"سيكون برنامج باكستان النووي متاحاً للمملكة العربية السعودية، إذا استدعت الضرورة"، قال وزير الدفاع الباكستاني، خواجه محمد آصف، في أول تصريح له يربط فيه قدرات بلاده النووية باتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك، التي وقّعتها مع الرياض في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، وتحاكي المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو).
"الباب غير مغلق أمام انضمام دول أخرى إلى الاتفاقية"، أضاف خواجه آصف، فيما أكّد المتحدث باسم الخارجية الباكستانية أنّ الاتفاقية "دفاعية بحتة"، وليست موجهةً ضد أي دولة.
وتنصّ الاتفاقية على أنّ "أيّ اعتداء على أيّ من البلدين يُعدّ اعتداءً على كليهما"، ما يعكس التزاماً سياسياً واضحاً بالأمن المشترك، حسب مركز شاف للدراسات المستقبلية، وتشمل الوسائل العسكرية كافة، من تبادل المعلومات الاستخباراتية إلى التدريبات المشتركة والتعاون الصناعي العسكري. كما أنها مفتوحة للتطوير وفقاً للمتغيرات الأمنية، بالإضافة إلى كونها أرضيةً لتعاون ديناميكي قابل للتوسع.
ويأتي الاتفاق في إطار مساعي الرياض لإعادة صياغة سياستها الدفاعية، بعيداً عن "الارتهان الكامل للمظلّة الغربية، تقابلها رغبة إسلام آباد في تثبيت موقعها كفاعل مركزي في الأمن العربي والإسلامي، وفرصة لاستعادة ثقلها في الخليج"، والحديث لشاف.
فعلى الرغم من عدم ذكر الأسلحة النووية صراحةً، إلا أنّ الاتفاق يُلمّح إلى إمكانية استفادة السعودية من الترسانة النووية الباكستانية. لذا يُنظر إلى الاتفاق كخطوة ذكية تمنح السعودية "مظلةً نوويةً مستأجرةً" دون امتلاكها فعلياً السلاح، حسب أوراسيا تايمز.
"قد لا يعني هذا الأمر واشنطن كثيراً، لكن ما يُريبُها، هو تحالف باكستان العسكري الوثيق مع الصين، وتالياً، احتمال اعتماد السعودية على أنظمة دفاعية صينية"... عن الرسائل التي يحملها اتفاق الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان
تقول الصحيفة إنه "بموجب الاتفاق، تحصل المملكة على مظلّة ردع نووي دون تكاليف سياسية أو دينية، بجانب استقلالية أمنية، ودعم تقني وعسكري. بينما تستجرّ باكستان تمويلاً سعودياً محتملاً (5–10 مليارات دولار)، وتعزيز مكانتها كحامية للعالم الإسلامي، بالإضافة إلى دعم تقني لسلاح الجوّ لديها، فيما يعُدّ الاتفاق رسالةً واضحةً للولايات المتحدة وإسرائيل بأنّ الرياض تنسج تحالفات جديدةً خارج المظلّة الغربية، ولا سيما في ظل تصاعد التوترات مع إيران، وتوقف محادثات التطبيع مع إسرائيل".
ويعكس الاتفاق إعادة تقييم الرياض لعلاقتها مع واشنطن، وتوجهاً نحو تنويع شراكاتها الدفاعية، بما يشمل باكستان وتركيا، دون التخلّي الكامل عن العلاقة مع واشنطن، حسب مركز "أسباب"، وذلك بعد تلاشي رؤية السعودية للاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة كـ"خيار حصري"، خاصةً بعد ضعف الاستجابة الأمريكية إثر هجمات الحوثيين عام 2019.
ووفق تحليل المركز، "قد لا يعني هذا الأمر واشنطن كثيراً، لكن ما يُريبُها، هو تحالف باكستان العسكري الوثيق مع الصين، وتالياً، احتمال اعتماد السعودية على أنظمة دفاعية صينية. بدورها، ترى تل أبيب أنّ الاتفاق يبعث برسالة ردع واضحة، ويُعدّ تحركاً مضاداً لتوسعها العسكري، خاصةً أنه يُضعف فكرة التحالف الإقليمي معها ضد إيران، حيث يُفهم الاتفاق ضمن ترتيبات أوسع قد تشمل دولاً خليجيةً أخرى، مع احتمال توسّع التعاون الدفاعي ليشمل تركيا وباكستان، ويُنظر إليه كجزء من مراجعة عربية لهندسة الأمن الإقليمي، تشمل دعوات لتحالفات عربية أو إسلامية على غرار الناتو"، حسب "أسباب".
فشل الضمانات الأمريكية
برغم الشراكة الوثيقة بين واشنطن والعواصم الخليجية، فإنّ الاتفاقيات الأمنية معها غير رسمية وغير ملزمة قانونياً، ولم تمنع الهجوم، حيث طالبت الرياض مراراً باتفاق دفاع رسمي مع واشنطن، لكن العروض الأميركية كانت مشروطةً بالتطبيع مع إسرائيل. وتالياً، تعثّر الاتفاق بسبب رفض إسرائيل الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة (شرط الرياض لتطبيع العلاقات)، ما أفشل جهود إدارة الرئيسَين جو بايدن ودونالد ترامب، حسب مركز "تشاتام هاوس". وقد ضاعف الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية عام 2019 (على الموانئ الإماراتية أيضاً)، وعدم ردّ واشنطن، شكوك الخليج في التزام أمريكا.
"الاتفاق من مسمّاه ذو طابع إستراتيجي، لذا فإنّه يشمل كل التوصيفات"، حسب اللواء السعودي السابق، ورئيس قسم الدراسات في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، أحمد الميموني. "وهو يقتنص الفرصة لتجميع القدرات لدى كل من باكستان والمملكة لخلق توازن رادع، ولا يستهدف دولةً بذاتها لكنه يضع الولايات المتحدة في حرج، وربما يزيح عنها بعض العبء. لكن ما يميز الاتفاقية إيجاباً، أنها تعيد تدوير زوايا الأمن الإقليمي، وتعدد الخيارات المتاحة، وتضع حجر أساس أمام تعزيز تواصل الدول الإسلامية وتجميع قدراتها، إذ نحن أمام مظلّة يمكن أن تجمع الكثير من الإمكانات وتجعل المستقبل أكثر وضوحاً من ناحية تعزيز الحالة الأمنية"، يضيف الميموني لرصيف22.
من جانبه، يقول خبير قضايا الأمن والدفاع، رياض قهوجي، لرصيف22، إنّ "المنطقة بحاجة فعلياً إلى منظومة أمنية جديدة، نتيجة الفشل الذريع لمنظومة الأمن السابقة التي أسستها واشنطن، وعلى يد حليف واشنطن الأساسي، إسرائيل، وذلك من خلال طموحات إسرائيل وقياداتها، وحروبها الأخيرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لغاية الآن". يضيف: "كانت الغارة على الدوحة هي القشة اللي قصمت ظهر البعير".
عليه، تُعدّ الاتفاقية أول اتفاق دفاع رسمي بين دولة خليجية عربية وشريك نووي، حسب موقع "الدبلوماسية"، وهو الأهم لباكستان منذ عقود، وقد يشمل دعماً مالياً سعودياً يُساعد في استقرار الاقتصاد الباكستاني. كما يمنح باكستان نفوذاً دبلوماسياً أكبر، ويُعزز موقعها في مواجهة الهند وإسرائيل، ويُعدّ خطوةً إستراتيجيةً لربط أمنها بمصالح الخليج العربي. ويمثل الاتفاق "جبهةً واحدةً ضد أي معتدٍ... دائماً وإلى الأبد"، حسب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، حيث يُنظر إليه كتحوّط سعودي ضد التهديدات الإقليمية من إيران، إسرائيل، والحوثيين.
ويُعدّ الاتفاق أول إطار رسمي ومؤسسي وتتويجاً لعقود من التعاون الدفاعي بين الجانبين، مثل تشغيل طيّارين باكستانيين لطائرات سعودية، وتمركز آلاف الجنود الباكستانيين في المملكة، فيما الأخيرة ساعدت باكستان مالياً خلال أزماتها، واستثمرت في قطاعها الدفاعي، وتُعدّ من أبرز مشتري الأسلحة الباكستانية حسب "ذا ويك". "إنه تحذير ضمني بأنّ السعودية لم تعد تنتظر مظلةً أمنيةً خارجيةً، بل تصنعها بنفسها"، أضافت الصحيفة. وكان موقع "ميلتري كوم"، قد نقل عن وثائق ويكليكس عام 2007، إشارة السعودية إلى رغبتها في مظلة نووية باكستانية لحماية الشرق الأوسط.
حسب رصانة، "الاتفاق يعزز الردع الإقليمي، عبر منح البلدين قوة ردع إضافيةً في ظل التوترات الإقليمية والدولية، ويعزز استقلالية القرار السعودي أيضاً، من خلال تأكيد قدرة المملكة على بناء تحالفات أمنية مستقلة مع قوى نووية مثل باكستان. كما يعكس تحوّلاً في العقيدة الأمنية الخليجية نحو شراكات متعددة، دون أن يكون بديلاً عن التحالفات التقليدية. ويشكل ثمرة مشاورات طويلة، ولم يكن رد فعل على أحداث معينة، بل نتيجة مفاوضات معمقة بين البلدين".
إلى ذلك أيضاً، أشارت صحيفة "ذا ناشيونال"، إلى ما عدّته تحوّطاً إستراتيجياً بعد خيبة الأمل من الموقف الأمريكي تجاه قطر، في إشارة إلى القصف الإسرائيلي على الدوحة مؤخراً".
"الاتفاق يعزز الردع الإقليمي، عبر منح البلدين قوة ردع إضافيةً في ظل التوترات الإقليمية والدولية، ويعزز استقلالية القرار السعودي أيضاً، من خلال تأكيد قدرة المملكة على بناء تحالفات أمنية مستقلة مع قوى نووية مثل باكستان. كما يعكس تحوّلاً في العقيدة الأمنية الخليجية نحو شراكات متعددة"
قطبان إسلاميّان
أضافت الصحيفة: "الاتفاق يجمع اثنين من أكبر جيران إيران في تحالف دفاعي، ما يثير قلق طهران، فيما دول الخليج بدأت بتقليص الاعتماد على قوة واحدة، عبر شراء معدّات من تركيا، الصين، كوريا الجنوبية، وروسيا".
مع ذلك، يستبعد قهوجي، أي تأثير للاتفاق على تسريع البرنامج النووي الإيراني. فالبرنامج ماضٍ حسب توقيت طهران، كما أنّ أصل المواجهة الإيراني مع أمريكا وإسرائيل، حيث تحاول طهران إثبات نفسها كقوة إقليمية، سواء عبر البرنامج النووي أو سواه. كذلك تواجه إيران حالياً مشكلةً كبيرةً، وواجهت حرباً وخسرت جزءاً كبيراً من محورها. لذا هذا التحالف لن يؤدي إلى تصعيد، بل على العكس، سيؤدي إلى دفع جهات عدة لحساباتها، مع رفع منسوب الردع. وتالياً، سيؤدي إلى استقرار أكبر. فالهدف هو فرض معادلات جديدة تجعل المنطقة أكثر استقراراً.
وفنّد قهوجي ذلك بالقول: "عندما يكون هناك طرف/ أو أكثر يرى من حوله أطرافاً ضعيفةً، يستقوي عليها دائماً، حينها سنكون في حالة من عدم الاستقرار. لذا لا بدّ من دفع الآخرين لإعادة النظر في حساباتهم، حتى نصل إلى الاستقرار. وهذا هو جوهر التحالف السعودي-الباكستاني، الذي قد يشجع البعض للانضمام إليه ليكبر أكثر".
"حقيقةً، هذه الاتفاقية للردع ليست موجهةً لأحد بعينه، لكنها موجهة للجميع، ممن لديهم نوايا أو خطط عدوانية أو توسعية أو تحالفات أخرى قد تنشأ على شكل ميليشيات أو تكتلات بهدف تخريب أمن المنطقة، والعربية منها تحديداً"، يقول اللواء السعودي الجوي السابق، عبد الله القحطاني، لرصيف22. ويضيف: "هي إستراتيجية للمستقبل، تأتي والمملكة في موقف قوة وليست في موقف ضعف، مستقرة أمنياً، منتصرة على الإرهاب، ومتقدمة في العديد من النواحي والمجالات. لكن أهم ما يميّزها، أنها بين قطبين إسلاميين كبيرين، السعودية وباكستان، وهاتان الدولتان لديهما خصوصية تجاه الدين الإسلامي، ومواقفهما تتّحد تجاه القضايا الإسلامية والمواقف السياسية".
يؤكد ذلك خبير الشؤون الخارجية الباكستاني، نوشين واسع، فالاتفاق يُعزز الردع برأيه، خاصةً مع امتلاك باكستان للسلاح النووي، ويُعدّ شراكةً إستراتيجيةً عميقةً، فيما ترى خبيرة العلاقات الدولية، هما بقائي، تأثير الدمينو في الاتفاق، قد يؤدي إلى سعي مزيد من الدول الخليجية والعربية إلى مثل هذه التحالفات". من جهته، يراه الصحافي الباكستاني، حميد مير، بأنه يُبرز باكستان كقوة إسلامية صاعدة، ويُعدّ خطوةً ضد إسرائيل والهند، وليس مرتبطاً مباشرةً بالولايات المتحدة، ويتوقع توقيع دولتين أخريين اتفاقاً ممثلاً، حيث يعدّ الاتفاق "اختراقاً كبيراً"، يعكس قلقاً عربياً متزايداً من العدوان الإسرائيلي، ويُبرز باكستان كأقوى قوة إسلامية في المنطقة، حسب السفير الباكستاني السابق، اعزاز شودري.
هذه الاتفاقية لن تؤثر على الشراكة السعودية-الأمريكية، ولن تؤثر على مسار العلاقات المتنامية بين السعودية وإيران. هي تخدم المنطقة، حسب اللواء القحطاني؛ تخدم مجلس التعاون الخليجي، دول الجامعة العربية، دول منظمة التعاون الإسلامي، وتشكل مظلّةً، كونها تشمل المستويات كافة: الردع النووي، الردع التقليدي، الردع المعنوي، والردع السيبراني. لذلك هي إستراتيجية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
يرى القحطاني أنّ السعودية هي في اتجاه يقول: نحن نفرض الأمن والاستقرار والتنمية بتحالفات ثنائية تحمي هذه التنمية، وتحمي هذا الاتجاه الذي تسعى إليه المملكة
لكن هل ستؤدي إلى تموضع إستراتيجي جديد؟ يتساءل اللواء، ويجيب: "لا أعتقد أنها إستراتيجية بقدر ما هي مواقف جديدة، خطط إستراتيجية جديدة. لا شك أنّ الاتفاقية غير مسبوقة وتصبّ في مصلحة المملكة وحلفائها وأشقائها في المنطقة".
برأيه، "السعودية تقود حالياً العمل العربي والإسلامي. والقوة العسكرية أو الردع العسكري/ الأمني مطلب لحماية المؤسسات، لحماية التقدم المدني، لحماية النهضة، ولحماية البناء والتنمية. هذا مهم جداً، والسعودية تدرك أنه لن يكون هناك بناء أو تنمية بشكل جيد في عموم المنطقة إذا كانت هناك تهديدات على الدوام.
ووفقاً لـ"رصانة"، فإنّ التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، ولا سيّما تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى" وضربات إسرائيل على قطر، دفعتا السعودية لتعزيز أمنها، بجانب تراجع الثقة بالضمانة الأمريكية، وغياب مشروع دفاعي عربي/ إسلامي مشترك، "فالاتفاق يُعدّ محاولةً لتأسيس نواة لهذا المشروع"، بالإضافة إلى إرساء توازن الردع وسلام القوة، عبر شراكة مع دولة نووية، تسعى السعودية لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.
يقول القحطاني: "الاتفاق ليس محوراً، هو تعاون إستراتيجي لبسط الأمن والاستقرار. ففي دول كبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية يتحدثون عن فرض السلام بالقوة. وأعتقد أنّ السعودية هي في اتجاه يقول: نحن نفرض الأمن والاستقرار والتنمية بتحالفات ثنائية تحمي هذه التنمية، وتحمي هذا الاتجاه الذي تسعى إليه المملكة".
ختاماً، يشير المجلس الأطلسي، إلى أنّ الاتفاقية تضع المملكة تحت مظلّة إسلام أباد الأمنية. وهذا مهم بشكل خاص بالنظر إلى مخاوف باكستان الخطيرة المتزايدة بشأن وجود علاقة إسرائيلية هندية في سياق الصراع المسلح بين إسلام أباد ونيودلهي، فضلاً عن تصوّر تركيا للتهديد الإسرائيلي المتزايد في سوريا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.