بلغ إنتاج مصر من الأبحاث العلمية عام 2022، أكثر من 44 ألف بحث، تحتلّ بها المرتبة 24 عالمياً من بين 233 دولةً، وتساهم بنسبة 1.13% من إجمالي الإنتاج العالمي للمنشورات العلمية. كما احتلت مصر المرتبة الـ30 عالمياً بحسب مؤشر "SCImago" (مقياس عالمي لتقييم قيمة وهيبة الأبحاث والمجلّات المنشورة)، للنشر العلمي. أما على المستوى الإفريقي، فحلّت مصر في الصدارة، حيث ساهمت بنسبة 27% من إجمالي الإنتاج العلمي في القارة، بينما حلّت جامعة القاهرة، أقدم وأكبر الجامعات المصرية، في المرتبة 260 عالمياً في تصنيف جامعة لايدن لعام 2024.
أما على مستوى براءات الاختراع، ففي أحدث تقرير صادر عن مكتب براءات الاختراع المصري لعام 2021، والمنشور على الموقع الرسمي، فقد بلغ عدد طلبات الاختراع المقبولة نحو 515 طلباً، مقارنةً بـ465 طلباً عام 2013، فيما تقدّر نقيبة المخترعين المصريين، هبة عبد الرحمن، عدد براءات الاختراع المسجلة في مصر بنحو 30 ألف براءة اختراع منذ عام 1960 حتى الآن، وفق حديثها إلى رصيف22.
وأمام هذا الكمّ من الأوراق البحثية وبراءات الاختراع، فضلاً عن جيش من الباحثين يزيد عن 180 ألف باحث، بحسب تصريحات نائب وزير التعليم العالي لشؤون البحث العلمي المصري، ياسر رفعت، تظهر تساؤلات من نوع: ما قيمة تلك الأبحاث وبراءات الاختراع؟ وهل تتم الاستفادة منها فعلياً لدفع عجلة التقدم والنهوض الاقتصادي والعلمي في مصر؟ وما هي التحديات التي تواجه البحث العلمي في مصر؟ وكيف يمكن النهوض بتلك المنظومة؟
البحث العلمي… تقدّم نسبي غير كافٍ
بحسب "الإستراتيجية القومية للعلوم والابتكار 2030"، الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والتي تم إطلاقها من أجل إنتاج وتوطين التكنولوجيا للمساهمة في التنمية الاقتصادية والمجتمعية، بهدف توجيه الإنفاق على البحث العلمي نحو المشروعات البحثية المرتبطة باحتياجات جميع قطاعات المجتمع حتى تتم الاستفادة من نتائج الأبحاث المنتجة، هناك 11 مركزاً ومعهداً بحثياً تابعاً لوزارة التعليم العالي، و14 مركزاً تابعاً للوزارات الأخرى، فيما بلغ عدد الباحثين في القطاع الحكومي 24،255 باحثاً في عام 2018، نسبة الإناث منهم 40.7%، بينما بلغ عدد الباحثين في القطاع الخاص 5،340 باحثاً، نسبة الإناث منهم 10.4%.
خلال الفترة من 2008 إلى 2018، بلغ عدد الأبحاث المنشورة 156،128 بحثاً دولياً، وارتفع عدد النشر من 9،479 بحثاً في 2010، إلى 21،961 في عام 2018، بمتوسط معدل نمو سنوي قدره 16.4%، كما بلغت نسبة التعاون الدولي في نشر الأبحاث 50.1%، مقارنةً بـ15.4% نسبة التعاون المحلي.
تشير الأرقام الرسمية إلى أن 87% من براءات الاختراع المسجلة في مصر مقدمة من أجانب، ما يعكس ضعف البيئة الداعمة للمخترعين المحليين، ويفضح إخفاق الدولة في تحويل الإنتاج البحثي المحلي إلى نتائج اقتصادية حقيقية يمكن الاستفادة منها محلياً أو دولياً
واحتلت جامعة الأزهر، النسبة الأكبر من عدد الباحثيـن فـي قطـاع التعليم الجامعي بنسـبة %15 مـن إجمالي عـدد الباحثيـن في الجامعـات الحكوميـة، تليهـا كلّ مـن جامعة القاهـرة، وجامعة عين شـمس، بنسـبة 12.5 % و%11.4 علـى التوالي، فيما ارتفع عـدد الباحثـين لـكل مليـون نسـمة، من 1،362.5 فـي عـام 2015، ليصبـح 1،393.6 فـي عـام 2018.
برغم أنّ الرقم يبدو كبيراً، لكنه لا يتناسب مطلقاً مع متوسط المعدلات الدولية، كما يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، الذي يوضح في حديثه إلى رصيف22، أنّ الأرقام المعلنة عن معدلات الأبحاث العلمية المنشورة في مصر تُعدّ ضئيلةً جداً بالنسبة إلى دولة يزيد تعدادها عن 100 مليون نسمة.
ووفق معهد اليونسكو للإحصاء، فإنّ في مصر 686.6 باحثين لكل مليون مواطن، أي أقلّ من المغرب الذي يمتلك 1،073 باحثاً لكل مليون نسمة، وتونس صاحبة الـ1،077 باحثاً لكل مليون نسمة، هذا بخلاف الدول الأخرى مثل إسبانيا التي لديها 2،800 باحث لكل مليون، والبرتغال 2،724 باحثاً لكل مليون، وبلجيكا ذات الـ3،878 باحثاً لكل مليون نسمة.
براءات الاختراع... الصدارة للأجانب
وفي ما يتعلق ببراءات الاختراع، تقول نقيبة المخترعين المصريين، الدكتورة هبة عبد الرحمن، إنّ السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في طلبات براءات الاختراع المقدمة من المصريين، لافتةً إلى أنّ التقرير الأخير الصادر عن مكتب براءات الاختراع المصري كشف أنّ عدد طلبات الاختراع المقبولة بلغ نحو 515 طلباً، 448 منها قدّمها أجانب بنسبة 87%، مقابل 67 طلباً لمصريين، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة بين المصريين والأجانب في هذا المجال، ما كان له انعكاساته السلبية على حجم ومستوى الدعم الدولي المقدم من الخارج.
وتُقدّر نقيبة المخترعين، في حديثها إلى رصيف22، عدد براءات الاختراع المسجلة في مصر منذ عام 1960 وحتى اليوم، بـ30 ألف براءة، لافتةً إلى أنّ هذا الرقم قياساً إلى عدد السكان يُعدّ متدنياً، وعليه لا تحصل الدولة المصرية على الاهتمام والدعم الكافيين من الاتحاد الدولي للمخترعين، الذي يقدّم الدعم والمنح للدول صاحبة الريادة في مجال البحث العلمي.
وكان رئيس أكاديمية البحث العلمي المصرية السابق، الدكتور محمود صقر، قد أشار في حوار صحافي أجراه في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، إلى تراجع نسبة قبول طلبات براءات الاختراع المقدمة، حيث لا تتجاوز 5% من إجمالي الطلبات المُقدمة من المصريين، و15% من إجمالي الطلبات المُقدمة من الأجانب، مُرجعاً ذلك إلى أنّ الطلبات المُقدمة لا تتوافر فيها الشروط القانونية اللازمة من حيث عناصر التقديم والرسم الهندسى وعنصر الحماية.
مشكلات وتحدّيات… نقص التمويل في المقدمة
ينصّ الدستور المصري في مادته الـ23، على تخصيص 1% على الأقل من الناتج القومي للبحث العلمي، وهو ما لا يتحقق حالياً بحسب الإستراتيجية القومية للعلوم والابتكار، التي تشير إلى عدم تجاوز مخصصات البحث العلمي حاجز الـ0.07% من إجمالي الناتج المحلي في 2017/ 2018، بعدما كانت 0.04% في عام 2009/ 2010، أي أقل بنسبة 30% من النسبة الدستورية.
حتى نسبة الـ0.07% من الناتج المحلي، برغم ضآلتها، لم تخصَّص كلها لأغراض علمية بحتة، كما يشير أستاذ طب النساء والتوليد في جامعة القاهرة، ورئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الدكتور محمد أبو الغار، الذي يقول إنّ 80% من ميزانية البحث العلمي تُصرف على الرواتب والأجور وأشياء أخرى، فيما تُنفق 20% فقط على البحث العلمي.
وكشف أبو الغار، خلال مقارنة لميزانية البحث العلمي في مصر خلال عامي 1996/ 1997 و2022/ 2023، عن التراجع الكبير في المخصصات العلمية، مؤكداً بلغة الأرقام أنها تراجعت من حيث القيمة برغم زيادة عددها، إذ كانت ميزانية البحث العلمي عام 1996، قرابة 840 مليون جنيه (131 مليون دولار في ذلك الوقت)، فيما بلغت في ميزانية 2023 نحو 5 مليارات جنيه ( 112 مليون دولار بسعر اليوم).
رغم تصدّر مصر أفريقيا في عدد الأبحاث العلمية المنشورة، إلا أن هذا التقدم كمي وليس نوعياً، إذ تُنشر معظم الأبحاث بهدف الترقي الوظيفي، ما يثير شكوكاً حول القيمة العلمية الفعلية لهذا الإنتاج.
ويوضح أنّ إسرائيل تنفق ضعف ما تنفقه مصر في البحث العلمي ثلاثين مرةً، و50 ضعفاً في استخدامات الإنترنت لأغراض علمية، و70 ضعفاً في النشر العلمي، وألف ضعف في الاختراعات، كما يوضح أنّ تمويل مصر من البحث العلمي يساوي 10% فقط من المفروض استثماره.
ومن أبرز التحديات التي تواجه البحث العلمي في مصر، غياب القطاع الخاص عن القيام بدوره الكامل لدعم وتطوير المنظومة البحثية، فبحسب ما توصلت إليه الباحثة منى صميدة طاحون، في دراستها المنشورة في مجلة كلية التربية جامعة بنها، في تموز/ يوليو 2016، فإنّ نسبة 90% من إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في مصر، إنفاق حكومي، بينما تتوزع النسبة المتبقية على مصادر أجنبية، ما يعني أنّ منظمات ومؤسسات المجتمع المدني لا تسهم حتى بنسبة 0.5% في البحث العلمي.
وفي سياق موازٍ، أوضحت نقيبة المخترعين، أنّ هناك قائمةً مطوّلةً من المعوقات التي تواجه المبدعين وتدفع كثيرين منهم للسفر إلى الخارج، ومنها القفزة الجنونية في رسوم التسجيل والفحص الفني والتي ارتفعت من 150 جنيهاً (3 دولارات)، إلى 25،150 جنيهاً (503 دولارات)، موضحةً أنّ تلك الزيادة غير قانونية، إذ تنص المادة 11 من قانون الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2022، على أنّ رسوم براءة الاختراع لا تتجاوز 2،000 جنيه (20 دولاراً) كحد أقصى.
وأدّت هذه الزيادات الكبيرة في رسوم التسجيل، بحسب عبد الرحمن، إلى تراجع طلبات براءات الاختراع عاماً تلو عام، بجانب بعض المشكلات الفنية الأخرى التي تعرقل عملية إتمام التسجيل، مثل المشكلات الفنية في الموقع الإلكتروني الخاص بالمكتب، والذي يتم التسجيل من خلاله، أو المشكلات التي في الإرسال والاستقبال وهو ما يدفع كثيرين من الباحثين للإحجام عن التقديم.
كما يُعدّ الدعم الدولي الضئيل، سبباً رئيسياً في تراجع الإنتاج السنوي من براءات الاختراع، مقارنةً ببقية دول العالم، حيث يقدّم لعدد قليل جداً من الطلبات، فيما يُطلب من الباقي تحمل التكاليف والأعباء المادية كافة الخاصة بتقييم وفحص الطلب، وهو أمر شاقّ يضطر معه الباحث إلى النكوص والتراجع عن فكرته أو التفكير في السفر إلى الخارج وإتمامها هناك في المراكز المتخصصة التي تفتح أبوابها للمبدعين والمبتكرين من مختلف البلدان.
أما رئيس أكاديمية البحث العلمي السابق، محمود صقر، فيشير إلى أنّ الحصول على البراءة مسألة طويلة ومرهقة قد تصل في بعض الأحيان إلى 5 سنوات تقريباً، إذ على الأكاديمية أن تتحرى الدقة قبل إعطاء أي براءة اختراع، بحيث تبحث في قواعد بيانات 152 مكتباً لبراءات الاختراع على مستوى العالم، وهو ما يعطل الأمر قليلاً.
ويوضح صقر، أنّ من بين أكثر المشكلات التي تؤثر على براءات الاختراع في مصر وتفقدها حضورها وتأثيرها، أنّ معظم المتقدمين غير قادرين على إعداد الملف وتقديمه لمكتب براءات الاختراع، منبّهاً إلى أن هذا الإعداد يتطلب علماً غير متوافر بالنسبة لجزء كبير من المتقدمين، فالطلبات المُقدمة لا تتوافر فيها الشروط اللازمة وهو ما يفقدها جدّيتها ومن ثم يتم رفضها.
شكوك حول المستوى العلمي
ترى أستاذة الصحافة في كلية الآداب، جامعة كفر الشيخ، الدكتورة سميرة موسى، أنّ قطاعاً كبيراً من الباحثين يستهدف من وراء تلك الدراسات الحصول على شهادة علمية تساعده في الترقي الوظيفي فقط لا غير، أو البحث من خلالها عن وجاهة اجتماعية من خلال الظفر بلقب "دكتور"، حتى لو كان مستوى الأبحاث ضعيفاً، ليتحول البحث إلى وسيلة وربما غاية لأهداف أخرى بعيدة تماماً عن العلم، خاصةً مع انتشار ما يسمّى بـالماجستير المهني، والدكتوراه المهنية، والتي غرضها الترقي الوظيفي فحسب.
وتضيف موسى، في حديثها إلى رصيف22، أنّ معدلات النشر في الدوريات العلمية قد تكون من حيث الأرقام معدلات مقبولةً نسبياً، وليس شرطاً أن يعبّر ذلك عن حالة ثراء أو رخاء علمي، فالعبرة هنا ليست بالكم، إذ إنّ جزءاً كبيراً من هذا النشر إلزامي على أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية كأحد شروط الترقي، وتالياً فنسبة ليست قليلةً من هذه البحوث ليست على المستوى المنشود علمياً.
يصف أكاديميون مصر بأنها بيئة طاردة للعلماء والبحث العلمي بسبب نقص الحريات، والتضييق الأمني، وانعدام التسهيلات التكنولوجية، وتجاهل المسؤولين لمخرجات البحث. ينعكس هذا في هجرة العقول، وانهيار الثقة بجدوى البحث كوسيلة للتغيير أو التأثير
ومع ذلك، ترى أنّ ذلك لا يدفع إلى الشك في قيمة ومستوى الباحث المصري، حيث هناك العديد من التجارب والنماذج الناجحة، إلا أنّ الأمر يحتاج إلى إعادة تقييم وفلترة لتقنين البحث العلمي من خلال خطط مستدامة وطويلة الأمد تربط بين البحث واحتياجات السوق، وأن تأخذ في الحسبان معايير التفوق العلمي وتلافي ثغرات وعراقيل التطبيق.
الرأي ذاته يذهب إليه الدكتور في العلوم السياسية والباحث محمد حصّان، الذي يرى أن مستوى كثير من الأبحاث والرسائل العلمية المنشورة في مصر لا يرقى إلى المستوى المأمول، مُرجعاً ذلك إلى أسباب عدة من بينها أن غالبيتها تعتمد على الاقتباس والنقل من رسائل سابقة، ومع ذلك يحصل أصحابها على الدرجات العلمية.
ويضيف حصّان، في حديثه إلى رصيف22: "أصبح من المؤكد إذا تم تحديد موعد لمناقشة رسالة علمية، أنّ يحصل الباحث على الدرجة العلمية لا محالة مهما كانت التعليقات والملاحظات ومستوى الرسالة من الناحية العلمية".
ويضيف: "كثيراً ما حضرت مناقشات لرسائل الدكتوراه والماجستير وكنت أظنّ في قرارة نفسي أنه من المستحيل أن يحصل الباحث على الدرجة العلمية، وإذ بنا نتفاجأ بأنّ الباحث حصل على درجة الامتياز".
وكان وكيل كلية الحقوق لشؤون الدراسات العليا والبحوث في جامعة عين شمس، قد أشار في تصريح سابق له في نيسان/ أبريل 2024، إلى أنّ كلية الحقوق اكتشفت سيلاً من السرقات العلمية عن طريق التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مؤكداً أنّ ثلث رسائل الدكتوراه التي ناقشتها الكلية خلال السنوات الأخيرة فيها سرقات علمية وعليه اتّخذت قرارات بإلغائها.
وخلال العشرية الماضية، شهدت جامعات مصرية عدة حوادث سرقة لرسائل وأبحاث علمية، وصل بعضها إلى منصّات القضاء التي عزلت أصحابها في بعض الأحكام، وتلك الجرائم تتنافى وأخلاقيات البحث العلمي التي تضعها الجامعات المصرية في لوائحها التنظيمية.
هل تستفيد مصر من إنتاجها البحثي؟
تشير الإستراتيجية القومية الموحدة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار 2030، إلى استفادة المجتمع المصري إلى حدّ ما من الإنتاج البحثي وبراءات الاختراع المقدمة، ففي مجال اللقاحات مثلاً تم التوصل إلى إنتاج لقاحين ضد فيروس كورونا المستجد، هما "كوفي فاكس" بواسطة علماء المركز القومي للبحوث، و"إيجي فاكس" بالتعاون مع شركة "إيفا فارما".
كما نجح "مركز بحوث وتطوير الفلزات"، في تدشين أول وحدة نصف صناعية لتطوير وتصنيع وتجميع وإنتاج نماذج البطاريات التجارية متعددة الشحن، لتكون الأولى من نوعها في مصر، فيما تم إنتاج وتوزيع أجهزة تنفس صناعي بتكنولوجيا مصرية 100%، واعتمادها من هيئة الدواء المصرية.
ينص الدستور المصري على تخصيص 1% من الناتج القومي للبحث العلمي، بينما لا تتجاوز النسبة الفعلية 0.07%، أغلبها يُنفق على الرواتب.
وفي السياق ذاته، تم افتتاح أكبر حاضنة تكنولوجية قومية متخصصة في صناعة الإلكترونيات "طريق" في معهد بحوث الإلكترونيات، وأنشئت وكالة الفضاء المصرية، وتم افتتاح محطة رصد الأقمار الصناعية والحطام الفضائي التابعة للمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيو-فيزيقية.
وفي مجال الزراعة، هناك العديد من الأبحاث التي ساهمت في زيادة إنتاجية القمح والأرز، وتوفير مياه الري، والتحول نحو الزراعة الذكية والحديثة، والمشاركة في مشروع "المليون ونص المليون فدان"، وإنتاج نخيل زراعة الأنسجة في الوادي الجديد.
في المقابل، ترى موسى، أنّ الغالبية العظمى من الأبحاث وبراءات الاختراع المصرية لا يُستفاد منها، لعدد من الأسباب، على رأسها غياب التمويل الكافي لترجمة مخرجات تلك الأبحاث إلى مشروعات ميدانية، ففي ظلّ الميزانيات الضعيفة نسبياً المُخصصة للبحث العلمي، بات من الصعب تطبيق نتائجها عملياً، ما يبقيها في الغالب على رفوف المكاتب وفي الأدراج، مضيفةً أنّ من نتائج تلك المعضلة اضطرار الكثير من الباحثين إلى السفر خارج البلاد، حيث تستقطبهم الشركات والمؤسسات العالمية لتنفيذ أبحاثهم واختراعاتهم.
ويشير الإحصاء السنوي الصادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إلى تراجع حضور المصريين في قائمة براءات الاختراع التي يتم قبولها سنوياً، ما يقلل من فرص الاستفادة منهم، فقد تم اعتماد 512 براءة اختراع خلال عام 2022، منها 102 براءة اختراع للمصريين بنسبة 19.9%، و410 للأجانب بنسبة 80.1%.
أما في عام 2021، فهناك 508 براءات اختراع، 63 للمصريين بنسبة 12.4%، و445 للأجانب بنسبة 87.6%، وفي عام 2020 كانت هناك 560 براءة اختراع، منها 65 للمصريين بنسبة 11.6%، و495 للأجانب بنسبة 88.4%.
وتلفت هنا نسبة البراءات المحولة لجهاز تنمية الابتكارات لتسويقها وتطبيقها وتحويلها إلى مشروعات إنتاجية، فخلال عامي 2021 و2022 لم تُسوّق أي براءة اختراع، فيما سُوّقت عام 2020، براءة اختراع واحدة من إجمالي 6 براءات تم تحويلها إلى الجهاز بنسبة 16.7% فقط، بينما أرجع رئيس أكاديمية البحث العلمي المصرية السابق، هذا الأمر إلى فقدان معظم طلبات براءات الاختراع، قيمتها العلمية، كونها غير مستوفاة من ناحية الأساس العلمي، أو غير قابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية.
بيئة طاردة
"مصر، بوضعها الحالي، ليست دولةً يمكن للبحث العلمي أن يزدهر فيها، وهي تُصنَّف في ذيل قائمة الدول المشجعة للبحث العلمي"؛ بهذه الكلمات يستهلّ أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، حديثه إلى رصيف22، مُرجعاً ذلك إلى أسباب عدة أبرزها غياب الحريات، خاصةً ما يتعلق منها بحرية الرأي والهامش المتاح للمبادرات الفردية على المستويات كافة، كذلك ضآلة الموارد والإمكانات المالية والمادية الموجهة إلى القطاعات المعنية بالبحث العلمي على المستويين العام والخاص.
ويرى نافعة، أنه إذا كانت هناك إرادة للنهوض بالبحث العلمي، فلا بدّ من توجيه موارد لا تقلّ عن النسبة المنصوص عليها في الدستور للتعليم والبحث العلمي، وفتح باب الحريات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة، خاصةً الحريات الأكاديمية، بجانب تخفيف القبضة الأمنية التي تعيق المبادرة الفردية وتشيع الخوف.
في السياق عينه، صرّح البرلماني المصري عبد المنعم إمام، في لقاء له، بأنّ الجامعات المصرية لم تعد المكان المناسب للتعليم، لافتاً إلى تراجع عدد الحاصلين على الماجستير والدكتوراه بنسبة وصلت إلى نحو 93% مقارنةً بالعام 2016، مرجعاً ذلك إلى أسباب عدة منها عدم تحديث المناهج الدراسية، التي لا تتناسب والتطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم، قائلاً: "ما زلنا ندرّس مناهج تم إلغاؤها منذ العام 1965".
من جانبها، ترى باحثة الدكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، رحمة محمود، أنّ المناخ العلمي في مصر غير مناسب لتشجيع الباحثين، مضيفةً في حديثها إلى رصيف22، أنّ الباحثين المصريين يشعرون بالإحباط نتيجة الشعور بمخاطبة الذات، وليس من أجل إفادة الآخرين أو المشاركة في النهوض العلمي.
تتابع: "للأسف أصبحنا مجتمعاً لا يقرأ، ويملّ من الاطلاع، وهذا ليس على المستوى الشعبي فحسب بل حتى على مستوى الدارسين والأكاديميين، فقلّما نجد اهتماماً بالقراءة والاطلاع على الأوراق العلمية المنشورة والاستفادة منها، حتى على مستوى المسؤولين الذين لا يهتمون بالاطلاع عليها أو الاستعانة بمن كتبها للاستفادة من خبراتهم، ونتيجةً لهذا الوضع، مصير معظم الأبحاث العلمية أن تكون حبيسة المكتبات دون أن يطّلع عليها أحد، أو أن تُلقى في خزانة الباحث كمادة علمية يستطيع الاستفادة منها فقط لإضافتها إلى سيرته الذاتية أملاً في أن يحصل على وظيفة في مركز بحثي خارج البلاد".
ويوافقها الرأي الباحث الأكاديمي إبراهيم العناني، الذي يعلن صراحةً أنّ مصر بيئة طاردة بشكل كبير للبحث العلمي والعلماء والمفكرين، مُرجعاً ذلك إلى المناخ العلمي غير المشجع، والذي يعاني من أزمات حادة حيث لا مكتبات رقمية ولا خدمات تكنولوجية يمكن تقديمها للباحثين بما يساعدهم في إنجاز أبحاثهم، بالإضافة إلى التعقيدات التي يواجهها المخترعون والمتقدمون لتسجيل براءات الاختراع، بجانب عدم الاستفادة من الطلاب والعلماء المتفوقين في المراكز البحثية العلمية المرموقة.
ويلفت في حديثه إلى رصيف22، إلى وجود فارق كبير بين المكتبات المصرية مثلاً ونظيراتها في بلدان دول المنطقة، وإلى أن مكتبةً بحجم مكتبة الإسكندرية لا توجد فيها المراجع الحديثة التي يحتاجها الباحث، وحين تقارن بمكتبات مثل مكتبة محمد بن راشد في دبي، فالفارق يتجاوز 100 عام على حد قوله.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Alamir -
منذ 51 دقيقة❤️?
Bassel Hany -
منذ 3 أيام♥️
Bassel Hany -
منذ 3 أيام♥️
Bassel Hany -
منذ 3 أيام♥️
Bahta Bahta -
منذ 5 أياملم يفهم مذا تقصد
Tayma shreet -
منذ 5 أيامWow !