في السنوات الأخيرة، تصدّر الخلع قائمة دعاوى الطلاق في مصر، حاصداً النسبة الكبرى من أحكام الانفصال. ورغم أنه أُقرّ في الأساس ليمنح النساء حق إنهاء زيجات يتضرّرن منها، إلا أنهن يدفعن ثمناً باهظاً للحصول على حريتهن، فالزوجة التي تختار الخلع ملزمة قانوناً بالتنازل عن جميع حقوقها المادية، من نفقات العدة والمتعة ومؤخر الصداق؛ ذلك شرط أساسي لإنهاء الزواج.
وذلك على نقيض الطلاق للضرر أو صور الطلاق الأخرى، التي تتيح لهن هذه المستحقات، لكنها تقيّدهن سنوات في أروقة المحاكم، خلال محاولة إثبات الضرر، مع احتمالية رفض الدعوى في نهاية المطاف. في المحصلة، تجد كثيرات من المصريات أنفسهن أمام خيارين أحلاهما مُرّ: خلع سريع بلا حقوق، أو نزاع قضائي قد يمتد لسنوات، في مواجهة تحديات اقتصادية قاسية.
بعد الخلع... عاملة منزلية
لم تجد إيمان محمد (45 عاماً)، طريقاً لإنهاء زواجها المأزوم سوى باللجوء إلى الخلع بعد رفض دعوى الطلاق للضرر التي رفعتها ضد زوجها، واستمرت عاماً كاملاً في المحاكم، رغم وجود محضر ضرب ضد الزوج بعدما اعتدى عليها حتى نزف رأسها وفقدت وعيها أثناء شجار بينهما.
رغم أن قانون الخلع أُقرّ ليكون منقذاً للنساء في مصر من علاقات مسيئة، إلا أن شهادات كثيرة تكشف وجهاً آخر يتمثّل في التبعات الاقتصادية القاسية بعد التنازل عن حقوقهن، ما يستدعي إعادة النظر
لم يكتف الزوج بذلك بل "بلّغ أسرتي بأنه طلّقني، وطلب منها القدوم لإخراجي من منزل الزوجية، وحين وصل أهلي أنكر الطلاق، وأعلن أمام الجيران أنه 'ردّني'، ليهرب من الحقوق المالية المترتبة على الطلاق، قائلاً: 'ملكيش حاجة عندي، روحي اخلعيني'"، حسبما تقول لرصيف22.
رغم محضر الضرب، وشهادات الجيران على تعنيفها، وامتناع زوجها عن الإنفاق عليها وعلى ابنهما الوحيد، على حد قولها، وغيرها من الأسباب التي ساقتها لطلب "الطلاق للضرر"، خسرت إيمان الدعوى حيث أخبرها القاضي: "هذه مشاجرات عادية تحدث بين الأزواج".
وبعد محاولات أخرى غير ناجحة للطلاق "ودياً"، لم يبق أمام إيمان سوى طلب الخلع رغم إدراكها تبعاته القاسية، "قانون ظالم بس مكانش عندي حل"، تقول مردفةً بأنها تنازلت عن كل حقوقها المالية ما عدا نفقة الطفل إذ حُكم لها بدايةً بـ300 جنيهاً (نحو ستة دولارات وفق سعر الصرف الآن) شهرياً.
كما اضطرت إلى التنازل عن دعوى التمكين من مسكن الزوجية، التي رفعتها بصفتها حاضنة لطفل لم يتجاوز عاماً ونصف العام آنذاك، لصدور حكم بالتمكين المشترك أي الإقامة مع طليقها. فالحكم لم يكن ضمانة للاستقرار، بل تحوّل إلى أداة ضغط ضدها، إذ استغله الزوج وأسرته لمزيد من المضايقات. تقول إيمان: "انسحبت، حتى لو القانون يكفل لي الحق في السكن كحاضنة".
لتتمكن من إعالة نفسها وطفلها اضطرت للعمل في وظائف متواضعة وغير ثابتة: "طبخ، وتنظيف بيوت، بائعة في المحلات، وحتى عاملة في المستشفيات… عشان أسند نفسي".
الشقة ليست من حق الزوجة
في قانون الأحوال الشخصية، تتمتّع المرأة المصرية بالحق في السكن في منزل الزوجية في حالتين: إذا كانت العلاقة الزوجية قائمة، وإذا كانت حاضنة. بل وينتهي هذا الحق في الحالة الثانية ببلوغ الأبناء السن الإلزامية للحضانة، وهو ما أكدت عليه المحكمة الدستورية في نيسان/ أبريل 2025، وذلك وفق نص المادة (18 مكرراً ثالثاً)، من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985.
وبحسب المادة 20 من القانون نفسه، ينتهي حق حضانة الزوجة ببلوغ الصغير 10 سنوات والصغيرة 12 سنة، ليعود المطلّق إلى مسكن الزوجية. ويجوز للقاضي إبقاء الحضانة في يد الأم حتى سن الرشد أو زواج الفتاة دون أجر حضانة.
وسلطت هيومن رايتس ووتش الضوء على هذه القضية في تقرير معنون: "بمعزل عن العدالة… حرمان المرأة من المساواة في الطلاق في مصر"، مؤكدةً أن حقوق المسكن والحضانة في مهب الريح ضمن العواقب التمييزية للطلاق في القانون المصري. وناقش التقرير أزمة السكن بعد الطلاق، مشيراً إلى أن مسكن الزوجية يظل ملكاً للزوج في حالتَي الزواج والطلاق، وسواءً كانت المرأة حاضنة أم لا، ما يعرّض المرأة إلى خطر الطرد.
إذاً، حالة إيمان ليست فردية. وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2023، تخطت أحكام الخلع في مصر أكثر من 80% من بين أحكام الطلاق النهائية ليس فقط لعام 2023 بل أيضاً خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الخلع بين الشريعة والالتزامات الدولية
شُرّع القانون رقم 1 لسنة 2000 الخاص بتيسير إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، والمعروف شعبياً وإعلامياً بـ"قانون الخُلع" بحسب دراسة تحليلية أجراها مركز قضايا المرأة المصرية بعنوان "الآثار الاجتماعية للخلع… مقارنة بين الخلع والتطليق".
توضح الدراسة أنه بالعودة إلى قانون الأحوال الشخصية رقم 100 لسنة 1985 وما ارتبطت به من قوانين خاصة بالنفقة والولاية على المال، فقد واجه صعوبات كبيرة في تطبيقه، بسبب كثرة الدعاوى وتكدّسها أمام المحاكم، إلى جانب طول درجات التقاضي، فضلاً عن أساليب التحايل، والبلاغات الكيدية التي تُطيل أمد النزاع القضائي دون الوصول إلى حل نهائي. كل هذا يجعل النساء الطرف الأكثر تضرراً، بحكم ما يتمتع به الرجل من حقوق قانونية أوسع.
من هنا جاء التفكير في صياغة قانون جديد يمنح المرأة، مثل الرجل، الحقَّ في إنهاء العلاقة الزوجية عند استحالة العشرة. فكان الهدف من قانون الخُلع تيسير إجراءات التقاضي وتسريع حسم النزاعات الزوجية، في إطار من المساواة وحقوق الإنسان، مع التأكيد على أن استمرار الحياة الزوجية ينبغي أن يكون قائماً على الرضا لا الكراهية أو القسر، بحسب مركز قضايا المرأة المصرية.
وتنص المادة 20 من القانون رقم 1 لسنة 2000 على: "للزوجين أن يتراضيا في ما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه".
لكن القانون واجه انتقاداً واسعاً أثناء مناقشته في مجلس الشعب، وانقسمت الآراء بين مؤيدين ومعارضين، فاعتبر البعض أنه سيضر بالنساء الفقيرات، فيما سيفيد الميسورات منهن فقط، ورأى المعارضون أنه لا بد من موافقة الزوج على الخلع، قائلين إن نص المادة يجبر القاضي على الأخذ بالخلع دون الطعن عليه.
واحتجت التيارات الإسلامية عليه بحجة أنه سيهدم البيوت ويشرّد الأبناء. مع ذلك، أقر البرلمان المادة في نهاية المطاف بما يقر التطليق بالخلع دون الطعن عليه. حتى بعد تشريع الخلع، استمر معارضوه بالمطالبة بالتضييق على النساء اللاتي يلجأن إليه، فطالبوا بإسقاط الحضانة عن الأم التي تخلع زوجها، بل وإلغاء الحق في مسكن الزوجية منها على اعتبار أن هذه حقوق مترتبة على الطلاق.
وكان حاسماً في تمرير هذا القانون ارتباطه بظروف سياسية ودولية، تتعلّق بالتزامات مصر تجاه اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) 1979، وتنفيذ منهاج عمل بيجين 1995، اللذين ينصّان على مناهضة كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة وضمان تحقيق المساواة بين الجنسين، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة. وداخلياً، جاء تمرير القانون استجابة لضغوط الحركات النسوية، وضمن مشروع أوسع لـ"تمكين المرأة" دعمته السيدة الأولى آنذاك سوزان مبارك، حتى أنه عُرف إعلامياً باسم "قانون السيدة الأولى".
دعاوى الخلع بين عاميّ (2001-2002)
في بداية صدوره، لم يكن هناك إقبال على الخلع، ربما بسبب الاعتراضات عليه التي خلّفت ما يشبه الوصمة أو الشعور بـ"العيب"، وربما أيضاً بسبب عدم الوعي بالقانون وما تترتب عليه من تبعات، وحتى انصراف محامين عن رفع دعاويه.
وتكشف دراسة أجراها "مركز قضايا المرأة المصرية" التي ترصد عدد دعاوى الخلع خلال الفترة بين (آذار/ مارس 2001 - آذار/ مارس 2002) عدد طلبات الخلع المُقدمة في بداية تشريعه، في ست محافظات مصرية.
وانتهت الدراسة إلى أنه لم تصدر أية أحكام في دعاوى الخلع التي رُفعت في قنا وعددها 205 دعوى، بينما فصلت محكمة سوهاج في 5 من أصل 186 دعوى. وفي الفيوم، صدر حكمان من 131 دعوى. أما في الإسكندرية، فوردت أحكام بالخلع في 28 من بين 907 دعوى. وفي الجيزة، صدر 73 حكماً من بين 1199 دعوى خلع، بينما كانت القاهرة الأعلى من حيث عدد الدعاوى وعدد الأحكام، بـ112 من أصل 2695 قضية خلع.
"اخلعيني مش هدفع صاغ"
لكن طفرةً كبيرة حدثت في النظرة إلى الخلع والإقبال عليه بمرور السنوات. حتى الأزواج، بعدما كانوا يتخوّفون من صفة "مخلوع"، ويشعرون أنه يُلحق بهم "العار"، باتوا يدفعون النساء إلى اللجوء إليه لتفادي الحقوق والتبعات القانونية والمادية المترتبة للنساء على الطلاق.
تحوّل كبير طرأ على النظرة إلى الخلع والإقبال عليه في مصر حديثاً حتى أن بعض الأزواج أصبحوا يدفعون زوجاتهم دفعاً إلى الخلع لعدم تحمّل الواجبات القانونية والمادية المترتبة للمرأة عند الطلاق
"اخلعيني مش هدفع صاغ"؛ بهذه الكلمات واجه زوج فريدة محمد (54 عاماً)، وهو اسم مستعار، بناءً على طلب المصدر، قرارَ انفصالها بعد ثلاث سنوات من الزواج، للتهرّب من حقوقها. كما جرّدها وابنتيهما من متعلقاتهن الشخصية، تاركاً إياهن بلا ثياب أو أثاث، حسب قولها لرصيف22: "خرجنا بالملابس اللي علينا"، عائدةً إلى منزل أسرتها لفترة مؤقّتة لحين تدبير سكن جديد.
ظلت فريدة عالقة في المحاكم نحو أربعة أعوام بدعوى الطلاق للضرر، التي دفعتها بأسباب السب والاهانة والضرب المستمر، وامتناعه عن الإنفاق حتى في ولادتها "لم يدفع نفقات ولادتي، ولا طعامنا، ولا علاجنا… والدتي كانت تنفق علينا (تقصد هي وابنتَيها)" توضح، مشيرةً إلى أن علاقاته النسائية المتعدّدة كانت من بين أسباب طلب الطلاق.
لم تحصل فريدة على الطلاق، لأن زوجها الذي يعمل في الشؤون القانونية استغل معرفته بالقانون، واستعان بـ"شهود زور"، وادّعى أمام القاضي أنه ينفق على أسرته، وأنه يجيد معاملة زوجته، بل واتهمها في المقابل بـ"سوء السمعة"، وطالبها بـ"ردّ المهر"، مدعياً "أنه دفع مهراً كبيراً وهذا لم يحدث"، تستدرك.
"المحامي اقترح أن أرفع دعوى طلاق للضرر ثانية كي لا أخسر حقوقي، لكنني قلت لن أنتظر كل هذا الوقت مجدداً"، تضيف فريدة، لافتةً إلى أنها واجهت تعسّفاً "حين طلبت نقل محل عملي، قالوا لي لا بدّ من موافقة زوجك. كنت بحاجة إلى نقل عملي والاستقرار، كما كنت أحتاج إلى الراتب بسرعة لأنني كنت أنفق على طفلتين… لا أفهم ما علاقة عملي بحياتي الشخصية".
لم تتمكّن فريدة من شراء شقتها الجديدة بمفردها، فساعدتها والدتها ببيع ما تملك من ذهب لتأمين مقدم شقة، ثم بدأت تدريجياً في شراء الأثاث والأجهزة الكهربائية، أيضاً بمساعدة أشقائها، وسط ضعف إمكاناتها المادية وتحمّلها كامل نفقات ابنتَيها، من راتبها المحدود كمعلِّمة.
بالعودة إلى دراسة مركز قضايا المرأة المصرية، عادةً ما تضطر النساء إلى رفع دعاوى الخلع بسبب عدم إنفاق الزوج على البيت، والاعتداء على الزوجة بالضرب، وتناول المخدرات وإدمانها، والعلاقات النسائية المتعددة، وإجبار الزوجة على المساهمة في النفقات الأسرية، وغياب الزوج عن المنزل معظم الوقت.
قانون يوقع النساء في دائرة الفقر؟
كذلك، أشار المركز في دراسته المنشورة عام 2005، إلى أن المرأة تعاني من الغرم الواقع عليها نتيجة الخلع، بينما يتخلّص الرجل في المقابل من التزاماته المالية من صداق ونفقة، وربما تعويض من الزوجة تدفعه مقابل الخلاص من علاقة مسيئة. لكن تنازل المرأة عن كامل حقوقها المادية يعرضها بصورة أكبر إلى الاحتياج، كما يوقعها في دائرة الفقر.
أما تقرير هيومن رايتس ووتش، فيعتبر أن الخلع رغم أنه منح النساء حق التطليق بسهولة أكبر، إلا أنه لم يوازن عملية الطلاق بالحقوق العادلة للنساء إذ أظهرت المقابلات الشخصية التي أجرتها المنظمة الحقوقية أن شرط تنازل الزوجة عن أي حقوق اقتصادية، أو إعالة آمنة لها في المستقبل خاصةً بالنساء للنساء المعيلات لأطفال، يضعهن أمام تحديات اقتصادية وأعباء مالية كبيرة.
وبوجه عام، تتجاهل منظومة الأحوال الشخصية في مصر حتى اليوم قضايا أساسية مثل اقتسام الثروة بين الزوجين أو ضمان مسكن ملائم للمرأة المطلقة خارج نطاق الحضانة التي نصّت عليها المادة (16) من اتفاقية سيداو، رغم مصادقة مصر عليها.
"غير مُلبٍّ لاحتياجات الطرفين"
بحسب المحامية الحقوقية المتخصّصة في قضايا الأحوال الشخصية، دينا خليل، فإن قوانين الأحوال الشخصية في مصر لم تُعدّل منذ عام 1985، وهو ما يجعلها، برأيها، غير ملائمة للعصر الحالي، خصوصاً المواد المتعلقة بإثبات الضرر في دعاوى الطلاق.
وتضيف لرصيف22: "القانون يطلب على الأقل اثنين شهود على واقعة العنف ضد الزوجة"، مؤكدة أن المحاضر التي تحرّرها الزوجة ضد عنف الزوج لا تكون كافية لإثبات الضرر، كما أن الوضع لا يقتصر على العنف بل يشمل دعاوى الطلاق، بسبب الهجر أو الامتناع عن الإنفاق، حيث يُطلب من الزوجة إثبات تخلّي الزوج عنها، ما يؤدّى إلى عزوف كبير عن دعاوى الطلاق التقليدية.
وترى خليل أن هذه الثغرات دفعت مزيداً من النساء إلى اللجوء للخلع في الآونة الأخيرة كحلّ أسرع، بسبب "تقاعس العدالة"، إذ تصبح النساء عاجزات عن إثبات الضرر الواقع عليهن. في المُقابل الخلع "يكون حكماً نهائياً بمجرد أن تتنازل الزوجة عن كافة حقوقها قانونياً تحصل عليه" على عكس الطلاق للضرر يجوز للزوج الاستئناف عليه.
لكن المحامية المصرية تشير في الوقت نفسه إلى أن أحكام الخلع ما تزال غير مُلبّية لاحتياجات الطرفين، "فالرجل يرى أن الزوجة بعد الخلع تحصل على المنقولات أو حق الإقامة في مسكن الزوجية إذا كانت حاضنة ويأمل أن يسقط هذين الحقين أيضاً، فيما المرأة تخسر كافة حقوقها المالية وتأمل هي الأخرى ألا يترتب على الخلع خسارة حقوقها المالية".
وترى خليل أيضاً أن التعديل الضروري الذي من شأنه أن يحد من نسب الخلع، ويمنح النساء حقوقهن يكمن في تحديث أدوات إثبات الضرر دون الاعتماد على الشهود فقط، فهي تنصح: "ينبغي ألّا أحصر الموضوع في اثنين من الشهود"، بل يمكن الاستعانة بأدلة أخرى مثل "الصور والمحادثات، والفويس نوتس، كل هذه الوسائل ما تزال القوانين لا تعترف بها".
مخاوف من خفض النفقة
مشكلة قائمة المنقولات هي ما دفعت زوج داليا محمد (39 عاماً)، وهو اسم مستعار، نزولاً عند رغبة المصدر أيضاً، إلى إنكار الطلاق رغم وقوعه أكثر من مرة وثبوته بالأدلة عبر محادثة واتساب. تقول لرصيف22: "أنشأ غروب على واتساب مرتين، وأضاف أهلي إليه. مرةً، اتهمني بسوء الخلق، وفي الثانية، كتب لهم: ابنتكم طالقة بالثلاثة. غير أنه كان قد سبق ذلك بطلاق لفظي، لكنه أنكره، قائلاً: 'أنا رديتك'".
حرّرت داليا محضراً بعد الاعتداء العنيف عليها بالضرب، لكن زوجها حُكم "بالحبس شهراً، وغرامة 200 جنيهاً (نحو 4 دولارات)، لكنه استأنف ضد الحكم".
أمام هذه الممارسات، لم تُكمل داليا إجراءات الطلاق للضرر، وفضّلت الخلع كخيار أسرع لـ"تنجو بحياتها"، و"خشية المُضايقات التي أتعرّض لها، بعد أن تعرّضت إلى ضربٍ عنيف وخيانة زوجية، ثم زواجِهِ من أخرى دون علمي".
تقول داليا إنها تدرك جيداً مدى خسارتها بعد قرار الخلع، مبرزةً أنها أيضاً في هذه الدعوى تتحمّل تكاليف المحاماة. لكنه كان السبيل الوحيد لنجاتها من العنف الذي مارسه عليها على حد قولها إذ تؤكد أنه "كان يتوعّدني بالقول: "سوف أربيكي"، لو قلت رأياً عكس رأيه، ويضربني بـ'البوكسات' على وجهي".
تنبّه داليا أيضاً إلى أن طليقها عرّضها أيضاً للضغط النفسي المستمر، ما دفعها لتناول عقاقير للاكتئاب، خلال فترة خيانته لها، على حد قولها. ولم يتوقّف الضرر بعد الانفصال، إذ تهرّب الطليق من دفع إيجار مسكن الزوجية لها وبناتهما الثلاث، رغم اتفاق سابق وفق "عقد ودي" يقضي بأن يدفع 5000 جنيه (نحو 100 دولار) شهرياً، بينما الإيجار وحده كان 3500 جنيه (نحو 70 دولاراً).
تتساءل داليا: "كيف أنفق على بناتي 1500 (نحو 30 دولاراً) طوال الشهر؟"، موضحةً أن هذا اضطرها إلى إرسال الطفلات للعيش مع والدهن ليتحمّل نفقاتهن. لكنها فوجئت بأنه "حرمني منهم وحرضّهم ضدّي، فوجدت نفسي بعد زواج دام 13 عاماً خسرتُ كلّ شيء، حتّى بناتي".
تحاول داليا الآن أن تستعيد بناتها عبر المحكمة حيث رفعت دعوى حضانة، وفي انتظار الحكم. لكنها لا تعلم كيف قد تتغلّب على التحديات المادية؛ "أنا أعمل لكن أفكّر لو استعدت بناتي، هل أستطيع دفع الإيجار وتحمّل المسؤولية كاملة؟ ولو رفعت دعوى نفقة بعد ضمهن، هل يحكم لي القاضي بـ5000 كما في السابق أو سيقل المبلغ".
الخلع غير عادل للنساء
بدورها، تؤكد رئيسة مؤسسة قضايا المرأة المصرية، عزة سليمان، في حديثها لرصيف22، النساء تلجأ إلى الخلع لأنه الخيار الأسرع، مقارنةً بدعاوى الطلاق الأخرى حيث أن "دعاوى الطلاق تستمر على الأقل سنتين إذا نجحت الزوجة في إثبات الضرر"، مشيرةً بذلك إلى أن "منظومة العدالة في مصر مش في صالح الستات".
وفق المحامية عزة سليمان "لا ينبغي أن أصلح الخلع بمفرده"، بل ينبغي تعديل قوانين الأحوال الشخصية عبر "فكرة الملف الواحد"، بحيث يُنظر إلى جميع الدعاوى المتعلقة بالأسرة (من حضانة ونفقة وطلاق) ضمن ملف واحد أمام المحكمة، بدلاً من تشتيت النساء بين الدوائر القضائية
ورغم أن الخلع، والحديث ما يزال لسليمان، يظلّ غير عادل للنساء، إلا أنه يظل مخرجاً لهن من زيجات غير صحيّة، وبه يتخلّصن من ظلم قوانين الأحوال الشخصية.
وتلفت سليمان إلى أنه "لا ينبغي أن أصلح الخلع بمفرده"، وإلى أن مؤسسة قضايا المرأة التي ترأسها قدّمت طرحاً للبرلمان المصري تبنّته النائبة نشوى الديب، يهدف إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية، من خلال "فكرة الملف الواحد"، بحيث يُنظر إلى جميع الدعاوى المتعلقة بالأسرة (من حضانة ونفقة وطلاق) ضمن ملف واحد أمام المحكمة بدلاً من تشتيت النساء بين الدوائر القضائية.
وتوضح المحامية المصرية أن المقترح يسعى إلى تأسيس فكرة المسؤولية المشتركة بين الزوجين نحو الأطفال، بحيث لا يُعامل الزوج "كبنك والمرأة كوعاء، أو أن تتحمّل وحدها مسؤولية الأطفال إذا كان الأب غير راغب في الإنفاق".
المقترح أيضاً يحث على أن يكون التطليق بيد المحكمة إذا رغبت المرأة في ذلك دون الانتقاص من حقوقها المالية. وتدعو سليمان إلى ضرورة تغيير النظرة التشريعية للمرأة بأن تصيح "مثل الرجل تماماً، فتُطلب موافقتها على الزواج، ولا تكن لموافقتها وزن في الطلاق"، حتى بعد تعرّضها إلى الهجر أو عدم الإنفاق أو أشكال الضرر الأخرى.
وتدعو سليمان إلى تعاون الدولة من خلال استخدام أدواتها، فبدلاً من حبس الزوج/الطليق في الدين المدني كالنفقة، يمكن حرمانه من خدمات معينة إذا تهرّب من النفقة، من خلال الميكنة مثل "قطع الكهرباء، أو عدم تجديد رخصة القيادة"، لإشعارِه بالمسؤولية.
كما تطالب سليمان، في الطرح المقدّم، بتعزيز دور الأب وعائلته في حياة الأطفال من خلال أن "يبيت الطفل لدى الأب وذويه، وأن يتعرّف عليه كما الأم الحاضنة". وترى أنه من حق الأم الاحتفاظ بحضانة الطفل وفق معايير نفسية واجتماعية ترعى مصالح الطفل.
رغم أن قانون الخلع أُقرّ ليكون منقذاً للنساء في مصر من علاقات مسيئة، إلا أن شهادات كثيرة تكشف وجهاً آخر يتمثّل في التبعات الاقتصادية القاسية بعد التنازل عن حقوقهن، وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر إلى القانون ليصبح أكثر عدالة وأماناً لهن.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.