تغيير النظام في إيران... قلق أمريكي من

تغيير النظام في إيران... قلق أمريكي من "آية الله الذي لا نعرفه"

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأربعاء 18 يونيو 202501:05 م

يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل حثيث جرّ الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب إلى لعبة "تغيير النظام في إيران". وإنْ كانت واشنطن لا تزال حتى اللحظة تعمل بحسب قاعدة "آية الله الذي نعرفه أفضل من آية الله الذي لا نعرفه"، إلا أن طرح الفكرة دفع عدّة وسائل إعلامية إلى تخصيص مساحات لتناولها.

كل شيء بدأ من الأحلام الشرق أوسطية الجديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي. بعد الإنجازات العسكرية والأمنية التي حققها في العامين الأخيرين مع حكومته اليمينية، واعتبر أنه غيّر بها وجه الشرق الأوسط، ها هو الآن يتعارك مع رأس المحور المعادي لإسرائيل. وأمام الضربات الموجعة التي يلحقها بهذا الرأس، يبدو أن طموحات جديدة تولّدت لديه، فلم يعد يريد الاكتفاء بالعمل على تدمير البرنامجين الإيرانيين النووي والصاروخي، وصارت تدغدغه فكرة إسقاط نظام "آيات الله" مرّة واحدة.

طموحات نتنياهو هذه عبّر عنها، مواربةً، في مقابلته مع قناة "فوكس نيوز" مساء الأحد. عندما سُئل عمّا إذا كان تغيير النظام في إيران أحد أهداف الحرب الحالية، لم يجب بالنفي وفضّل التعليق بأنه "يمكن بالتأكيد أن يكون النتيجة، لأن إيران ضعيفة جداً"، داعياً الإيرانيين إلى التوحد والمطالبة بحريتهم من "النظام الشرير والقمعي".

يحاول نتنياهو بشكل حثيث جرّ الولايات المتحدة ورئيسها إلى لعبة "تغيير النظام في إيران". لكن واشنطن لا تزال - حتى اللحظة - تعمل بحسب قاعدة "آية الله الذي نعرفه أفضل من آية الله الذي لا نعرفه"

حتى اللحظة، إسقاط النظام الإيراني ليس هدفاً إسرائيلياً رسمياً، يشير باراك رافيد ومارك كابوتو في تقرير نشره موقع "أكسيوس" بعنوان "تغيير النظام يبرز كهدف غير معلن لحرب إسرائيل في إيران"، بمعنى أنه ليس من بين الأهداف التي وافقت عليها الحكومة الأمنية المصغرة قبيل الحرب.

ولكن الحديث عن هذا الخيار يتزايد. كيف يتحقق؟ لا يمكن أن يكون هنالك جواب واضح. ولكن لا خطوط حمراء. ففي مقابلته الاثنين مع قناة "إيه بي سي نيوز"، قال نتنياهو إن إسرائيل قد تختار قتل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، معتبراً أن هكذا خطوة "ستنهي الصراع".

قد يكون نتنياهو واقعاً في ما أسماه بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والذي كان منخرطاً بعمق في سياسة إيران، بـ"وهم الحل البسيط". ففي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 17 حزيران/ يونيو، بعنوان "’تغيير النظام’؟ التساؤلات حول هدف إسرائيل في إيران تضغط على ترامب"، يعبّر رودس، عن خشيته من أن يكون النجاح الأوّلي للحملة العسكرية الإسرائيلية قد خلق وهم الحل البسيط، وهو ما جرى في مراحل مبكرة من إسقاط صدام حسين قبل أكثر من 20 عاماً: "كان الأمر يبدو رائعاً عندما سقط تمثال صدام حسين" في ربيع 2003، يقول.

إشارات متضاربة

ترفض الإدارة الأمريكية اغتيال خامنئي. يلخّص مسؤول كبير فيها تفكيرها حول هذه النقطة بقوله إن المرشد الأعلى "هو آية الله الذي تعرفه مقابل آية الله الذي لا تعرفه". وحتى اللحظة لا تزال ترفض الانجرار إلى الحرب هجومياً، وتكتفي بالمشاركة فيها عبر الدفاع عن إسرائيل ومساعدتها في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية.

ولكن في أي لحظة قد يغيّر ترامب رأيه. رغم أن الرئيس الأمريكي لا يحب جر بلاده إلى حروب، إلا أنه "ينجذب بشدة إلى النجاحات الدراماتيكية والاعتراف الشخصي بها. وقد تكون حملة الضربات الناجحة لإسرائيل مغرية له"، بحسب توصيف الكاتب دان بيري الذي قاد تغطية شؤون إيران أثناء عمله سابقاً محرراً للشرق الأوسط في مكتب وكالة "أسوشيتد برس" للأنباء في القاهرة.

ويرى بيري في مقال نشرته مجلة "نيوزويك" في 16 حزيران/ يونيو الجاري، بعنوان "هل تغيير النظام في إيران ممكن؟"، أن الأمور قد تتدحرج إلى مشاركة أمريكية في الحرب ووضع خيار "تقويض النظام" على الطاولة، بحال رفض النظام الإيراني اتفاقاً نووياً يتضمن تسليم اليورانيوم المخصب و"إنهاء جهوده الفاضحة في تقويض جيرانه من خلال الميليشيات الوكيلة، ووقف إنتاج الصواريخ الباليستية طويلة المدى".

تردُّد ترامب بين الرغبة في إبعاد أمريكا عن الحروب الدائرة في مناطق بعيدة عنها، تطبيقاً لمبدأ "أمريكا أولاً"، وبين حماسته للمشاركة في ما يراه "إنجازاً عسكرياً إسرائيلياً" وخوفه من أن تؤدي العملية الإسرائيلية إلى تغييرات دراماتيكية في الشرق الأوسط بدون أن يتصدّر هو المشهد هو ما ينتج الإشارات المتضاربة التي يرسلها، على الأرجح.

في الساعات الـ48 الأخيرة حبس أنفاس العالم بسبب تحركاته ومنشوراته على موقع "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي. من دعوة سكان طهران إلى إخلائها، ثم مغادرته غير المفهومة لقمة مجموعة الدول السبع المنعقدة في كندا ودعوته مجلس الأمن القومي للانعقاد، وصولاً إلى دعوته إيران إلى "الاستسلام الكامل"... إشارات كثيرة يُفهم منها في وضع طبيعي أن مطلقها يتجهّز لإعلان حرب، لكن عندما تصدر عن ترامب قد تصير ببساطة فقط للاستعراض.

حتى الآن، الموقف الرسمي الأمريكي هو رفض الانخراط في الحرب وإفساح المجال لجولة تفاوض جديدة مع إيران تُعقد هذا الأسبوع، ويقودها من الجانب الأمريكي مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف و/أو نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس. وحتى الآن، لا تزال الإدارة الأمريكية ترفض محاولة اغتيال خامنئي وإنْ كان ترامب قد حذّره من أنه يعرف أين يختبئ لكنه لن يقتله، "على الأقل في الوقت الحالي".

ولكن هذا حتى الآن فقط. غداً يوم آخر. قبل اجتماع ترامب بفريقه للأمن القومي مساء الثلاثاء، كان يفكّر بجدية بالمشاركة في الحرب وقصف المنشآت النووية الإيرانية، وخاصة منشأة فوردو شديدة التحصين، بحسب ثلاثة مسؤولين أمريكيين، ولكن انتهى الاجتماع بخطوة منه إلى الوراء.

القصف لا يُغيّر أنظمة

في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، في 16 حزيران/ يونيو الجاري، بعنوان "مهمة إسرائيل الإيرانية تنزلق إلى إسقاط النظام"، شارك الكاتب دايفيد إغناتيوس في النقاش الدائر حول تغيير النظام في إيران.

يعتبر أن ما يحدث في طهران يدلّ على أن "إسرائيل وسّعت عدستها" وتريد إسقاط النظام، وينقل عن الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي كريم سجادبور قوله إن "الجمهورية الإسلامية أمضت عقوداً وهي تسعى إلى إزالة إسرائيل. الآن، يبدو أن إسرائيل تسعى لإنهاء الجمهورية الإسلامية".

الأسئلة الأساسية، برأي إغناتيوس، هي "كيف سيأتي التغيير؟" و"ما هو الطريق نحو دولة ديناميكية تليق بشعب إيران المبدع والمثقف؟". يبدأ محاولته للإجابة عن هذه الأسئلة بالإشارة إلى "حقيقة بديهية": "إسرائيل لا تستطيع تمهيد الطريق نحو إيران جديدة بالقصف"، فالقصف الإستراتيجي لم يكسر إرادة البريطانيين والألمان واليابانيين في الحرب العالمية الثانية، كما أنه لم ينجح في "تدمير" حركة حماس في غزة.

يعتبر "خبراء إيرانيون" أن "أفضل طريقة لحشد الإيرانيين هي مساعدتهم على بناء دولة أكثر ازدهاراً وتقدماً واندماجاً"، وهذه الطريقة لم يسبق لمخططي الاستخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة أن اعتمدوها، بل عادةً ما يقومون بالعكس

ويشير إغناتيوس إلى إجماع "خبراء إيرانيين" تحدث معهم على فكرة أن "أفضل طريقة لحشد الإيرانيين هي مساعدتهم على بناء دولة أكثر ازدهاراً وتقدماً واندماجاً"، وهذه الطريقة لم يسبق لمخططي الاستخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة أن اعتمدوها، بل عادةً ما يقومون بالعكس تماماً، ويحاولون استغلال الانقسامات العرقية في إيران وتحريك الكرد والأذريين والعرب والبلوش ضد النظام المركزي.

سجادبور هو أحد هؤلاء. يجادل بأن النهج الصحيح في التفكير بتغيير النظام ينبغي أن يقوم على تشجيع الوطنية الحقيقية، بعيداً عن رجال الدين، لتأتي "مجموعة من القادة يكون مبدأهم المنظِّم ليس الثورة الإسلامية، بل المصلحة الوطنية"، و"بدلاً من شعار "الموت لأمريكا"، يجب أن يُرفع شعار "تحيا إيران".

في سياق مرتبط، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" في 16 حزيران/ يونيو مقالاً بعنوان "قصف إيران؟ ترامب بحاجة إلى التفكير بماذا سيحدث لاحقاً"، كتبته "هيئة التحرير"، ما يعني أنه يعكس رأي الصحيفة، أشارت فيه إلى أن هدف نتنياهو "هو إنهاك الدولة الإيرانية إلى حد يُسرّع من سقوط الجمهورية الإسلامية"، داعيةً الإدارة الأمريكية إلى "الحذر من الانخراط في ضربات تهدف إلى تغيير النظام الإيراني فجأة"، لأن تجربة أمريكا "المأساوية" في أفغانستان أظهرت "أن إسقاط حكومة بالقصف أمر سهل، لكن من الأصعب بكثير إقامة بديل شرعي ومعتدل". وبالتالي، تدعو الصحيفة ترامب إلى أن يسأل نفسه: "ماذا سيفعل لمنع إيران من الانهيار إلى حالة من الفوضى التي تؤدي إلى انتشار التطرف وعدم الاستقرار الإقليمي".

تغيير من الخارج؟

ينتقد دان بيري، في مقاله المذكور، "المحاولات الفاشلة لتغيير الأنظمة من الخارج" من أفغانستان إلى صدام حسين. برأيه، "هذه الحالات لا تعلّم أن تغيير النظام محكوم عليه دائماً بالفشل، بل تعلّم أن الجهات الخارجية لا تستطيع فرض الشرعية والاستقرار داخلياً. لا يمكنك تحرير شعب غير مستعد للتحرك، أو قد يراك كتهديد أكبر".

ويشير إلى أنه، وحتى إنْ كان الشعب الإيراني يكره النظام الإسلامي الذي يحكمه، فهو شعب "ذو نزعة قومية شديدة"، و"أي تدخل يبدو مدفوعاً من الخارج قد يقوّي خطاب النظام ويثير رد فعل عنيف"، ويعزز من قبضة الحرس الثوري في الداخل لأنه يستفيد من "صورة إيران كقلعة محاصرة".

يلتقي رأي بيري هذا مع تقدير الخبير في الشأن الإيراني في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي راز زيمت بأن الفشل الأمني الضخم قد يكون زاد من غضب الكثير من الإيرانيين من حكومتهم، لكن صور الجرحى المدنيين والدمار في أحياء في طهران "يؤدي إلى تقوية التضامن الوطني ودفع الإيرانيين إلى الالتفاف حول العَلَم".

الفشل الأمني الضخم قد يكون زاد من غضب الكثير من الإيرانيين من حكومتهم، لكن صور الجرحى المدنيين والدمار في أحياء في طهران "يؤدي إلى تقوية التضامن الوطني ودفع الإيرانيين إلى الالتفاف حول العَلَم"

كما يلتقي مع رأي عبّر عنه دايفيد إغناتيوس في مشاركة ثانية له في نقاش قضية "تغيير النظام في إيران"، خلال 24 ساعة، في حوار نشرته "واشنطن بوست" مع اثنين من كتّابها في 17 حزيران/ يونيو، بعنوان "كيف سينتهي الصراع الإسرائيلي الإيراني؟". يقول إن "النظام غير محبوب على نطاق واسع، والشعب يفضّل إلى حد كبير حكومة أكثر حرية وعلمانية"، لكن "الناس عادةً ما يردّون على القصف بالغضب من المهاجمين، وليس من حكامهم".

حالياً، "لا توجد أي مؤشرات حقيقية على وجود حركة تغيير فعلية"، يقول إغناتيوس. ولهذا السبب، وأيضاً بسبب تجارب عدّة مع القمع عاشها الإيرانيون أثناء انتفاضات شعبية سابقة، يرى بيري أن "السيناريو الأكثر احتمالاً ]للتغيير من الداخل[ هو انقلاب قصر: تمزق داخل الجيش، وربما حتى داخل الحرس الثوري نفسه"، فـ"كلا المؤسستين تعرّضتا لهزائم مهينة في الأيام الأخيرة، وليس من المستبعد أن يتخلوا عن القيادة الدينية المتقادمة لحماية مصالحهم المالية الفاسدة".

لا حلول سحرية وسهلة لتغيير النظام في إيران. ويعقّد من المسألة تشكّل المجتمع الإيراني من عدة جماعات عرقية إلى جانب الأغلبية الفارسية، وهذا ما يشير إليه الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" جايسون ويليك الذي يرى أنه "من المنطقي تخيّل أن يؤدي ‘تغيير النظام’ إلى تفكك البلاد على أساس حدود جديدة، بدلاً من مجرد بروز حكومة جديدة تدير الدولة كما هي". ولذلك، يعتقد "أن أفضل نتيجة ممكنة هي التوصل إلى اتفاق مع النظام الحالي ولكن من موقع قوة".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image