في ما وُصف بالتصعيد غير المسبوق، تعتزم إسرائيل فرض عقوبات على إيران، وتحويل الصراع من مواجهة عسكرية تقليدية إلى أخرى اقتصادية، يمكن من خلالها شدّ الوثاق حول رقبة طهران، لمنع مؤسساتها المالية من الالتفاف على قرارات العقوبات الدولية.
لكن هل هذه هي كل القصة أو أنّ لعبة الاقتصاد تحديداً بين الدول تتفوق على لعبة السياسة في قدرتها على إجلاس الخصوم على طاولة واحدة، ولا سيّما في ظلّ وجود سحرة النظام المالي في العالم، الوسطاء؛ سواء الشركات أو الدول؟
عقوبات إسرائيلية على كيانات إيرانية!
يقول وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس: "البنك المركزي الإيراني ليس مؤسسةً ماليةً، بل هو قناة تضخّ المليارات في ساحات الإرهاب، وتساهم عبر الحرس الثوري في تمويل أنشطة حزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق. لذلك قررنا إدراج البنك، ومؤسسات مالية تابعة للقوات المسلحة الإيرانية، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وتالياً فرض عقوبات عليها".
بمضمون الفقرة السابقة نفسه، وبعد 48 ساعةً من إعلان وقف إطلاق النار في إيران، تلا كاتس بياناً، أكد فيه تجاوب وزارته مع توصيات الموساد، وما يُسمّى بـ"الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب الاقتصادي"، التابعة للوزارة السيادية ذاتها، لبدء إجراءات فرض عقوبات إسرائيلية على المؤسسات المالية الإيرانية، بما في ذلك وكلاءها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط: حزب الله، والحوثيون، والميليشيات الشيعية في العراق، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
قائمة العقوبات الإسرائيلية المزمعة، تشمل سبعة كيانات إيرانية:
- البنك المركزي، الذي سبق أن أعلنته الولايات المتحدة منظمةً إرهابيةً في أيلول/ سبتمبر 2019.
- بنك شاهر (SHAHR)، الموصوم من قبل واشنطن في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بتمويل الإرهاب.
- بنك ميلات (MELLAT)، المدرَج في قوائم الإرهاب الأمريكية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
- شركة "صفهار إنيرجي جيهان" SEJ، وهى إحدى المؤسسات المالية التابعة لهيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية. وقبل إسرائيل، اتهمت الولايات المتحدة المؤسسة ذاتها في شباط/ فبراير 2025، بالالتفاف على العقوبات الدولية.
- مجيد أعظمي، أحد كبار مسؤولي وزارة النفط وشركة SEJ، وفرضت واشنطن عليه عقوبات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
- غمشيد أشاغي، وهو ضابط كبير في القوات المسلحة الإيرانية، ومسؤول بارز في مؤسسة (SEJ)، كشفت الولايات المتحدة عن خرقه العقوبات في شباط/ فبراير 2025.
- إلياس نيروماند توماجي، وهو مسؤول تنفيذي كبير في SEJ، يقود أنشطة تصدير النفط الإيرانية غير المشروعة، بموجب اتهام أمريكي في شباط/ فبراير 2025.
"لدغة بعوضة" لا يمكنها تركيع إيران
خطوة العقوبات وإن كانت في عموميتها غير غريبة عن آذان المراقبين، لكن هويتها الإسرائيلية فرضت علامات استفهام حول أدوات التنفيذ، ومدى قدرة المؤسسات العبرية على تفعيلها، خاصةً مع غياب التعامل الاقتصادي "المباشر" بين إسرائيل وإيران.
صحيح أن إسرائيل رفعت من وتيرة التصعيد الاقتصادي ضد إيران، لكن أدواتها في هذا الحقل تبدو رمزية أكثر منها واقعية، خاصة مع غياب علاقات مباشرة بين الجانبين. لذا، فهي تلجأ إلى إعلان قوائم عقوبات لا تملك آليات تنفيذها، مما يجعل تصريحاتها الصاخبة أقرب إلى رسائل ضغط على واشنطن وأوروبا لا أكثر
لكن وجود علامات الاستفهام، والافتقار إلى إجابات كافية، كانا سبباً في الاستخفاف بالنوايا الإسرائيلية، التي نعتها مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال البيومي، بـ"لدغة بعوضة". يقول لرصيف22: "لا تستطيع إسرائيل فرض عقوبات على أي جهة. إيران دولة إقليمية عظمى، ولديها من المناورات ما يحبط محاولات التركيع سواء كانت إسرائيليةً أو غير ذلك". برغم ذلك، لم يستبعد البيومي احتمالات استغلال إسرائيل أذرع جماعات الضغط على الحكومات الأوروبية والأمريكية عند تفعيل العقوبات المحتملة.
حول ثغرة جماعات الضغط الأمريكية على وجه الخصوص، يعلّق الخبير الاقتصادي د. مصطفى بدرة، على إجراءات إسرائيل المزمعة، بقوله لرصيف22: "مفاتيح الأمور في هذه الخطوة ليست في يد إسرائيل، وإنما في يد الولايات المتحدة. فالأخيرة هى التي تتحمل مسؤولية مساندة إسرائيل، ومن غير المستبعد أن تتجاوب مع محاولاتها الرامية إلى زيادة فرض عقوبات على إيران، خاصةً أنّ الكيانات الإيرانية السبع التي رشَّحها يسرائيل كاتس للعقوبات، سبق أن أدرجتها الولايات المتحدة ضمن قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب".
ويضيف: "التفكير إسرائيلي والتنفيذ أمريكي، بمعنى أنه إذا درست تل أبيب فرض عقوبات على مؤسسات إيرانية، فإن على واشنطن تنفيذ الهدف، خاصةً أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران خرجت بالأساس من بنك الأهداف الإسرائيلي. الهيمنة الأمريكية هي المسؤول الأول والأخير عن تفعيل أجندات إسرائيل في فرض عقوبات اقتصادية على إيران".
تهديدات عبر الإسرائيليين لأباطرة سفن النفط
في هذا السياق، لا يتنافر رأي الخبير الاقتصادي مع انقياد الولايات المتحدة وراء إسرائيل، خاصةً عند تطبيق سياسة "الحد الأقصى من الضغط"، التي مارسها دونالد ترامب ضد إيران خلال إدارته الأولى من كانون الثاني/ يناير 2017 إلى 20 كانون الثاني/ يناير 2021.
وفي كتابه "سلام ترامب… الاتفاقات الإبراهيمية والتحولات في الشرق الأوسط"، يشهد الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد، على ذلك مؤكداً أنه "خلافاً لإدارة باراك أوباما، ومنذ ولاية ترامب الأولى، لم يغِب ملف العقوبات الإيرانية نهائياً عن ناظرَي الإسرائيليين قبل الأمريكيين. تؤكد ذلك تنسيقات الموفد الأمريكي الأسبق براين هوك مع إسرائيل".
ويقرّ رافيد بأن هوك الذي أدار صراعاً اقتصادياً ضد الإيرانيين، لم يمارس نشاطه بعيداً عن الوصاية الإسرائيلية، وربما اتضح لاحقاً كيف أنه كان يجري اتصالات عبر الإسرائيليين بأباطرة مُلَّاك السفن في مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن اتصالات مماثلة بقباطنة ناقلات النفط، لتحذيرهم من مغبة نقل النفط الإيراني.
وبحسب الكاتب الإسرائيلي، فقد هدّد براين هوك في إحدى المرات هؤلاء الملاّك بأنهم إذا واصلوا نقل النفط الإيراني، فسوف تُفرض عليهم عقوبات أمريكية. كما عرض عليهم في مرات أخرى تغيير وجهة النفط الإيراني من الموانئ المحددة سلفاً إلى غيرها، للحصول في المقابل على مكافآت مالية سخيَّة، والحيلولة دون مصادرة الحمولة.
العقوبات التي لوّحت بها إسرائيل ضد كيانات إيرانية ليست جديدة، فمعظمها سبق أن استهدفتها واشنطن بالعقوبات منذ سنوات. ومع ذلك، تراهن تل أبيب على "شبح التكرار" بوصفه أداة ردع.
لماذا إذاً فشلت العقوبات في إخضاع النظام الإيراني؟ وهل تتآكل احتمالات انتقال الصراع من المواجهة المسلّحة لبنك الأهداف الإسرائيلي/ الأمريكي إلى المواجهة الاقتصادية؟
أساليب متنوعة للالتفاف على العقوبات
للإجابة عن هذه الأسئلة، ومن خلال مراجعة زمنية، يبدو واضحاً أن العقوبات المفروضة على إيران لم توقف المشروع النووي، ولم تُطِح بالنظام، أو حتى تجمِّد تمويلات إيران لمنظمة أو أخرى. الإيرانيون واجهوا العقوبات بوضع خطط التفاف، واعتمدوا في ذلك على تجربة كوريا الشمالية طويلة الأمد مع العقوبات الأمريكية. ومن أبرز نقاط ضعف سياسة العقوبات، غياب التعاون الدولي الكامل الذي يسمح بتطبيقها، بحسب الخبير الاقتصادي النائب السابق لمدير مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، د مجدي صبحي.
يقول لرصيف22: "على شاكلة كوريا الشمالية، ترى إيران في الصين ركيزةً أساسيةً للالتفاف على العقوبات، وهو ما جعل الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين بمثابة شريان حياة بالغ الأهمية للصينيين والإيرانيين معاً. يضاف إلى ذلك (ولا سيما قبل الحرب الروسية الأوكرانية)، تزايد الانتقادات الغربية لسياسة العقوبات الأمريكية، التي عُدّت تمييزيةً وانتقائيةً وتخدم الاقتصاد الأمريكي، وهو انتقاد أدى إلى تراجع كبير في رغبة تطبيق العقوبات. وكانت الخطوة التالية هي استغلال البنية التحتية المالية لدول الخليج، خاصةً قطر والإمارات، مع العلم أنّ تطبيق العقوبات الأمريكية لن يكون ممكناً في هذه الدول".
تتّسق مع تحليل صبحي، دراسة أعدّها "معهد JISS لسياسات القضايا الخارجية والأمنية" الإسرائيلي، وصدرت تحت عنوان "كيف تتغلب إيران على العقوبات الاقتصادية؟". ويعزو معدّ الدراسة الدكتور أودي ليفي، نجاح الإيرانيين في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية إلى النفط. ويشير إلى ذلك بقوله: "عند تصدير النفط لدول مثل الصين وفنزويلا والهند عبر أساليب متنوعة للالتفاف على العقوبات الامريكية، تمكّن الإيرانيون من البقاء اقتصادياً. أبرز الطرق الالتفافية، كانت إبحار ناقلات النفط من إيران، ونقل محتواها إلى ناقلات أجنبية (خاصةً العراقية والتركية) في عرض البحر. استفاد الجميع من هذه الطريقة: الإيرانيون تمكّنوا من بيع النفط الذي يملكونه، والعراقيون والأتراك حصلوا على عمولات وساطة مجزية، وبالطبع الدول المشترية التي استلمت النفط بأسعار زهيدة قياساً بالسوق".
ملاذات للشركات المتعاونة مع إيران وحلفائها
ربما تستحيل مبادرة يسرائيل كاتس والموساد إلى حبر على ورق، حين تتضح خروقات العقوبات من قبل تل أبيب وواشنطن؛ فعند تتبّع مسار التفاف إيران وحلفائها على العقوبات، تشي المعطيات بتحوُّل الولايات المتحدة وإسرائيل نفسها إلى ملاذات للشركات المتعاونة مع إيران.
ففي سياق تحقيق استقصائي لصحيفة "غلوبز"، تبيَّن أن الشركات الصينية التي تتجاهل عقوبات إدارة ترامب على إيران، تفوز دون عوائق بمناقصات للبنى التحتية في إسرائيل، بدايةً من مشروع شقّ أنفاق الكرمل، وخطّ السكك الحديدية عكا-كرمئيل، وصولاً إلى إنشاء ميناء أشدود المستقبلي، وتشغيل ميناء حيفا، فضلاً عن درّة التاج المتمثلة في مشروع القطار الخفيف في منطقة غوش دان.
المفارقة تتجلى في أن هناك شركات صينية وأوروبية تتعاون مع إيران في مشاريع حيوية، وتفوز في الوقت نفسه بمناقصات ضخمة داخل إسرائيل، ما يكشف تناقضاً بين الخطاب السياسي والمصالح الاقتصادية، ويُظهر هشاشة سردية العداء العلني حين تدخل أرباح الشركات العابرة للقارات على الخط
فالشركات الصينية العاملة في إسرائيل، مثل "CRC" و"CRTG" و"CCECC"، جزء من مجموعات حكومية صينية مسؤولة، بجانب مشروعات أخرى، عن بناء السكك الحديدية الخفيفة وخطوط مترو مدينة مشهد، ثاني أكبر مدينة في إيران، ومشروع بناء خط السكك الحديدية فائقة السرعة بين طهران ومشهد.
وبجانب الشركات الصينية، تجمع شركات أوروبية أيضاً بين العمل في إيران وإسرائيل، ومنها شركة "SGS" السويسرية، وهي شركة دولية تعمل في مجال مراقبة وتفتيش الشحنات والبضائع والمنتجات لتحديد كمياتها، ولديها ما لا يقلّ عن 18 فرعاً في جميع أنحاء إيران. ووفقاً لموقع الشركة الإلكتروني، فإنّ ممثل مجموعة "SGS" في إسرائيل هي شركة "Gesco"، المسجلة في شارع اللنبي في تل أبيب، بحسب تقرير الصحيفة العبرية.
أما المفارقة المثيرة، فهي أنّ تل أبيب وواشنطن تغضّان الطرف عن تعاون شركات إسرائيلية بشكل غير مباشر مع إيران أو على الأقل مع حلفائها. ووفقاً لتقرير نشره موقع "ذي إنسيدار"، كشفت بيانات الجمارك وتقارير الشركات في روسيا عن أنه في عام 2024 فقط، استوردت روسيا أدوات قطع دقيقة بقيمة تزيد عن 10 ملايين دولار أمريكي من شركات إسرائيلية، معظمها عبر وسطاء في الصين وأوزبكستان. وتستخدم هذه الأدوات على نطاق واسع شركات الدفاع الروسية العاملة في إنتاج الصواريخ والطائرات وأنظمة الرادار، والتي تمدّ إيران باحتياجاتها من الدفاعات الروسية.
أما المورّد الرئيسي لأدوات القطع الدقيقة، فلم يكن سوى شركة "Iscar"، وهي شركة تصنيع إسرائيلية بارزة، تتبع مجموعة شركات تشغيل المعادن الدولية (IMC) ومقرّها في الولايات المتحدة.
وبموجب معطيات التقرير، شحنت شركة "فارغوز"، وهي علامة تجارية إسرائيلية أخرى تعمل تحت مظلّة مجموعة "نيومو إيرينبرغ" الألمانية، أدوات قطع دقيقة بقيمة 3 ملايين دولار إلى روسيا عام 2024. أما شركة "إروغيت"، وهي شركة إسرائيلية ثالثة، فصدّرت لموسكو أدوات قطع بقيمة نصف مليون دولار تقريباً، معظمها عبر شركة روسية مرتبطة بصناعة المروحيات.
هدوء الصين واستقلال الهند… عن أي عقوبات نتحدث؟
تأسيساً على ما سبق، لا بدّ من الاعتراف بتبدّد المواقف السياسية أمام لغة المصالح، وتالياً فشل العقوبات الإسرائيلية المزمعة ضد إيران قبل ولادتها؛ فالصين على سبيل المثال تجنح إلى الهدوء عند التعاطي مع المواقف السياسية، وفي حين لا تتنازل عن تدفقات التجارة وواردات النفط من إيران، تتمسك بمشاريعها الرئيسية لدى الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بحسب شو وي جون، الباحث المساعد في معهد السياسات العامة في جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا.
الهند والصين لا تعترفان بلعبة العقوبات كما تريدها إسرائيل أو حتى أمريكا. وتمارسان دبلوماسية صامتة تغلب فيها المصالح التجارية فوق الصراعات السياسية.
ولعلّ سفير بكين لدى تل أبيب شياو تشونج تشنغ، كان أكثر توفيقاً ومباشرة في تحديد سياسات بلاده الهادئة، حين أشار في لقاء مع صحيفة "كالكاليست" إلى ابتعاد بلاده في العلاقة مع إسرائيل عن التوترات الجيو-سياسية في المنطقة، حين صرّح بالقول: "الصين أكبر شركاء إسرائيل التجاريين في آسيا، والثانية على مستوى العالم. وفقاً لقاعدة بيانات الجمارك الصينية، ارتفع حجم التجارة الثنائية بين البلدين من 8 مليارات دولار عام 2013 إلى 25.45 مليار دولار في 2022، قبل أن يتراجع إلى 14.5 مليارات دولار عام 2023. ومع ذلك، ففي عام 2024، بلغت الواردات الإسرائيلية من الصين ذروتها، لتصل إلى 13.53 مليار دولار، بزيادة تقارب 20% مقارنةً بعام 2023".
ولا تعترف الهند هي الأخرى بلغة العقوبات؛ فبرغم سلسلة التحذيرات الأمريكية ضد دول تواصل التعامل التجاري مع طهران، وقّعت حكومة نيودلهي منتصف العام الماضي 2024، اتفاقيةً مدّتها عشر سنوات مع حكومة طهران، لتطوير وتشغيل ميناء تشابهار الإيراني بقيمة 370 مليون دولار.
وفي إطار ما يصفه مراقبون بـ"الاستقلال الإستراتيجي"، تتفادى الهند صداماً مع الأصدقاء والخصوم؛ فلا ينسى رئيس الوزراء ناريندرا مودي تبعية 15% إلى 20% من المسلمين الشيعة في الهند لخامنئي، وفي المقابل تقدّر الهند علاقتها مع إسرائيل، خاصةً على مدى العقود الثلاثة الماضية، إذ أصبحت إسرائيل أحد أهم شركاء الهند الإستراتيجيين.
وتشمل شراكة الهند وإسرائيل طيفاً واسعاً من العلاقات الدبلوماسية، ومكافحة الإرهاب، والاستخبارات، والدفاع، والتكنولوجيا، والزراعة، والأعمال التجارية، والثقافة. وربما كان ذلك أيضاً هو السبب في تراجع دعم نيودلهي التقليدي للفلسطينيين في المنظمات متعددة الأطراف بشكل ملحوظ، حتى أنه غالباً ما تمتنع الهند حالياً عن التصويت ضد إسرائيل في المحافل والمنتديات الدولية.
الاقتصاد فوق السياسة… حتى بين الأعداء
الغريب هو أنّ العلاقات الاقتصادية لا تظهر بالحدّة نفسها التي تبدو بها العلاقات السياسية، ففي مشهد تتشابك فيه المصالح فوق "العقائد"، تظهر العقوبات الإسرائيلية ضد إيران كحلقة جديدة في سلسلة طويلة من "المواجهات الرمزية" التي تتجاوز قدرات تل أبيب التنفيذية.
فبينما تُجاهر إسرائيل بقوائمها السوداء، تبقى العقوبات رهن موافقة البيت الأبيض، لا قرارات وزارة الدفاع الإسرائيلية. ففي الشرق، تواصل الصين التجارة مع إسرائيل وإيران، وتمارس دبلوماسية المصالح بصمت بارد. وفي الجنوب الآسيوي، تسير الهند على حبل مشدود بين عمامة خامنئي وشراكة السلاح مع تل أبيب؛ تفتح أبواب موانئها أمام طهران وتغلق التصويت ضد إسرائيل في الأمم المتحدة.
وفي الخليج، حيث تتقاطع الأموال والبنية التحتية والسيادة المالية، تبقى الثغرات مفتوحةً في جدار العقوبات، ويُستخدم النظام المالي كمساحة مناورة أكثر منه أداة ردع.
لذا، فعلى الرغم من رفع سقف التهديد الاقتصادي الإسرائيلي، يبدو أنّ الأمور خلف الكواليس أهدأ بكثير مما هي في الواقع.
أُنتج هذا الموضوع بالتعاون مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.