لماذا لم يكن

لماذا لم يكن "وقف إطلاق النار" في السويداء حلاً؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 19 أغسطس 20257 دقائق للقراءة

خوفاً من حدوث تصعيد إقليمي أوسع نطاقاً، تدخّلت الولايات المتحدة لاحتواء الأزمة التي بدأت في محافظة السويداء جنوب سوريا يوم 13 تموز/ يوليو 2025، بدعم من الجهات الإقليمية الفاعلة بما في ذلك تركيا والأردن.

أعلن الرئيس المؤقت أحمد الشرع عن وقف إطلاق النار، يوم 17 تموز/ يوليو الماضي، ودخل حيز التنفيذ اعتباراً من يوم 21. وفي حين أن الاتفاق أوقف القتال بين القوات الحكومية والفصائل الدرزية، إلا أنه فشل في وقف العنف في المحافظة.

فوقف القتال خطوة مرحب بها، ولكنها لا ترقى إلى مستوى "الحل". وما لم تتم معالجة أسباب الصراع العميقة بشكل مجدٍ – بما في ذلك التهميش السياسي والتنازع على السلطة – فإن توقف القتال المؤقت قد لا يكون أكثر من مجرد هدنة قصيرة قبل عودة الانفجار مجدداً لا سيّما في ظل التقارير عن استمرار العنف.

ولا تزال تداعيات أحداث العنف في السويداء تؤجّج التوترات في جميع أنحاء البلاد. وقد استغل الخطاب التحريضي المعادي للدروز الضربات الإسرائيلية لتصوير الدروز على أنهم متعاونون مع إسرائيل أو انفصاليون، ما عزّز الروايات الطائفية وأجّج الدعوات إلى "العقاب الجماعي".

العودة إلى الترتيبات السابقة لأحداث العنف في السويداء ليست عودة إلى الهدوء، بل هي عودة إلى أزمة مستفحلة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. ولا يمكن معالجة المظالم الكامنة ووقف العنف ووضع سوريا على طريق التعافي الوطني إلا من خلال عملية انتقال سياسي تعددية وشاملة حقاً

نتيجةً لذلك، كانت الزيادة المقلقة في التحريض ضد الأقلية الدرزية، بما في ذلك الدعوات إلى مقاطعة الشركات المملوكة للدروز وطرد الطلاب الدروز من الجامعات. وفي الوقت نفسه، أصبح العديد من الدروز - لا سيّما أولئك المنحازين للزعيم الروحي حكمت الهجري - لا يثقون بالدولة ومؤسساتها بشكل متزايد، ما أدّى إلى تآكل شرعية الحكومة الانتقالية هناك.

وما كان في السابق توتراً طائفياً كامناً أصبح علنياً ومتفجّراً، يغذيه تصاعد خطاب الكراهية. وقد كشف القتال عن الصدع العميق حول الرؤى المتنافسة لسوريا والروايات والتصوّرات المختلفة ليس فقط بين الحكومة والقوى السياسية الأخرى، بل أيضاً بين قطاعات واسعة من السكان. وفي حين أن مثل هذه الاختلافات أمر متوقع، إلا أن غياب الآليات الكفيلة بالحديث عنها ومعالجتها – مع التعقيدات الإضافية للتدخّلات الإقليمية – يجعل الوضع قابلاً للانفجار.

مجرد العودة إلى الوضع السابق ليس فقط غير كافٍ - بل هو أمر خطير. لقد غيّرت الأحداث الأخيرة المشهد السياسي والاجتماعي في سوريا بشكل عميق، مخلّفةً جروحاً عميقة وبيئة سامة. وفي هذا السياق، فإن العودة إلى الترتيبات السابقة ليست عودة إلى الهدوء، بل هي عودة إلى أزمة مستفحلة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. ولا يمكن معالجة المظالم الكامنة ووقف العنف ووضع سوريا على طريق التعافي الوطني إلا من خلال عملية انتقال سياسي تعددية وشاملة حقاً.

خارطة الطريق إلى السلام

النزاع في السويداء ليس مجرد مسألة أمنية أو نزاع محلي بل انعكاس للتصدّعات الأعمق التي تعاني منها سوريا منذ فترة طويلة، بما فيها التنازع على السلطة، والإقصاء السياسي، والتوترات التاريخية بين الطوائف، وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة، والاستقطاب الطائفي المتزايد.

ولكسر هذه الدائرة، يجب على الحكومة الانتقالية أن تتبنى خطة عمل شاملة قائمة على الحقوق لمعالجة المشكلات العاجلة وإرساء الأساس للمصالحة الوطنية والاستقرار الدائم. وتحدد التوصيات التالية الخطوات الرئيسية على المديين القصير والمتوسط للتحرك في هذا الاتجاه:

إنفاذ وقف إطلاق النار وحماية المدنيين

إنشاء لجنة ذات مصداقية تضم ممثلين عن جميع الأطراف لمراقبة وقف إطلاق النار، بمشاركة جهات خارجية مقبولة من الجميع. وينبغي أن تشرف هذه اللجنة على تنفيذ وقف إطلاق النار، والتحقيق في الانتهاكات، وضمان الاستجابة السريعة لحماية المدنيين. وبالتزامن مع ذلك، ينبغي اعتماد بروتوكولات واضحة لمنع الأعمال الانتقامية وضمان المساءلة عن أي تجدد للعنف.

  1. التحقيق في الانتهاكات وضمان المساءلة

إطلاق تحقيق مستقل ومحايد في جميع الانتهاكات التي ارتكبت خلال الاشتباكات الأخيرة، بغض النظر عن مرتكبيها. ينبغي دعوة منظمات حقوق الإنسان الدولية والوطنية لمراقبة ودعم هذه الجهود. وضع حد للإفلات من العقاب من خلال محاكمات علنية وعادلة وإجراءات قضائية شفافة تظهر ابتعاداً ملموساً عن الأنماط السابقة من الخروج على القانون والإفلات من العقاب.

التصدي لخطاب الكراهية والتحريض الطائفي

التصدّي بسرعة لتصاعد الخطاب الطائفي والتحريض الطائفي الذي رافق الاقتتال. يجب على المسؤولين الحكوميين وقادة المجتمع المدني إدانة خطاب الكراهية والدعوات إلى الانتقام. كما يجب أن يخضع الأفراد الذين ينشرون التحريض للمساءلة القانونية، ويجب توفير حماية المجتمعات المستهدفة المعرضة للخطر. يجب أن تعزز التوجيهات العامة أن العنف الطائفي لا مكان له في سوريا الجديدة.

تيسير وصول المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية

ضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى جميع المناطق المتضررة. التعاون مع وكالات الأمم المتحدة والجهات الفاعلة في المجال الإنساني لإيصال الإمدادات الحيوية، بما في ذلك الغذاء والمساعدات الطبية والوقود والمياه. استعادة الخدمات العامة الأساسية وإطلاق برامج الإغاثة الطارئة لتسهيل العودة الآمنة للنازحين.

النزاع في السويداء ليس مجرد مسألة أمنية أو نزاع محلي بل انعكاس للتصدّعات الأعمق التي تعاني منها سوريا منذ فترة طويلة، بما فيها التنازع على السلطة، والإقصاء السياسي، والتوترات التاريخية بين الطوائف، وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة، والاستقطاب الطائفي المتزايد

إصلاح قطاع الأمن

إعادة هيكلة البنية الأمنية في سوريا لإعادة بناء الثقة بين جميع المجتمعات المحلية. إعادة تدريب قوات الأمن لدعم حقوق الإنسان ومنع الممارسات التمييزية أو التعسفية. نشر وحدات منضبطة جيداً في المناطق الحساسة، وإنشاء آليات واضحة تتيح تتبع الأفراد أو الوحدات التي قد تتورط في سوء السلوك والتحقيق معهم ومحاسبتهم.

النهوض بالمصالحة وتعزيز التماسك الاجتماعي

إنشاء لجنة مصالحة وطنية مستقلة وذات ثقل لتحل محل اللجنة غير الفعالة المكونة من ثلاثة أعضاء والتي شكلت في آذار/ مارس 2025 للحفاظ على السلم الأهلي حيث تفتقر الهيئة الحالية إلى الموارد والسلطة والخبرة اللازمة للاضطلاع بمثل هذه المهمة الضخمة.

إطلاق حوار وطني للنهوض بالمرحلة الانتقالية

إطلاق حوار وطني شامل وشفاف يعكس بشكل فعلي التنوع الكامل لسوريا: العرقي والديني والجغرافي والسياسي. يجب أن توفر هذه العملية التي يقودها السوريون مساحة لمناقشة القضايا الوطنية الأساسية مثل اللامركزية والتمثيل السياسي والعدالة الانتقالية ودور مؤسسات الدولة وقوات الأمن. ويجب أن يتمخض الحوار عن نتائج ملموسة، بما في ذلك الإصلاحات الدستورية والمؤسسية، والمساواة في الحقوق لجميع المواطنين، وضمانات عدم التمييز. ومن خلال هذه العملية الشاملة فقط يمكن لسوريا صياغة تسوية سياسية دائمة وشاملة وتجنب المزيد من التشرذم.

*أعدّ الدكتور حايد حايد، هذه المقال التحليلي، وهو زميل رئيسي غير مقيم في مبادرة الإصلاح العربي، ويمكن الاطّلاع على النص الكامل عبر مبادرة الإصلاح العربي (ARI).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

وراء كل تحقيق، قصة بحث طويلة، وفريق يراهن على الدقة، لا السرعة.

نحن لا نبيع محتوى... نحن نحكي الواقع بمسؤولية.

ولأنّ الجودة والاستقلال مكلفان، فإنّ الشراكة تعني البقاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image