في صمت الدول العربية والإسلامية عن تجويع غزة... لماذا مصر هي المتّهمة الوحيدة؟

في صمت الدول العربية والإسلامية عن تجويع غزة... لماذا مصر هي المتّهمة الوحيدة؟

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 4 أغسطس 202518 دقيقة للقراءة

"وأخيراً، العالم العربي والإسلامي فهم أنّ مصر هي التي تخنق غزّة، ولا تفتح معبر رفح... الحمد لله"؛ بهذه الكلمات احتفى الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين، بحملات التشويه والانتقادات التي طالت مصر خلال الأسابيع الأخيرة دون سواها في محيطها العربي والإسلامي، بادّعاء تواطئها في تجويع الفلسطينيين في غزة، عبر إغلاق معبر رفح الحدودي ومنع دخول المساعدات لسكان القطاع، برغم تأكيدات القاهرة والأمم المتحدة مراراً وتكراراً أنّ المعبر مغلق من الجانب الفلسطيني حيث يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي.

الاتهامات التي فتحت الباب لنظريات مؤامرة، وجعلت مصريين كثراً يقولون إنّ هناك مخططات لإحراج بلدهم وإخراجه من المشهد وإضعاف موقفه في الوساطة من أجل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، كان لافتاً تزامنها مع صمت عربي وإسلامي واسعين تجاه التجويع الممنهج لأهل غزّة، حتى بات السكّان يتساقطون واحداً تلو الآخر من شدّة الجوع والهزال والجفاف.

وبحسب بيانات وزارة الصحة في قطاع غزة، فإن عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية في القطاع بلغ 180 شخصاً، بينهم 93 طفلاً، حتى 4 آب/ أغسطس الجاري. وأخيراً، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأنّ تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يؤكد أنّ غزة "على شفا المجاعة"، حيث يتجه القطاع بسرعة نحو "أسوأ سيناريو ممكن للمجاعة".

بحسب مسلماني، "هناك مشاعر معقدة لدى الفلسطينيين تجاه مصر، بين الامتنان والتذمّر… فمنهم من يدافعون عن مصر لأنهم يرون أنّ مصر برغم ظروفها الصعبة، تظل رئة غزة الوحيدة وبوابتها إلى العالم"، مشيراً إلى وجود حالة إحباط تجاه أداء النظام المصري تحديداً، على نحوٍ خاص لأنّ مصر دورها تاريخي في خدمة القضية الفلسطينية ونصرتها

صمت عربي وإسلامي

منذ بداية الحرب على غزة، كرّرت إسرائيل خنق القطاع عبر منع دخول المساعدات الإنسانية وقصف مصادر المياه وتعطيلها، وغيرها من الممارسات التي تندرج ضمن مخطط إبادة أهل غزة وإجبارهم على النزوح والتهجير القسريين. لكن اللافت في الأسابيع الأخيرة، كان غياب أيّ موقف رسمي من الدول العربية أو الإسلامية لإدانة الممارسات الإسرائيلية على المستوى الرسمي، ولو عبر بيانات شجب وإدانة أو دعوات إلى وقف هذه الممارسات وفضحها.

اقتصر الأمر على بيان واحد من مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، في 22 تموز/ يوليو الماضي، يُدين قيام إسرائيل بتحويل قطاع غزة إلى "منطقة مجاعة" واستخدام سياسة التجويع "كسلاح حرب".

الجامعة العربية أكدت أيضاً في بيانها أهمية "فرض إدخال قوافل مساعدات إغاثية إنسانية عربية وإسلامية ودولية، ودخول المنظمات الدولية إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)"، داعيةً المجتمع الدولي ولا سيّما الولايات المتحدة إلى "الضغط على إسرائيل، قوة الاحتلال غير القانوني، من أجل فتح المعابر كافة وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية فوراً" إلى غزة.

الصمت العربي المُطبق فتح باب للحديث عمّا إذا كانت هناك إملاءات عُليا مثلاً للحكومات، أو تهديدات بإفشال سير مفاوضات الهدنة على غرار ما أوضحه بيان الأزهر الذي جاء بعد سحب بيانه المتعلق بإدانة إسرائيل واستنكار ممارستها التجويع في حق الفلسطينيين. فلماذا تصمت الدول العربية والإسلامية عن مجرّد إدانة المجاعة في غزة؟ ولماذا يقتصر الهجوم الشعبي على مصر في هذا الصدد؟

صمت مُخزٍ

يصف الخبير المتخصّص في الشؤون الإسرائيلية، إسماعيل مسلماني، حالة الصمت العربي والإسلامي بـ"المُخزية" التي تعبّر عن "عجز سياسي وتآكل أخلاقي"، موضحاً في حديثه إلى رصيف22، أنّ غالبية الدول العربية والإسلامية "اختارت الاكتفاء بالتصريحات الباهتة أو ببيانات بروتوكولية، مع إسناد القضية الفلسطينية إلى المنظمات الإغاثية فقط، دون موقف سياسي ضاغط".

"الصمت ليس مجرد تقصير، بل هو نتيجة تحوّل في أولويات الأنظمة التي بات كثير منها يرى في التطبيع مع إسرائيل وسيلةً لتحقيق الاستقرار الداخلي، ولو على حساب الدم الفلسطيني"، يُضيف الخبير المقيم في القدس المحتلة.

"الصمت ليس مجرد تقصير، بل هو نتيجة تحوّل في أولويات الأنظمة التي بات كثير منها يرى في التطبيع مع إسرائيل وسيلةً لتحقيق الاستقرار الداخلي".

يتفق مع ذلك السياسي الفلسطيني والخبير في الشؤون الإسرائيلية، نهاد أبو غوش، عادّاً أنّ المواقف العربية والإسلامية تجاه ما يحدث في غزة تتراوح بين العجز والشلل، وأحياناً تبدو بعض المواقف أقرب إلى التواطؤ منها إلى الضعف، مؤكداً أنّ هذا الوصف ينطبق على الدول والحكومات كما على القوى الشعبية من أحزاب ونقابات وأطر المجتمع المدني المختلفة.

"هذه الحالة ليست وليدة هذه المرحلة أو مجرد تباين بشأن هذه الحرب بعينها، بل الأمر يمثّل نتيجةً تراكميةً لعقود وسنوات طويلة من الأزمات والخيبات وفشل الدول العربية في مجالات التنمية والحريات والحقوق والديمقراطية، حتى وصلت بعض الدول إلى مرتبة 'الدولة الفاشلة'، إلا أنّ كل ذلك لا يعفي النخب والمثقفين والقوى الحيّة والطليعية من مسؤولية التقصير تجاه المجازر في غزة، والتي حرّكت المجتمعات الأوروبية والأمريكية (الشمالية واللاتينية)، ولم تحرّك الشارع العربي"، يضيف أبو غوش، لرصيف22.

تبعية عربية لواشنطن

على النقيض، يرى مساعد وزير خارجية فلسطين الأسبق، السفير ممدوح جبر، أنّ غالبية الدول والمنظمات العربية والإسلامية شرعت على مدار شهور طويلة في إدانة جرائم إسرائيل في غزّة واستخدامها الجوع كسلاح. لكنه يوضح، عبر رصيف22، أنّ نقطة الضعف الأساسية تتمثّل في تبعية غالبية الأنظمة العربية للولايات المتحدة الأمريكية، مستخلصاً من ذلك أنها "لا تستطيع الخروج عن إملاءات واشنطن والدعم العسكري الذي تحصل عليه منها، بالإضافة إلى اتفاقيات أبراهام، وما كان لها من امتناع الدول المُوقعة عليها عن إدانة أو مهاجمة إسرائيل"، عادّاً أن مصر والأردن لا تزالان تقودان المعركة الدبلوماسية جنباً إلى جنب مع السعودية.

ويقارن جبر، بين تحرّك الشعوب في دول غربية عدة لدعم القضية الفلسطينية عبر احتجاجات ومظاهرات وصلت إلى مليون شخص في لندن، وأثر ذلك في دفع اثنتين من القوى العظمى (فرنسا وبريطانيا)، إلى إعلان اعتزامهما الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبين الصمت العربي، مفصّلاً: "غالبية الأنظمة العربية تخشى انتفاضة الشارع لذلك تفرض قيوداً ضد المظاهرات تحت مسمّى 'تهديد الأمن القومي'".

مع ذلك، يستطرد الدبلوماسي الفلسطيني بأنّ بعض الأطراف تحاول استغلال تلك المظاهرات بالفعل ضد الأنظمة في بعض الدول، ضارباً الأردن مثالاً على ذلك ومحاولة جماعة الإخوان المسلمين تأجيج الشارع عبر مظاهرات نُصرة غزة. وعلى حد قوله، "الشارع العربي يعيش حالةً من اليأس وعجز التأثير اليوم، حيث يفتقر إلى الديمقراطية ويرتبط بالأنظمة الحاكمة، المُنهمكة بشكل رئيسي في أزمات الداخل، خاصةً ما يتعلق بالأزمات الاقتصادية".

وفي الأيام الأخيرة، أعلنت قوى غربية كبرى على غرار بريطانيا وفرنسا وكندا، اعتزامها الاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية، على هامش اجتماع الأمم المتحدة المقرر في أيلول/ سبتمبر المقبل، في خطوة وإن كانت رمزيةً، إلا أنها تُعيد إحياء مسار حلّ الدولتين الذي كان يعيش "موتاً سريرياً".

"حماس" تهاجم القاهرة

وفي حين سيطرت حالة "الصمت" على المستويين العربي والإسلامي حيال صرخات الجوع القادمة من غزة، بالتزامن مع عدم حدوث تقدّم يُذكر في مفاوضات الهدنة بين "حماس" وإسرائيل، كان لافتاً الصدام الذي وقع بين الحركة الفلسطينية والقاهرة، إذ دعا رئيس "حماس" في غزّة، المُقيم في الدوحة، خليل الحيّة، في خطاب مصوّر ومفاجئ، إلى "الزحف نحو فلسطين برّاً وبحراً وحصار السفارات" لكسر الحصار المفروض على القطاع وإدخال المساعدات، مخاطباً المصريين على وجه التحديد بقوله: "يا أهل مصر وقادتها، كيف تسمحون بموت إخوانكم على حدودكم؟"، وهو الخطاب الذي فُهم بأنه تحريض مباشر للشعب المصري على قيادته.

الأمر لم يتوقّف عند خطاب الحيّة. ففيما سمحت تل أبيب بدخول عدد محدود من شحنات المساعدات القادمة من مصر عبر معبر كرم أبو سالم، لتبييض صورتها في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة لجرائمها في غزة، أصدرت "لجنة الطوارئ المركزية" في القطاع، بياناً صحافياً، انتقدت فيه بشدّة التصريحات الرسمية المصرية عن دخول مساعدات إنسانية وحدوث إخلاءات طبية، واصفةً تلك البيانات بأنها "لا تمتّ إلى الواقع بصلة"، وهدفها "تجميل صورة تقصير فادح ومؤلم في تلبية الحد الأدنى من احتياجات القطاع".

اللجنة المحسوبة على "حماس"، أكدت أنّ ما يُعلن عنه بشأن دخول مئات الشاحنات عبر معبر رفح يومياً "غير صحيح"، ولا يتطابق مع ما ترصده الجهات المحلية ميدانياً، واصفةً خدمات الإخلاء الطبي بأنها "ضئيلة جداً" وتتم بآليات معقدة أشبه بـ"المهانة الجماعية"، لتطالب السلطات المصرية بالفتح الفوري وغير المشروط لمعبر رفح أمام المساعدات والمواد الأساسية، وإلغاء التنسيق المعقّد الذي يعيق دخول الإسعافات والمستلزمات الطبية، مع تحمّل "مسؤولية عربية قومية حقيقية بدلاً من الاكتفاء بالبيانات الإعلامية".

الانتقادات الحمساوية المفاجئة والعلنية للقاهرة التي تلعب دوراً أساسياً منذ بداية الحرب على غزة، سواء على مستوى توفير وإدخال المساعدات أو على مستوى جهود الوساطة لوقف الحرب ولا سيّما في ظل تأكيدها المستمر على رفض مقترحات أمريكا وإسرائيل تهجير الفلسطينيين، أثارت علامات استفهام وتساؤلات بشأن توقيت هذا الهجوم والغرض منه.

ما السرّ وراء انتقادات "حماس"؟

ينتقد السفير ممدوح جبر، هجوم "حماس" على مصر، واصفاً خطاب الحيّة بأنه "غير مسؤول ويزيد عزلة الحركة"، خاصةً أنه هاجم مصر والأردن بشكل مُتعمد، ولم يهاجم أمريكا وإسرائيل بكلمة واحدة. كما يلفت إلى أنّ تصريحات رئيس الحركة جاءت متناقضةً إذ سبق أن أشاد بالدور المصري ورفض القاهرة مخطط تهجير الفلسطينيين، في كانون الثاني/ يناير 2025، واليوم يهاجم الدولة الأكثر تأثيراً وبذلاً للجهد في ملف المساعدات والوسيط الأساسي في مفاوضات الهدنة، مبرراً ذلك بأنّه "محاولة للالتفاف على حالة الغضب الشعبي تجاه ممثلي الحركة داخل غزة وخارجها"، مع اشتداد المجاعة في القطاع وتفاقم أوضاع الغزّيين سوءاً.

من جهته، لا يرى إسماعيل مسلماني، أدلةً واضحةً على أنّ حماس تقود حملةً مباشرةً ضد مصر. ومع ذلك، يؤكد أنّ "حماس" تشعر بأنّ مصر تُعطي أولويةً لعلاقتها مع إسرائيل على حساب الضغط لوقف التجويع الممنهج للغزّيين. لذلك، يعتقد أن الحركة "ربما تسمح ضمنياً بخطاب إعلامي ناقد، لكنها ليست بصدد مواجهة مع مصر، خاصةً أنها تدرك أنها لا تملك بديلاً جغرافياً أو سياسياً لمعبر رفح، وهو ما اتضح جلياً في خطاب الحيّة الأخير ومطالبه من مصر".

يضيف مسلماني: "هناك مشاعر معقدة لدى الفلسطينيين تجاه مصر، بين الامتنان والتذمّر، بين الواقعية والغضب، فمنهم من يدافعون عن مصر لأنهم يرون أنها برغم ظروفها الصعبة، تظل رئة غزة الوحيدة وبوابتها إلى العالم، وآخرون يهاجمونها لأنها -حسب رأيهم- تبالغ في القيود على معبر رفح، وتُشدّد إجراءات إدخال المساعدات، أو تُنسّق أمنياً مع إسرائيل"، مشيراً إلى وجود حالة إحباط تجاه أداء النظام المصري تحديداً، على نحو خاص لأنّ مصر دورها تاريخي في خدمة القضية الفلسطينية ونصرتها.

لا يستبعد الدبلوماسي الفلسطيني ممدوح جبر، أن تكون الحملات الأخيرة ضد مصر "تستهدف، بشكل أساسي، سحب الملف الفلسطيني من القاهرة للذهاب به نحو قطر فقط"

بدوره، يطالب أبو غوش، كلاً من خليل الحيّة وحركة "حماس" بتوضيح الخطاب الأخير الذي فُهم كلومٍ لمصر والأردن ودعوة لشعبيهما إلى التحرّك بغير رغبة الحكومتين. ويستنكر في الوقت ذاته ما وصفه بـ"الهجوم الواسع والمنسّق" من الإعلام المصري على "حماس" وقادتها، دون مراعاة أنّ كثيراً من هذا الهجوم يصبّ في مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو، الذي يضغط لكسر موقف "حماس" ودفعها إلى التراجع في موضوعات بالغة الحساسية، تشمل ضمانات وقف الحرب، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من محوري موراغ وفيلادلفيا، وآلية توزيع المساعدات الإنسانية، ومفتاح تبادل الأسرى.

ويشدّد أبو غوش على أنّ "حماس" تتطلّع إلى دور مصري وقطري ضاغط على إسرائيل وليس مسايراً للموقفين الأمريكي والإسرائيلي.

حملات تشويه... وردّ رسمي

وتزامنت الانتقادات لموقف مصر من محسوبين على "حماس"، مع وقفات واحتجاجات ومحاولات إغلاق سفارات مصرية في دول عدة حول العالم، من بينها بريطانيا وهولندا وكندا والدنمارك وليبيا وتونس. كان من بين هذه الوقفات تلك التي نظّمها عدد من فلسطينيي الداخل المحتل، المحسوبين على الحركة الإسلامية، أمام السفارة المصرية في تل أبيب، ومطالبة القاهرة بفتح معبر رفح وإيصال المساعدات للفلسطينيين الذين يعانون التجويع.

الاتهامات المتكررة لمصر استدعت خروج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمة متلفزة، أكد خلالها "ثوابت الموقف المصري من القضية الفلسطينية"، بما في ذلك وقف الحرب وإنهاء الصراع على أساس مبدأ حلّ الدولتين، مع رفض التهجير وعدّه محاولةً لتصفية القضية.

الرئيس المصري أكد أيضاً أنّ القاهرة لا يُمكن أن تمنع دخول المساعدات إلى غزة وأنّ المعبر ليس مغلقاً من الجانب المصري، مشيراً إلى أنّ هناك الكثير من الأحاديث المغلوطة التي يتم ترويجها مؤخراً بشأن دور مصر في هذا السياق.

تعقيباً على حديث السيسي، أكد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، أنّ مصر تتعرّض لحملة واضحة، مشيراً إلى أنّ تلك الحملات التي وصفها بـ"المُغرضة" تستهدف التحريض، وتروِّج مزاعم لا علاقة لها بالواقع، مضيفاً أن بعض الأطراف "تحاول النيل من الموقف المصري"، داعياً إلى "الحذر من الحملات المشبوهة التي تستهدف النيل من دور مصر المركزي في دعم القضية الفلسطينية".

وانبرى الإعلام المصري الموالي للنظام إلى التأكيد على الدور المصري الداعم لقضية فلسطين، وإسناد حملات التشويه الأخيرة إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة داخل مصر.

سحب الملف الفلسطيني من القاهرة؟

ويلفت توقيت الهجوم على مصر، الدبلوماسي الفلسطيني ممدوح جبر، الذي يشدّد على أن الواقع يبرهن على أن مصر هي سيدة الموقف، عبر تاريخها الطويل في دعم القضية الفلسطينية، وامتلاكها المعابر والمنافذ الحدودية، وتحكّمها في إدخال البضائع والسلع والمساعدات تبعاً لذلك، مستنتجاً أنّ الحملات الأخيرة ضدها "تستهدف، بشكل أساسي، سحب الملف الفلسطيني من القاهرة للذهاب به نحو قطر فقط، التي منحت حركة حماس مبالغ تجاوزت مليارَي دولار على مدار السنوات الماضية، بالإضافة إلى الاتجاه نحو المظلّة الإيرانية"، عادّاً أنّ حملات التشويه الأخيرة كانت "ممنهجةً" وتقف خلفها جماعات تحاول استغلال الموقف لتأجيج الغضب الشعبي تجاه القيادة المصرية لمصالحها الخاصة.

ويضرب جبر مثالاً لذلك المظاهرة التي نظّمها ما يُسمّى بـ"اتحاد أئمة الداخل الفلسطيني" أمام السفارة المصرية في تل أبيب، لافتاً إلى أنّ تلك المظاهرات "المشبوهة" لم تخرج ضد نتنياهو أو واشنطن، بل هي "تستهدف تقويض الدور المصري، وتحاول النيل من دور القاهرة، وإلغاء دورها المحوري في هذا الملف"، قائلاً إنّ "الدبلوماسية المصرية في الخارج تضع 75% من أعمالها وجهودها لخدمة القضية الفلسطينية".

حملة ممنهجة تستهدف القاهرة

يتفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، طارق فهمي، مع الدبلوماسي الفلسطيني، في أنّ مصر تتعرّض لحملة "ممنهجة ومُدبّرة"، مؤكداً أنّ استهداف القاهرة لا يتوقّف على ملف غزة، ويظهر في مناطق الصراع والتماس، على غرار ليبيا والسودان، وملفات الإقليم المختلفة.

ويضيف فهمي، لرصيف22، أنّ أطرافاً خارجيةً تستثمر في نقطة "معبر رفح" لاستهداف القاهرة بحملات تشويه متعمّدة، مشيراً إلى أنّ تصريحات مسؤولي حماس الأخيرة تكشف دخول أطراف جديدة (لم يُسمّها)، على خط المفاوضات الخاصة بشأن غزّة، مستغلةً حالة الجمود المسيطرة في الوقت الحالي.

"الهدف ليس إقصاء مصر عن مفاوضات غزة، ولكن الهدف توريطها والزجّ بالقاهرة في صراع عسكري مع تل أبيب، وذلك عبر المناداة بفتح المعبر وإدخال المساعدات بالقوة"، يتابع فهمي موضحاً أنّ الجانب الآخر من معبر رفح هو "مسرح عمليات عسكرية" للقوات الإسرائيلية، وتالياً سيتم استهداف أي شاحنة ستعبر من معبر رفح.

تركيا وإيران وأدوار الوساطة

كذلك، لا يستبعد فهمي أنّ هناك معادلةً حاليةً تتمثّل في حالة الصدام بين سكان غزة وحركة "حماس"، مع اشتداد الجوع وعدم التوصّل إلى صفقة لوقف الحرب، في حين تواصل إسرائيل حصارها للقطاع وعملياتها العسكرية وجرائمها فيه.

ويردف: "هناك حالة تحرّش بمصر حالياً من الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حماس، بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى في الإقليم التي تحاول أن تُدخل مصر إلى المواجهة ضد إسرائيل"، مشيراً إلى نقطة مهمة تتعلّق بمحاولة توسيع نطاق الوساطة في المفاوضات بشأن غزّة عبر إقحام كل من تركيا وإيران، بالإضافة إلى تحميل مصر أخطاء سياسة حماس والفصائل الفلسطينية.

إلى ذلك، يشيد فهمي بحديث السيسي بشأن دور بلاده في القضية الفلسطينية بالتزامن مع الهجمات، مبرزاً أنه "وضع النقاط فوق الحروف وأوضح الحقائق أمام الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي، وقام بإيصال رسالة مباشرة لواشنطن والأطراف الأخرى المنخرطة في الوساطة بالتأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الشعب الفلسطيني".

ينتقد عبد الله السناوي "تداخل الأوراق وارتباك المواقف في لحظة تقرير مصائر" بين القاهرة وحماس، مؤكداً أنّ المصير واحد، وإذا لم ترتفع مصر إلى مستوى التحدّيات الوجودية، وتعمل على تجاوز أيّ أزمات سياسية معلنة أو مكتومة مع حماس، فإنّ العواقب ستكون وخيمةً، ولا سيّما أنّ هناك من يحاول أن يستثمر في أجواء الغضب لغير صالح القضية الفلسطينية

لحظة تقرير مصير

وبعيداً عن الحديث الإعلامي وتوجيه البوصلة وفقاً للمواقف، ينتقد الكاتب والصحافي المصري عبد الله السناوي، ما وصفه بـ"تداخل الأوراق وارتباك المواقف في لحظة تقرير مصائر" بين القاهرة وحماس، مؤكداً أنّ المصير واحد، وإذا لم ترتفع مصر إلى مستوى التحدّيات الوجودية، وتعمل على تجاوز أيّ أزمات سياسية معلنة أو مكتومة مع حماس، فإنّ العواقب ستكون وخيمةً، مشدداً أيضاً على أنّ هناك من يحاول أن يستثمر في أجواء الغضب، التي تعتمل في الصدور، لغير صالح القضية الفلسطينية.

وينبّه السناوي، في حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ حماس فقدت جزءاً مهماً من دعم الرأي العام المصري، وذلك عن طريق تصويرها كفرع لجماعة الإخوان المسلمين، أو كطرف متداخل في الصراع الداخلي المصري، محذّراً حماس من "فقدان بوصلتها" حيث ستكون خسارتها "قاتلةً".

مصر تخشى انفلات المواجهة؟

"لم يكن بمقدور القاهرة تجاوز حقائق السلاح على الحدود مع غزة، أو تمرير أيّ إغاثات إنسانية بلا تنسيق مع الجانب الإسرائيلي"، يضيف السناوي، مردفاً أنّ القاهرة تخشى أن تتحول التفاعلات والمشاحنات إلى مواجهة عسكرية واسعة ضد إسرائيل، خاصةً في ظل الشكوك العميقة في مستويات الدعم والإسناد المتوقعة من المحيط العربي.

ويختم الكاتب المصري بالإشارة إلى أنّ تل أبيب حاولت الاستثمار السياسي والدعائي في الحملات التي طالت مصر مؤخراً، والتظاهرات والاحتجاجات المتزامنة والمنظّمة أمام السفارات المصرية في عدد من الدول الأوروبية والعربية، بذريعة أنها هي التي تُغلق معبر رفح، وتمنع إغاثة الفلسطينيين الذين تجوّعهم إسرائيل في محاولة من تل أبيب لإعفاء نفسها من مسؤولية الجريمة التاريخية المروّعة التي ترتكبها، وإلصاقها بمصر بالشراكة مع حماس، مدللاً على ذلك بتعليق أحد أشهر أدوات ترويج السردية الصهيونية عبر الإنترنت باللغة العربية، إيدي كوهين، والمشار إليه سلفاً في بداية التقرير.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image