ علاقتها بوالدها وتعبيرها عن حبها الكبير له علناً لا يخصّ أيضاً سواهما.
لا أخشى أن تعكّر هذه التعليقات المسيئة فرحة دينا التي يبدو لي أنها حظيت بتربية سويّة تجعلها تميّز بين ما ينبغي أن تعيره انتباهها وما يجب ألا تكترث له، فقبل ساعات، ردّت دينا وعريسها بشكلٍ غير مباشر على الضجة والانتقادات حول ظهورها في حفل الزفاف، بإشهار إصبعيهما في أحدث صورة نشرتها عبر حسابها في إنستغرام.
أُشفق على أولئك الذين هاجموا الفتاة واتهموها بـ"الانحلال"، وأتمنى لو حظوا مثلها بتنشئة واعية لأهمية التعبير عن الحب والمشاعر بحرية، ورفض قيود المجتمع.
ففي بلاد لا تسمح للنساء بالتعبير عن مشاعرهنّ علناً، وتخشى فيها كثيرات التعبير عن رغباتهنّ العاطفية والجنسية حتى مع أزواجهنّ خشية التشكيك في أخلاقهنّ، ما أحوجنا إلى العشرات من النساء الجريئات القادرات على التعبير عن مشاعرهنّ بغض النظر عن "كلام الناس"، مثل دينا هشام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.