*أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج.
يتكرر مشهد "غرق" مدينة صيدا بالنفايات منذ سنتين. حاويات تفيض بالقمامة على الطرقات. روائح كريهة تنتشر في المدينة؛ ما يؤثر سلباً في صحة سكان صيدا والمناطق المجاورة.
تُشغّل شركة "IBC SAL" معمل معالجة النفايات في صيدا، منذ 13 عاماً تقريباً؛ ساءت خلالها الأوضاع البيئية بالمدينة، وباتت القمامة "ساكناً" يحاصر الناس. واقع ما كان ليتحقق إلا بوجود خروقات قانونية، وإهمال أدى إلى واقع "مفزع".
المعمل غير حاصل على رخصة تشغيل من وزارة الصناعة حتى اليوم! صدرت رخصة إنشائه (المنتهية) في 17 كانون الأول عام 2013، بموجب قرار رقم 4147. سُجّلت الشركة رسمياً في سجلات الدولة اللبنانية في 28 كانون الثاني عام 2016، تحت رقم 5006413، على الرغم من أن "تلزيمها رسمياً" من قبل مجلس الوزراء حدث عام 2012؛ ما يعني أنه بُني بطريقة مخالفة.
تبلغ نسبة الأجانب المساهمين في الشركة نحو 86% تقريباً، معظمهم سعوديون؛ ما يُخالف قانون التجارة اللبناني الذي ينص على ألا يقل عدد اللبنانيين في مجلس الإدارة عن الثلث.
بُني المعمل على البحر جنوب مدينة صيدا، قرب نهر وآبار جوفية. وتكرر في الكشوفات التي حصلت عليها "أريج"، طلب وزارتي البيئة والصناعة اللبنانيّتين، بإجراء اختبارات للأثر البيئي في المياه الجوفية، واختبارات المواد داخل المركز، وتبين أن المعمل لم يُجرِ دراسة الأثر البيئي قبل إنشاء المشروع، كما لم يصدر أي تقارير دورية طيلة مدة عمله. كما طالبت الوزارتان أيضاً بضرورة إمدادهما ببيانات تشرح آلية عمل مركز صيدا، وطبيعة المواد المُنتَجة التي يتم بيعها.
وورد في محضر اجتماع (ضم ممثلاً عن وزارة البيئة وناشطين ومتابعين لهذا الملف) صادر عن وزارة البيئة عام 2019، أن المعمل "لا يتجاوب سوى ورقياً في بعض الأمور؛ إذ خالف رأي مهندس الوزارة بطمر العوادم مؤقتاً، وحوّلها إلى مكب". كما أشار المحضر أيضاً إلى وجود "شبهة تواطؤ" مع سلطات البلدية؛ إذ منحت البلدية ملكية الأرض التي بُني عليها المعمل للمعمل نفسه، مع أنها أملاك بحرية، وقامت بتلزيمه على الرغم من "عدم شرعيته". لم نتلقَ أي رد من بلدية صيدا على هذه "الاتهامات"، رغم محاولات التواصل معها عبر الهاتف والفاكس والإيميل.
يكشف هذا التقرير عن وجود خروقات قانونية وبيئية بمعمل صيدا جنوب لبنان، فاقمت من أزمة النفايات بالمدينة. وهو يوثق أيضاً عدم تعاطي الشركة المُشغلة للمعمل مع مطالبات "رسمية" عديدة بضبط وتحسين آلية العمل، وفق المعايير البيئية والقانونية
وبحسب جولات ميدانية وثقتها بعض التقارير، توجد داخل المعمل أجهزة، وآليات، ومولدات، بالإضافة إلى محطات معالجة، ومفاعل هضم لا هوائي، وأحزمة وصنابير. كل هذه الأجهزة إما معطلة أو مكسورة، وإما لا تعمل بشكل جيد. كما أن الممرات داخل المعمل متسخة بسوائل راشحة، والنفايات منتشرة في كل مكان، بالإضافة إلى وجود بعض الأقسام المغلقة.
كل هذه المعطيات تطرح سؤالاً ملحاً: هل تستطيع شركة "IBC SAL" الاستمرار في تشغيل المعمل طيلة هذه السنوات، وبشكل حصري من دون "محاسبة"، إن لم تتمتّع بغطاء سياسي وبالتالي منفعة مادية للمعنيين؟!

تجاهل المعنيّين
على الرغم من وجود كل هذه الوقائع، التي تثبت وجود خروقات قانونية ومخالفات بيئية، تأتي تصريحات على لسان بعض الوزراء والنواب، وبعض موظفي بلدية صيدا، تفيد "بعدم تأكدهم من وجود أي تلوث جراء المعمل". وكثيراً ما يشار إلى أسباب أخرى للتلوث، بعيدة عن معمل صيدا، كتعطل محطة تكرير مياه الصرف الصحي، أو عدم دقة الدراسات، وغيرها من الأسباب.
ولتوثيق خروقات معمل صيدا، وما ينتج عنها من تلوث مستمر للبيئة، دعمنا التقرير بالعديد من الوثائق المصحوبة بكشوفات ميدانية من قبل ممثلي وزارتي البيئة والصناعة، على مدار سنوات، وفي فصول وأوقات مختلفة من العام.
خلال العمل على هذا التقرير، تواصلنا أكثر من مرة، مع وزير البيئة حينها ناصر ياسين، عبر الهاتف والإيميل، لكنّه لم يردّ على الأسئلة والاتهامات والخروقات المتعلقة بالمعمل. واكتفى بالإشارة إلى أنه "حوّل الملفّ للقسم المختص، لأنه لا يعرف التفاصيل".
توثيق المخالفات
تظهر مجموعة الوثائق الصادرة بين عامي 2021 و2024، تراكم النفايات حول المعمل وداخله، ونشوب حرائق مستمرة، بالإضافة إلى عدة محاولات لإعادة تشغيل المعمل. أما في الوثائق الأقدم ما بين عامي 2016 و2019، يتبين تراجع قدرة المركز على العمل ومخالفته لخططه الأصلية، إضافة إلى بدء تراكم العوادم.
ورغم أنه في عام 2019، كانت هناك محاولات جدية لحل مشكلات المعمل، والقيام بدراسات وفحوصات، كما أظهرت بعض تقارير عامي 2018 و2019؛ لكنّها تناقضت مع تقارير أخرى، مصحوبة بأرقام وأدلة، تدين إدارة المعمل.
كل هذه المعطيات مجتمعة، تشير إلى "الجهة الداعمة" لهذا المعمل. بالنسبة لأهل صيدا، هناك جهة واحدة تستطيع إقناع السعوديين بالاستثمار في هذا المشروع؛ نواب المدينة في المجلس النيابي، وهما بهية الحريري وفؤاد السنيورة. بالإضافة إلى محمد السعودي، رئيس البلدية من عام 2010 إلى 2023؛ وهي الفترة التي شهدت خروقات قانونية وبيئية في المعمل. تزامن ذلك مع محاولات إسكات ناشطين بيئيين، وحالة من "التعتيم الإعلامي" على المشكلات البيئية والقانونية المتعلقة بمعمل صيدا.

دراسات "غير جدّية"
لم نجد أي دراسة "جدية" حكومية، لتقييم الأثر البيئي لهذا المعمل. لذلك اعتمدنا على وثائق ومستندات رسمية، إلى جانب آراء بعض خبراء البيئة والصحة، في توثيق الأثر البيئي لمعمل صيدا. وتبيّن عدم إنتاج المعمل لأي مخرجات أو مواد مفرزة من النفايات المُعالجة، ذات جودة عالية يمكن الاستفادة منها. إلى جانب تكدس "جبل" من النفايات، الذي بمجرد المرور قربه، تشعر بالغثيان والاختناق.
يقع المعمل عند الشاطئ جنوب مدينة صيدا، ويلوث أربعة مصادر للمياه؛ هي البحر، ونهر سينيق، والآبار الجوفية، والبحيرة الواقعة داخل المعمل. فخلال جولات غطس قامت بها جمعية "أندي أكت" عام 2014، وجمعية "لا فساد" عام 2017، تبيّن وجود مئات الأطنان من القمامة، شملت عارضات ملابس، وإطارات سيارات، ونفايات إلكترونية، ومخلفات منزلية وطبية، إضافة إلى مواد أخرى، يصعب تحللها، من الحديد والزجاج والخشب والأقمشة والبلاستيك؛ وقد جرفتها التيارات البحرية من الجنوب نحو الشمال، لتنتشر في حوض البحر. دفعت الأمواج بعضها لتعيدها إلى موقع آخر من الشاطئ، فيما علقت مجموعات أخرى بين الصخور وتحولت إلى كتل نفايات "مخيفة".
كل هذه الأوضاع جعلت المدن الساحلية شمال صيدا عرضة لتلوث مياهها وشواطئها، وفق دكتورة جوانا دمّر، مسؤولة قسم علوم الأرض بالجامعة الأمريكية ببيروت.
"الأكثر تلوثاً في لبنان"
ركزت بعض الوثائق التي حصلت عليها "أريج" على خطورة البحيرة (الحوض) الموجودة داخل حرم المعمل، مؤكدة أنها "المكان الأكثر تلوثاً في لبنان". وبحسب محمد المجذوب، المهندس والناشط البيئي في صيدا، تشكّلت البحيرة مع ردم البحر، عندما أرادوا دفن "جبل النفايات" القديم، في مساحة أرض بلغت نحو 50 ألف متر مربع.
وبحسب الوثائق، تُلقى في البحيرة مواد كيميائية سامة، إلى جانب مخلفات الدباغات والمجاري. كما أن شركة "NTCC"، المسؤولة عن جمع القمامة من الحاويات في صيدا، ونقلها إلى المعمل، كانت تضع فيها النفايات بشكل يومي.
وذكر مَن قابلناهم من خبراء واختصاصيين، أثناء العمل على التقرير، أن المعمل يستخدم البحيرة "للتخلص من كل شيء؛ كالنفايات الطبية والعوادم، ما تسبب بانبعاث روائح كريهة"، وفق كشوفات تعود لعام 2016.
يقع المعمل عند الشاطئ جنوب مدينة صيدا، ويلوث أربعة مصادر للمياه؛ هي البحر، ونهر سينيق، والآبار الجوفية، والبحيرة الواقعة داخل المعمل. وبحسب الوثائق التي تحصل عليها معدو التقرير، تُلقى في البحيرة مواد كيميائية سامة، إلى جانب مخلفات الدباغات والمجاري
وقد طالبت وزارة البيئة اللبنانية، في محضر اجتماع عام 2019، بفحص مياه البحيرة، لمعرفة أثرها البيئي في الآبار الجوفية، مشددة على فحص القاع. لكنّنا لم نجد أيّ نتائج موثّقة لهذا الطلب. الأمر ذاته أكّده محمد المجذوب، المهندس والناشط البيئي في صيدا: "كان هناك قرار جدي بالتخلص من البحيرة في تلك السنة، من خلال الطمر، أي إغلاقها، غافلين عن مصير المياه الملوثة. لكنّ المشروع الذي كلف تسعة مليارات ليرة لبنانية (أي ما يعادل حينها ستة ملايين دولار أمريكي)، وأُوكلت الهيئة العليا للإغاثة بمتابعته من دون أن نفهم سبب إحالة ملف المناقصة إليها، لم يتم تنفيذه لأسباب تتعلق بالأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية عام 2019".
وأضاف المجذوب: "توقف تمويل المشروع حينها، وردم المتعهد جزءاً من البحيرة بما تيسّر له من مال… وبقي مشروع طمر البحيرة مطروحاً لدى البلدية حتى اليوم، بغية رمي النفايات المتراكمة حالياً في صيدا، وبفضل جهودنا ودعمنا من قبل وزارة البيئة، توقف هذا القرار".

نهر سينيق
في ما يتعلق بنهر سينيق الواقع جنوب المعمل، وينبع من قرى شرق مدينة صيدا ويصب في جنوبها، فقد حصلت "أريج" على فيديو نشره أحد الناشطين في المدينة، يُظهر تخلص المعمل من الرواسب الكيميائية السامة بالنهر، الذي يدفعها بدوره إلى البحر.
وأفادت دكتورة جوانا دمّر "بتغير لون مياه النهر". وتضيف: "علمياً، تتحرك المياه نحو الشمال، ولكن بسبب صب المخلفات داخل النهر بشكل مباشر، يمكن أن يكون قد أسهم هذا النهج بحدوث التلوث". كما أشارت بضرورة فحص مياه النهر للتأكد من تركز المواد الضارة.
وفي عام 2019، أثبتت إحدى الوثائق زيادة تلوث مياه النهر، وأرجع محمد السعودي، رئيس البلدية حينها، السبب لعطل في إمدادات المجاري الصحية التي تسربت إلى النهر.
ووفق دكتورة جوانا دمّر، مسؤولة قسم علوم الأرض بالجامعة الأمريكية ببيروت، فقد أظهرت الخرائط أن الردم البحري قد جعل مصب النهر الشمالي في البحر ضيّقاً؛ الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع السيول عند ضفته، ويسهم بتغير شكله، وتآكل الساحل. كما حذّرت من تأثير ذلك في "الثروة السمكية والتنوع البيولوجي لصيدا والمدن الواقعة شمالها".
تلوث الهواء
أشار تقريران حصلت عليهما "أريج"، إلى نشوب حرائق متكررة في المكب. وأثبت أحد التقريرين عملية حرق النفايات على الأرض المجاورة لمعمل صيدا. كما ذكرت وثائق أخرى، خطورة وجود المخلفات في الهواء الطلق، لما يصدر عنها من انبعاثات سامة كالميثان، وسلفيد الهيدروجين، وثاني أوكسيد الكربون؛ إذ إن هذه الغازات لها تأثير سلبي في الجهازين العصبي والتنفسي.
فيما ذكرت بعض الوثائق أن الروائح الكريهة رافقت المعمل منذ إنشائه، لكنها زادت سنة بعد سنة، كما أشارت إلى تعطل الفلاتر الواقية داخله.
ووفق بعض التقارير، يؤدي استنشاق هذه الغازات إلى ظهور أعراض كضيق التنفس، والتحسس والسعال، والدوخة، بالإضافة إلى الصداع والغثيان. وأكد الدكتور صلاح زين الدين، مدير مستشفى الجامعة الأمريكية ببيروت، وهو طبيب متخصّص بالجهاز التنفسي، أن هذه الانبعاثات تُفاقم حالة من لديهم أمراض رئوية كالربو والتليّف، والحساسية، كما تُسرّع ظهور الأمراض التنفسية لمن لديهم استعداد جيني أو سرطانات.

تلوث التربة
أظهرت بعض الوثائق والتقارير العلمية، حصلت عليها "أريج"، أن النفايات الموجودة بجوار المعمل، تنتج عصارة خلال تحللها، قد تكوّن بركاً من الممكن أن تحوي عناصر مثل: الزئبق، والرصاص، ومياه حمضية، وميكرو بلاستي، وغيرها من المواد الملوّثة، مع احتمالية تفاعل تلك المواد مع بعضها، ما قد تنتج عنها مكونات سامة جديدة.
وثائق تظهر عدة خروقات بيئية بمعمل صيدا.
كما ذكرت تلك التقارير وجود قوارض وبكتيريا وحشرات سامة، إضافة إلى غبار ورماد بسبب الكسّارات وغيرها من الآلات الموجودة داخل المعمل.
تكديس النفايات
تنتج عن فرز النفايات في المعمل، مواد عضوية تستخدم في عملية الهضم اللاهوائي أو ما يعرف بالتخمر، وهو تحويل النفايات العضوية إلى سماد للزراعة، كما ينتج أيضاً عن عملية الفرز غاز الميثان الذي يستخدم لتوليد الكهرباء عبر مولدات خاصة، إضافة إلى البلاستيك الذي يُعاد تدويره قبل بيعه. كما ينتج عن هذه العملية، الخشب والورق والأقمشة التي من الممكن حرقها وتحويلها إلى وقود بديل لإنتاج الطاقة، وتسمى بـ "rdf". الأهم، بحسب الخطط، أنه لن تكون هناك عوادم؛ أي نفايات غير معالجة أو قابلة للاستخدام، التي عادة يشار إلى طمرها في التراب.
وبحسب ما أظهرته الوثائق، لم تنجح عمليات إنتاج السماد؛ لذا كان يتم التخلص منه. وترجع الدكتورة جوانا دمّر، مسؤولة قسم علوم الأرض بالجامعة الأمريكية ببيروت، السبب إلى "وجود الأكسجين، وبقاء نفايات غير عضوية داخل الخمارات لسوء فرزها، مثل الأقمشة".
أما عن البلاستيك، فقد أُوقف معمل إعادة التدوير، وباتت معظم النفايات البلاستيكية لا تصل إلى المركز، حيث رصدنا سيارات تدور على المكبات الموجودة في الطرقات وتجمع ما فيها، لكننا لم نستطع معرفة مصدرها.
وبالنظر إلى كل هذه المعطيات، يمكن القول إن مخرجات المعمل الحالية ليست سوى مجرد "تكديس للنفايات" في الهواء الطلق، وتلويث للبيئة وتشويه للمنظر العام.
تحركات المجتمع المدني
المهندس محمد دندشلي، رئيس الهيئة الإدارية لجمعية "علّي صوتك" (تُعنى بالشؤون العامة لمدينة صيدا)، يقول إن الجميع كان مؤيداً وداعماً لمشروع معمل صيدا، بسبب المعاناة الكبيرة مع "جبل القمامة القديم". لكن بعد الاطلاع على خطط وعقود عمل المعمل، ظهرت جوانب غير قانونية للمشروع، وفق دندشلي.

وأضاف: "بداية، ظهر لنا موضوع ملكية الأرض التي بُني عليها المركز، وهو ما يتعارض مع القانون، فالعقار ردم بحري؛ أي أملاك عامة".
ويشير دندشلي إلى أن البلدية برّرت تمليك الأرض بناءً على اتفاق بعدم تقاضي المعمل "بدل أتعاب" لمعالجته نحو مئتي طن يومياً من نفايات صيدا. لكن المفاجأة، وبمرسوم من مجلس الوزراء، أن المعمل كان يتقاضى مبالغ مالية مقابل معالجته نفايات صيدا، والتي وصلت لنحو 95 دولاراً أمريكياً للطن الواحد، ما يخالف الخطة الرئيسية، أي المعالجة المجانية، وفق دندشلي.
ويضيف المهندس محمد دندشلي، رئيس الهيئة الإدارية لجمعية "علّي صوتك": "لم يلتزم المعمل بما نصت عليه رخصة إنشائه، التي تفيد بأنه لن يحرق أو يطمر النفايات، لنتفاجأ بطلب البلدية من وزارة الأشغال بإذن استخدام الأرض المجاورة للمعمل لرمي العوادم، لتحويلها إلى مطمر، لكنها تحولت إلى مكب غير صحي، لذا بدأنا بالتحرك على الأرض، فنزل المواطنون في العامين 2015 و2016 إلى الشوارع للتظاهر سلمياً؛ رفضاً لهذا الواقع".
بدورها، قامت جمعية "علّي صوتك" برفع دعوى بمجلس شورى الدولة، ضد بلدية صيدا والدولة اللبنانية، وذلك في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بسبب الخروقات القانونية والبيئية لمعمل صيدا.
لكنّ المجلس المذكور رد الدعوى بعد خمس سنوات، بحجة أن الناشطين الذين تقدموا بها لا يقيمون ضمن مسافة كيلومتر واحد من المعمل. مع العلم أن الدعوى تتعلق بالأملاك البحرية العامة التي تتآكل شيئاً فشيئاً، وهي مرتبطة بشكل وثيق بمبدأ حماية البيئة المنصوص عليه في القانون 444 الصادر عام 2002، وفق دندشلي.
مرحلة التوقف عن العمل
بحسب الوثائق، توقف المعمل عن العمل مع تغير الإدارة عام 2021، حين أُقيل المدير العام، نبيل زنتوت، في حزيران/يونيو، وعُيّن أحمد السيد في آب/أغسطس من العام نفسه.
لم يتم تشغيل المعمل حينها طوال تلك المدة، ما أدى إلى تكديس كمية النفايات التي وصلت لأربعين ألف طن. بعدها أظهرت المعاينات الفنية تعطل العديد من الآليات والأجهزة، كما زادت كمية النفايات المتراكمة على الأرض المجاورة للمعمل.
أما عن الإصلاح وشراء مستلزمات المعمل من أجل إعادة تشغيله، فقدرت دراسة فنية أجرتها وزارة البيئة عبر خبير من البنك الدولي عام 2022، المبلغ المطلوب بنحو 863 ألف دولار أمريكي.
لكن بدلاً من تنفيذ التوصيات، أُغلق المعمل كليا في كانون الثاني/يناير 2023، ثم توقفت شركة NTCC عن جمع النفايات لانتهاء مدة العقد، وغرقت صيدا بالقمامة لشهور، ليعاد لاحقاً إصدار قرار بالتعاقد مجدداً معها عبر مناقصة في منتصف عام 2024.
حمزة المغربي، مساهم ومؤسس شركة IBC SAL، يقول إن تدهور وضع المعمل يعود لعدم التزامه بالخطط الأصلية الموضوعة على أسس علمية، من أجل الوصول لمعالجة حقيقية للنفايات. ويضيف: "اتفقنا مع البلدية منذ البداية بأن تجمع النفايات في مدة لا تزيد على أربع ساعات، لأن وجود المواد العضوية في الهواء الطلق، سيدفعها للتحلل؛ ما يؤثر على جودة الإنتاجية".
وبدلاً من جمع النفايات من المصدر مباشرة، يتم وضع حاويات بالطرق العامة تضم أنواعاً مختلفة من النفايات، التي تتحلّل بعد ذلك، مُصدِرة روائح كريهة تجلب الحشرات والقطط، بالمخالفة لأدنى شروط السلامة البيئية، وفق المغربي.
عدم تطبيق الشركة المشغلة للمعايير الفنية والبيئية يجعلها مسؤولة عن تعويض المتضررين؛ تحديداً مَن يعيشون بمسافة قريبة من المعمل، بالإضافة إلى وجوب تحملها مسؤولية حل الأزمة التي أعادت "جبل النفايات" من جديد.
عدم تطبيق الشركة المشغلة للمعايير الفنية والبيئية يجعلها مسؤولة عن تعويض المتضررين؛ تحديداً مَن يعيشون بمسافة قريبة من المعمل، بالإضافة إلى وجوب تحملها مسؤولية حل الأزمة التي أعادت "جبل النفايات" من جديد
محاولات لتصويب الأوضاع
في بداية عام 2024، أصدر الطبيب حازم بديع، رئيس بلدية صيدا، مرسوماً يطالب فيه المعمل بأخذ إجراءات جدية لحل أزمة النفايات الحاصلة في المدينة. بعدها بستة أشهر، أصدر بياناً آخر يُشيد بما قامت به إدارة المعمل من تحسينات، شاكراً اللجنة والإدارة على الجهود المشتركة، مؤكداً أن المعمل على "السكة الصحيحة".
وفي شباط/فبراير 2025، أصدرت بلدية صيدا تعميماً يفيد بإجرائها عشرات الزيارات الميدانية لمعمل صيدا، وخروجها بعدة توصيات لتحسين سير العمل داخل المعمل. وأكدت في بيانها أن إدارة المعمل لم تلتزم بالموعد المخطط لتنفيذ خطة المعالجة والتحسين؛ ما فاقم أزمة النفايات بالمدينة.
لكنّ وفيق الهواري، الإعلامي والناشط المجتمعي في صيدا، يقول إن المعمل لن يستطيع تنفيذ "خطة الإصلاح" لعدة أسباب: "فهو غير مسجل في غرفة التجارة والصناعة، وبذلك لا يمكنه شراء أي أجهزة، ثانياً لا يوجد به عدد عمال كافٍ، فبعد أن كانت طاقته البشرية تبلغ نحو 450 موظفاً باتت اليوم نحو ستين فقط".
ويضيف: "الخطط لم تأتِ على ذكر النفايات المتراكمة داخل المعمل وبجواره، وكيفية إزالتها".
على جانب آخر، وبالاستناد إلى الدراسة المقدمة من وزارة البيئة، ودراسة الشركة الفرنسية (دراسات تقييم فني فقط)، فإن المعمل يحتاج إلى إعادة تأسيس كامل، تستغرق عاماً لتنفيذها، بتكلفة تبلغ نحو تسعة ملايين دولار، وفق الهواري.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Michel abi rached -
منذ يوممقال مميز
Ali Ali -
منذ 4 أيامجميل و عميق كالبحر
Magdy Khalil -
منذ 5 أياممقال رائع، يبدو انني ساوافق صاحب التعليق الذي اشار اليه المقال.. حيث استبعد ان يكون حواس من سلاله...
Thabet Kakhy -
منذ أسبوعسيد رامي راجعت كل مقالاتك .. ماكاتب عن مجازر بشار ولا مرة ،
اليوم مثلا ذكرى مجزرة الحولة تم...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينيا بختك يا عم شريف
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينمحاوله انقاذ انجلترا من انها تكون اول خلافه اسلاميه في اوروبا