إعدام آخر وتصعيد جديد… ملف التجسّس لصالح إسرائيل في إيران ما بعد حرب الـ12 يوماً

إعدام آخر وتصعيد جديد… ملف التجسّس لصالح إسرائيل في إيران ما بعد حرب الـ12 يوماً

سياسة نحن والحقوق الأساسية نحن والحرية

الجمعة 19 سبتمبر 20258 دقائق للقراءة

في صباح 17 أيلول/ سبتمبر 2025، أعلنت السلطات الإيرانية تنفيذ حكم الإعدام بحق بابك شهبازي، مقاول إيراني متخصص في تركيب أنظمة التبريد الصناعية، بتهمة التجسس لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي. وفقاً للتقارير الرسمية، كان شهبازي قد نقل معلومات حساسة عن منشآت عسكرية وأمنية، مستغلاً إمكانية الوصول إلى غرف الخوادم والمرافق الحيوية أثناء عمله. هذه القضية لم تكن حالة منفردة، بل تمثّل نقطة تحوّل في ملف الأمن الإيراني بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، حيث شهدت إيران تصعيداً واسعاً في حالات اعتقال وإعدام المشتبه في تورّطهم في التعاون مع تل أبيب.

سياق الحرب والتصعيد الأمني

في نيسان/ أبريل 2025، اندلعت حرب بين إيران وإسرائيل استمرت 12 يوماً، تخلّلتها عمليات عسكرية وبرامج اغتيالات استخباراتية استهدفت بشكل رئيسي مراكز إستراتيجية وعسكرية في إيران. أدت الحرب إلى مقتل أكثر من 1100 شخص بينهم عسكريون وكثير من المدنيين أيضاً، إضافة إلى أضرار واسعة في المنشآت الاقتصادية والعسكرية والمدنية. في ظل هذه الأوضاع المتوترة، بدأت أجهزة الأمن الإيرانية حملة مكثفة ضد ما وصفتها بـ"شبكات التجسس الإسرائيلية" التي ساعدت في تسهيل هجمات الموساد والجيش الإسرائيلي.

في إيران ما بعد الحرب، لم يعد التجسس يُعامل كجريمة فردية، بل كإعلان صريح للعداء، يُقابل بأقسى أدوات الردع؛ بدءاً من المحاكمات السريعة وصولاً إلى الإعدامات الصامتة

حيث كشفت إيران لاحقاً عن اعتقال المئات من الأشخاص بتهم التجسّس، وتزامن ذلك مع تنفيذ العديد من أحكام الإعدام بحق متهمين بـ"التعاون مع إسرائيل"، في خطوة اعتبرها مراقبون للشأن الإيراني محاولة لإظهار قوة النظام وردع أي نشاطات معادية داخل البلاد.

 من هو بابك شهبازي؟

كان بابك شهبازي، وفقاً لوكالة أنباء القضاء الإيراني، مقاولاً في مجال أنظمة التبريد الصناعية، عمل لسنوات في عدة منشآت حسّاسة تابعة للجيش والقطاعات الأمنية. الأمر الذي ساعده، وفق ما ذكرته السلطات، في نقل معلومات سرية إلى الموساد عبر معاملات مالية مشبوهة باستخدام العملات الرقمية، والتي وفّرت له طريقة آمنة لتلقي الأموال مقابل المعلومات. صدر الحكم بالإعدام في حقه، بعد محاكمة وصفتها جهات حقوقية بأنها "سريعة وغير شفافة"، وهو ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية.

تصاعد سلسلة الإعدامات في إيران

لم يكن إعدام شهبازي حالة معزولة، إذ تتابعت عمليات الإعدام بحق كثير من المشتبه بهم في قضايا مماثلة خلال الأشهر الأخيرة. ففي نيسان/ أبريل 2025، نُفذ حكم الإعدام بحق مهندس أمن شبكات يُدعى محسن لنكَر نِشين، المتهم بتسريب معلومات ساهمت في اغتيال العقيد صياد خُدائي في طهران عام 2022. وفي أيار/ مايو 2025، أُعدم بِدرام مدني، الذي اتُهم بالتواصل مع عناصر الموساد ونقل معلومات عن البنية التحتية الحيوية.

وبعد ذلك، أُعدم، في حزيران/ يونيو 2025، ستة سجناء سياسيين متهمين بالتجسس دون أي إعلان رسمي، حيث لم تُسلَّم جثامينهم لعائلاتهم، ما دفع منظمات حقوق الإنسان للحديث عن "إعدامات صامتة" تفتقر إلى الشفافية وتثير القلق بشأن حقوق المحتجزين.


أسباب تشديد إجراءات الأمن الداخلي

ويرى محللون أن تصاعد وتيرة الاعتقالات والإعدامات جاء كرد فعل متوّقع من السلطات الإيرانية على موجة الاغتيالات التي شهدتها إيران خلال السنوات الأخيرة وبوتيرة أكبر خلال حرب الـ12 يوماً. فقد كانت هناك عمليات اغتيال استهدفت كبار العلماء النوويين والعسكريين البارزين، وكذلك اغتيال العقيد صياد خدائي في 2022، والتي عزتها السلطات الإيرانية لتسريبات معلومات داخلية.

وبالإضافة إلى ذلك، يتزايد القلق الإيراني من وجود خلايا تجسّس نشطة داخل البلاد، خصوصاً في ظل استخدام التكنولوجيا الحديثة التي سمحت للموساد بالتسلّل عبر شبكة علاقات معقدة تضم مدنيين ومهندسين وحتى موظفين في مؤسسات الدولة.

الأوضاع السياسية الداخلية المتوترة لعبت دوراً إضافياً في هذا التشديد، إذ يرى النظام أن استهداف الجواسيس يشكّل أيضاً أداة لتعزيز قبضته الأمنية والقضاء على المعارضين أو المنافسين السياسيين المحتملين تحت ذريعة الأمن القومي.

التشريعات الجديدة

رداً على التهديدات المتزايدة، أقر البرلمان الإيراني، في حزيران/ يونيو 2025، مشروع قانون يهدف إلى تشديد العقوبات على المتهمين بالتجسّس، خاصة في قضايا التعاون مع الدول المعادية مثل إسرائيل والولايات المتحدة. ينص القانون الجديد على تصنيف التجسّس ضمن جرائم "الإفساد في الأرض"، وهي تهمة بالغة الخطورة تُجيز فرض عقوبة الإعدام دون الحاجة لإثبات وجود أفعال قتل أو عنف.

كما يسرع القانون من إجراءات المحاكمات ويقلّل من فرص الاستئناف، مما أثار مخاوف حقوقية من أن القانون قد يُستغل لقمع المعارضين السياسيين واحتجازهم بتهم ملفقة.

انتقادات حقوقية ودولية

منظمات حقوق الإنسان، مثل "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، انتقدت بشدة هذه الإجراءات، محذرةً من أن المحاكمات التي تجريها السلطات الإيرانية غالباً ما تفتقر للمعايير الدولية للعدالة، خصوصاً في ما يتعلق بضمانات المحاكمة العادلة ومنع التعذيب.

وأكدت هذه المنظمات أن العديد من الاعترافات التي تستند إليها الأحكام قد انتُزعت تحت الضغط النفسي والتعذيب، وهو ما ينفي مصداقية تلك الأحكام. كما نددت بعدم تسليم جثامين بعض الإعدامات لعائلات المتهمين، الأمر الذي يخالف الأعراف والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق السجناء.

على المستوى الدولي، أعربت دول غربية وعدد من المنظمات الإقليمية عن قلقها إزاء تصاعد وتيرة الإعدامات، داعية إيران إلى احترام حقوق الإنسان وفتح المجال أمام رقابة قضائية مستقلة.

 أبعاد الأمن القومي والسياسة الداخلية

يرتبط ملف التجسّس هذا بتعقيدات الأمن القومي الإيراني، حيث يشكّل تهديداً حقيقياً بحسب الرواية الرسمية، ويُستغل أيضاً كأداة سياسية داخلية. فالنظام الإيراني يستخدم الملف الأمني لتبرير إجراءات قمعية ضد خصومه السياسيين، وهو ما الانتقاد الرئيسي الذي يوجّهه المعارضون والمنظمات الحقوقية.

التوتّرات الإقليمية المستمرة بين إيران وإسرائيل تضع النظام تحت ضغط دائم للحفاظ على أمنه الداخلي، مما يجعل ملف التجسّس والتعامل مع المتهمين فيه حساساً للغاية، خاصة مع توظيف هذه الملفات لإثبات حالة الاستنفار الأمني وتعزيز الخطاب القومي.


 مواجهة مستمرة وجديدة

تُظهر سلسلة الاعتقالات والإعدامات التي بدأت مع إعدام بابك شهبازي أن إيران تخوض حرباً من نوع مختلف على جبهات متعدّدة، حيث لا تقتصر المواجهة مع إسرائيل على ساحة المعركة الميدانية فقط، بل تمتد إلى الداخل الإيراني من خلال قمع من تعتبرهم "خونة وجواسيس".

ومع مواصلة النظام تنفيذ أحكام الإعدام، يبقى الملف مفتوحاً مع احتمال استمرار حملة الأمن الداخلي في الأيام المقبلة، خاصة مع استمرار حالة التوتر الإقليمي وعدم استقرار العلاقات بين طهران وتل أبيب.

 تساؤلات مفتوحة

يبقى السؤال قائماً حول مدى صحة الاتهامات التي توجّهها السلطات الإيرانية، خصوصاً في ظل نقص الشفافية والشكوك المحيطة بسير المحاكمات، إضافة إلى إمكانية استغلال هذه القضايا في تحقيق مكاسب سياسية داخلية.

ما بين أمن الدولة وحقوق الإنسان، يبدو أن إيران اختارت الطريق الأقسى، حيث تُطوى ملفات "المتهمين بالتجسّس" بسرية تامة، وتُطوى معها أسئلة العدالة والشفافية

كما يطرح الملف الأمني الإيراني تحديات كبرى على المجتمع الدولي الذي يطالب بالحقوق والحريات الأساسية، بينما تواجه إيران ضغوطاً أمنية وسياسية تدفعها إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا في سبيل حماية أمنها القومي.

التجسس في إسرائيل لصالح إيران

بالتزامن، وفي الآونة الأخيرة، شهدت إسرائيل عدة اعتقالات بتهم التجسس لصالح إيران، مما يعكس التوتّر المتزايد بين البلدين في مجال الاستخبارات. في كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) عن اعتقال المواطن الإسرائيلي يسرائيل أمويل، البالغ من العمر 23 عاماً، بتهمة تنفيذ مهام لصالح النظام الإيراني والتخطيط لعمليات إرهابية داخل إسرائيل. ووفقاً للبيان، تم اعتقاله بعد أن تبين أنه على اتصال بعناصر استخباراتية إيرانية، وأنه كان يتلقى توجيهات لتنفيذ مهام أمنية داخل إسرائيل مقابل الحصول على أموال.

تُظهر هذه الحادثة أن إيران تسعى إلى استغلال خلايا نائمة أو عملاء محليين لتنفيذ عمليات استخباراتية داخل إسرائيل، مما يثير تساؤلات حول مدى تعقيد الشبكات الاستخباراتية بين البلدين.

تأتي هذه التطورات في سياق تصاعد التوترات الإقليمية، حيث تتبادل إيران وإسرائيل الاتهامات بالتجسس والقيام بعمليات استخباراتية معادية. وتُظهر هذه الاعتقالات أن الصراع بين البلدين لا يقتصر على الجبهات العسكرية، بل يمتد أيضاً إلى ميادين الاستخبارات والأمن الداخلي، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني في المنطقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

من 12 سنة لهلّق، ما سايرنا ولا سلطة، ولا سوق، ولا تراند.

نحنا منحازين… للناس، للحقيقة، وللتغيير.

وبظلّ كل الحاصل من حولنا، ما فينا نكمّل بلا شراكة واعية.


Website by WhiteBeard
Popup Image