شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نصائح جمال عبد الناصر للمتحمّسين لحروب جديدة

نصائح جمال عبد الناصر للمتحمّسين لحروب جديدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 28 أبريل 202502:41 م

في تسجيل لحوار شيّق عن صراع العرب مع إسرائيل والقضية الفلسطينية بين جمال عبد الناصر ومعمر القذافي، يظهر الزعيم الليبي الراحل كشاب يافع تطغى حماسته على عقله في مقابل الرئيس المصري والزعيم العربي الراحل الذي يمثل صوت الواقعية السياسية.

وهذا ليس غريباً، فالحديث كان يدور بين سياسي حديث العهد بالحكم، لم تمر سنة على تسلّمه زمام الأمور في ليبيا، وبين آخر صار مخضرماً واكتوى بنيران ثلاث حروب، وعرف لا حدود قوّته فحسب بل حدود قدرته على تحقيق عوامل القوة، وهي عوامل لا تتحقق ذاتياً بل ترتبط بطبيعة توزّع القوة حول العالم.

في التسجيل الذي نشرته في 25 نيسان/ أبريل 2025، قناة "Nasser TV"، ينتقد عبد الناصر العقلية العربية ويقول: "نحن كعرب نفكر بطريقة أنه إما نعمل اليوم والآن وإلا لا فائدة"، وفي ذلك من دون ريب نقد ذاتي لتجربته نفسها، مضيفاً: "لنخطط"


عبد الناصر الواقعي

في التسجيل الذي نشرته في 25 نيسان/ أبريل 2025، قناة "Nasser TV"، وتعرّف نفسها بأنها "القناة الخاصة بتراث الزعيم جمال عبد الناصر"، وتتبع "للموقع الرسمي للرئيس جمال عبد الناصر بمكتبة الإسكندرية"، ينتقد عبد الناصر العقلية العربية ويقول: "نحن كعرب نفكر بطريقة أنه إما نعمل اليوم والآن وإلا لا فائدة"، وفي ذلك من دون ريب نقد ذاتي لتجربته نفسها، مضيفاً: "لنخطط".

تعيد القناة تاريخ هذا التسجيل إلى الثالث من آب/ أغسطس 1970، قبل بضعة أيام من موافقة عبد الناصر على المبادرة الأمريكية المعروفة باسم "مبادرة روجرز"، والتي تنص على وقف "حرب الاستنزاف" لمدة 90 يوماً، ودخول مصر وإسرائيل في مفاوضات، وهذا يعني أنّ اللقاء جرى في وقت كان فيه عبد الناصر قد وافق عملياً على تلك المبادرة. 

يظهر الرئيس المصري الراحل شخصاً شديد الواقعية، يعترف بالتفوّق الإسرائيلي العسكري على العرب، لا بل بشِبْه استحالة تغيير موازين القوى في الأمد المنظور، وبرأيه هذا الإقرار ضروري لأنه "إذا كنّا نريد تحقيق هدف، فيجب أن نكون واقعيين وأن نفكر في كيف نحققه".

"الكلام سهل جداً"، يقول عبد الناصر لمعمر القذافي، "ومن سنة 48 نتكلم ولكن لا حد حشد ولا حد عمل". كان الزعيم المصري الراحل قد وصل إلى نقطة اقتنع فيها بلاجدوى الحرب، وبأنّ "الحل السلمي" للصراع العربي الإسرائيلي "لن يتم بقوّتنا نحن الذاتية"...


تأسيساً على ذلك، يعرب عن رأيه بأنه "لو استطعنا الآن أخذ جزء من الأراضي المحتلة، لنأخذه، وبعد ذلك نخلق مواقف لاسترداد الباقي". وعليه، ينصح الملك حسين، ملك الأردن، بقبول استعادة الضفة الغربية، وكانت إسرائيل قد احتلتها عام 1967، ولو كان شرط ذلك أن تكون منطقةً منزوعة السلاح. يقول للقذافي: "لو أنا الملك حسين سأوافق. لو أنا الملك حسين ووعدوني بإرجاع الضفة الغربية بناسها وبحالها على أن تكون منزوعة السلاح سأوافق"، لأن لا بديل عن ذلك إلا خسارتها. "كيف سيعيدها الملك حسين؟!"، يتساءل.

"الكلام سهل جداً"، يقول عبد الناصر، للزعيم الليبي الشابّ، "ومن سنة 48 نتكلم ولكن لا حد حشد ولا حد عمل". كان قد وصل إلى نقطة اقتنع فيها بأنّ "الحل السلمي بعيد المنال"، وأنّ هذا الحل "لن يتم بقوّتنا نحن الذاتية"، فهو "يتطلب موقفاً دولياً خطيراً يدفع أمريكا للضغط على إسرائيل لأن الموضوع بيد أميركا وهي من يمكنها الضغط على إسرائيل للانسحاب".

من هنا، رأى أن لا مناص من استعادة الحقوق بشكل متدرّج: "لنبدأ بإعادة الأرض التي فقدناها عام 67، وبعدها نعمل لاحقاً على إرجاع الأرض التي فقدناها عام 48". وعندما يقول له القذافي، محقّاً، بأنّ استرجاع أراضي الـ67 سلمياً سيترافق بالضرورة مع شروط تحول دون إرجاع أي أرض إضافية، يوافقه عبد الناصر، ولكن يسأله عن البديل، قاصداً أن لا بديل، لأنّ "الحرب" التي يقترحها القذافي فكرة لن تتحقق ولن تعيد الحقوق: "هنحارب إمتى؟ هنجيب سلاح منين؟"، يقول له عبد الناصر.

عودة إلى بورقيبة

حديث عبد الناصر هذا يذكّر كثيراً بما جاء في الخطاب الشهير الذي ألقاه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، في 3 آذار/ مارس 1965، في أريحا في الضفة الغربية، أمام حشد من أبنائها.

خطاب بورقيبة عادةً ما يوضع كمثال لنقيض السياسة الناصرية، في ما يخصّ القضية الفلسطينية، وهذا صحيح، فوقت إلقائه كان عبد الناصر ثورياً وحالماً، ولكن أموراً كثيرةً تغيّرت خلال السنوات الخمس الفاصلة بين زمنَي الخطاب والتسجيل. بينهما دارت حرب 67، وحرب الاستنزاف.

الرئيس التونسي الراحل كان منذ العام 1965، يدعو العرب والفلسطينيين إلى العمل السياسي بواقعية، والتخلّي عن "سياسة الكل أو لا شيء" غير النافعة، وتهدئة "العاطفة المشبوبة والأحاسيس الوطنية المتقدة" لأنها "لا تكفي لتحقيق الانتصار".

في نظرته إلى الصراع مع إسرائيل، كان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، يرى أنه بجانب "الحماسة والاستعداد للتضحية والموت والاستشهاد"، وهي أمور موجودة عند العرب، "لا بد من رأس يفكر ويخطط وينظر إلى المستقبل البعيد"، محذّراً من أنه "إذا اقتصرنا على العاطفة"، فـ"سنظلّ على هذه الحال مئات السنين"...


لا يعيب بورقيبة، على "الشخص العادي" أن يتحمس، ولكن هذا غير جائز في شخصية "الزعيم"، فالأخير "مسؤول عن المعركة"، وعليه "أن يتثبت من الطريق الموصل إلى الهدف"، بعد أن يدرس العدو ويفهمه ويقدّر إمكانيات كل طرف بدقة وموضوعية "حتى لا نرتمي في مغامرة أخرى تصيبنا بنكبة ثانية وتعود بنا أشواطاً بعيدةً إلى الوراء".

وبواقعية، كان بورقيبة يحمّل القادة لا الشعوب مسؤولية الهزائم لأنّ "عجز الجيش عن تحقيق النصر مع توفر الحماسة يدلّ على خطأ القيادة بدون شك". وكان يرى أنه بجانب "الحماسة والاستعداد للتضحية والموت والاستشهاد"، وهي أمور موجودة، "لا بد من رأس يفكر ويخطط وينظر إلى المستقبل البعيد"، محذراً من أنه "إذا اقتصرنا على العاطفة" فـ"سنظلّ على هذه الحال مئات السنين".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image