آخر

آخر "أسطى" كاسيت في القاهرة… عم علي النجار وحكايات من حي الخليفة

ثقافة نحن والتنوّع

الاثنين 4 أغسطس 202514 دقيقة للقراءة

يقع حيّ الخليفة في قلب القاهرة التاريخية، تلك المدينة التي لم تُبنَ دفعة واحدة، بل تشكّلت عبر قرون من التحولات السياسية والثقافية والاقتصادية، تركت كلٌّ منها بصمتها على نسيجها العمراني. فمنذ القرن السابع الميلادي، بدأت هذه المدينة تنمو وتتمدّد بين نهر النيل وهضبة المقطم، مولودة من رحم موجات متعاقبة من الفتح والحكم والتخطيط.

كانت البداية مع الفسطاط، أول حاضرة إسلامية في مصر، أسّسها الفاتحون العرب عام 640م، ثم العسكر التي احتضنت ولاة العباسيين عام 750م، تلتها القطائع، المدينة التي أمر ابن طولون بإنشائها عام 870م، وصولاً إلى درّة العمارة الإسلامية في مصر: القاهرة الفاطمية، التي أُسِّست عام 968م، كما يروي كتاب "القاهرة: تاريخها وآثارها من جوهر القائد إلى الجبرتي المؤرخ".

وفي القرن الثاني عشر، حاول المشروع السياسي الطموح للدولة الأيوبية أن يدمج هذه المدن المتفرقة داخل سور واحد، بداية من عام 1176م، كما ورد في "الخطط" للمقريزي. غير أن هذا الاندماج لم يكتمل إلا في العصرين المملوكي والعثماني، حين بدأت الفراغات العمرانية تُعَمَّر، والمناطق السكنية تتصل ببعضها البعض، فيسري نبض الحياة في شرايين المدينة القديمة. وفي تلك المرحلة أيضاً، شُيّد ميناء بولاق النهري، الذي أصبح، منذ القرن الخامس عشر، جزءاً لا يتجزأ من الجغرافيا الحضرية للقاهرة التاريخية، كما أشار المستشرق ستانلي لين بول.

صور وشرائط الكاسيت لـ العم علی

يجري شارع الخليفة داخل حي الخليفة، فـي القسم الجنوبـي الشرقي من القاهرة التاريخية علـى طول المسار التاريخي الرئيسي الممتد من الشمال إلى الجنوب في المدينة القديمة والذي يعرف تاريخاً بالقصبة أو الشارع الأعظم. وبالنظر إلى الخطط التوفيقية، فإن شارع الخليفة هو شارع السيدة سكينة، أوله من درب الحصر وينتهي إلى السيدة رقية، ويخرج منه العديد من الحارات والدروب غير النافذة سوى في بعض العُطف (جمع عطفة)، مثل درب الكحالة على يسار المارة، وعلى اليمين درب المسدود يسلك منها المارة إلى حارة الغنم (الماعز) وإلى حارة العبيد.

يمتلك "العم علي" إلى جانب التجارب الغنية والمثيرة للدهشة أحياناً، والمرارة أحياناً أخرى، ذاكرة نشطة حاضرة بقوة، ومقهى صغيراً إذا ما دخلت إليه دفعك دفعاً نحو عوالم تاريخية متعددة، وجذبك إلى حيوات اجتماعية متنوعة.

ويحد شارع الخليفة ومحيطه من الشمال شارعُ الصليبية، ومن الشرق شارع البقلي، ومن الجنوب ميدان السيدة نفيسة، ومن الغرب جامع ابن طولون وقلعة الكبش ومساكن زينهم، بالإضافة إلى ذلك فإن شارع الخليفة يعد المدخل الجنوبي للقرافة الجنوبية، والتي بالرغم من اختلاف نسيجها العمراني ووظيفتها إلا أنها تعد امتداد الأنشطة اليومية، ومن جانب أخر ترتبط منطقة الخليفة بميداني صلاح الدين والسيدة عائشة، كما تربط هذه الميادين المنطقة بسوق المنشية، وهو سوق محلي ضخم يخدم المنطقة.

وتعمل جمعية الفكر العمراني "مجاور"، عبر مبادرة "الأثر لنا"، من خلال خطة حفاظ وإدارة شارع الخليفة ومحيطه، على تحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية من خلال المشـروعات الاجتماعية والثقافية والخدمية التي تستفيد من تراثها الملموس وغير الملموس؛ فإن المنطقة إلى جانب كونها غنية بمجموعة من الصناعات الصغيرة والحرف التقليدية، تتمتع بقيمة تراثية استثنائية نظراً لما تحويه من مجموعة فريدة من المباني التراثية (جامع بن طولون، بيت الكريتلية، مسجد صرغتمش الناصري، مسجد وخانقاه الأمير شيخو، سبيل أم عباس، قبة شجر الدر)، ومشاهد آل البيت ( السيدة رقية، والسيدة عاتكة، السيدة نفيسة، السيدة سكينة)، ممـا جعل المنطقة بشكل عام، وشارع الخليفة على وجه الخصوص محلاً لإقامة المولد السنوية، ووجهة محلية وعالمية للزيارات الدينية، وهو ما جعل من منطقة الخليفـة مجتمعاً غنياً بالقصص الشعبي الذي يشكل لنا صورة نابضة بالحياة، متمثلة في التاريخ الشفهي الذي يرسم لنا ملامح الارتباط الشديد بين أهالي الخليفة ومنطقتهم.

العم علي، ذاكرة حياة  

في سياق العمل على التطوير العمراني لسوق حي الخليفة، وفي جوّ يسوده التوتر نتيجة أعمال الهدم والحفر المستمرة داخل شارع الخليفة، التقيت عم "علي النجار" بشوشاً مرحباً بي وبالجميع، بوجهه الأسمر وملامحه المنحوتة، بفعل 70 عاماً من التجارب الإنسانية خاضها بقلبٍ مفتوح على الحياة؛ تجارب إنسانية فريدة جعلت من عم علي شخصية أسطورية، وخلقت له مكانة متميزة بين أقرانه من سكان الخليفة، و يمتلك "العم علي" إلى جانب التجارب الغنية والمثيرة للدهشة أحياناً، والمرارة أحياناً أخرى، ذاكرة نشطة حاضرة بقوة، ومقهى صغيراً إذا ما دخلت إليه دفعك دفعاً نحو عوالم تاريخية متعددة، وجذبك إلى حيوات اجتماعية متنوعة.

مقهى شعبي صغير في شارع الخليفة حيث يجلس "العم علي" يُلقي بحركة بطيئة، نظماً شعبياً منغماً بصوت بالكاد يسمع، فتدخل تدريجياً إلى عالم سحري ممتلأ بالشجن لا يكاد يفارقك وأنت تسمعهُ يسجع بصوته المتحشرج.

اللي علَي علَي

سيب الملك للمالك

ماتخلي بالك يا عَلي 

ولا أنت مش واخد بالك

ياما ناس عليت في السما وغرتهم الأماني 

بعد ما طلعوا السما بسرعة وقعوا من تاني

الدنيا حالها يحير لا سايبة كبير ولا صغير

ما تسيب الملك للمالك

وتخلي بالك يا علي

عاش العم علي حياةً غنية بالتجارب والمخاطر، من حرب اليمن إلى أن كاد أن يفقد أحد أقدامه في حرب 1967، لولا أن كُتبت له النجاة بعد أن قضى مدة 90 يوماً أسيراً لدى الجيش الإسرائيلي: "روحت اليمن سنة 62. قعدت في الحرب ستّ شهور، وجيت من اليمن، وخلصت جيشي في مايو 64. وفي 67 كانوا بيلموا الاحتياط، اخدوني احتياطي. المهم ضربوا فينا بالنار، احنا جرينا واتصبت في رجلي على طول. اتأسرت 90 يوم. يطلعونا نقعد في الشمس كدا بالنهار وبعدين يدخلونا تاني، أكل وشرب لحد ما الصليب الأحمر استلمنا".

إلى جانب ذلك فقد امتهن عم علي العديد من المهن. ويحكي لنا عن بداياته في مجال المعمار: "أنا أساساً كنت نجار مسلح باخد 30 قرش في اليوم، واشتغلت في بـنا مبنى الإذاعة والتليفزيون وكان مطرحها الأول السلخانة ومكتب الصحة، وكان مطرح وزارة الخارجية مخزن كبير بسور وسكة من تحت الأرض توديك على البحر، كانوا عاملينها مينا، وكانت تيجي المراكب بتاعة الغلة والسكر والرز، والناس تشيلها على ضهرها في سكة ماشية تحت الأرض، لحد ما يخرجوا عند أرض الوزارة دلوقتي، ويخزنوا هناك، وكان في غفر عليها طول الوقت".

شرائط الكاسيت فی محل العم علی

"وفي سنة 58 كنت بشتغل في أسوان في السد. اشتغلت في الخزان، وبعد كده جينا عملنا مطار (دنديل) بتاع بني سويف وعملنا الجامعة في أسيوط، مع شركتين أحمد عثمان وحسن علام، وكنت نجار مسلح ماهر. كنا جوز نجارين نخلص شقة، تطبيق وتعليق وننزل الساعة 2، وعمري وأنا شغال ما طلعت من على سلم. كنت اطلع على السقالة اتنططت لحد ما في مرة وقعت من فوق السقالة من رابع دور، وقعدت ييجي ستّ شهور في المستشفى. وفضلت الخبطة في راسي عاملة علامة كبيرة، ولما دخلت الجيش أخذت إذن بسببها؛ يفضل شَعري طويل، مايقصرش عن 4 سم".

وكعادته، عاش العم علي يستبدل أقاليم مصر بـحرية، وتستبدله بدورها المهن الحرة كل حين، "وكان معايا عربية بيجو وبسدد تمنها. كنت أجيب بضاعة وهدوم باله من جمرك إسكندرية، واخد بالك، أو احمل تفاح كان الصندوق 13 كيلو، الكيلو بـ 70 قرش. كنت آخذه بـ70 وأبيع في مصر بـ140 والفكهاني يبيعه بـ2 جنيه وريال، وانزل مصر (القاهرة) ابيعهم في التوفيقية أو في الزمالك، وبتُرزق".

ومنذ التسعينيات، يجلس عم علي متربعاً على عرش مملكته في شارع الخليفة، فإذا ما مررت عبر باب المقهى داخلاً إلى عالم العم علي، فإن أول ما قد يُلفت انتباهك وجود جهاز كاسيت من قبل عالم "الديجيتال". هذا الجهاز الذي يعمل بمثابة أداة سحرية تسمح لك بتجاوز الزمن، وميزان حساس يمكنك باستخدامه ضبط ايقاع المكان، ورمانة ميزان تكشف لك عن اتجاه مِزاجية عم علي، الذي لا يزال يمتلك مجموعة متنوعة من شرائط الكاسيت، دليله المادي على تجربته الفنية وذاكرته الحية، والذي ما يلبث أن يحمل واحداً من تلك الشرائط نحو مُشغل الكاسيت مُشيراً بيده نحو رأسه "يا مَغَنى تكيَّف يا بلاش".

بقايا من تاريخ الكاسيت المصري في حي الخليفة

من خلال صلة القرابة التي ربطت بين العم علي وبين الريس "حفني أحمد حسن"، "ابن عم أبويا بقوله يا عمي كنت أنا بسوق له في يوم من الأيام"، دخل العم علي إلى عالم القصص الشعبي، وعاش على مقربة من أهل السرد والغُنى، ما جعله يمتلك مخزوناً ضخماً من القصص الشعبي والمواويل": "كنت غاوي حكاية أكون من الفن، مش هكون مطرب، بس غاوي أسهر أفراح، وأروح المحلات 'الكازينوهات'، وامشي ورا الفنانين مع نفسي".

لم يتوقف عم علي عن متابعة أهل الفن والغناء الشعبي حتى صار واحداً من "أسطوات" الشغلانة يتعهد بالفنانين الشعبيين والمزيكاتية إلى الصالات والكازينوهات، بل وأصبح مديراً لأحد هذه الكازينوهات التي صارت ضرباً من ماضٍ يتذكره بفخر: "اشتغلت لمدة سنة في كازينو 'شهرزاد'، مدير صالة في العجوزة في شارع النقراشي، كان أصحاب الصالة فرحانين إني عارف فنانين مصر كلهم، وكنت اجيب مطربين واشغل الصالة، وملزم لو فرقة نقصت أكملها، أو لو نمرة نقصت عندي لازم اجيبها، اجيبها ازاي؟ اضرب تليفون للمتعهد يبعتلي نمرة، مثلاً كان في مُتعهد في شارع فؤاد في التوفيقية، يحصل مثلًا نمرة تعجز معايا في المحل، ومفيش! أقوم متصل به أقوله مثلاً ابعتلي نمرة أو اتنين، المهم تغطي الليلة".

العم علی

وعن عالم الكاسيت، يسرد لنا عم علي أن "ساعتها مكنش فيه منتجين كتير في البلد، كان في مصر والقاهرة 8 منتجين، من ضمنهم نجمة العتبة بتاعة الحاج عزوز، في ميدان العتبة في العمارة اللي كلها ساعتيه (عمارة 17)، وشركة كانت بتاعة ابن الخطيب، وشركة أبوحمزة بتاع الحُسين فوق قهوة الفيشاوي على طول كان بتاع كتب في الأول وأنتج لـ مكرم المنياوي قصة أولاد جاد المولى، وفي كلوت بك شركة فلفل فون بتاعه أحمد نصر اللي أنتج لـ طاهر مصطفى وعمل أول شريط لسيد إمام، وشركة عايدة فون بتاعه رمضان الرهيف كانت في سليمان باشا قصاد جروبي، وشركة أبو عسران في العمراني"

ومن ثم بدأ عم علي يفكر في إنتاج أول شريط كاسيت، "فجيت في يوم واحد قالي، بقولك إيه يا علي، ما تنتج، قولت ماشي، وأول ما انتجت كان لفنان مش مشهور بس مواله خطير، اسمه بخيت الهلاوى، من بلد اسمها هلة، تبع أسيوط. قلت له هعملك شريط، وعملناه في البيت، كان عندي المايك، والراكوردر البكرة، اللي هو 4 بوصة يقعد 8 ساعات، البكرة من هنا لهنا والمايك والسماعة كانت نفس الغطا بتاع الريكوردر، وقفلنا الأوضة علينا وسجلت، فكنت بألف له حتة بقول فيها:

بيقولوا الراحة مالهاش تمن أما الشقا بفلوس        

 وصحتك صنع بلاش وهلكها بفلوس

والعقل كله حكم و نتوهه بفلوس              

دا الجنة ببلاش أما الجحيم بفلوس

وفي واحدة تانية، بقول:

  ولما آتني المرض تركت الأهل والدار  

 والعين عميت وعملت للعين نضارة 

   ولو ناحت الولية على ابنها مش عيب

  والفقر بعد الغنى مش عيب

 دا العيب على الراجل

   لما يكون ظاهر ويدارى

وينتقل عم علي من نظم المواويل إلى نظم صفحة فريدة من حياة أهل الفن الشعبي في ثمانينيات القرن الماضي، ومن ثم يستبدل سرد الأبيات بسرد تاريخ صُناع الكاسيت المصري، "كان ساعتها شِرا الشريط فاضي بـ30 قرش، وتسجل الساعة بـ17 جنيه في استوديو العتبة (صوت القاهرة) مطرح الجراج دلوقتي. وكنت اروح أصرح في المصنفات الأغنية بـ60 قرش، واخد بالك. كانت وقتها المصنفات بتاعتنا في شارع القصر العيني، ونروح نصرح 10 أغاني للشريط، ويكتب لك (لا مانع من التسجيل لعند إحضار شريط)، يا إما (حذف وتعديل)، يعني كنا عاملين أغنية مثلاً بتقولك إيه. ما كنا وكان، قالك لأ تتعدل، حذف وتعديل، قولت خلاص بدل ما كنا وكان، خليها. بلاش لف ودوران، على نفس الوزن، وعدت".

"بعد كدا اطلع على الشركة العالمية عند جامع ِكخيا (عثمان كتخدا بالأزبكية)، كنا بنطبع فيها الشرايط، وكان عندهم مًكنة تطبع 24 شريط في الدقيقة وش وضهر. أما الغلاف والبوستر كنت أعمله في الوراق عند واحدة خواجية. كانت من بلد تبع رفح، وكنا بنقولها يا خواجية علشان بتحب تلبس البُرنيطة، وكانت بتعمل الغلاف دا على إسطمبة تطبع عليها الصورة، ويتعمل الغلاف اللي أنا عايزه ومعاه البوستر اللي بيتعلق إعلان في الشارع، لأن وقتها صعب أحجز مدة طويلة في التلفزيون. فاكر مرة في التمانينات حجزت 10 ثواني بـ1500 جنيه يدوب شركة السماح فون تقدم، بس خلاص انتهى، بس شوف النهاردة الإعلان بيتعمل بالشيء الفلاني".

ويشير عم علي إلى أسرار المهنة وفنون الصنعة، وعن زمنه يسرد: "مكنش فيه منتجين في مصر كتير، والفنان كان أجرة رخيص يعني حسن الأسمر لما كان لسه في البداية خد 150 جنيه في شريط له، اسمه "عَليل أنا يا تمرجية"، وأنا كان ليا درايتي بالإنتاج، يعني لامس الإنتاج، كنت أدى الفنان 200 جنيه، وحساب الفرقة 150، والاستوديو يأخد مني مثلاً ساعتين بـ40 جنيه، وفي الآخر ابيع الشريط بجنيه واحد، وأروح مع شريكي نسجل في الاستوديو عند هاني شنودة في الهرم أو عند الوسيمي في شارع فيصل، وكمان استوديو النهار بتاع محروس فون في مصر الجديدة، واستوديو العربي في شبرا في الدوران".

ينقل لنا عم علي صورة واقعية من تاريخ صنعة توارت عنها الأضواء وتراجع أهلها نحو الظل، ويجسد لنا حياة متكاملة أصبحت جزءاً من ماض مشحون بالذكريات المُجملة بالحنين أحياناً والمخلوطة بالتحسر أحياناً أخرى؛ ماض محمل بالحكايات الشعبية المخلوطة بالعبرة 

"وعلى كده غويت الشغلة دي، وعلشان ما نخسرش مع الفنان، كنا نروح الأول نعمل بروفات في شارع فؤاد، الساعة بـ20 قرش، نحجز فيها ساعة ولا ساعتين، علشان لما الفنان يدخل الاستوديو يبقى جاهز، كده بيوفر كتير معاك، والفنان يبقى جاهز في الاستوديو، وانت قاعد مع المهندس في الكابينة ومقفل الأوضة إزاز، ستاند باي هنسجل. فطبعاً لو الفنان مش حافظ، يهلك وقت، إنما يخش تِراك تَراك، حاجة اسمها تراكات، التراكات يعني الفنان يروح يسجل صوته لوحده والفرقة تسجل بعده أو الفرقة تسجل وبعدين الفنان يسجل، وبعدين يجمعوا التراكات".

شرائط الكاسيت لـ العم علی

ومع مطلع التسعينيات ترك عم علي عالم إنتاج الكاسيت، لكن عالم الكاسيت لم يفارقه يوماً، فيروي: "آخر حاجة عملتها كانت مع مغني اسمه 'فلفل المصري'؛ دا اللي صورته معايا، ومسجل له أغنية 'الحلوة من الوراق'، ومغني تاني اسمه 'معوض العربي' أغنية 'تاكس المطار'، ولما وقفت حكاية الإنتاج ومابقاش فيه شرايط كاسيت شعبي، والسوق ريح، حبيت أرجع تاني، جيت الخليفة، أخدت محل صغير عند قسم الخليفة بـ 300 جنيه، وجبت فنان من المطرية اعمله شريط كاسيت، وأخدته تاني يوم وروحنا الاستوديو عند هاني شنودة في الهرم، سجلت له حتتين، وفاضل حتتين ويبقى شريط، الشريط 4 حتت، 4 اغاني وينزل، بس الفلوس عجزت ومكملناش".

هكذا ينقل لنا عم علي صورة واقعية من تاريخ صنعة توارت عنها الأضواء وتراجع أهلها نحو الظل، ويجسد لنا حياة متكاملة أصبحت جزءاً من ماض مشحون بالذكريات المُجملة بالحنين أحياناً والمخلوطة بالتحسر أحياناً أخرى؛ ماض محمل بالحكايات الشعبية المخلوطة بالعبرة الأخلاقية والتجربة الإنسانية التي ساهمت جميعها ولا تزال تساهم في تكوين الشخصية المصرية المعاصرة ممثلة في شخصية عم علي، ومجسدة بكاملها هناك داخل مقهى بسيط بحي الخليفة في القاهرة التاريخية، يجلس فيها عم علي بين رفاقه ومُريديه، وخلفه حياة ثرية بالذكريات والمواويل الشعبية، يتلوها على مسامعهم سرداً يومياً. 

 يا عين نصيبك كده

 ما تذلهاش لـ غريب 

ماتشمتيش العدا

دا الصبر ليكي طبيب

يا عين نصيبك كده 

ما كنتي قاعدة في فيلاكي

بكيتي ودموعك بلاكي

اصبري على ما بلاكي

يا عين نصيبك كده


* مقابلات التاريخ الشفوي تمت بمساعدة إسراء أسامة وقام بالتصوير سلمى شحاتة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

من 12 سنة لهلّق، ما سايرنا ولا سلطة، ولا سوق، ولا تراند.

نحنا منحازين… للناس، للحقيقة، وللتغيير.

وبظلّ كل الحاصل من حولنا، ما فينا نكمّل بلا شراكة واعية.


Website by WhiteBeard
Popup Image