بين اليأس وتحوّل الوعي... هل يريد العلويون الانفصال؟

بين اليأس وتحوّل الوعي... هل يريد العلويون الانفصال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 13 يونيو 202501:37 م

قد ينطبق وصف "بالع الموسى على الحدين"، بشكل كبير، على العلويين الذين اعتاش الأسد أربعة عشر عاماً على دماء أبنائهم. الكثير من القهر يسكن زوجات الشباب الذين قُتلوا وهم يؤدّون الخدمة الإجبارية، كما يسكن آباءهم وأمهاتهم وبناتهم وأبناءهم. ثم أتى الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، ليكون لحظة انعتاق -برغم الترقب والقلق- لهؤلاء الشباب من مرحلة أكلتهم فيها المعارك العبثية واستغلال الضباط لهم والاستهانة بكرامتهم وأرواحهم. بعده، وقعت مجازر الساحل التي بلغت ذروتها في السادس والسابع من آذار/ مارس 2025، وكانت كوادرها واضحةً في مجزرة فاحل في ريف حمص، وعين شمس في ريف حماة. وإلى الآن لا تزال مستمرةً بأشكال أخرى، لعلّ أبرزها الخطف على خلفية طائفية، خاصةً خطف النساء والفتيات في الساحل السوري وحمص وحماة وغيرها، وتلك المجازر والانتهاكات دفعت الكثير من العلويين إلى إعادة التفكير في موضوع الهوية، وطريقة النظر إلى الذات والآخر، وإعادة بناء العلاقة بين الوطن والطائفة.

في شهادة مطوّلة أدلى بها الباحث والكاتب السوري كمال شاهين، لرصيف22، يوضح الصورة المركّبة والمعقّدة التي يعيشها العلويون في سوريا، خاصةً بعد انهيار النظام السابق في عام 2024، وما تبعه من تغيّرات سياسية وأمنية واجتماعية عميقة. يؤكد شاهين، أنّ العلويين، كما غيرهم من مكونات المجتمع السوري، ليسوا كتلةً صمّاء، بل تتوزّع مواقفهم بين أطياف فكرية وسياسية مختلفة، من أقصى المعارضة إلى أقصى الموالاة، مروراً بالعلمانيين والملحدين، ما يعكس التنوّع داخل هذه الطائفة التي لطالما حُمّلت أكثر مما تحتمل. 

خطورة اليأس 

من بين جملة المستطلَعين في هذا التقرير، عبّرت الغالبية عن حالة من انعدام الثقة بالسلطة الجديدة. يلخص سمير (45 عاماً)، وهو مدرّس مادة الرياضيات من ريف طرطوس، الوضع الراهن بقوله: "اليوم هنالك 'أدلجة' واضحة لجهاز الدولة الجديد؛ فالقاضي أو رئيس العدلية هو الشيخ 'أبو فلان'، والصبغة الأيديولوجية واضحة في القضاء ونقابة المحامين والمحافظة والشرطة والأمن، وحتى في المديرية التي يرأسها أحد أبناء المحافظة، وهو غالباً مجرد واجهة ويدرّب شخصاً آخر مقرباً من السلطة ليستلم مكانه، بالإضافة إلى تعيين مدير للنقل في طرطوس يحمل شهادة الإعدادية!". 

يأسف سمير أن "أكثر ما يتحسر عليه أبناء الساحل اليوم هو الأمان. السير بعد مغيب الشمس أصبح مخاطرةً... سياسات السلطة الحالية من فصل موظفين وخطاب طائفي وإذلال يومي وقتل وخطف وتنكيل، قد تدفع أبناء الساحل إلى حالة اليأس الكامل"

والأمثلة كثيرة حسب سمير، لعلّ آخرها الصبغة الطائفية التي طغت على عملية توظيف عمّال جدد في ميناء اللاذقية وميناء طرطوس بعد فصل القدامى بحجة العمالة الزائدة، لكن نتيجتها تكاد تكون واحدةً: "شعور عميق وراسخ لدى العلويين بأنّ الدولة ملك كامل لطرف واحد". ويوضح سمير أنّ "هذا الطرف المستحوذ على السلطة ليس الطائفة السنّية، ولا حتى أهالي إدلب، وإنما الدائرة الضيّقة المقرّبة من الشرع والشيباني وخطّاب".

ومن خلال تواجد سمير بشكل دائم ضمن بيئته في ريف طرطوس، يؤكد أنّ مجمل الناس هناك لا تريد الحكم ولا الكراسي، ولا تبتغي سوى شيء واحد هو الأمان: "أكثر ما يتحسر عليه أبناء الساحل اليوم هو الأمان. السير بعد مغيب الشمس أصبح مخاطرةً!". في الوقت نفسه، يحذّر: "سياسات السلطة الحالية من فصل موظفين وخطاب طائفي وإذلال يومي وقتل وخطف وتنكيل، قد تدفع أبناء الساحل إلى حالة اليأس الكامل، فعندما تحشر أي شخص في الزاوية سيدافع عن نفسه بكل الطرائق، ويوجد أشخاص أعرفهم يفضّلون قتل عائلاتهم على العيش في ذلّ وهوان". 

الهروب إلى الخندق الطائفي 

يتوقف شاهين عند مفصل بالغ الأهمية: العلاقة بين الدين والسياسة في الطائفة العلوية. قبل عام 2011، كما يقول، رفض العديد من المثقفين والناشطين العلويين استخدام الهوية الطائفية كأداة سياسية، واعتبروا خطاب رجال الدين العلويين -دون ذكر أسماء- جزءاً من منظومة النظام لتأجيج المخاوف الطائفية وضمان السيطرة. المفارقة التي يبرزها شاهين، هي أنّ رجال الدين هؤلاء كانوا الأقل حظاً من حيث الامتيازات في عهدَي الأسد الأب والابن، حتى أنّ البعض شكك في "علوية" بشار الأسد الدينية مقارنةً بمن أتمّ الطقوس كاملةً. الخطاب الديني اقتصر غالباً على ذكر "السيد الرئيس" دون اسمه، حتى في الطقوس الجنائزية التي تكثّفت في تلك الفترة. 

لكن بعد سقوط النظام، تغيّرت المعادلة. مع تصاعد الخطاب الطائفي لدى فصائل الحكم الجديد وارتكاب مجازر بحق العلويين -وفق ما وثّقه شاهين في إشاراته إلى مجازر الساحل التي أشار إليها أيضاً أحمد الشرع لاحقاً- بدأ حتى العلويون العلمانيون يشعرون بأنّ الهوية الطائفية لم تعد خياراً سياسياً، بل "خندق دفاع" وجودي. في لقاء جمع شاهين مع مسؤول سياسي في محافظة ساحلية -امتنع عن ذكر اسمه تجنّباً للإحراج- لاحظ استخدام مصطلح "الطائفة العلوية" أكثر من عشرين مرةً خلال حديث دام أكثر من أربع ساعات، برغم محاولات شاهين المتكررة للعودة إلى خطاب المواطنة والدولة المدنية. وكان الردّ دائماً بالعودة إلى "تقاليد الإسلام الأولى"، وطمأنة الأقليات، وصولاً إلى قضايا مثل لباس المرأة. يعكس ذلك، بحسب شاهين، منطق السلطة الجديدة التي لا ترى في الأفراد سوى انتمائهم الديني، ولا مكان فيها للنساء. 

تبلور خندق الدفاع لدى العلويين خارج سوريا بشكل أوضح في فرنسا، حيث تم رفع دعوى قضائية ضد السلطة السورية الجديدة قدّمها بالنيابة محامٍ فرنسي، وفي ألمانيا تم تنظيم العديد من المظاهرات والاحتجاجات، وفي واشنطن عُقدت الاجتماعات التي يصفها سمير بأنها "خطوات مهمة جداً على طائفة لم تمارس أي نشاط سياسي جماعي منظّم برغم وجود العديد من الأخطاء والهفوات". ودعا سمير القوى الوطنية السورية لتقبّل هذه التجربة وانتقادها بموضوعية بعيداً عن الكيدية. 

تحوّل قسري في وعي العلويين 

يشير شاهين إلى تحوّل قسري في وعي بعض المثقفين العلويين: الرفض المبدئي لتسييس الدين لم يتغير، لكن الإقرار بأنّ الطائفية باتت واقعاً مفروضاً دفع بالبعض نحو الدفاع عن الهوية الجماعية، وليس بدافع أيديولوجي بل بدافع البقاء. في هذا السياق، تصبح الهوية الطائفية ردّ فعل على تهديد وجودي، لا خياراً فكرياً. 

يوافقه في ذلك أسعد (37 عاماً)، طبيب سوري من اللاذقية، بقوله: "عندما تهاجَم فقط لأنّك علوي، يجب أن تدافع عن نفسك بكونك علوياً، كنا نهاجم هذا المبدأ ليلاً نهاراً لنرى أنفسنا مضطرين إليه اليوم". 

ويشرح: "المشكلة أننا كنا ننتقد بشدّة سيطرة رجال الدين على بعض المجتمعات العلوية، وإن كانت سيطرةً أدبيةً شكليةً تبثّ بعض الأفكار الدينية ولا تفرضها بالقوة. وكان جوهر اعتراضنا دائماً أنّ رجل الدين يجب ألا يكون رجل مجتمع، ويتدخل في الطب والهندسة والحياة الزوجية. أما بعد هروب الأسد، فاستنتجنا أنّ خلافاتنا مع المشايخ العلويين تبدو تفاصيل تافهةً مقارنةً بواقع اليوم". 

 "عندما تهاجَم فقط لأنّك علوي، يجب أن تدافع عن نفسك بكونك علوياً، كنا نهاجم هذا المبدأ ليلاً نهاراً لنرى أنفسنا مضطرين إليه اليوم". 

طائفية متخيّلة؟ 

يروي شاهين كيف لاحظ حتى العلويون المعارضون للنظام أنّ كثيراً من المجازر التي ارتُكبت بحقهم، من صنوبر جبلة وبانياس إلى المختارية في آذار/ مارس 2025، استهدفتهم بصفتهم الطائفية، لا السياسية. وتكررت الأنماط ذاتها في مجازر سابقة نفّذتها "جبهة النصرة" عام 2014، في ريف اللاذقية. هذه الهجمات عززت الشعور بالاستهداف الوجودي. فحتى أولئك الذين لطالما قالوا "نحن أيضاً ضحايا النظام"، باتوا يشعرون بأنّ المعارضة المسلحة لم تميّز بينهم وبين النظام، بل تعاملت معهم كـ"طائفة".

في المقابل، يذكّر شاهين بأنّ نظام الأسد نفسه لم يكن طائفياً بشكل علني، وكان على استعداد لقمع أي معارضة، بغض النظر عن خلفيتها، مشيراً إلى تجربة المناضل العلوي فاتح جاموس، الذي أمضى عشرين عاماً في السجن. في حين أنّ النظام الجديد، وفق تعبيره، لا يرى في المختلف سوى طائفته الدينية، ويتجاهل أي هوية سياسية أو فكرية أخرى. "تواصلت معي شخصيات من السلطة الجديدة تدعوني للعب دور في البلاد بصفتي 'علوياً نظيفاً'، لا لكوني ناشطاً سياسياً منذ ربع قرن"، يقول شاهين، مشيراً إلى أنّ كثيرين يواجهون هذا التحوّل من السياسة إلى الطوائف "المتخيلة". 

وهذا أيضاً ما يشرحه سمير: "في أيام البائد، كان السنّي يستطيع بالواسطة أن يحصل على ما يريد، ولو كان ذلك على حساب شخص علوي، وبالتواسط والتعاون مع علويّ آخر، وقد عاصرت عشرات الحالات في حياتي، لذا الطائفية الممارسة حالياً هي طائفية متخيلة أكثر من كونها واقعيةً". 

ويستذكر سمير تفجيرات كراج طرطوس وجبلة التي راح ضحيتها عشرات المدنيين من نساء وأطفال وطلاب جامعات في 2016: "يستذكر اليوم أبناء المحافظة قيام بعض الشبان المفعّلين بالاعتداء على أهلنا في مخيم الكرنك في طرطوس. لم يكن معهم سوى العصي، وقد خرجت مجموعة أخرى من الشباب لحماية المخيم، حتى أنّ عناصر من الأفرع الأمنية نصبت حواجز حول المخيم لمنع أي اعتداء، عدا عن كون أبناء 'الثوار والمجاهدين' كانوا يعيشون ويتعلمون في مدارس الساحل، وكانوا يقولون إنّ آباءهم في الجهاد، وكانوا يتابعون حياتهم وتعليمهم إلى الحد الذي انقلب فيه بعضهم ولعبوا دوراً سلبياً في مجازر الساحل".

تختصر الشهادتان السابقتان حالة اليأس والخيبة التي بدت عند الكثير من العلويين الذين كانوا ضد النظام وفرحوا بسقوطه، ولم يشاركوا في حرب أو تحريض، إذ يجدون أنفسهم في قفص الاتهام والحكم المبرم عليهم بأنهم "بشخوصهم" قتلوا وشرّدوا ودمروا البيوت، لذا فعليهم دفع فاتورة الماضي من دمائهم وأرزاقهم وأعراضهم، برغم عدم وجود أي رابط حقيقي مادي أو معنوي في الكثير من الحالات، بين عائلات تمّت استباحتها مؤخراً والنظام البائد. "الرابط متخيّل، ولا يغيّره أيّ برهان أو دليل أو إثبات. أنت علوي إذاً أنتَ مجرم ولو تعلّقتَ بأستار الكعبة"، يقول سمير. 

هل يريدون التقسيم؟

يقول جمال (40 عاماً)، طبيب سوري مقيم في ألمانيا، إنّ العلويين ليست لهم مصلحة في أي نظام غير مدني، ويؤكد أنّ خطابات الحماية الدولية والتقسيم يجب ألا تؤخذ بعين الخيانة أو الطائفية، لأنها ليست كذلك: "لم يطلبوا الفيدرالية أو غيرها ليعيدوا بشار الأسد رئيساً لهم، وإنما لأنهم يشعرون بالخطر الوجودي، وباتوا يتعرضون بشكل يومي للخطف والقتل والتهجير والاستيلاء على بيوتهم وأرزاقهم". 

بحسب شاهين، فإن بعض المثقفين العلويين لا يزالون يحاولون التمسك بخطاب سياسي ومدني، رافضين الانجرار إلى الخطاب الطائفي، لكن هذه المساحة تتضاءل مع الوقت. لقد وقع العلويون بين رهانين خاسرين: نظام حوّلهم إلى "رهينة طائفية"، وسلطة جديدة تراهم "عدوّاً طائفياً"

ويضيف: "وعود التقسيم والحماية يصدّقها العامة في الساحل، أما النخب فهي تعرف أنها مجرد وهم غير قابل للإنجاز، والحلّ هو حماية حقوقهم بدل تخوينهم، فعندما يشعر الإنسان بالخطر، يطلب الحماية؛ هذه هي الفطرة البشرية". 

من جهة أخرى تحاول بشرى (29 عاماً)، مهندسة من طرطوس، أن ترى الأمور بإيجابية بحسب قولها لرصيف22: "لقد تفاجأت بالمرونة التي ظهرت لدى العلويين في التعامل مع فصائل السلطة؛ يُقتل أبناؤهم في الليل من قبل فصائل، ويأتي ممثلون عن السلطة للتعزية في الصباح، فتستقبلهم القرية برحابة صدر ويجري حديث عن السلم الأهلي وضرورة ضبط الأمن. حتى لو كان ذلك مسايسةً، إلا أنه مؤشر واضح على وجود استعداد لدى العلويين للانخراط ضمن الدولة الجديدة، وهم بالطبع مجبرون على ذلك، كما كانوا مجبرين في عهد الأسد". 

وتشير بشرى إلى أنّ هذا المشهد هو جواب عن سؤال "أين كنتم منذ 14 سنةً؟". تضيف: "كان العلويون في خيم عزاء أبنائهم، يستقبلون أيضاً من يعدهم بأنّ هذا لن يتكرر. أعتقد أنها الخوارزمية السائدة في العقل الجمعي العلوي (نريد أن نعيش)، وقد لا أبالغ أنهم من أكثر الفئات مرونةً".

في حين يرى شاهين أن بعض المثقفين العلويين لا يزالون يحاولون التمسك بخطاب سياسي ومدني، رافضين الانجرار إلى الخطاب الطائفي، لكن هذه المساحة تتضاءل مع الوقت. لقد وقع العلويون بين رهانين خاسرين: نظام حوّلهم إلى "رهينة طائفية"، وسلطة جديدة تراهم "عدوّاً طائفياً". 

ويختم شاهين شهادته بمرارة واقعية، مؤكداً أنّ ما يعيشه بعض العلويين اليوم ليس تبنّياً للطائفية، بل ردّ على طائفية تحوّلت إلى أداة قتل؛ "كمن كان يرفع شعار 'لا للطائفية'، فوجد نفسه في حرب يُقتل فيها بسبب اسمه العائلي أو حرف 'القاف' في لفظه"، كما حصل مع صديق له من إدلب، سنّي الهوية، قُتل في القرداحة فقط لأنّ قاتليه ظنّوه علوياً بسبب نطقه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image