شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
فوائد اقتصادية وبيئية وصحيّة كبيرة… متى يستفيد لبنان من السياحة الزراعية والغذائية؟

فوائد اقتصادية وبيئية وصحيّة كبيرة… متى يستفيد لبنان من السياحة الزراعية والغذائية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الجمعة 6 سبتمبر 202411:46 ص

في مطلع عام 2020 وقبل بدء جائحة كورونا، كنت في زيارة إلى ماليزيا، البلد الآسيوي الجميل والممتع والذي حافظ على بيئته وطبيعته اللتين تعدّان العمود الفقري للسياحة لديه.

بعد ستة أيام في العاصمة كوالا لامبور، انتقلت إلى جزيرة لانكاوي إحدى أبرز الجزر في ماليزيا، وهناك لفتتني رحلة سياحية من نوع لم أعتده، ألا وهي السياحة الزراعية التي لم أكن قد سمعت عنها. بكل سرور، حجزت رحلتي لأختبر هذه السياحة وانطلقت في الموعد المحدد إلى المزرعة.

 كان هناك سيّاح ينتظرون الموعد المحدد لانطلاق الجولة داخل المزرعة، صعدنا جميعاً في شاحنة كبيرة مجهّزة بمقاعد، وبدأت رحلتنا بمشاركة مرشد سياحي زراعي.

داخل المزرعة، بدأنا نشاهد كل ما تنتجه ماليزيا من مزروعات وفاكهة، المانجو والأناناس والبابايا والجاك فروت والدوريان ذات الرائحة غير المحببة، كذلك البطيخ والشمام وعشرات الأنواع الاستوائية. وكل نوع زرع في جناح مستقل، تتوقف الشاحنة فننزل لنرى عن قرب هذه الأصناف، ويشرح المرشد تفاصيل هذه الشجرة وتلك، وقبيل الانتهاء من الرحلة، هناك جناح هو عبارة عن استراحة فيها جميع الفواكه الماليزية وكلها متاحة أمام الزائرين للتذوق والشراء.

طوال الرحلة كنت أفكر: لماذا لا توجد سياحة كهذه في بلداننا العربية، وعلى وجه الخصوص، في بلدي لبنان، الذي ينتج عشرات الأنواع من الفاكهة والمزروعات المميزة جداً؟

بعد عودتي من السفر بأقل من شهرين تقريباً، وصلت الكورونا إلى لبنان، وبدأ معها الإقفال العام، ثم شهدنا عودة تدريجية إلى الزراعة والطبيعة من باب التسلية و/ أو الهروب من الأماكن المغلقة. حينها، أدركت أن هذا هو الوقت الملائم لازدهار السياحة الزراعية.

بالفعل، نشطت دعوات إلى السياحة الزراعية في عدة مناطق، بدايةً بشكل خجول، ومع انتهاء الجائحة، ازدهرت شيئاً فشيئاً وحجزت لنفسها مكاناً بين أنواع السياحة في لبنان.

"هذا النوع من السياحة أيضاً يساهم في تسويق الإنتاج الزراعي والغذائي خارج لبنان، فكما نتكلم عن إرث تاريخي وثقافي من الحجارة والكتب والمخطوطات وغيرها، كذلك هناك إرث في الزراعة والمطبخ"... عن السياحة الزراعية والغذائية في لبنان

"حمّانا" تروّج لكرزها

منذ عام 2008، تروّج بلدية حمّانا، في محافظة جبل لبنان، لكرزها المميز بإقامة يوم له، في إطار مهرجان، يعرض المزارعون فيه إنتاجهم في شوارع البلدة التي تزدحم بالزوار من كل أنحاء لبنان، لتذوق هذا الكرز وشرائه. بمرور الوقت، تطوّر هذا اليوم وأصبح يضم فعاليات للترويج للكرز ولتعريف الناس على بلدة حمّانا.

كرز حمانا

تقول منسقة مكتب التنمية المحلية في بلدية حمّانا، لورا البيري، لرصيف22، إن يوم الكرز الذي يقام في ثاني أو ثالث أسبوع من حزيران/ يونيو من كل عام، يشهد عرض المزارعين محاصيلهم من الكرز في الشوارع حتّى أن مزارعين من البلدة يشترون إنتاج البلدات المجاورة ويبيعونه في يوم الكرز.

شجر الكرز

أما عن فعاليات هذا اليوم التي تطورت مع الوقت، فتضم نشاط قطاف الكرز، وتوضح البيري: "يقطف بعض الزوار بأنفسهم الكرز من الأشجار، ونحن نرتّب هذه الزيارات عبر تأمين النقل والسلال أو الأكياس، وبمشاركة مرشدين مدرّبين من قبَلِنا، يرشدون الناس إلى الطريقة الصحيحة لقطف الكرز وكيفية التنقّل بين الأشجار، كي لا يُلحقوا ضرراً بها ويحافظوا على بساتين المزارعين".

يوم الكرز

"يزرونا في حمّانا نحو 35000 شخص ويقومون بشراء الكرز، وهو ما يعود أولاً بالفائدة الاقتصادية على المزارعين الذين يصرّفون إنتاجهم، كما يستفيد الناس الذين يفتحون الأكشاك ويبيعون الطعام والحلوى وغيرهما، فضلاً عن المحال التجارية في البلدة التي تنتعش جميعها بفضل الوافدين"، تضيف البيري.

تؤكّد البيري أن هذا النوع من السياحة هي سياحة زراعية، تُعرّف الناس على حمّانا وطبيعتها وجماليتها، ما يجعلهم يقصدونها على مدار السنة، فضلاً عن كرزها المميز الذي ذاع صيته بفضل هذه النشاطات، وباتت المتاجر الكبرى تطلبه وتشتريه من المزارعين في البلدة لتبيعه للناس.

كرز حمانا

السياحة الزراعية والغذائية في لبنان

في غضون ذلك، تلفت مؤسِّسَة ‏ومديرة "لو باسبور كولينير" والأستاذة المحاضرة في كلية السياحة والفنادق في الجامعة اللبنانية، ماريان أبو جودة، إلى أن السياحة الزراعية والغذائية تكمّل إحداهما الأخرى، فهذه السياحة تبدأ من الزراعة وتنتهي في المطبخ، والهدف منها تعريف المواطنين والسيّاح على منطقة معينة من باب الزراعة والغذاء، من خلال الذهاب إليها والتعرف عن كثب على الإنتاج الزراعي والمطبخ والأطباق التي تتميز بها. 

السياحة الزراعية في لبنان

تأسست "لو باسبور كولينير" في عام 2016 بهدف تعزيز السياحة الزراعية والغذائية في لبنان، وذلك عبر القيام بالجولات الترويجية في جميع أنحاء لبنان.

وبحسب أبو جودة، فإنّ هذا النوع من السياحة يحظى بالاهتمام وهو قيد التطوّر الآن. "كنّا نسافر إلى الخارج لنكتسب الخبرات، واليوم نحن نقوم بجولات سياحية في لبنان، ومنها ما ننظّمه من خلال أدلّاء سياحيين مختصّين في هذا النوع من السياحة، لكي يسلّطوا الضوء على المناطق اللبنانية الزراعية بطريقة مختلفة عن السياحة التقليدية المتعارف عليها، فلبنان جميل جداً، ونحن في كل جولة نعرّف السياح واللبنانيين على المناطق اللبنانية من خلال المزروعات والفاكهة والإنتاج الغذائي والمطبخ ، وهو ما نعوّل كثيراً عليه لإنعاش السياحة في البلد"، تردف.

بفضل يوم الكرز و"السياحة الزراعية تعرّف الناس على حمّانا وطبيعتها وجماليتها، ما يجعلهم يقصدونها على مدار السنة، فضلاً عن كرزها المميز الذي ذاع صيته بفضل هذه النشاطات، وباتت المتاجر الكبرى تطلبه وتشتريه من المزارعين في البلدة لتبيعه للناس"

بدورها، تلفت الاستشارية في الاقتصاد البيئي سارة صافي هرموش إلى أن السياحة الزراعية موجودة في أوروبا منذ زمن، لكن في لبنان بدأت تتطور بعد جائحة كورونا، والهدف منها جعل الناس أقرب إلى المزارع والطبيعة، فالكثير من الناس يقصدون البلدان في الخارج لكي يتذوقوا منتوجاتها الزراعية والغذائية، ويدفعوا المال لخوض هذه التجربة.

وتضيف هرموش: "خلال جائحة كورونا حين مُنع التجمّع في الأماكن المغلقة، توجّه الناس إلى الأماكن المفتوحة، وبدأوا يتنبهون لأهمية الطبيعة للصحّة الجيدة والمحافظة عليها، كذلك أهمية المحافظة على الطبيعة. ومن هنا نرى كيف توجّه الناس إلى الطبيعة للتأمّل وممارسة اليوغا والهايكنغ،  والهروب من المدن الملوّثة، هذا كلّه ساهم في ربط الإنسان بالطبيعة والبيئة، لأجل تحسين صحة الإنسان الجسدية والنفسية، ومن هنا أيضاً تنبه الناس إلى السياحة الزراعية فبدأوا بممارستها، واتّجهوا إلى المَزارع والحقول والبساتين وشاركوا المزارعين القطاف وكذلك التذوّق".

أهمية اقتصادية 

السياحة الزراعية في لبنان

فائدة اقتصادية كبيرة تحققها السياحة الزراعية والغذائية، تتمثّل أولاً في استفادة المزارعين والمنتجين المباشرة من الزوار والسياح. وفي هذا السياق، تشرح أبو جودة: "عندما نشتري مباشرة من المزارع، فلا يعود مضطراً لتحمل عناء النقل إلى السوق في بيروت، ما يخفف عنه أعباءً اقتصادية، وأيضاً في الإنتاج الغذائي، فإننا نشغّل ربات المنازل في إعداد الأطباق ونحقق لهم ربحاً ماديًّاً وهن في منازلهن، أو في بيوت الضيافة التي تُقام في العديد من المناطق".

تتابع أبو جودة بأن "هذا النوع من السياحة يساهم أيضاً في تسويق الإنتاج الزراعي والغذائي خارج لبنان، فكما نتكلم عن إرث تاريخي وثقافي من الحجارة والكتب والمخطوطات وغيرها، كذلك هناك إرث في الزراعة والمطبخ".

من جانبها، تشدد هرموش على الأهمية الاقتصادية للسياحة الزراعية والغذائية عبر تشجيع الناس على زيارة هذه المزارع والقيام بسياحة زراعية فيها، وبالتالي خلق مصدر دخل للمزارعين والمنتجين، جنباً إلى جنب مع خلق حالة اقتصادية أعم وأوسع من خلال استهداف كل القطاعات الموجودة في المنطقة المقصودة والبلد بأكمله. فمثلاً، عندما يأتي السائح من الخارج ليزور هذه المناطق، يدفع تكاليف متعددة من سفر وتنقل كما يزور العديد من المناطق خلال هذه الرحلة، وبذلك يدفع تكاليف معينة تساهم في تعزيز الفائدة الاقتصادية.

السياحة الزراعية في لبنان

أهمية صحية واجتماعية 

على مستوى الصحة النفسية والجسدية، تبرز أهمية كبيرة للسياحة الزراعية، فالخروج في الطبيعة والتأمل بعيداً عن ضجيج المدن ونسب التلوث المرتفع فيها، أمرٌ في منتهى الأهمية، إلا أن فائدتها الصحية تتعدى ذلك. فوفق هرموش، تشمل هذه السياحة الزراعة العضوية أيضاً، وهناك الكثير من الناس الذين يقصدون المزارع التي تعتمد الزراعة العضوية لكي تشتري منها المحاصيل، لأن هناك توعية عالمية لأهمية هذا النوع من الزراعات الخالية من المبيدات والسماد الكيميائي.

يوم الكرز في حمانا

وتضيف هرموش: "تساهم هذه السياحة في رفع الوعي لدى الناس لأهمية الطبيعة والحفاظ عليها، فالطبيعة عندما ننظر إليها من منظور الواعي والحريص، فإننا نبدأ بالابتعاد عما يخل بها وبمكوناتها".

تعاون "ضروري" مع الدولة

وتشدد أبو جودة على ضرورة التعاون بين القطاع الخاص ومؤسسات الدولة لما فيه المصلحة العامة في شأن السياحة الزراعية والغذائية. تقول: "نحن على تواصل مع وزارة السياحة ووقّعنا مذكرة تفاهم معها لتعديل مرسوم بيوت الضيافة، لأن القطاع تطوّر، وهو ينمو أكثر، ويجب أن نطور المرسوم لكي ننظم هذا القطاع، وسيكون لدينا اتصال مع وزارة الزراعة لنتعاون أكثر فأكثر في هذا الإطار.

السياحة الزراعية في لبنان

 وتلفت هرموش إلى أهمية الترويج للسياحة الزراعية في لبنان في ظل ما يعانيه البلد من أزمات اقتصادية، داعيةً سلطات الدولة إلى دعم هذا النوع من السياحة وتشجيع المزارعين على تطوير زراعاتهم، لجذب المواطنين والسياح، لأن ذلك يعود بالنفع على كل البلد.

تقدّر أبو جودة أن الحرب أثّرت بنسبة كبيرة على السياحة وبنسبة تقريبية تصل إلى 40% ليس بسبب الحرب فقط وإنما بسبب السياسات التي تحكم البلد، فاللبناني بات خائفاً من إنفاق الأموال في ظل الأوضاع المتدهورة، كذلك خاف بعض المغتربين والسياح من القدوم إلى لبنان بسبب الحرب

تأثير الاعتداءات الإسرائيلية 

منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وزيادة التوترات على الجبهة الشمالية بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على جنوب لبنان، تأثرت السياحة في لبنان بشكل كبير، وخاصة القرى والبلدات في المنطقة الجنوبية التي اضطر الكثير من أهلها إلى النزوح نحو المناطق الداخلية الأكثر أماناً. كذلك لحق الضرر بالسياحة الزراعية وبيوت الضيافة في تلك المناطق.

تقدّر أبو جودة أن الحرب أثّرت بنسبة كبيرة على السياحة وبنسبة تقريبية تصل إلى 40% ليس بسبب الحرب فقط وإنما بسبب السياسات التي تحكم البلد، فاللبناني بات خائفاً من إنفاق الأموال في ظل الأوضاع المتدهورة، كذلك خاف بعض المغتربين والسياح من القدوم إلى لبنان بسبب الحرب، كما أن المؤسسات عملت على تخفيض رواتب موظفيها، أو اضطرت إلى صرفهم لعجزها عن تسديد رواتبهم.

وتلفت أبو جودة إلى أنه في المناطق الجنوبية لم تفتح بيوت الضيافة أبوابها أمام الرواد بسبب الحرب، ليس فقط في المناطق التي تشهد اعتداءات إسرائيلية مباشرة وإنما في القرى القريبة منها أيضاً، وهذا ما تسبب في خسائر اقتصادية تكبّدها أصحاب هذه المشاريع.

وفي ظل الوعي العالمي بأهمية البيئة الصحيّة، تبرز السياحة الزراعية المترافقة مع السياحة الغذائية، لتفتح مسلكاً جديداً وواعداً في طريق السياحة العالمية. ويبقى السؤال: هل تتطور هذه السياحة في لبنان لتعوّض بعضاً من الخسائر التي لحقت بالسياحة اللبنانية نتيجة الأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة، ولتزيد الوعي لوقف التدهور البيئي الذي يئن منه لبنان؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard