هل تنافس جامعات الخليج

هل تنافس جامعات الخليج "هارفارد"و"MIT"؟... سباق عالمي لاستقطاب العقول الأمريكية المطرودة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الأربعاء 4 يونيو 202511:21 ص

في زمن بات فيه تمويل العلم في الولايات المتحدة عرضةً للمزاج السياسي، وأصبح كرسيّ الأستاذ الجامعي مهدداً بقرارٍ رئاسي أو خفضٍ بيروقراطي، بدأت نُخب العقول الأمريكية تفتّش عن بدائل آمنة... لا مال فيها فحسب، بل احترام، وبيئة تُنصت ولا تُقصي.

من باريس إلى هونغ كونغ، تدفقت الدعوات للعلماء المطرودين من الحلم الأمريكي. لكن السؤال الذي يطرق أبواب الخليج الآن: هل حان وقت القفز نحو الكبار؟ وهل تتحوّل جامعات الخليج من واجهات عمرانية إلى مختبرات تُنتج المعرفة وتنافس العالم؟

اليوم، أصبح الكثير من الباحثين والعلماء في الولايات المتحدة مهددين بترك وظائفهم، إثر الهجمة الشديدة التي تعرضت لها مؤسساتهم وجامعاتهم من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لذا تسعى كثير من الدول لاستقطابهم لخدمة أغراضها العلمية ومشروعاتها. 

ولكن، هل تستطيع دول الخليج العربي بما تمتلكه من إمكانيات مادية، المنافسة على جذب هؤلاء الباحثين لخدمة مشروعاتها، التي ترتكز مستقبلاً على اقتصاديات المعرفة؟

تذكر وكالة "أسوشيتد برس"، أنه منذ تولّي الرئيس دونالد ترامب، منصبه في كانون الثاني/ يناير الماضي، أشارت إدارته غير مرة إلى ما وصفته بالهدر وعدم الكفاءة في الإنفاق العلمي الفيدرالي، وأجرت تخفيضات كبيرةً في مستويات الموظفين وتمويل المنح في مؤسسة العلوم الوطنية والمعاهد الوطنية للصحة ووكالة "ناسا" وغيرها من الوكالات، فضلاً عن خفض مخصصات الأبحاث التي تتدفق إلى بعض الجامعات الخاصة، ما ترتب عليه فقدان آلاف العلماء في الولايات المتحدة وظائفهم أو مِنحهم.

منافسة دولية على استقطاب الباحثين

وفي المقابل، وجدت الحكومات والمؤسسات البحثية في مختلف أنحاء العالم فرصةً سانحةً لاستقطاب هؤلاء العلماء والباحثين الذين فقدوا وظائفهم في الولايات المتحدة عبر منحهم ميزات عديدة. 

وبحسب موقع "نيتشر"، يركز برنامج "ATRAE"، التابع لوكالة الأبحاث الحكومية الإسبانية، والمُصمّم لجذب الباحثين الدوليين، هذا العام، على العلماء المقيمين في الولايات المتحدة، عبر تقديم تمويل إضافي قدره 200 ألف يورو.

واقترحت غرفة التجارة الدنماركية برنامجاً سريعاً يهدف إلى جلب 200 باحث أمريكي في مجالات تكنولوجيا الكم والروبوتات وأبحاث المناخ، وذلك على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

كما تسعى النمسا إلى تسهيل توظيف الباحثين الأمريكيين في الجامعات من خلال تعديل مقترح لقانون تنظيم الجامعات، يسمح للمؤسسات، في بعض الحالات، بتجاوز شرط نشر إعلانات الوظائف علناً للمرشحين الذين قضوا عامين على الأقل في البحث أو التدريس في الولايات المتحدة. 

التقلبات السياسية التي طالت المؤسسات البحثية الأمريكية بسبب قرارات الرئيس ترامب تخفيض موازنات البحث العلمي، دفعت آلاف العلماء إلى مغادرة وظائفهم، ما خلق فرصة ذهبية لدول أخرى لاستقطابهم عبر تقديم تمويلات سخية وبيئات علمية مرحّبة تحترم حرية البحث، من فرنسا إلى الصين وصولاً إلى الخليج

وفي فرنسا، ظهرت برامج متعددة لاستقطاب العلماء والباحثين الأمريكيين، حيث أطلقت الحكومة مبادرة "اختَر فرنسا للعلوم"، لتشجيع العلماء الراغبين في مواصلة عملهم في المؤسسات الفرنسية. وتُدير هذه المنصة الوكالة الوطنية الفرنسية للبحوث، وتقدّم تمويلاً حكومياً لدعم المؤسسات الراغبة في استضافة الباحثين المنتقلين.

وأطلقت جامعة "باريس-ساكلاي"، مبادرات لدعم الباحثين الأمريكيين، بما في ذلك عقود الدكتوراه وزيارات مموّلة، تشجعهم على التقديم من خلال البرامج القائمة، بما في ذلك برنامج "كرسي أليمبير" البحثي وزمالة "شاتوبريان"، وتعلن عن توفر وظائف دائمة.

ونظّم مرصد باريس برنامجاً خاصاً للترحيب بالعلماء الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم، أو يفضلون العمل في فرنسا. كما أطلقت جامعة إيكس مرسيليا الفرنسية، برنامج "مكان آمن للعلوم" المخصص لاستقبال العلماء الأمريكيين في مجالات تشمل المناخ والبيئة والصحة، وتُقيّم الجامعة حالياً الجولة الأولى من طلبات الالتحاق.

أما في بلجيكا، فتعمل جامعة بروكسل الحرة على تخصيص الأموال وإنشاء نقطة اتصال مخصصة للباحثين الأمريكيين الذين يرغبون في مواصلة عملهم في بروكسل.

كما أطلقت المبادرة الأوروبية المشتركة، وهي مؤسسة بحثية عالية المخاطر مقرّها باريس، برنامج زمالة العلوم عبر الأطلسي لجذب عشرة مديرين لبرامجها الطموحة، "بدءاً بالعلماء من الأمريكتين".

وأطلقت جامعة مونتريال في كندا، حملةً لجمع التبرعات بقيمة 25 مليون دولار كندي (18 مليون دولار أمريكي)، لتوظيف باحثين رائدين وباحثين في بداية مسيرتهم المهنية، بمن فيهم أولئك الذين يواجهون ضغوطاً في الولايات المتحدة، وسيدعم البرنامج -الذي جمع ما يقرب من نصف المبلغ المطلوب- الباحثين في مجالات مثل الصحة والذكاء الاصطناعي والتنوع البيولوجي والسياسات العامة.

وأطلقت الأكاديمية الأسترالية للعلوم برنامجاً عالمياً لجذب المواهب لاستقطاب باحثين أمريكيين يعملون في مجالات ذات احتياجات وطنية.

وبالطبع في الصين، حيث رحّبت مدينة شنتشن التكنولوجية بـ"المواهب العالمية"، خاصةً تلك التي طردتها المؤسسات الأمريكية. 

وفي تقرير آخر، ذكرت "نيتشر" أنّ ثلاث جامعات على الأقل في هونغ كونغ دعت الطلاب الدوليين من جامعة هارفارد للانضمام إلى مؤسساتها، وذلك عقب القرار الصادم الذي اتخذته إدارة الرئيس ترامب بمنع المؤسسة الأمريكية المرموقة من تسجيل الطلاب الأجانب.

هل تنافس دول الخليج في اقتصاد المعرفة؟

وفي ظلّ هذا التنافس الدولي على استقطاب علماء وباحثي الولايات المتحدة، يبرز تساؤل يتعلق بإمكانية خوض دول الخليج العربي غمار هذه المنافسة، وهو ما يجيب عنه الباحث فريدريك شنايدر، في تقريره المنشور في موقع مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، بالقول إنه إذا كانت الدول الخليجية تمتلك دوافعها الخاصة للاستثمار في الاقتصاد الأمريكي، فبإمكانها أيضاً الاستفادة من تدفق الباحثين المتميزين الذين يغادرون الولايات المتّحدة واستقطابهم نحو مؤسساتها المحلية.

تمتلك دول الخليج الإمكانيات المادية، لتكون ملاذاً جذاباً للعلماء الأمريكيين المطرودين، لكنها تحتاج إلى تحسين البنية العلمية وتبني استراتيجيات طويلة الأمد لجذب الكفاءات.

ويذكر شنايدر، أنه لطالما أعلنت حكومات دول الخليج العربي أنّ مستقبل ما بعد النفط يعتمد على اقتصاد المعرفة، وقد قطعت أشواطاً كبيرةً باتجاه تعزيز المنافسة داخل قطاع التعليم العالي، شملت افتتاح فروع لجامعات عالمية مرموقة، وزيادة عدد الطلاب والباحثين، وصعود الجامعات الإقليمية في التصنيفات العالمية.  

لذلك، تمتلك الدول الخليجية الكثير لتقدّمه للأكاديميين الذين سيغادرون الولايات المتحدة، مثل التمويل السخي والرواتب التنافسية، فضلاً عن أن المنظومة التعليمية والبحثية آخذة في التوسع، بحسب شنايدر. 

وعلى عكس أوروبا، لا تعاني دول الخليج العربي من تداعيات التقشف والركود الاقتصادي وصعود اليمين المتطرف وتجاوزاته، وهذا ما يجعلها وجهةً جذابةً، ولا سيّما بالنسبة إلى الأقليات العرقية والدينية التي تتعرض للتمييز. 

ويدلل شنايدر، على ذلك بدولة قطر التي تُعدّ ملاذاً للطلاب والأكاديميين المضطهدين بسبب مواقفهم الرافضة للإبادة الجماعية في غزة. 

ومن الميزات التي ترجّح كفّة الدول الخليجية في جذب هؤلاء الباحثين، موقعها الجغرافي الملائم، كونه يقع على مسافة متساوية تقريباً بين المراكز الأكاديمية الكبرى في أوروبا والصين. 

وبحسب شنايدر، فإنّ استقطاب أكاديميين من الولايات المتحدة يُعدّ فرصةً ثمينةً للدول الخليجية، ولا سيّما في مواقع تمرّ بمرحلة انتقالية أو تشهد توسعاً، مثل المدينة التعليمية في قطر.

غير أنّ اغتنام هذه الفرصة يتطلب مزيداً من العمل لتحسين منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في المنطقة، والتي لا تزال في طور الخروج من موقعها المهمّش عالمياً. 

ولتحقيق هذا التحوّل، كما يذكر شنايدر، لا بدّ من وضع التعليم العالي والبحث العلمي في صلب الإستراتيجيات الوطنية فعلياً، وتخصيص التمويل المناسب، وتكثيف الجهود لتأسيس جامعات ومراكز بحثية جديدة وتوسيعها، فضلاً عن إنشاء مؤسسات تنسيقية قوية، وبنى تحتية بحثية متقدمة، وذلك على غرار المؤسسات العلمية الوطنية الناجحة في دول مثل الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة.

ملاذ آمن ونقطة استقطاب 

تسعى دول الخليج منذ سنوات إلى أن تكون قِبلةً للعلماء والباحثين في ظلّ اتجاهها نحو اقتصاديات ما بعد النفط، وهو ما تحقق على الأرض بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة إذ تحولت إلى وجهة للعلماء، خاصةً أولئك القادمين من دول تشهد اضطرابات، كما يذكر الباحث الأردني في العلوم السياسية الدكتور عامر السبايلة، لرصيف22. 

رغم الأزمة الأمريكية، يشير بعض الباحثين إلى أن التمويل البديل من مؤسسات خاصة وهيئات مانحة قد يحدّ من هجرة العلماء. ومع ذلك، إذا قدمت دول الخليج عروضاً جادة تشمل فرصاً حقيقية في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والصحة والطاقة، فقد تنجح في كسب الرهان

لذا، يرى السبايلة، أنّ دول الخليج قد تكون نقطة استقطاب للعلماء والباحثين الذين قد يغادرون الولايات المتحدة، خاصةً أنّ كثيراً منهم ينظرون إلى هذه الدول على أنها ملاذ آمن من ضغوط قد تُمارَس عليهم، فضلاً عن أنها لا تشهد أي اضطرابات سياسية أو دينية، وتوفر للعلماء والباحثين رواتب عاليةً ورفاهيةً معيشية.

حرية البحث العلمي وبنية تشريعية جديدة

ويستبعد رئيس مركز الدراسات العربية الأوراسية الدكتور أحمد دهشان، مغادرة عدد كبير من العلماء والباحثين في أمريكا إلى الدول الأخرى، وتحديداً أولئك الذين يشغلون قطاعات مهمة. 

ويشرح دهشان، لرصيف22، أنّ تقليل الإنفاق الحكومي لا يعني بالضرورة تقليص تمويل البحث العلمي في المجمل، فإذا كانت الحكومة الأمريكية قد قلّلت الإنفاق، ففي المقابل توجد مؤسسات أمريكية وهيئات ومُحسنون وأصحاب ثروات لديهم اهتمام بالتبرع في هذا المجال، ويمكن أن يسدّوا الحاجة.

استقطاب العلماء لا يتعلق فقط بالرواتب والرفاهية، بل بحرية إجراء الأبحاث في بيئة تشريعية مرنة تتيح الابتكار والتجريب دون قيود. ومشروع علمي مستدام، لا ينتهي بانتهاء عقود الأفراد.

ويذكر دهشان، أنّ جزءاً من رفض إدارة ترامب الاستمرار في تمويل الأبحاث هو الاعتقاد بوجود من يموّل هذا الحقل، وتالياً لا ينبغي أن تتحمل الخزانة العامة هذه الكلفة، وأنّ من يجب أن يفعل ذلك هي مؤسسات تجارية تهدف إلى التوصل الى اختراع أو علاج جديد أو تقنية حديثة تساعدها على زيادة أرباحها.

ومع ذلك، لا يستبعد دهشان، أن يغادر عدد من العلماء والباحثين أمريكا، وقد تكون وجهتهم دول الخليج حيث يُستفاد منهم في عدد من المجالات الحيوية، منها تصنيع الأدوية ومضادات الفيروسات، وفي مجال الصحة العامة، خصوصاً المشكلات المزمنة التي تعاني منها تلك الدول، مثل السكري والضغط وأمراض القلب والسمنة، كما يمكن الاستفادة منهم في القطاعات التقنية مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية والطاقة النووية، والطاقة النظيفة، وذلك حال قدّمت هذه الدول لهؤلاء العلماء عروضاً جادّةً لا ترتبط بالجانب المادي فحسب، وإنما بعوامل أخرى أكثر أهمية. 

وبحسب دهشان، يجب على دول الخليج إتاحة العمل البحثي الجاد والميداني وليس النظري أو الأكاديمي فحسب، بجانب توفير بيئة تشريعية وقانونية تُمكّن هؤلاء العلماء من إجراء أبحاثهم وتجاربهم دون قيود، وأن يكون لهم الحرية الكاملة في أن يقرروا ما هي الأشياء التي من الممكن أن يقوموا بالبحث فيها وفقاً لمعرفتهم وقدراتهم، فليس كل ما يُطلب في العمل العلمي يستطيع الباحث توفيره.

كما يجب وضع إستراتيجية علمية بعيدة المدى، يدرك من خلالها هؤلاء العلماء أنهم أتوا لكي يعملوا في إطار مشروع مستمر ومستدام، يتطور ويتسلّمه بعدهم آخرون، وليس مشروعاً مرحلياً ينتهي برحيلهم.

ويختم بأنه يجب أن يكون لدى دول الخليج فريق كامل من صغار الباحثين والعلماء والطلاب، على استعداد للعمل مع هؤلاء العلماء للاستفادة من خبراتهم وتوظيفها في ما بعد لخدمة بلادهم.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image