يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق المعلومات، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصّص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحّدة، ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
لم يهدأ سيل المعلومات المضلّلة على منصّات التواصل الاجتماعي على مدار الأسبوع المنقضي، حيث كثرت الادّعاءات والأخبار الملفّقة في كل مناسبة سياسية أو حدث مهم محلياً أو إقليمياً أو عالمياً لتجد لها مكاناً بين مستخدميها العرب. فمن الشائعات حول صحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى ادعاء كاذب عن نجاة زوجة المتحدث باسم كتائب القسّام أبو عبيدة، وأبنائه، راجت محاولات التضليل لتأجيج النقاش العام وإثارة البلبلة، ففنّدتها منصّات التحقّق العربية لتعيد القارئ إلى الحقيقة بعيداً عن الضجيج الرقمي.
هل أُصيب ترامب بسرطان الكبد؟
على فيسبوك وإكس، راج خبر مفاده أنّ البيت الأبيض أعلن عن إصابة الرئيس ترامب بسرطان الكبد وتدهور حالته الصحية. دقّقت منصتا "صحيح مصر" و"متصدقش" في الخبر، وتوصّلتا إلى أنه مفبرك حيث لم يصدر أي بيان للبيت الأبيض أو أي جهة رسمية أمريكية أخرى في هذا الشأن، كما لم تنشر أيّ وسيلة إعلامية موثوقة خبراً مماثلاً. ترامب نفسه ردّ ساخراً خلال لقائه بالصحافيين، قائلاً إنه كان "نشطاً للغاية" خلال عطلة عيد العمال.

الادعاءات غير الصحيحة حول صحة ترامب ليست جديدةً إذ سبق أن أثارت صور تُظهر كدمات على يده اليمنى وتورّماً في ساقه جدلاً، لكن البيت الأبيض أوضح أنها ناجمة عن قصور وريدي مزمن وحالات بسيطة مرتبطة بتقدّم الرئيس الأمريكي في العمر.
هل صرّح قيادي حمساوي بنجاة أبناء "أبو عبيدة" من محاولة اغتياله؟
في مقابل ادعاء إسرائيل اغتيال "أبو عبيدة"، والأنباء حول مقتل زوجته وأبنائه معه في الاستهداف، انتشر بيان منسوب إلى عضو المكتب السياسي في حركة "حماس"، عزت الرشق، يزعم نفيه خبر اغتيال زوجة "أبو عبيدة" وأبنائه. لكن منصّة "تيقن" أوضحت أنّ البيان قديم ونُشر عام 2023، وأُعيد تدويره حديثاً، في حين أن الحركة لم تُصدر أي تصريح رسمي يؤكد أو ينفي المزاعم حول اغتيال "أبو عبيدة" وأسرته.
لم ينفِ القيادي الحمساوي عزت الرشق، أنباء مقتل زوجة "أبو عبيدة" وأبنائه في محاولة اغتياله، ولم يرفع الجيش المصري علم فلسطين في تدريباته… كيف فنّدت منصّات تدقيق المعلومات العربية هذه الادعاءات؟
في سياق متصل بالشأن الفلسطيني، راجت صور يُزعم أنها لأسطول "الصمود" المتجّه إلى غزة لكسر الحصار الإسرائيلي، لكن تبيّن أنها مزيّفة ومولّدة بالذكاء الاصطناعي. المرصد الفلسطيني "تحقق"، أثبت ذلك عبر البحث العكسي، مبرزاً تكرارات رقميةً واضحةً في القوارب والأعلام. يُذكر أنّ الأسطول انطلق بالفعل أواخر آب/ أغسطس 2025، لكن الصورة المتداولة لا تعكس أيّ مشهد صحيح له.
وضمن حملة إسرائيلية للتشكيك في معاناة الفلسطينيين الرازحين تحت الإبادة والتجويع الممنهجَين في غزة، نُشر فيديو لطفلة من خلفها دخان حريق أو انفجار على ما يبدو، وأمامها أوانٍ فارغة، مع ادعاء بأنه يعكس "تمثيل" معاناة "غير حقيقية" في القطاع. مرصد "تحقق" كشف أنّ الفيديو ليس من غزة، بل من عمل فنّي صُوِّر في السعودية ونشره صانع محتوى سعودي على إنستغرام نهاية تموز/ يوليو 2025.
هل شكّلت قسد مجلساً عسكرياً في حلب؟
على الصعيد السوري، راج ادعاء مفاده إعلان قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تشكيل ما أُطلق عليه "مجلس حلب العسكري". منصّة "ترو بلاتفورم" راجعت الحسابات الرسمية لقسد، وأجرت بحثاً عبر غوغل، وتأكّدت أنّ الخبر ملفق تماماً ولا أساس له.
وفي سياق آخر متصل بالشأن السوري، نُسب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، بنيامين نتنياهو، تصريح عبر صحيفة "هآرتس"، قال فيه إنّ "الأكراد والدروز والعلويين خطّ أحمر"، وإنّ "الجولان أرض إسرائيلية". لكن "ترو بلاتفورم" أثبتت أنّ التصريحات ملفقة، ومصدرها حساب وهمي باسم الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين.
كذلك، تداولت حسابات على فيسبوك وإكس مقطع فيديو لمجموعة نساء منقّبات يهتفن: "ليش الخوف… جولاني خائن مكشوف"، مع مزاعم بأنّ المقطع يوثّق مظاهرةً حديثةً ضد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ"الجولاني". لكن منصّة "فارق" السورية أجرت بحثاً عكسياً، وتبيّن لها أنّ الفيديو قديم ويعود إلى ما قبل إسقاط نظام بشار الأسد. وأُعيد تدوير المقطع لإيهام المتابعين بأنه يوثّق احتجاجاً جديداً ضد الشرع، وهو في الحقيقة جزء من مشاهد سابقة.
هل سنّ الزواج في المذهب الجعفري 15 عاماً؟
في بغداد، نُسب إلى المحامية سجى العامري، تصريح ورد فيه أنّ سنّ الزواج في المذهب الجعفري هي 15 عاماً. منصّة "صحيح العراق" أوضحت أنّ الادعاء مضلّل؛ فـ"المدوّنة الجعفرية" لم تحدّد سنّاً للزواج، بل اعتمدت معيار "العاقل البالغ".

راج أيضاً خبر يزعم أنّ وزارة التربية العراقية حظرت دخول دمية "لابوبو" إلى المدارس. لكن تحقّق "صحيح العراق" من الخبر، كشف أنّ القرار صدر من مدرسة أردنية فقط، في حين لم تُصدر الوزارة العراقية أي تعليمات في هذا الشأن. واكتسبت دمية "لابوبو"، وهي شخصية وحش غريب الأطوار، شهرةً واسعة النطاق على المستوى العالمي والعربي مؤخراً، وأصبحت حديث وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة حملة ترويج هائلة ساهم فيها كبار مشاهير السوشال ميديا.
في سياق عراقي آخر لكن منفصل، تداولت صفحات تصريحاً منسوباً إلى ائتلاف نوري المالكي، يزعم أنّ مقتدى الصدر تراجع عن مقاطعة الانتخابات وطلب الانضمام إلى "الإطار التنسيقي". منصّة "الفاحص" فنّدت هذا الادعاء، وأوضحت أنه زائف ومفبّرك باستخدام قوالب خبرية لقناة الحدث، في حين لم يصدر عن أي مصدر موثوق.
هل رفع الجيش المصري علم فلسطين في تدريباته؟ وهل تحدّد "المدوّنة الجعفرية" سنّ الزواج بـ15 عاماً؟وهل صرّح نتنياهو بأنّ "الأكراد والدروز والعلويين خط أحمر"… هكذا فنّدت منصّات التحقّق العربية هذه الادعاءات المضللة التي راجت هذا الأسبوع
هل رفع الجيش المصري علم فلسطين في تدريباته؟
إلى ذلك، انتشرت صورة على فيسبوك تُظهر دبابات وطائرات عسكريةً ترفع علماً بألوان العلم الفلسطيني، الأسود والأبيض والأخضر، لكن يتوسطها مثلث أحمر في داخله نجمة بيضاء، مع تعليق يزعم أنّ الجيش المصري يرفع "علم الصامدين"، في إشارة إلى فلسطين، خلال مناورات "النجم الساطع" 2025.
لكن "صحيح مصر" أوضحت أنّ الادعاء مضلّل؛ فالصورة قديمة تعود إلى تدريبات "النجم الساطع" عام 2021، وتُظهر في الحقيقة مشاركة الجيش الأردني، حيث كشف البحث العكسي أنّ العلم المرفوع هو علم الأردن لا العلم الفلسطيني.
هل طار مظلّيون بعلمَي اليمن وفلسطين في أوروبا؟
في اليمن، زعم مستخدمون أنّ فيديو لمظلّيَين يحملان علمَي فلسطين واليمن صُوّر في دول أوروبية. لكن منصّة "صدق" أوضحت أنّ الفيديو التُقط في سيناء في مصر، حيث رفع المظلّيون العلمَين تضامناً مع الفلسطينيين.
كما انتشرت في اليمن صورة قيل إنها توثّق هجوماً في البحر الأحمر، لكن منصّة "حقيقة" اليمنية، كشفت أنّ الصورة قديمة وتعود إلى حادث انفجار منصّة النفط "ديب ووتر هورايزون" في خليج المكسيك عام 2010.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.