"جمعنا التهجير وفرّقنا التحرير"... مشاعر غريبة من الحنين إلى خيمة النزوح في سوريا

حياة نحن والمشرّدون

الجمعة 18 يوليو 202513 دقيقة للقراءة

شهد السوريون خلال السنوات الماضية أنماطاً متعددةً من التهجير، داخلياً وخارجياً، نتيجة النزاع المستمر منذ عام 2011. وتشير التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة، إلى وجود نحو 6.1 مليون لاجئ سوري خارج البلاد، و7.4 ملايين نازح داخلي، معظمهم تغيّرت أمكنة سكنهم مرةً واحدةً على الأقل، فيما عاش كثيرون تنقلات متكررةً فرضتها ظروف الحرب.

عملية الانتقال لم تكن دائماً مؤقتةً. ففي كثير من الحالات، اضطر النازحون إلى بناء حياة جديدة في أماكن بعيدة عن مدنهم وقراهم الأصلية، كما حدث في محافظة إدلب، التي شكّلت وجهةً رئيسيةً لمن هجّرهم النزاع، حيث أُطلق عليها اسم "المحرر".

بعد سقوط النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ومع تقديرات بعودة أكثر من 600 ألف لاجئ و1.5 ملايين نازح داخلي حتى منتصف 2025 بحسب الاتحاد الأوروبي، دخلت البلاد مرحلةً سياسيةً جديدة. عاد بعض السوريين إلى مناطقهم الأصلية، بينما بقي آخرون في أماكن نزوحهم، إما لأسباب أمنية واقتصادية، أو بسبب علاقات جديدة تشكلت خلال سنوات النزوح.

في هذا السياق، تكررت بين السوريين عبارة: "جمعنا التهجير وفرّقنا التحرير"، تعبيراً عن شعور متزايد بعدم الرضا عن نتائج التحرير، الذي لم يحقق بالضرورة استقراراً سياسياً أو مجتمعياً. 

من المحرّر إلى المبعثر 

أصبح التحرير الذي كان حلماً اجتمع حوله السوريون على اختلاف انتماءاتهم، أقرب إلى الخروج من سجن إلى ساحة فوضى، حيث تحوّل إلى حالة من الخذلان الجمعيّ. فجأةً وجد كثيرون أنفسهم دون الحدّ الأدنى من الأمان، وحتى العدالة الانتقالية التي كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر تأخرت كثيراً، ما جعل خيبة الأمل هي الشعور المسيطر. 

في شمال غرب سوريا، لم يعد مصطلح "المحرر" يعبّر بالضرورة عن شعور بالحرية أو العودة إلى الذات الوطنية، بل بات بالنسبة لكثيرين توصيفاً جغرافياً أكثر منه سياسياً أو وجدانياً، وسط انقسام إداري وأمني واضح بين مناطق إدلب ومحيطها، ومناطق ريف حلب الشمالي.

وفق تقديرات الأمم المتحدة، يبلغ عدد اللاجئين السوريين خارج البلاد نحو 6.1 ملايين، بينما يقدّر عدد النازحين داخليًا بـ7.4 ملايين، غيّر معظمهم أماكن سكنهم مرةً واحدة على الأقل، في حين عاش كثيرون تنقلات متكررة فرضتها ظروف الحرب، خاصة في مناطق مثل إدلب وريف حلب

تحت هذا الواقع، تغيب مرجعية واحدة تنظم الحياة العامة، وتختلف السلطات والمناهج والهياكل الإدارية من منطقة إلى أخرى. يقول عمر، وهو مهندس نازح من ريف حماة إلى شمال سوريا، لرصيف22: "كنا نحلم بالتحرر من نظام يعتقلنا ويقمعنا، لكن لم نكن نتصور أن ننتقل من سجن إلى آخر. اليوم، لا حرية حقيقية. بدلاً منها ظهرت الولاءات، وكل منطقة لها من يفرض سلطته فيها، وعلى الجميع الحذر من إغضابه".

يُضيف: "في كل مرة أتنقل فيها من إدلب إلى أعزاز، أمرّ عبر ثلاثة حواجز. وعند كل حاجز، يُطرح السؤال ذاته: إلى من تنتمي؟ شعرت مع الوقت أنني فقدت وطني. لو كان التحرير حقيقياً، لما انقسمت الطرق، وتنازعت الفصائل، وتشظى الناس. حين كنا نعيش تحت الخيام، كنا جسداً واحداً. أما الآن، فصرنا طوائف سياسيةً ومناطقيةً، وكل فصيل يسحب الناس إلى طرفه. التحرير أصبح اسماً بلا مضمون". 

بين العودة والتحرير الذي أبكى قلوب الأمهات  

"زغردوا يا أمّهات الشهداء، سقط الطاغية بشار الأسد"؛ هذه الجملة التي صدحت من المآذن مع الإعلان عن سقوط النظام والوصول إلى حلم التحرير، لم تكتمل فرحتها لدى الجميع، خاصةً لدى عائلات الشهداء والمفقودين، الذين ما زالت جراحهم مفتوحةً، وما زالوا ينظرون إلى ما تحقق بعين الخيبة والحزن.

في هذا السياق، تتحدث خديجة، الملقبة بأمّ حسام، إلى رصيف22، وهي نازحة من مدينة حلب إلى إدلب، في الستينات من عمرها، وفقدت اثنين من أبنائها خلال المعارك، قائلةً: "أتمنى ألاّ يلومني أحد على كلامي. منذ لحظة التحرير، ودموعي لا تجفّ. فقدت منزلي وولدَيّ، حسام وهمام، في هذه الحرب. الجميع احتفل بالتحرير، إلا أنا. تلك اللحظة فتحت جراحي من جديد. أنظر اليوم إلى الفوضى، وإلى الانقسام، وأشعر بأنّ دم ولدَيّ ذهب سُدى".

النازحون الذين كوّنوا علاقات اجتماعية في الخيام، وجدوا أنفسهم بعد "التحرير" مفرّقين بين ولاءات متنازعة. فتحوّل الحنين إلى الخيمة إلى حنين للعدالة التي لم تأت، وأصبح النزوح بالنسبة لهم ذاكرة أكثر تماسكاً.

شهادات مشابهة تتكرر بين من فقدوا أحبّاءهم أو لا يزالون يجهلون مصيرهم، حيث تتكرر المعاناة مع ملك، وهي معتقلة سابقة، وأخت شهيد وأم لابنَين مغيّبين قسراً، نزحت من ريف دمشق إلى مناطق المعارضة. تقول في حديثها إلى رصيف22: "فرحتي بالنصر لا توصف، لكنها ممزوجة بمرارة. النصر الذي كان يحلم به أخي الذي استشهد لم يكتمل، فأولادي الذين كانوا من أوائل المشاركين في الثورة، لا أعرف إن كانوا أحياء أو شهداء. حتى هذه اللحظة، لا أملك خبراً حقيقياً عنهم. كما حصلنا على هويتنا الجديدة، أريد هوية أولادي. أريد أن أعرف مصيرهم، وأن أطمئن".

السكن في المحرّر… حلم باهظ الثمن 

العمّ رياض، الستينيّ، يتحدث عن تجربته في السكن في المناطق التي عُرفت بـ"المحرّرة" سابقاً، والمعاناة بين ارتفاع أجور البيوت والتنقّل المستمرّ. الرجل انتقل من بابا عمرو في حمص، بعد القصف الكلّي للمنطقة، إلى إدلب، ليكتشف أنّ الإيجارات المرتفعة واستغلال أصحاب المنازل وجهان للمعاناة نفسها. "البيوت التي من المفترض أن تكون مأوى، تحوّلت إلى عبء يتحكّم به المالك كما يشاء: يطرق الباب في أيّ لحظة، يطالب بزيادة أو بإخلاء، ولا صوت يعلو، ولا جهة تنصف"، يقول لرصيف22، ويضيف: "يتحدّثون عن مناطق محرّرة؟ لا أريد لتلك الأيام أن تعود. الناس ماتت بسبب الإيجارات المرتفعة، وأصحاب البيوت يستغلّوننا بلا رحمة. كلّما ارتفع الدولار أو حتى إن لم يرتفع، تُرفع الإيجارات. أشعر أحياناً وكأنني أعيش في أمريكا، لا في سوريا".

رسائل وداع 

في مناطق الشمال السوري، لا يزال مشهد ما بعد التحرير معقّداً، حيث يتداخل الواقع المعيشي والأمني مع آثار الفقد الشخصي. ويتحدث كثير من السكان عن أنّ أصعب ما خلّفه النزاع والتهجير لم يكن فقط غياب الاستقرار، بل غياب من تقاسموا معهم تفاصيل الحياة في فترات النزوح والخطر. يقول محمد من إدلب، لرصيف22: "بصراحة، لا أعرف ماذا أقول… سأكذّب إن قلت إنني سعيد. صحيح أننا تخلّصنا من الطاغية، لكن برغم القصف والموت كان للحياة طعم مختلف، لأننا كنا نعيش الظروف معاً، ونتشارك الوجع والفرح. ما يوجعني أنّ الأشخاص الذين رافقوني في التهجير والقصف، هم أنفسهم الذين غادروا بعد التحرير. ومع ذلك أفتقدهم، فبرغم بشاعة الذكريات، كانت المحبة والخير أكثر حضوراً". 

في المقابل، يربط شذى التي نزحت من حيّ الوعر إلى إدلب خلال الاشتباكات، بالمكان ارتباط عاطفي. فبعد نحو عشر سنوات من النزوح، وجدت في إدلب ملاذاً آمناً، وعاشت بين أهلها وكوّنت صداقات جذبتها للبقاء، حتى بعد تحرير حمص. تقول لرصيف22: "في البداية لم أتصوّر أنني سأستطيع التأقلم خارج مدينتي، حمص. لكن بعد عشر سنوات من النزوح في إدلب، تعلّقتُ بالمكان. أولادي كبروا هنا، ودرسوا، وكوّنوا صداقاتهم، وأنا بدوري انخرطت في المجتمع. بعد سقوط النظام، لم أعد أرى العودة إلى حمص خياراً جذّاباً".

الخوف من العودة… خوفاً من التهجير مجدداً

في علم النفس الاجتماعي، لا تنتهي آثار الحروب والتهجير القسري بانتهاء القصف أو سقوط الأطراف المتنازعة، بل تستمر على هيئة ما يُعرف بــ"الندوب النفسية الجمعية"؛ تلك التي تتسلل إلى الذاكرة الفردية والجماعية، وتترك أثراً طويل الأمد يصعب التئامه.

تقول الاختصاصية النفسية ديالا زكا، وهي مدربة نفسية سابقة في "UNDP"، لرصيف22: "الإنسان الذي يتهجّر مرةً، لا يُشفى بسهولة. وغالباً ما يشعر بأنّ أيّ استقرار بعد تلك التجربة مؤقت، حتى لو عاد إلى بيته الأصلي".

فشل العدالة الانتقالية في مرافقة التحولات السياسية عمّق جراح عائلات الشهداء والمفقودين. فالاحتفال بـ"النصر" لم يشمل الجميع، بل أشعر البعض بالخيانة، في ظل انعدام المحاسبة واستمرار الفوضى. هذه الهوة بين الأمل السياسي والانكسار الإنساني تهدد ما تبقى من الثقة المجتمعية بالتحرير كمفهوم جامع

وتضيف أنّ هذا الإحساس لا يرتبط فقط بالتعب أو الحنين، بل يتصل بمفهوم نفسي أعمق يُعرف بـالاقتلاع العاطفي (Emotional Displacement)؛ أي أنّ الإحساس بالأمان لم يعد متعلقاً بالمكان وحده، بل بالعلاقات والروابط التي نشأت خلال فترات التهجير. هذه الروابط، برغم الألم الذي رافقها، شكّلت نوعاً من الألفة والانتماء. وعندما فقد كثيرون هذه العلاقات بعد ما يسمّى بـ"التحرير"، دخلوا في حالة من الغربة النفسية، حتى وإن ظلّوا في الأرض ذاتها.

هذه الحالة من الانفصال العاطفي والانكسار الداخلي تشكّل بيئةً خصبةً لظهور اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الذي لا يعلن عن نفسه بشكل مباشر دائماً، بل يظهر تدريجياً: في الأرق، والقلق المزمن، ونوبات الفزع، والشعور الدائم بالتهديد، أو حتى في تبلّد المشاعر وفقدان الدافع.

وتضيف: "الكثير من الناس اليوم يخشون العودة إلى مدنهم ليس لأنهم لا يحبونها، بل لأنهم يخافون من أن يعيشوا تجربة النزوح مجدداً. هم يدركون تماماً ما تعنيه هذه الكلمة: البحث عن سكن، عن عمل، عن مدرسة للأطفال، وعن علاقة جديدة بالحياة".

وتختم حديثها بالإشارة إلى أنّ اضطراب ما بعد الصدمة غالباً ما يظهر متأخراً، وهو ما يجعل علاجه أكثر صعوبةً، وإلى أنّ غياب الدعم النفسي، سواء من الجهات المحلية أو المنظمات، يفتح الباب لتفاقم هذه الاضطرابات، وربما تحوّلها إلى اكتئاب حاد أو انهيارات نفسية صامتة".

حقوق في مهبّ التهجير القسري

في حديثها إلى رصيف22، تقول الحقوقية والسياسية السورية ديما الموسى، إنّ المهجّرين داخلياً في سوريا فقدوا عدداً من حقوقهم الأساسية خلال سنوات النزوح، وعلى مستويات متعددة: مدنية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، وقانونية: "تُعدّ خسارة حقّ السكن أبرز هذه الانتهاكات، إذ اضطرّ كثيرون إلى مغادرة منازلهم الأصلية التي دُمّرت جزئياً أو كلياً بفعل القصف، أو جرى الاستيلاء عليها. البعض أقام سنوات في المخيمات، ولا يزال حتى اليوم عاجزاً عن العودة، إمّا لانعدام البنية التحتية، أو لتعقيدات قانونية مرتبطة بإثبات الملكية، ولا سيّما بعد تلف أو فقدان الوثائق، وصدور قوانين سهّلت سلب الحقوق العقارية أو إعادة بيعها".

وتضيف: "أما الحق في حيازة الوثائق المدنية، فقد تعرّض لانتهاك واسع النطاق، حيث فقد كثيرون بطاقاتهم الشخصية وشهادات الميلاد والزواج والوفاة، أو عجزوا عن استخراج بدائل قانونية لها. هذه الثغرة القانونية انعكست على قدرة الأفراد على ممارسة حقوقهم، خصوصاً الأطفال الذين حُرموا من التعليم بسبب غياب أوراق تثبت أعمارهم أو هوياتهم، كما أثّرت على إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية، ومجمل الحقوق المرتبطة بالحالة المدنية".

وتكمل الموسى حديثها قائلةً إنّ الحق في العمل تأثّر هو الآخر، ولا سيما في حالة الطلاب الذين تابعوا دراساتهم العليا في جامعات لا تحظى باعتراف رسمي، ما يحدّ من فرصهم لاحقاً سواء في سوق العمل أو في استكمال التعليم خارج سوريا.

وترى الموسى أنّ معالجة هذه الانتهاكات تتطلّب تعاوناً فعلياً بين الجهات الحاكمة والمنظمات الحقوقية والمجتمع المدني، بهدف وضع آليات قانونية تضمن استرداد الحقوق، وبالأخص بالنسبة للفئات الأشدّ هشاشةً، مثل النساء الأرامل، وزوجات المفقودين، والأطفال.

خسارة حق السكن من أبرز الانتهاكات التي طالت المهجّرين داخلياً ولم تُحل بعد، نتيجة تدمير المنازل أو الاستيلاء عليها أو التعقيدات القانونية المتعلقة بإثبات الملكية بسبب فقدان الوثائق.

وتُشير إلى أنّ الشعور العام بخيبة الأمل بعد ما يُعرف بـ"التحرير"، لا يعود فقط إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، بل أيضاً إلى ضعف الأداء السياسي، وغياب الشفافية، وغياب مشروع واضح للمرحلة القادمة. وعبّرت عن ذلك بقولها: "الكثير من السوريين تنفّسوا الصعداء بعد سقوط النظام السابق، وتأمّلوا خيراً بما هو قادم. وربما بعد سنوات الحرب الصعبة، والوضع المعيشي الكارثي الذي وصل إليه معظم الشعب، كان سقف التوقعات عالياً، وبالأخص أنّه لم يكن واضحاً في البداية مدى هشاشة الاقتصاد، وعمق الانهيار، ومدى النهب الذي ترك البلاد دون موارد حقيقية أو سيولة. فعندما تكون التوقعات كبيرةً، تكون خيبة الأمل أكبر، خصوصاً عندما لا يتحقق إنجاز يغيّر من تفاصيل الحياة اليومية، ولا سيما الخدمات والاحتياجات الأساسية. هذا ينطبق على شريحة كبيرة من الناس. وهناك أيضاً شريحة أصغر، تنظر إلى أمور مثل الواقع السياسي والأداء الحكومي على المستويات كافة، والذي حتى الآن لم يرقَ إلى المستوى المتوقع".

الجذر السياسي… التهجير كتجربة إنسانية فردية

تقول الباحثة في حقوق الإنسان لينا غوتق، في حديثها إلى رصيف22: "التهجير في جوهره تجربة إنسانية عميقة، مليئة بالمعاناة والتشرد والتعب، لكن لا يمكن اختزالها بالألم فقط، فهؤلاء الأشخاص ليسوا مجرد أرقام. لديهم قصص وتجارب طويلة، تتضمن بناء علاقات، وتكوين هوية مرتبطة بالمكان الجديد، وخلق صداقات، وأحياناً تأسيس عائلات في مناطق النزوح".

لذلك، من الضروري التعامل مع النزوح بوصفه تجربةً إنسانيةً فرديةً، لا جماعية فحسب. كثيراً ما تغفل الحكومات والمؤسسات الدولية والمحلية هذه الحقيقة، إذ تتعامل مع المهجّرين ككتلة واحدة، دون الاعتراف بتباين تجاربهم ومشاعرهم.

وترى غوتق، أنّ اللجوء والتهجير في سوريا ليسا مجرد أزمة إنسانية، بل في صلبهما جذور سياسية واضحة. فالكثير من السوريين هربوا خوفاً من الاعتقال أو القتل، وفضّلوا البقاء تحت خطر الموت بالقصف على أن يعيشوا تحت حكم سلطوي استبدادي. 

البعض منهم اختار مناطق تعاني من الحصار والجوع والدمار، فقط ليتجنّبوا الوقوع ضحايا للإخفاء القسري أو التنكيل الأمني.

وترى الباحثة أنّ التهجير هو أحد أبرز نتائج الاستبداد السياسي في سوريا، وهو تعبير مباشر عن فشل المجتمع الدولي والمنظومة الأممية في حماية المدنيين، مشيرةً إلى أنّ ما حصل في سوريا يتكرر اليوم في غزّة. فالطرف المجرم مستمر، وبقية الأطراف فشلت أو تواطأت.

وفي ما يخص مسألة العودة، تؤكد غوتق على أهمية الحفاظ على كرامة المهجّرين في حال نزوحهم أو عودتهم، وعلى ضمان حقوقهم في الملكية، لأن هذه الأمور تشكّل صمام أمان للسلم الأهلي. وتشير إلى أنّ غياب العدالة في توزيع المساعدات أو أولويات إعادة الإعمار، قد يخلق توترات اجتماعيةً وطائفيةً، كما هو الحال في مدينة حمص. 

في النهاية، يمكننا القول إنّ عبارة "جمعنا التهجير وفرّقنا التحرير" ليست مجرد عبارة درامية، بل تلخيص لتجربة سورية جعلت للخيمة معاني أبعد من كونها مأوى بل أصبحت كتلة حنين وذكريات، مزّقت الوطن وحوّلت الجماعات إلى أرواح معلّقة بين ماضٍ لم يعد، ومستقبل غير مضمون.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

لعلّ تعريفنا شعوباً ناطقةً بالعربية لم يعد يستقيم من دون الانتباه إلى أننا صرنا شعوباً متفلّتةً من الجغرافيا. الحروب الدائرة في منطقتنا والنزاعات الأهلية والقمع، حوّلتنا إلى مشردين، بين لاجئين ونازحين، وأي تفكير في مستقبلنا لم يعد ممكناً من دون متابعة تفاصيل حياة الجميع، أينما كانوا، وهو ما نحرص عليه في رصيف22. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image