مصير غامض لنحو 60 مصرياً خرجوا في رحلة هجرة غير نظامية عبر ليبيا

مصير غامض لنحو 60 مصرياً خرجوا في رحلة هجرة غير نظامية عبر ليبيا

حياة نحن والحقوق الأساسية

السبت 5 يوليو 202515 دقيقة للقراءة

اعتزم عشرات الأشخاص، بينهم نحو 60 مصرياً، في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الهجرة إلى إيطاليا بطريقة غير نظامية عبر السواحل الليبية، بمساعدة عدد من المهرّبين الليبيين ووسطائهم في مصر وفي غيرها من الدول التي ينتمي إليها المسافرون الآخرون.

بعد الوصول إلى ليبيا، ظلّ المسافرون محتجزين في مخازن إلى أن تحدّد موعد رحلتهم في كانون الأول/ ديسمبر 2023. وهدّد المهرّبون آنذاك بعدم تسفير هؤلاء الأشخاص إلا بعد سداد النصف الثاني من المبلغ المتفق عليه سلفاً قبل انطلاق الرحلة، ليقوم ذووهم بإرسال الأموال.

يقول ذوو ستة مصريين ممن كانوا على متن هذه الرحلة، تواصل معهم رصيف22، إنّ المركب تحرّك في الموعد المحدّد له، يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 2023، كما أخبرهم أبناؤهم، إلا أن الرحلة لم تُستكمل ولا يُعرف مصير المركب ولا مصير من كانوا على متنه حتى اللحظة.

ديفيد ترك التمريض من أجل الحلم الأوروبي

يبكي مايكل ميلاد (اسم مستعار بناءً على طلبه، 42 عاماً)، من محافظة المنيا (جنوبي البلاد)، بحرقةٍ حزناً على ابنه الأكبر ديفيد (19 عاماً)، الذي كان على متن الرحلة المذكورة، بينما يروي لرصيف22 أنّ نجله، الذي كان يدرس في الفرقة الثانية في كلية التمريض، غادر إلى ليبيا في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بعد تواصله مع مهرّب مصري يُدعى تامر. ز. أ، أقنعه بقدرته على تسفيره كأقرانه وتحقيق حلم الهجرة إلى أوروبا الذي لطالما راوده.

بعدما أخبروا ذويهم بتحرّك مركب هجرة غير نظامية بهم من ليبيا نحو إيطاليا في غضون ساعات، اختفى نحو 61 مصرياً ولا يُعرف مصيرهم منذ نهاية عام 2023. السلطات المصرية لم تعثر على أي أثر لهم في ليبيا، والأهالي يخشون الإبلاغ رسمياً خوفاً من انتقام "المهرّبين" والمساءلة القانونية

وفق الأب المصري، استطاع تامر أن يقنع سبعةً آخرين من أبناء محافظة المنيا بالسفر في الرحلة نفسها عبر مركب يتبع لمهرّب ليبي يُعرف حركيّاً باسم "أبو صدام"، لتتوقف أخبارهم بعدما أخبروا ذويهم بأنّ المركب في صدّد التحرّك بهم من مدينة سرت الليبية.

ويضيف مايكل: "سلكوا الطريق الصحراوي الغربي ومنه إلى ليبيا. انتقلوا للإقامة في أحد الأحواش في إجدابيا (شرقي ليبيا). كنا نتواصل مع ديفيد عبر فيسبوك أو هاتفياً عبر هاتف المهرّب الذي طلب منّي قبل موعد تحرّك المركب بأسبوع تحويل 250 ألف جنيه مصري (نحو 8،000 دولار أمريكي*) له. قمت بدفعها لأحد وسطائه في مصر، والذي التقى بي في مركز مغاغة في محافظة المنيا، فأخذ مني حقيبة الأموال وتحرّك بها خلال ثوانٍ معدودة".

"أبلغني المهرّب بوصول المركب إلى إيطاليا بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 2023، إلا أنه لم يرسل فيديوهات أو صوراً تؤكد صحة كلامه، لتنقطع الاتصالات تماماً معه ويتبيّن لاحقاً كذب روايته"، يُردف والد ديفيد.

ماجد سافر إلى ليبيا دون علم عائلته 

ماجد غالي (24 عاماً)، قرّر هو الآخر تحقيق حلم الهجرة بعد تخرّجه من كلية الحقوق. أقنعه أصدقاؤه بالسفر إلى إيطاليا. أخفى الأمر عن عائلته التي فوجئت بين يوم وليلة بسفره إلى ليبيا بعدما تعرّف عن طريق الإنترنت على أحد المهرّبين، واسمه الحركي "أبو عمر"، ويقيم في إجدابيا.

يحكي ميخائيل عبده (39 عاماً)، المقيم في محافظة المنوفية، تفاصيل ما حدث مع ابن شقيقته ماجد، لرصيف22: "فوجئت به يرسل لي تسجيلات صوتيةً عبر واتساب يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يبلغني فيها بوصوله إلى مدينة السلوم الحدودية المصرية، وبأنه في طريقه إلى ليبيا. تواصل معي لاحقاً، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ليبلغني بحاجته إلى المال لاستكمال رحلته. سافرت إلى منطقة ميامي في الإسكندرية لتسليم الأموال لوسيط المهرّب في مصر. عقب ذلك، تلقّيت منه اتصالاً يبلغني فيه بسفره مع زملائه فجر يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 2023، عبر مركب يتحرّك بهم من نقطة قريبة من شركة النفط في سرت/ البريقة".

وسطاء المهرّب

يؤكد ميخائيل تواصله مرات عدة مع المهرّب بعد انقطاع الاتصالات مع ماجد، قائلاً: "أبلغني بعدم وصول المركب لتتوالى أكاذيبه، فإذا به يقول تارةً: 'البقية في حياتك'، وتارةً أخرى: 'العيال ممسوكة في مالطا'، ثم قال: 'معرفش حاجة عن المركب' وحظر رقمي".

أقنع ماجد عائلته بسداد 195 ألف جنيه مصري (نحو 6 آلاف دولار*)، على دفعتين لوسيط المهرّب. يتذكّر ميخائيل تفاصيل لقائه بالوسيط ويقول: "فوجئت به يطلب مني ترك الفلوس على طاولة في أحد المقاهي وأن أرحل حتّى لا أراه أو أعرف هويته، علماً أنه كان يتواصل معنا عبر رقم هاتف فور الحصول على الأموال أغلقه تماماً. للأسف اضطررت إلى فعل ما طلبه مني خاصةً أنّ ابن شقيقتي كان تحت أيديهم". ويناشد الآن السلطات المصرية للتدخّل وإعادة نجل شقيقته.

قُصّر بين الضحايا

وفق ما ذكر المسافرون المصريون لذويهم، كانت الرحلة من تنظيم أبي صدام وأبي عمر ومهرّبين آخرين، وكان على متنها نحو 75 شخصاً، بينهم 61 مصرياً، وآخرون من جنسيات أخرى منها السورية والباكستانية والعراقية والسودانية، والعديد من المسافرين على متن الرحلة كانوا قاصرين (أقل من 18 عاماً)، فيما المبالغ التي دفعها كل مسافر من مصر تراوحت بين ستة آلاف وثمانية آلاف دولار.

وفقاً لشهادات الأسر التي تواصلنا معها، حرص وسطاء المهرّبين في مصر على تسلّم المبالغ المالية عبر تحويلات عن طريق محافظ الهواتف الإلكترونية أو تركها في أماكن عامة، لعدم كشف هوياتهم.

أقنع المهرّبان أبو صدام وأبو يوسف الليبي، الشاب خالد وليد (17 عاماً آنذاك)، وكان طالباً في الصف الثالث الثانوي، من محافظة الغربية، بالسفر إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا. اضطرت أسرته إلى الاستجابة له حينذاك. سافر على متن طائرة من مطار برج العرب في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بحسب والدته رانيا الشحات (42 عاماً)، التي تقول لرصيف22: "استطاع المهرّبون إقناع ابني ورفاقه الأربعة بقدرتهم على تحقيق حلمهم بالسفر إلى إيطاليا. لم نستطع ثنيه عن قراره. بعد وصولهم إلى ليبيا، تسلّمهم شخص يُدعى عبد القادر ونقلهم إلى أحد المخازن التابعة للمهرّبين في إجدابيا، وأُبلِغوا بأنّ الأولوية في السفر لمن سيحوّل الأموال للمهرّب أولاً. وعليه، دفعت 200 ألف جنيه (نحو 6،500 دولار)، لوسطاء السمسار في مصر عبر خمسة تحويلات عن طريق خدمة فودافون كاش، لخمسة أرقام مختلفة أرسلها خالد لي للتحويل عليها".

تضيف الأمّ أنها تلقّت تسجيلاً صوتياً أخيراً من ابنها بتاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر 2023، حيث كان "يبلغني خلاله بأنه بخير وبأنه سوف يستقلّ مع زملائه المركب فجر اليوم التالي. منذ ذلك الحين، انقطعت الاتصالات، وأعقب ذلك إغلاق الأرقام التابعة للمهرّب بعدما ظلّ يردّد: 'لا أعرف شيئاً عنهم'. عاد اثنان من زملاء خالد إلى مصر ممن لم يستقلّوا المركب، فيما عُثر على جثث اثنين آخرين في مستشفى الشهيد أمحمد المقريف المركزي التعليمي في إجدابيا هما: محمد عبودة (17 عاماً) ومحمد عبد النبي (26 عاماً)، وكلاهما من محافظة الشرقية. 

في السياق ذاته، أعلنت مديرية أمن منفذ البريقة البحري الجوي، العثور على جثتين وشخص آخر على قيد الحياة عند شاطئ البحر، ثلاثتهم يحملون الجنسية الباكستانية داخل شركة سرت لإنتاج وتصنيع النفط والغاز، وذلك بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 2023، أي في اليوم التالى للرحلة المزعومة.

تواصلت معدّة التحقيق مع مدير أمن الهلال النفطي إبان الحادث، اللواء إيهاب بوخريص الكزة، الذي نفى ضبط المركب المذكور أو أي مراكب آخر على متنه مهاجرون غير نظاميين من مصر وسوريا والعراق والسودان وباكستان خلال الفترة المذكورة. تواصلت أيضاً مع أسرتَي اثنين من المسافرين السوريين، ولم تتلقَّ ردّاً منهما حتّى نشر هذه السطور. وحين تواصلت معدّة التحقيق هاتفياً مع مدير مستشفى أمحمد المقريف التعليمي المركزي في إجدابيا، الدكتور إبراهيم عامر، للاستفسار عن المصريين اللذين عُثر على جثتيهما من بين أعضاء الرحلة المذكورة رفض التجاوب معها، وقال: "سأبحث ثم أردّ عليكم"، ولم يردّ لاحقاً على أيّ اتصالات.

الهرب عبر باخرة بترول 

فقدت الخمسينية المصرية حنان محمد، من محافظة الدقهلية، نجلَيها أحمد (30 عاماً، ميكانيكي سيارات)، وعمرو (17 عاماً، طالب في الصف الأول الثانوي)، في الرحلة نفسها، بعدما أقنعهما الوسيطان محمد.أ. خ وأبو خالد، بالسفر إلى إيطاليا عبر على متن باخرة بترول كبيرة ستتحرّك من ليبيا، على أنهما عاملا ميكانيك كي لا يتم القبض عليهما.

تقول حنان: "برغم رفضي الشديد لتلك الرحلة، خشية فقدانهما بعد فقدان شقيقهما الأكبر محمد في حادث دراجة نارية، إلا أنّ الوسيط أقنعنا بأنّ الرحلة مضمونة، ليسافرا في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إلى ليبيا". تقاضى المهرّب 360 ألف جنيه (نحو 12 ألف دولار*) بمعدّل 180 ألفاً (نحو ستة آلاف دولار*) عن كل منهما، وقامت الأمّ بتحويل المبلغ عبر خدمة "فودافون كاش"، نصفه قبل سفر الشابّين من مصر والنصف الآخر قبل انطلاق الرحلة من ليبيا، بحسب الأمّ.

 لم يتقدّم الأهالي بأيّ بلاغات رسمية، خشية "بطش وانتقام المهرّبين وأعوانهم الموجودين في مصر"، على حد قول من تحدّث منهم إلى رصيف22. ويبدو أنّ الخوف من المساءلة القانونية بسبب سماحهم لهم بالسفر وبعضهم قصّر، من بين أسباب الاكتفاء بتقديم "مناشدات" إلى وزارة الخارجية المصرية والجهات المعنية

تؤكد حنان: "هدّدنا المهرّب في حالة عدم دفع المبلغ كاملاً قبل الرحلة، بإنه لن يعيد نجليّ إلى مصر مجدداً ولن يسفّرهما إلى إيطاليا، ما دفعنا إلى تلبية طلباته بعد أن ظلّا في مخزن في إجدابيا لأكثر من شهرين". وتردف بأنه خلال تلك المدة، كان نجلاها يتواصلان معها عبر واتساب. وبعد انقطاع الاتصال معهما، "كان المهرّبون يدّعون غرق المركب تارةً، واعتقال من عليها تارةً أخرى، كلما استفسرت عن نجليّ". ولا تنسى الأم مكالمتها الأخيرة مع المهرّب في آب/ أغسطس 2024، حيث ناشدته لطمأنتها عنهما وإعادة جزء من المبلغ بما أنّ الرحلة لم تُستكمل لسداد جزء من ديونها لمقرضيها إلا أنه رفض وأنهى المكالمة.

تواصل رصيف22 مع مصدر في وزارة الخارجية المصرية، ومصدر آخر في القنصلية المصرية في ليبيا، وأكد المصدران اللذان فضّلا عدم ذكر اسميهما أن السلطات قامت بعمليات بحث مضنية عن هؤلاء الأشخاص ولم تعثر لهم على أثر وأنها تقوم بالبحث بشكل دوري دون كلل أو ملل. وأكدا أنّ السيناريوهات كافة مطروحة، بما في ذلك خطف هؤلاء الأشخاص من قبل تجّار بشر وعصابات تستغل أسرهم وتوهمهم بأنهم في أحد سجون السلطات الليبية في سبيل ابتزازهم مادياً، أو تفرّقهم داخل ليبيا والعمل والاستقرار فيها، أو الغرق في مركب هجرة غير نظامية إلى أوروبا، مع استبعاد سيناريو احتجازهم لدى السلطات في الشرق أو الغرب الليبيين بسبب طول المدة.

وشارك الأهالي رصيف22 استغاثات عدة تقدّموا بها لجهات عدة في الدولة المصرية، طالبين عدم نشرها. مع ذلك، لم يتقدّم الأهالي بأيّ بلاغات رسمية، خشية "بطش وانتقام المهرّبين وأعوانهم الموجودين في مصر"، على حد قول من تحدث منهم إلى رصيف22. ويبدو أنّ الخوف من المساءلة القانونية بسبب سماحهم لهم بالسفر وبعضهم قصّر من بين أسباب الاكتفاء بتقديم "مناشدات" إلى وزارة الخارجية المصرية والجهات المعنية.

المصريون يتصدّرون قائمة المسافرين إلى ليبيا

وفقاً لقاعدة بيانات أعدّتها معدّة التحقيق، من الأخبار التي نشرها جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية الليبي (التابع لحكومة شرق ليبيا)، خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير 2024 حتّى كانون الثاني/ يناير 2025، بلغ العدد الإجمالي للمهاجرين غير النظاميين والمخالفين لشروط الإقامة في ليبيا ممن ضبطهم الجهاز نحو 27،972 مهاجراً/ ةً، احتلّ المصريون المرتبة الأولى بـ8،034 مهاجراً/ ةً، تلاهم المهاجرون السودانيون بـ7،804 مهاجراً/ ةً.

ولم تقتصر الهجرة غير النظامية على الذكور، بل شملت إناثاً وأطفالاً، حيث بلغ عدد النساء الموقوفات 122 سيدةً، فيما بلغ عدد الأطفال 29 طفلاً/ ةً. وتنوّعت أسباب الترحيل لكن يظلّ دخول البلاد بطريقة غير نظامية ومخالفة قوانين الدولة السببين الرئيسيين وراء الترحيل، الذي غالباً ما كان مصحوباً بإبعاد للإصابة بأمراض معدية وبائية كـ"الكبد الوبائي C&B والإيدز" وغيرها من الأمراض المعدية، فضلاً عن الإبعاد الأمني ومخالفة شروط الإقامة.

غياب المؤسسات في ليبيا 

من جهته، يقول المحامي والباحث في قضايا الهجرة واللجوء، أشرف ميلاد روكسي، لرصيف22، إنّ "بعض المناطق الليبية تعاني من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، ما يفاقم معاناة المهاجرين/ ات، فالسلطة مقسّمة بين حكومتين، ما يشيع مناخاً من إفلات المذنبين من العقاب، وما قد يعرّض المهاجرين المحتجزين للموت تحت وطأة المرض أو سوء المعاملة ولا يعلم أحد عنهم شيئاً".

ولا يستبعد المحامي المصري وقوع المصريين البالغ عددهم 61 في أيدي عصابات متخصّصة في خطف المهاجرين واستغلالهم والاتّجار بهم. فهؤلاء "يطبّقون قوانينهم في المناطق التي يسيطرون عليها لا قوانين الدولة الليبية"، مطالباً "السلطات المختصة بالتدخل والعمل على إعادة هؤلاء".

مسؤولية الدولة الليبية

بدوره، يقول المحلل السياسي الليبي، عثمان بركة، لرصيف22، إنّ هناك قصوراً من السلطات الليبية في التعامل مع ملف الهجرة غير النظامية إليها، خاصةً أنّ البلد مقسّم جغرافياً وحكومياً، حيث يتم استغلال المهاجرين غير النظاميين كورقة ابتزاز محلياً ودولياً، من قبل عصابات تعمل في التهريب لديها أذرع في الداخل وفي أوروبا.

وينتقد بركة قيام السلطات الليبية بترحيل المهاجرين أو اعتقالهم، خاصةً إذا كانوا باحثين عن فرصة عمل وحياة أفضل ولم يتورّطوا في جرائم لا في بلادهم ولا في ليبيا وهربوا للإفلات من العقاب، متهماً مؤسسات لم يسمّها بابتزاز أعداد كبيرة من المهاجرين لدفع مبالغ كبيرة ومساومتهم على ترحيلهم.

دور مهم للجهات الدولية

بدوره، يقول رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عبد المنعم الحرّ، لرصيف22، إنّ الحكومة الليبية تتحمّل مسؤولية ضمان أمن وسلامة المهاجرين، وتوفير احتياجاتهم الأساسية، ومنع أي انتهاكات لحقوقهم، مثل الاحتجاز التعسفي، والعنف، والاستغلال، والعمل القسري، والاتجار بالبشر. ويؤكد أنّ وزارة الداخلية تقع على عاتقها مهمة تنظيم عملية دخول المهاجرين وخروجهم، وتوفير أماكن إيواء مناسبة، وتقديم الخدمات الأساسية لهم.

"لا شك لديّ أنّ المهاجرين في سياق الهجرة المختلطة في ليبيا يتعرضون للابتزاز والاستغلال من قبل عصابات ومهرّبي البشر، ويُعزى ذلك إلى انهيار المؤسسات الأمنية وغياب سيادة القانون في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد. وبرغم ذلك، فإنّ هذا لا يعفي الدولة الليبية من مسؤولياتها"، وفق الحر 

أما جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية، فيكمن دوره في التصدّي لظاهرة الهجرة غير النظامية داخل ليبيا، ومنع دخول المهاجرين غير النظاميين، بالإضافة إلى مكافحة جرائم الاتجار بالبشر. وعلى المستوى الدولي، تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على تقديم الحماية والمساعدة للّاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا، من خلال توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية لهم، ودعم إجراءات طلب اللجوء وإعادة التوطين. في الوقت نفسه، تقدّم منظمة الهجرة الدولية المساعدة للمهاجرين وطالبي اللجوء، وتوفّر لهم الخدمات الأساسية، كما تساعدهم في العودة الطوعية إلى بلدانهم.

ويلفت الحر أيضاً إلى أنّ الاتحاد الأوروبي يقدّم دعماً لليبيا في مجال إدارة الهجرة، عبر تمويل برامج تدريبية للعناصر الأمنية، وتقديم معدّات تقنية، ودعم مشاريع تهدف إلى تحسين أوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء. ويحثّ على عدم إغفال دور المنظمات المحلية والدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، التي تسهم في مراقبة أوضاع المهاجرين في ليبيا، وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها.

ويضيف الحر: "لا شك لديّ أنّ المهاجرين في سياق الهجرة المختلطة في ليبيا يتعرضون للابتزاز والاستغلال من قبل عصابات ومهرّبي البشر، ويُعزى ذلك إلى انهيار المؤسسات الأمنية وغياب سيادة القانون في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد. وبرغم ذلك، فإن هذا لا يعفي الدولة الليبية من مسؤولياتها، لكن هل من المنطقي أن يُطلب من الدولة أن توفّر الحماية للأجانب وهي عاجزة عن توفيرها لمواطنيها؟".

ويؤكد الحر أن ملف تهريب المهاجرين في ليبيا تديره مافيات دولية تتشابك فيها جنسيات عربية وإفريقية وأوروبية، بينما يبقى المسرح الرئيسي للجريمة هو الإقليم الليبي. ويختم بأنّ ليبيا، في تعاملها مع ملف الهجرة غير النظامية، تعتمد على المقاربة الأمنية دون مراعاة الأبعاد الإنسانية والاقتصادية للمهاجرين، وإن كان مستوى احترام حقوق المهاجرين يختلف من مركز احتجاز إلى آخر؛ فبعض المراكز التي تعمل وفقاً لضوابط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تُوصف بـ"النموذجية"، في حين أنّ المراكز الواقعة خارج طرابلس تشهد تجاوزات واسعةً، حيث لا يُتاح فيها حتى الحدّ الأدنى من حرية ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين.

*سعر الدولار كان يعادل 30.82 جنيهاً مصرياً آنذاك.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image