ما هو مقرّ خاتم الأنبياء الذي استهدفت إسرائيل قائده الجديد؟

ما هو مقرّ خاتم الأنبياء الذي استهدفت إسرائيل قائده الجديد؟

سياسة نحن والتاريخ

الخميس 19 يونيو 202507:59 ص

بعد مرور أربعة أيام فقط على الموجة الأولى من الهجمات الإسرائيلية غير المسبوقة ضد إيران، والتي أسفرت عن مقتل عدد من أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، أعلنت القوات الإسرائيلية، يوم الثلاثاء 17 حزيران/يونيو 2025، مقتل الجنرال علي شادماني، القائد الجديد لمقر "خاتم الأنبیاء" المركزي، والذي يُعد من أهم المراكز القيادية في البنية العسكرية الإيرانية.

علي شادماني، الذي تم تعيينه قائداً لهذا المقر بقرار مباشر من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، لم يمكث في منصبه إلا أربعة أيام فقط، فقد جاء تعيينه عقب اغتيال سلفه الفريق الأول غلام علي رشيد في اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي على إيران، 13 حزيران/يونيو 2025، ورشيد كان أحد أكثر القادة العسكريين قرباً وثقة لدى القيادة الإيرانية، لا سيما المرشد الأعلى.

ترقية شادماني إلى رتبة "فريق أول"، أعلى رتبة عسكرية في إيران، جاءت مع تعيينه في المنصب، وهو ما يعكس مكانة هذا المقر ودوره الحاسم في توجيه العمليات العسكرية الكبرى داخل البلاد وخارجها. إلا أن مقتله السريع بعد توليه المنصب يسلط الضوء على مدى فداحة الاختراق الأمني الذي تعاني منه إيران في ظل التصعيد مع إسرائيل.

مسيرة علي شادماني العسكرية

يُعد شادماني من الضباط الذين تدرجوا في صفوف الحرس الثوري منذ السنوات الأولى بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، وشغل العديد من المناصب العملياتية البارزة في كل من الحرس الثوري وهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.

تأسس هذا المقر خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، استجابة للحاجة إلى كيان تنسيقي موحد يجمع بين الجيش النظامي وقوات الحرس الثوري التي كانت تنمو آنذاك بسرعة

قبل ترقيته الأخيرة، كان يشغل منصب نائب التنسيق في مقر خاتم الأنبیاء، كما تولّى في فترات سابقة قيادة مقر “نجف” – أحد أهم المقرات التابعة للقوات البرية للحرس الثوري – وكذلك منصب رئيس إدارة العمليات ونائب رئيس العمليات في هيئة الأركان العامة. وتُعد هذه المناصب مؤشرات واضحة على قربه من دوائر القرار العسكرية العليا، وعلى مهاراته التنظيمية والعملياتية التي أهلته لقيادة أعلى مقر عملياتي في البلاد.

خلفية حول مقر "خاتم الأنبیاء"

يُعد "مقر خاتم الأنبیاء المركزي" (الذي ينبغي عدم الخلط بينه وبين مقر "خاتم الأنبیاء لإعادة الإعمار" أو "مقر الدفاع الجوي") أرفع مؤسسة قيادية للعمليات العسكرية في إيران. تأسس هذا المقر خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، استجابة للحاجة إلى كيان تنسيقي موحد يجمع بين الجيش النظامي وقوات الحرس الثوري التي كانت تنمو آنذاك بسرعة.

أُنشئ المقر في أواخر عام 1983 بعد أن تصاعدت الخلافات بين الجيش والحرس الثوري بشأن إدارة العمليات. في ذلك الوقت، قام المرشد الأول للجمهورية، آية الله الخميني، بتعيين رئيس مجلس الشورى آنذاك، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، قائداً أعلى للحرب، وتم تأسيس المقر في طهران تحت إشرافه المباشر.

في بداية تأسيسه، كان يُعرف بـ"مقر كربلاء"، ثم جرى تغيير اسمه إلى "مقر خاتم الأنبیاء" ليصبح لاحقاً الذراع الأساسية في التخطيط والتنفيذ للعمليات الكبرى، مثل "عملية خيبر" عام 1984، التي شكلت نموذجاً لتنسيق العمليات بين الحرس الثوري والجيش الإيراني.

الدور القيادي في الحرب

خلال السنوات الأخيرة من الحرب مع العراق، أدار مقر "خاتم الأنبیاء" غالبية العمليات الكبرى التي نفذتها القوات الإيرانية. وقد أشرف على مقرات فرعية رئيسية تابعة للحرس، مثل "كربلاء" و"نجف" و"نوح" و"القدس"، كما تنسق مع مقرات الجيش، والوحدات التابعة لجهات شبه عسكرية، مثل قوات التعبئة الشعبية (البسيج)، واللجان الثورية، وحتى الدوائر التابعة لجهاد البناء.

كان الهدف من هذا المقر خلق مركز قيادة موحد للحد من الازدواجية والتضارب بين الجيش والحرس، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل. فقد استمرت الخلافات بين الطرفين حتى بعد الحرب، ما دفع في نهاية المطاف إلى تأسيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة عام 1988، التي تحولت عام 1991 إلى الهيئة المعروفة اليوم بنفس الاسم.

انتقال القيادة إلى خامنئي

بعد وفاة الخميني عام 1989، واستلام خامنئي منصب القيادة العليا للقوات المسلحة، استقال هاشمي رفسنجاني من منصب نائب القائد الأعلى. ومنذ ذلك الحين، وحتى عام 2016، تولى خامنئي بنفسه الإشراف المباشر على مقر "خاتم الأنبیاء".

إحياء دور هذا المقر، الذي تأسس أصلاً في زمن الحرب العراقية الإيرانية، يتم اليوم وسط مخاوف حقيقية من اندلاع صراع مباشر مع إسرائيل

تعيين غلام علي رشيد في عام 2016 كقائد للمقر جاء بعد سنوات من عمله في موقع نائب رئيس هيئة الأركان، وقد كان يُعد من أقرب القادة العسكريين لخامنئي. حتى اغتياله مؤخراً (13 حزيران/ يونيو 2025)، كان رشيد يتمتع بنفوذ واسع، واعتُبر العقل المدبر للكثير من الإستراتيجيات العسكرية الدفاعية والهجومية.

شادماني رئيساً للمقرّ

مع اغتيال رشيد، وجدت القيادة الإيرانية نفسها مضطرة إلى تعيين بديل سريع، فوقع الاختيار على شادماني نظراً لمعرفته الدقيقة ببنية المقر وعلاقاته الواسعة ضمن شبكة القيادات العسكرية، إلا أنه لم تمر أربعة أيام على توليه المنصب حتى اغتالته إسرائيل يوم الثلاثاء 17 حزيران/ يونيو 20225.


مستقبل مقر "خاتم الأنبیاء"

تجدر الإشارة إلى أن إحياء دور هذا المقر، الذي تأسس أصلاً في زمن الحرب العراقية الإيرانية، يتم اليوم في ظل اندلاع صراع مباشر مع إسرائيل، سعت إيران دوماً إلى تجنبه وأوكلت لأذرعها في المنطقة القيام به. ورغم تراجع دوره بعد الحرب، إلا أن طبيعته المركزية ودوره التاريخي يجعلان منه مرشحاً ليكون مجدداً مقر القيادة العملياتية الأعلى في حال تطورت الأحداث.

لكن السؤال المطروح الآن: إلى أي مدى يمكن لمقر "خاتم الأنبیاء" أن يستعيد دوره السابق؟ وهل تتيح الظروف السياسية والعسكرية الداخلية اليوم له أن يقود التنسيق بين فروع القوات المسلحة، كما فعل خلال الحرب مع العراق؟ وهل سيستجيب الجيش النظامي والحرس الثوري لتعليماته بصورة فعالة في حال اندلاع حرب واسعة؟

لا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة بشأن إعادة بناء المقر بعد خسارة اثنين من قادته الكبار في أقل من أسبوع، لكن ما هو مؤكد أن اسم "خاتم الأنبیاء" عاد بقوة إلى واجهة المشهد العسكري الإيراني، وربما يحمل معه صفحة جديدة من الصراع الطويل بين إيران وإسرائيل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard
Popup Image