هل تخطط أذربيجان للدخول إلى المنطقة برعايتها التطبيع بين سوريا وإسرائيل؟

هل تخطط أذربيجان للدخول إلى المنطقة برعايتها التطبيع بين سوريا وإسرائيل؟

سياسة نحن والتنوّع

الخميس 7 أغسطس 202511 دقيقة للقراءة

بعد اجتماع باريس في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، اجتمع في العاصمة الأذربيجانية وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. أتى اللقاء استكمالاً لاجتماعات سرّية سابقة عقدها الجانبان في باكو، بعد انخراط الحكومة السورية الجديدة في علاقة متسارعة التطور مع أذربيجان، خلافاً لعلاقات الأخيرة المعقّدة مع نظام الأسد البائد.

ناقش الجانبان تفاصيل اتفاقية أمنية يأملان توقيعها، بجانب إمكانية فتح مكتب تنسيق إسرائيلي دون صفة دبلوماسية في دمشق، مع مناقشة التهديد الإيراني في سوريا ولبنان، وفقاً لـ"i24NEWS". وباختيار باكو لرعاية المفاوضات، تم توجيه رسالة إسرائيلية أمريكية إلى إيران. يشير موقع "آر تي إلى أنّ "اختيار أذربيجان يعكس خريطة التحالفات الإقليمية، نظراً إلى علاقة أذربيجان الجيّدة مع تركيا والسيئة مع إيران. ومع علاقة أنقرة الجيدة مع الحكومة السورية الجديدة، تدفع تركيا باتجاه عقد المفاوضات في باكو، نتيجة العداء القائم بين دمشق وطهران".

بدورها، تشير "مونت كارلو الدولية إلى عدّ أذربيجان "منصّةً سياسيةً مرنةً، ما مكّنها من لعب أدوار أساسية في ملفات إقليمية، حيث تجمع بين باكو وتل أبيب علاقات قوية، وعلى تواصل وتنسيق سياسي عاليين مع تركيا، ما خوّلها رعاية مفاوضات لخفض التوتر بين تركيا وإسرائيل في سوريا، بعد تصاعد حدة المنافسة بينهما إثر قصف إسرائيلي قرب مواقع انتشار تركية، في نيسان/ أبريل الماضي".

"التوترات القائمة مؤخراً بين أنقرة وتل أبيب، دفعت بالأولى لتفضيل إحالة هذه المهمة الحساسة إلى حليفها الوثيق أذربيجان. وهو خيار مدروس بدقة، نظراً إلى العلاقات القوية التي تربط باكو بكلّ من أنقرة وتل أبيب، ما يجعلها الطرف الأنسب لرعاية حوار دقيق بين خصمين بحجم سوريا وإسرائيل"، بحسب ما يقول أسمر لرصيف22

إدارة باكو لهذه المفاوضات تعود في الأصل إلى تركيا، التي تمتلك الحضور العسكري والسياسي الأبرز في الشمال السوري، حسب الصحافي والمحلل السياسي التركي، علي أسمر، ذلك أنّ "التوترات القائمة مؤخراً بين أنقرة وتل أبيب، دفعت بالأولى لتفضيل إحالة هذه المهمة الحساسة إلى حليفها الوثيق أذربيجان. وهو خيار مدروس بدقة، نظراً إلى العلاقات القوية التي تربط باكو بكلّ من أنقرة وتل أبيب، ما يجعلها الطرف الأنسب لرعاية حوار دقيق بين خصمين بحجم سوريا وإسرائيل".

"تركيا، ومن خلال هذه الوساطة غير المباشرة، تسعى إلى منع أي تصعيد ميداني قد يؤدي إلى احتكاك عسكري بينها وبين إسرائيل في الأراضي السورية"، يقول أسمر لرصيف22. ويضيف: "هو سيناريو يحمل مخاطر جسيمةً لا ترغب أنقرة أو واشنطن في تحمّل تبعاته، حيث إن وجود القوات التركية في شمال سوريا، بجانب استمرار الغارات الإسرائيلية في العمق السوري، يرفعان من احتمالية حدوث تصادم غير مقصود، قد تتطور تداعياته سريعاً إلى أزمة إقليمية واسعة".

على ذلك، يُطرح تساؤل حول أهداف باكو من رعاية المفاوضات السورية الإسرائيلية؟ ودورها المستقبلي مع أوراق نفوذها الإقليمية، وهي الزائر والفاعل الجديد في الشرق الأوسط؟

دبلوماسية الطاقة

مؤخراً، تم تدشين مشروع نقل الغاز الأذربيجاني إلى سوريا، تنفيذاً لاتفاق وقّعه الجانبان. ويمثّل المشروع فنّياً افتتاح ممرّ جديد للطاقة عبر الحليف التركي، لكنه من الناحية السياسية يعكس ثمار إستراتيجية أذربيجان الإقليمية المتسقة، ويشكّل خطوةً إلى ما هو أبعد من توسع السوق؛ إلى إعادة تشكيل خريطة تأثير باكو المستدام في جميع أنحاء الشرق الأوسط، من الناحية الجيواقتصادية، وفقاً لصحيفة "كاليبر" الأذربيجانية.

الغاز والكهرباء وممرات النقل والأطر الدبلوماسية، كلها عناصر مصفوفة واحدة، حسب الصحيفة. لذا، فإنّ "إطلاق إمدادات الغاز إلى سوريا ليس مجرد فتح طريق آخر. إنه يعكس قدرة باكو على تقييم المشهد الجيوسياسي بدقّة، واغتنام الفرص السياسية، والعمل بوتيرة تساعد في تشكيل الأجندة الإقليمية، ذلك أنّ دخول منطقة الشرق الأوسط في مشاريع ملموسة، بعيداً عن الشعارات، يُكسبها ميزةً تنافسية. وعلى ذلك، تتعامل أذربيجان مع هذه البيئة برباطة جأش ووضوح إستراتيجي. وتالياً، تُعدّ صادرات الغاز إلى سوريا امتداداً منطقياً لدبلوماسية الطاقة وسياستها الخارجية الأوسع".

بجانب ذلك، ترى شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية "SOCAR"، أنّ البنية التحتية لخطوط الأنابيب الإسرائيلية يمكن أن تتصل بتركيا عبر سوريا، حيث تستورد إسرائيل ما بين 40-60% من احتياجاتها النفطية من أذربيجان عبر خط أنابيب "باكو-تبليسي-جيهان"، الذي يتم نقله بعد ذلك بواسطة ناقلات إلى إسرائيل، ما يعكس طموحات أذربيجان، فيما يخدم الاندماج الإقليمي المتنامي في مجال النفط والغاز هذه الطموحات، حسب موقع "غلوبز"، ذلك أنّ تمكّن باكو من الوصول إلى ربط جميع البنى التحتية الإقليمية للغاز ببعضها بعضاً عبر سوريا في الوقت المناسب، سيفيد جميع الأطراف، وستستفيد أذربيجان أكثر. وعليه، وضعت أذربيجان نفسها كلاعب إقليمي رئيسي، عبر رعايتها محادثات التطبيع بين سوريا وإسرائيل. 

"لدى باكو رؤية إستراتيجية أوسع تهدف إلى تنويع الشراكات وتعزيز الحضور الدبلوماسي والاقتصادي خارج الفضاء القوقازي. ففي سوريا، تسعى إلى لعب دور في مرحلة إعادة الإعمار، مستفيدةً من خبراتها في البنية التحتية والطاقة. وفي لبنان، تركّز على الحضور الثقافي والإنساني، متجنبةً الاصطفاف الطائفي الحادّ" حسبما يرى بريجع في حديثه إلى رصيف22

وتكمن قوة أذربيجان في قدرتها على الجمع بين الاقتصاد والدبلوماسية والتكنولوجيا، حسب ديمتري بريجع، وهو باحث في مركز الدراسات العربية الأوراسية. برأيه، "باكو مورد الطاقة الأساسي لإسرائيل، وممر إستراتيجي لمشاريع ربط الطاقة بين آسيا وأوروبا، مع علاقات جيدة بتركيا، وارتباطات هادئة مع إيران، وشراكات متنامية مع الغرب، ولا سيّما في مجالات الطاقة والأمن السيبراني. وذلك كله يمنحها نفوذاً غير مباشر يُمكن ترجمته إلى دور وساطة في ملفات حساسة، كالصراع السوري-الإسرائيلي، ولا سيما إذا ارتبط الأمر بمشاريع إعادة الإعمار أو ضبط حدود النفوذ الإيراني في المشرق العربي".

يردف بريجع، خلال حديثه إلى رصيف22: "لدى باكو رؤية إستراتيجية أوسع تهدف إلى تنويع الشراكات وتعزيز الحضور الدبلوماسي والاقتصادي خارج الفضاء القوقازي. ففي سوريا، تسعى إلى لعب دور في مرحلة إعادة الإعمار، مستفيدةً من خبراتها في البنية التحتية والطاقة. وفي لبنان، تركّز على الحضور الثقافي والإنساني، متجنبةً الاصطفاف الطائفي الحادّ. فيما ترى في الأردن بوابةً إقليميةً ووسيطاً معتدلاً يُمكن التعاون معه في ملفات الأمن الإقليمي ومشاريع البنية التحتية، ولديها شراكة راسخة مع إسرائيل، حيث تُعدّ من أهم حلفاء تل أبيب في العالم الإسلامي".

في سياق متصل، وقّعت "SOCAR" اتفاقاً مع وزارة الطاقة الإسرائيلية في آذار/ مارس الماضي، حصلت بموجبه على أول رخصة للتنقيب عن الغاز خارج الحدود الأذربيجانية، وذلك في المياه الاقتصادية لإسرائيل. وقبلها، أعلنت الشركة عن استحواذها على نسبة 10% من حقل الغاز البحري الإسرائيلي "تمار"، ما يعزز بصمتها الإنتاجية خارج البلاد. 

"وأذربيجان، بفضل علاقاتها الجيدة مع أطراف متعددة في المنطقة، ترى إمكانية لعب دور الوسيط في صفقات الغاز الإقليمية المعقدة، إذ إنّ وجودها كشريك، قد يسهّل قبول تفاهمات يصعب تحقيقها دون طرف ثالث محايد، مثل مشروع خط الغاز بين إسرائيل وتركيا الذي تعثّر طويلاً بسبب انعدام الثقة. وهو دور يمنح أذربيجان نفوذاً دبلوماسياً أكبر في المنطقة، ويكسبها ثقة القوى الكبرى، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يدعمان تكامل أسواق الطاقة الإقليمية كجزء من إستراتيجية أمن الطاقة العالمية"، بحسب مركز "مسارات للدراسات الإستراتيجية".

إلى سوريا الجديدة 

بدعوة من الحكومة السورية الجديدة، وصل إلى دمشق مطلع أيار/ مايو الماضي، وفد أذربيجاني برئاسة نائب رئيس الوزراء، سمير شريفوف. خلال الزيارة، والتي جاءت بعد لقاء الرئيسَين السوري والأذربيجاني في منتدى أنطاليا الدبلوماسي في تركيا، ناقش الجانبان فرص التعاون في المجالات الرئيسية، بما في ذلك الاقتصاد والطاقة والثقافة والتعليم، بحسب مركز "ستيمسون"، الذي يشير إلى أنّ هذا التواصل الدبلوماسي المتنامي بين الجانبين حديثاً، يعكس إعادة تقويم سياسة باكو الخارجية والمشاركة البراغماتية مع الشرق الأوسط، بالإضافة إلى اغتنام فرصة انهيار حكومة الأسد التي مالت نحو منافسة باكو، أرمينيا.

وعليه، منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، أصبحت أذربيجان واحدةً من عدد قليل من الدول الإسلامية التي أقامت علاقات رسميةً مع السلطات الإسلامية الجديدة في دمشق، وأرسلت مساعدات إنسانيةً وقدّمت المساعدة في إعادة الإعمار بعد الحرب.

بالإضافة إلى ذلك، لعبت باكو دوراً إستراتيجياً في تسهيل الحوار التركي-الإسرائيلي حول سوريا، حسب رئيس نادي باكو للعلماء السياسيين، زاور محمدوف. وهذا "يعكس نفوذها المتزايد كوسيط بين الجهات الفاعلة الإقليمية". كما يسّرت واحتضنت اجتماعاً بين ممثلين عن أجهزة المخابرات الروسية والسورية في نيسان/ أبريل الماضي، بجانب احتضانها مفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي. 

تمتلك أذربيجان أوراقاً متصاعدةً في الإقليم، تجعل منها فاعلاً سياسياً ذا مصداقية، وقادرةً نظرياً على لعب دور في رعاية أو تسهيل مفاوضات سلام بين سوريا وإسرائيل، حسب بريجع، ولا سيّما في ظل التبدلات الجذرية التي يشهدها المشهد الإقليمي منذ عام 2024. فعلى الرغم من أنّ أذربيجان ليست من القوى الكبرى في المنطقة، إلا أنّ تموضعها الجيوسياسي الدقيق، وعلاقاتها المتوازنة مع أطراف متناقضة، منحاها مجالاً حيوياً تتحرك فيه بخفة، وبعيداً عن الاستقطابات التقليدية التي قيّدت أدوار لاعبين آخرين. 

يضيف بريجع: "لا تكمن أوراق النفوذ الأذربيجانية في الجغرافيا أو الطاقة فحسب، بل في نموذجها السياسي المختلف، مع نجاحها في إدارة توازنات دقيقة بين جوارها الإيراني وشراكتها مع إسرائيل، دون الانزلاق إلى محاور صدامية. كما أنّ انتصارها في حرب قره باغ الثانية (2020)، وصعودها الإقليمي الهادئ رسّخا صورتها كقوة صاعدة قادرة على فرض معادلات جديدة في محيطها". 

ويعكس تحرّك باكو الدبلوماسي نحو دمشق قراءةً إستراتيجيةً دقيقةً لمتغيرات الساحة السورية، فبحسب مركز "شاف" للدراسات المستقبلية، "في ظلّ تبدل موازين النفوذ داخل البلاد، وتراجع أدوار بعض الفاعلين الإقليميين التقليديين، وفي مقدمتهم إيران، رأت باكو أنّ اللحظة مواتية لتثبيت حضور سياسي وأمني مبكر، قبل إعادة توزيع النفوذ بين الفاعلين القدامى والجدد في مرحلة ما بعد الصراع. بجانب ذلك، يدرك صانع القرار الأذربيجاني أنّ مرحلة إعادة الإعمار في سوريا لا تمثّل مجرد فرصة اقتصادية، بل تُعدّ أداةً لإعادة رسم خريطة التحالفات والنفوذ، الأمر الذي دفع باكو إلى تنسيق تحركاتها مع المتغيرات الميدانية، مثل انسحاب الميليشيات المتحالفة مع إيران، وتزايد الاعتراف الدولي بالنظام الجديد في دمشق".

"ما يجري في باكو ليس محاولةً لعقد تسوية بين دمشق وتل أبيب فحسب، بل يعكس ترتيبات جيوسياسيةً أوسع، تسعى تركيا من خلالها إلى ضبط المسرح السوري وتحييد خطر المواجهة مع إسرائيل، بينما تبني أذربيجان لنفسها موقعاً جديداً في الخريطة السياسية للمنطقة"

على هذا الأساس، ترى أذربيجان في الوساطة بين سوريا وإسرائيل فرصةً لتعزيز حضورها الإقليمي، مستفيدةً من علاقاتها الإستراتيجية مع الطرفين، وساعيةً للعب دور بنّاء في مرحلة ما بعد الصراع السوري، حسب أسمر. كذلك، تسعى باكو إلى استثمار هذا الدور في فتح آفاق جديدة أمام مصالحها الاقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق بمشاريع الطاقة، وممرات العبور، والمشاركة في إعادة الإعمار.

من جانبها، تراقب الولايات المتحدة، هذه التطورات عن كثب، وترى في هذا المسار وسيلةً للحفاظ على الاستقرار في منطقة شرق المتوسط، ولضبط التوازن بين حلفائها دون الحاجة إلى تدخل مباشر. وعليه، تشكل أذربيجان خياراً مثالياً للعب دور الوسيط، دون إثارة حساسية الأطراف المعنية أو استفزاز جهات إقليمية أخرى. 

باختصار، ما يجري في باكو ليس محاولةً لعقد تسوية بين دمشق وتل أبيب فحسب، بل يعكس ترتيبات جيوسياسيةً أوسع، تسعى تركيا من خلالها إلى ضبط المسرح السوري وتحييد خطر المواجهة مع إسرائيل، بينما تبني أذربيجان لنفسها موقعاً جديداً في الخريطة السياسية للمنطقة، تحت أنظار أمريكية حريصة على استقرار الجبهة دون خسائر إستراتيجية، يختم أسمر.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image