تصاعد قلق تل أبيب إزاء تقارب القاهرة وبكين عسكرياً، واستفادت مصر منه حال حصولها على تكنولوجيا صينية متطورة، ولا سيما بعد مشاركة بكين البارزة في "معرض مصر الدولي للطيران والفضاء"، وإجراء البلدين مناورات جويةً غير مسبوقة (نسور الحضارة 2025)، في سماء القاهرة، لمدة 18 يوماً. وازداد القلق تفاعلاً مع تسريبات تؤكد على موافقة الصين على بيع المصريين مقاتلات شبح صينية من طراز J-10C، بالإضافة إلى طائرة الشحن العملاقة "شيآن Y-20 كونبنغ"، المعروفة في الثكنات الصينية بـ"الفتاة السمينة".
وفيما اكتفت إسرائيل بوضعية المراقب عند متابعة تحديث الجيش المصري بمنظومات غربية، رأت أنّ انحراف بوصلة القاهرة نحو الشرق يُعدّ انهياراً لاتفاقية كامب ديفيد، وانفجاراً لبالون التهديدات المصرية، الأمر الذي فرض علامات استفهام كبيرةً حول تعاظم المخاوف، ووصولها حد مطالبة واشنطن بفرض عقوبات على مصر، وحرمانها من معونات أمريكية بقيمة 1.3 مليارات دولار سنوياً، بداعي قفزها فوق بروتوكولات "QME"، التي تضمن بها الولايات المتحدة تفوّق إسرائيل العسكري في المنطقة.
ميزان مسرح عمليات المنطقة
إذا حصل المصريون على التكنولوجيا الصينية المتطورة، هل يتغير ميزان القوى الإقليمي؟ وهل ينذر ذلك بتنامي فرص المواجهة مع إسرائيل؟ وإلى أي مدى ينعكس ذلك على المشهد؟ تنفتح الردود على أكثر من محور، ولا تقتصر في أبعادها على إرهاصات مواجهة محتملة بين مصر وإسرائيل، ولا سيما أن البيئة الإقليمية محتقنة بكاملها على خلفية الحرب الدائرة في قطاع غزة، فضلاً عن اشتعال خطوط التماس الدبلوماسية والسياسية والعسكرية بين القاهرة وتل أبيب.
يرى فرج أنّ تبكير المصريين بخطوة التقارب مع الصين، كفيل بتغيير بوصلة المنطقة من الغرب إلى الشرق، وهو ما يؤثر بالطبع على الصفقات العسكرية، التي أبرمتها دول الخليج مؤخراً مع إدارة ترامب، وربما يهدد أيضاً التفوق النوعي الإسرائيلي
وفيما يتضح مدى الدعم الأمريكي لإسرائيل، وهرولة دول الخليج وراء هذا التوجه، يصبح التقارب المصري-الصيني ميزاناً على مسرح عمليات المنطقة، ويحول حتماً دون انفراد الولايات المتحدة مجدداً بالنفوذ والهيمنة الإقليمية، بحسب الخبير الإستراتيجي، الدكتور أحمد عز الدين.
"القلق الإسرائيلي مُبرَّر، وربما ازداد بعد تسريبات تؤكد حصول مصر على مقاتلات صينية متطورة من طراز J-10C، وهذه النسخة من الطائرات الشبحية تؤثر بشكل أو بآخر على تفوّق سلاح الجو الإسرائيلي بطائراته الأمريكية F-35"، يقول عز الدين لرصيف22. ويوضح: "الأخطر من ذلك هو انتماء الـ J-10C متعددة المهام، إلى الجيل الرابع والخامس، فضلاً عن تجهيزها بصواريخ جو-جو بعيدة المدى من طراز PL-15. فهذه الصواريخ قادرة على إصابة أهداف على بُعد 300 كيلومتر (186 ميلاً) خارج مدى الرؤية".
لكن دوائر الرصد الإسرائيلية عدَّدت مزايا الطائرة المنعوتة في بكين بـ"التنين القوي"، مشيرةً إلى تميزها بتصميم جناح على شكل دلتا، ما يُحسّن قدرتها على المناورة وسرعتها. كما أنها مُجهّزة بأنظمة طيران إلكترونية متطورة، بما في ذلك رادار "مصفوفة المسح الإلكتروني النشط" (AESA)، الذي يوفر قدرات تتبّع وهجوم متقدمة للأهداف المعادية.
رحلة "استفزازية" صينية في سماء سيناء
أمام ذلك، وفي محاولة لتعظيم قدرات سلاح الجو المصري، أفادت المعلومات الإسرائيلية بامتلاك مصر أسطولاً متنوعاً من الطائرات الأمريكية والفرنسية والروسية، بما في ذلك طائرات F-16، وميراج 2000، ورافال، وميغ-29، وغيرها. تُعدّ الـF-16 مقاتلةً متعددة المهام ذات قدرات قتالية متنوعة، بينما تتميز طائرات ميراج 2000 ورافال، بقدرات مناورة وقدرات قتالية متقدمة. أما طائرة ميغ-29 الروسية، فتمثّل إضافةً مهمةً إلى تنوع قدرات الدفاع الجوي المصري. واعتباراً من عام 2025، بلغ إجمالي عدد الطائرات في الخدمة لدى القوات الجوية المصرية 1،065 طائرةً.
على تلك الخلفية، لا تبرح إرهاصات إسرائيل مكانها، فبرغم اقتصار أهداف المناورات الصينية-المصرية على تبادل خبرات تكتيكات القتال الجوي، والإمداد بالوقود، والبحث والإنقاذ، ومهام السيادة الجوية، والدفاع الجوي الكابح، سوَّقت تل أبيب لما وصفتها بـ"مناورات استفزاز إسرائيل"، وروجت لمضامين التوصيف في تقرير أحادي، زعم معدّوه أنّ "القوات الجوية الصينية قامت برحلة ‘استفزازية’ في سماء سيناء، وأجرت طلعات ‘تدريبية’ بالقرب من الحدود مع إسرائيل، ما ‘استفز’ أنظمة التحذير الإسرائيلية، التي أشارت إلى اقتراب ‘خطر من جهة الغرب’، وقامت بردة فعل منسَّقة، لم تتضمن نشاطاً دفاعياً فحسب، بل شملت تكليف طائرات بجمع معلومات وصور استخباراتية للواقعة".
ونقل التقرير ذاته تقديرات مصدر أمني إسرائيلي، رفض الكشف عن هويته، مفادها أنه "حال تحليق الطائرات الصينية قرب خط تماس إسرائيل مع سيناء، كانت طائرة الإنذار المبكر الصينية المتمركزة في مطار بني سويف تحلّق في الجو بالفعل، وسجَّلت في الوقت المناسب خريطةً كاملةً للنشاط الإسرائيلي، وتالياً درست كيفية تصرّف الإسرائيليين خلال حالات وقائع حقيقية من هذا النوع".
تنسيقات صامته حول أهداف عسكرية مشتركة
تسويق إسرائيل لم يحرّك ساكناً لدى القاهرة وبكين، واكتفيتا فقط باستكمال تنسيقات صامته حول أهدافهما العسكرية المشتركة؛ فالجيش المصري حريص منذ فترة طويلة على تنويع مصادر التسليح، ولا يكترث بترويجات هنا أو هناك، بحسب تعبير اللواء دكتور سمير فرج. وفي حديث إلى رصيف22، رأى أنه "إذا حصلت مصر بالفعل على صفقة المقاتلات الصينية J-10C، فلا يمكن الحديث فقط عن تفوق سلاح الجو المصري على نظيره الإسرائيلي، وإنما يصبح التفوق على المستوى الإقليمي، ويعدّل قواعد لعبة ميزان القوى في كامل المنطقة، ويسحب البساط من تحت أقدام الولايات المتحدة، ويغيّر معادلة امتلاك إسرائيل سماء المنطقة".
الألوان الفكرية لدى المؤسسة العسكرية المصرية، انحسرت على مدى السنوات الـ45 الأخيرة منذ معاهدة السلام، في ثلاث مدارس. فما هي وكيف تؤثّر على العلاقات المصرية الإسرائيلية حالياً؟
ولذلك، يرى فرج أنّ تبكير المصريين بخطوة التقارب مع الصين، كفيل بتغيير بوصلة المنطقة من الغرب إلى الشرق، وهو ما يؤثر بالطبع على الصفقات العسكرية، التي أبرمتها دول الخليج مؤخراً مع إدارة ترامب، وربما يهدد أيضاً التفوق النوعي الإسرائيلي، ولا سيّما أن الدعم الثابت لأمن إسرائيل كان حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية منذ رئاسة هاري إس. ترومان.
برغم ذلك، لا تميل القاهرة إلى استعارة تقاربها مع الصين في الهجوم على إسرائيل، ولا سيما في ظل تقديرات درست مرور ما يزيد على 4 عقود على معاهدة السلام مع إسرائيل. وبحسب الزميل المساعد في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، والمتخصص في السياسة العربية والعلاقات العربية الإسرائيلية، هيثم حسنين، فإنّ الألوان الفكرية لدى المؤسسة العسكرية المصرية، انحسرت على مدى السنوات الـ45 ومنذ معاهدة السلام، في ثلاث مدارس. يرى المعسكر الأول أنّ "إسرائيل عدوّ دائم". ويعتقد الضباط المنتمون إلى هذا المعسكر، والذين غالباً ما يكونون متشبّعين بالأيديولوجيا الناصرية، أنه يجب أن تبقى مصر في حالة عداء كامنة تجاه إسرائيل، وأن يقتصر التعاون على التنسيق الأمني المنصوص عليه في المعاهدات، بعيداً عن أي نوع من التطبيع.
التهديد الإسرائيلي في مركز الاهتمام
المدرسة الثانية تتبنى موقفاً أكثر تحفظاً، فلا تعدّ إسرائيل عدوّاً، وإنما تراها منافساً إستراتيجياً دائماً. وبينما تغذّي قدرات إسرائيل العسكرية المتفوقة، وهيمنتها التكنولوجية، وتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة، شعوراً بعدم الارتياح، ترى أكثرية ضباط النوع الثاني من مدارس المؤسسة العسكرية المصرية أنّ "نجاح إسرائيل لا يُمثل اختلالاً في التوازن الإقليمي فحسب، بل يُذكّر أيضاً بتباطؤ مصر في تحديث دفاعاتها".
أما المعسكر الثالث، فيدعو إلى نهج عملي وتفاعلي. يدعم الضباط من هذا المعسكر التعاون، إذا توافق مع المصالح الوطنية المصرية، خاصةً في مكافحة الإرهاب والتصدي للإسلام السياسي. ويتعاطى أبناء هذا المعسكر مع إسرائيل من منظور أكثر براغماتيةً وأقل أيديولوجيا. من رحم هذا المعسكر خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ وبصفته رئيساً سابقاً للمخابرات العسكرية (حيث تعاون بشكل وثيق مع نظرائه الإسرائيليين)، أعطى السيسي الأولوية لمحاربة الإسلام السياسي -بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين و"حماس"- على الاستعداد للمواجهة مع إسرائيل، والكلام لحسنين.
ولا يغيّر ذلك، في حال من الأحوال، تموضع التهديد الإسرائيلي في مركز اهتمام المؤسسة العسكرية المصرية، التي لم يسقط من ذاكرتها مثلاً تشكيل سلاح الجو الإسرائيلي حجر الزاوية في الإستراتيجية الدفاعية، وهو ما تجلَّى بوضوح خلال حرب "الأيام الستة" في حزيران/ يونيو 1967، حين حيَّد سلاح الجو الإسرائيلي نظيره المصري برّاً. من وقتها، تحافظ إسرائيل على تفوّقها الجوي بفضل مزاياها التكنولوجية، التي وفرتها الولايات المتحدة في المقام الأول، بما في ذلك مقاتلات الشبح F-35، وأنظمة الدفاع الصاروخي المتطورة.
لا تميل القاهرة إلى استعارة تقاربها مع الصين في الهجوم على إسرائيل، ولا سيما في ظل تقديرات درست مرور ما يزيد على 4 عقود على معاهدة السلام مع إسرائيل.
تزايد استثمارات الجيش المصري مع الصين
وخلال السنوات الأخيرة، بدأت مصر بتحويل تركيزها نحو الصين، وتعاقدت على شراء 40 طائرةً مقاتلةً من طراز J-10C. ومن المقرر إحلال المقاتلات الشبحية الصينية محل طائرات F-16 القديمة في سلاح الجو المصري. كما ستحصل مصر على أسلحة صينية متطورة، كانت واشنطن قد رفضت إمدادها بها في السابق، للحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة. وبحسب تقرير نشرته مجلة "military.africa"، تعمل مصر على تحديث قدراتها العسكرية منذ فترة ليست بالقصيرة، ويعود ذلك جزئياً إلى مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية، مثل التمرد في سيناء والوضع الجيو-سياسي الأوسع. وبرغم تفوّق القوات الجوية المصرية عددياً من حيث الطائرات، إلا أنها لطالما تخلفت عن إسرائيل من حيث التكنولوجيا والفعالية القتالية. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى إمكانية تضييق هذه الفجوة.
وعزا مراقبون تزايد استثمارات الجيش المصري مع الصين، إلى الرد على علاقات عسكرية وثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولا سيما بعد تهديد الأخيرة بفرض عقوبات على القاهرة إذا مضت في خطتها لشراء مقاتلات من طراز SU-35. لاحقاً، وفي 2022، عرضت الولايات المتحدة على مصر مقاتلات F-15، لإجهاض مساعيها الرامية إلى شراء طائرات SU-35. ولم يكن مفاجئاً حرص إسرائيل على حصول مصر على مقاتلات بوينغ F-15 إيغل، بل حاولت إقناع الولايات المتحدة بالموافقة على بيع الطائرة للقاهرة، في إطار جهود إسرائيل لتحسين العلاقات بين القاهرة وواشنطن، تقول المجلة المتخصصة في الملفات العسكرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
mohamed hatem hussein -
منذ 8 ساعاتجميل، فكرنى بعرض مسرحي للمخرج الفرنسي / المغربى محمد الخطيب اسمه la vie secrète des vieux
Nezar Kheder -
منذ 12 ساعةالفقر ، الجوع لا فضيلة لهم ، انهم الطريق الى العدم و الانحلال من كل شيء حتى الحلم
Nezar Kheder -
منذ 12 ساعةالفقر ، في هذا المسار
Africano Maro -
منذ يومالله يكون فى العون
Mohammed Alamir -
منذ يومينالوقت في الحرب م طبيعي اليوم يساوي سنة بنكبر بقدر الأحداث البنعيشها قصف و انسحاب و مجاعة و حصار...
Mohammed Alamir -
منذ يومينالوقت في الحرب م طبيعي اليوم يساوي سنة