عام 2023، انطلقت منصّة "بلّغ"، كأداة حكومية لمحاربة ما وصفته الداخلية العراقية بـ"المحتوى الهابط" الذي يتضمّن "إساءةً إلى الذوق العام ويحمل رسائل سلبيةً تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي"، وهو ما لقي مساندةً ودعماً من بعض الجهات العشائرية في بغداد ومحافظات أخرى، وشخصيات مؤثرة اجتماعية. الأمر الإشكالي بشأن عمل المنصّة، كان أنها لم تُوضح السياسات والمعايير التي تعتمد عليها في تحديد "المحتوى المسيء"، وهو ما دفع عدداً من المدوّنين والمؤسسات الحقوقية إلى مشاركة التخوّف حول مستقبل صناعة المحتوى في البلاد، وتأثير "بلّغ" على المجتمع.
بعد عامين على إطلاق المنصّة المثيرة للجدل، نناقش في هذا التقرير ما جنته "بلّغ" في سياق رسم صورة تقريبية لشكل الأثر الذي أحدثته في الفضاء الرقمي العراقي.
نشاط المنصّة
في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، قال الناطق السابق باسم وزارة الداخلية، مقداد ميري الموسوي، في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، إنَّ اللجنة التابعة للوزارة "حققت إنجازات ملموسةً في ضبط المحتوى السلبي على مواقع التواصل الاجتماعي"، وأشار إلى أنَّ "غياب تشريع قانوني خاص بهذا الشأن لم يمنع اللجنة من أداء دورها بفعالية".
وأوضح الموسوي: "نتلقى البلاغات من المواطنين ونرفعها إلى الجهات القضائية المختصة، وهي التي تتخذ القرار المناسب بشأنها، والوزارة لا تفرض قيوداً إضافيةً على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أنّ تحديد هذه القيود من اختصاص القانون والقضاء".
كما أضاف أنّ "اللجنة والقضاء لعبا دوراً كبيراً في الردع من خلال أحكام مناسبة وإجراءات عملية، لكننا نعتقد جازمين أنّ الحلّ الجذري يتطلب تشريع قانون ينظّم هذه الأمور بشكل أكثر فعاليةً"، مشدداً: "الوزارة مستمرة في متابعة البلاغات واتخاذ الإجراءات اللازمة بالتعاون مع الجهات القضائية".
تواصل رصيف22، مع مصادر حكومية عدة للتعليق على عمل المنصة، لكن أيّاً منها لم يتجاوب معنا، أو يستجب لطلب الحصول على معلومات وإحصائيات دقيقة حول عمل المنصّة. لذا، لجأنا إلى البحث عبر المصادر المفتوحة للوقوف على بعض الجوانب الأساسية لعمل المنصّة، حيث تنوّعت صفات من أُوقِفوا بتهمة "المحتوى الهابط" بين مطربين/ ات شعبيين/ ات على غرار عنود الأسمر ووسام الساهر وآخرين/ ات، وصنّاع محتوى متنوع من بينهم الشابّة زينب "بنت الديوانية"، ووردة العراقية، وأصحاب مراكز تجميل، وصانع محتوى قاصر، وشاعر. حتّى أنَّ الحملة شملت شخصيات من غير حملة الجنسية العراقية، إلا أنَّهم يتواجدون ويعملون في العراق، فضلاً عن أصحاب مطاعم، وصنّاع محتوى ساخر، كما أنّ حفلاً تم إلغاؤه بسبب وجود مطربة سُجنت بتهمة المحتوى الهابط.
كذلك، أعلنت وزارة الداخلية اتّخاذها الإجراءات القانونية بحق مجموعة من المنتسبين الأمنيين، كانوا قد ظهروا في مقطع فيديو مع متهمة سابقاً بـ"صناعة المحتوى الهابط". وألقت الوزارة، في 11 أيار/ مايو الجاري، القبض على متّهم استخدم القسم بالقرآن والمعتقدات الدينية لأغراض الترويج للمنتجات، ما عدّته الوزارة مخالفاً للضوابط القانونية من خلال إجراءات لجنة المحتوى الهابط، ولأوامر قبض صادرة عن القضاء العراقي.
ووفقاً لوثيقة صادرة عن البنك المركزي العراقي، فقد تقرّر إيقاف التحويلات المالية الواردة والصادرة لوكلاء "تيك توك"، حيث ينشط أغلب صنّاع المحتوى.

ضحايا لا يمكن حصر أعدادهم لملاحقة "المحتوى الهابط" في العراق على مدار عامين… ماذا جنت منصّة "بلّغ" على الفضاء الرقمي في البلاد؟ وما مدى قانونية الإجراءات المترتبة على عملها؟
كما قررت وزارة الداخلية، يوم 11 أيار/ مايو الجاري، شمول الإعلانات التجارية المخالفة على منصات التواصل الاجتماعي بإجراءات مكافحة "المحتوى الهابط"، حسب ما ذكر المتحدث الرسمي باسمها عباس البهادلي، للجريدة الرسمية في العراق "الصباح"، موضحاً أنّ هذه الإعلانات "تحمل إساءةً للذوق العام وترويجاً لسلوكيات غير مقبولة اجتماعياً وأخلاقياً". وكان "رصيف22"، قد نشر تقريراً حول واقع الإعلانات في العراق والانتهاكات التي حصلت في هذا المجال.
أضاف البهادلي: "الوزارة قررت التعامل مع الإعلانات المخالفة بالآلية نفسها التي تشمل المحتوى الهابط إذ تتم محاسبة صاحب الإعلان وإحالته إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية ضده وفقاً للقوانين النافذة، وهناك تنسيق مستمر مع الجهات القضائية وهيئة الإعلام والاتصالات لرصد ومتابعة هذه الإعلانات، خصوصاً التي تظهر على مواقع التواصل وتحمل مضامين خادشةً للحياء أو مضللةً للمستهلك".
وبيّن البهادلي، أنَّ الإجراءات القانونية المتخذة تستند إلى المادة 403 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، التي تعاقب بالحبس لمدة تصل إلى سنتين وغرامة مالية على نشر أو توزيع محتوى "يُعدُّ مُخلّاً بالحياء أو الآداب العامة".

تعقيباً على ذلك، تقول المحامية العراقية شيرين زنگنة، إنَّ التعامل قانوني القصد منه أن يكون هنالك رادع لمثل هذا المحتوى الذي بات ينتشر بكثرة في الآونة الأخيرة. وتضيف زنگنة، لرصيف22: "من وجهة نظري، المادة 403 أصبحت متهالكةً ولا تتماشى مع واقع الحال والتطور في التكنولوجيا. وفي ظلّ عدم إقرار قانون جرائم المعلوماتية بعد، وعدم وجود قانون متعلّق بحق الوصول إلى المعلومات، سيُستغَلّ مصطلح النظام العام في المادة كونها تحتوي على عبارات فضفاضة".
وتضيف: "هذه المنصّة غير قانونية، كونها استندت إلى قانون عقوبات قديم عُدّل في ثمانينيات القرن العشرين، في وقت لم تكن فيه وسائل التواصل الاجتماعي موجودةً، فالمادة القانونية لا تتحدث عن النشر الإلكتروني، بل الرقابة على الكتابة، والمطبوعات والأفلام، وليس عن المحتوى الإلكتروني". وتلفت زنگنة، إلى أنَّه لا يجوز إصدار أوامر إلقاء القبض عن طريق الإبلاغ عبر منصّة، بل يجب أن يكون هنالك مدّعٍ بالحق الشخصي أو بالحق العام.
مساهمة المنصّة في تعزيز خطاب الكراهية
قبل إطلاق المنصّة، لم يكن مصطلح "المحتوى الهابط" رائجاً في الأوساط العراقية، لكنه راج بعدها وأصبح مقترناً بما يمكن اعتبارها "حملات كراهية" على منصّات التواصل الاجتماعي، والتي تتضمّن تعليقات وجملاً لا تخلو من المصطلح، حيث أصبح مرافقاً لأي دعوة شعبية أو تحريض على الاعتقال، تحت ذريعة أنَّ الناشر من "صنّاع المحتوى الهابط"، بغضّ النظر عن طبيعة محتواه.

بالإضافة إلى أنَّ هناك صفحات عديدةً على منصّة فيسبوك تم إنشاؤها بأسماء تتضمّن وصف "المحتوى الهابط"، وتعدّ إشارةً إلى أنَّ كل من يرد ذكره في تلك الصفحات، "هابط".

وتظهر نسبة كبيرة من الهجمات التحريضية مترافقةً مع المحتوى المرتبط بالنساء، ومن بين هذه الحالات، ورود المصطلح ضمن حملة كراهية وتشويه ضد ناشطة عراقية شابّة، تطالب باعتقالها تحت تهمة "المحتوى الهابط" حسب وصف أحد الناشرين، بذريعة أنّها "تسبّ الساسة الشيعة".

فضلاً عمّا سبق، قُتِلت السيدة "أم فهد"، في 26 نيسان/ أبريل 2024، في سيارتها أمام منزلها، برصاصات "ديليفري الموت"، وذلك بعد أن اعتُقلت تحت بند التهمة، وتصدّر اسمها مواقع التواصل الاجتماعي على أنَّها صانعة "محتوى هابط".
أمّا علي، الملقّب بـ"عبود سكيبة"، فهو شاب كاسب (عامل) فقير الحال يعيل عائلته المكونة من سبع أفراد، تم استدعاؤه أيضاً بالتهمة نفسها قبل أن يُفرَج عنه لاحقاً، على الرغم من أنَّ محتواه كان ترفيهياً ويتمثل في نطق اللغة الإنكليزية بشكل خطأ نحوياً، لكن لهجته التي بدت وكأنها لهجة أمريكية أصيلة، هي التي حبّبت المستخدمين بمحتواه، الذي يصفه سكيبة نفسه بأنَّه "غير سيئ"، بل رأى جمهور أنّه جميل جداً، ووصف محتواه بأنَّه "موهبة من ربّ العالمين".
يقول المحلل السياسي، علي الحبيب، في حديثه إلى رصيف22، إنَّ المنصّة ركّزت خلال عامين، على متابعة المحتوى الرقمي فحسب، خاصّةً على منصّة تيك توك، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً جداً في أعداد مستخدميها، إذ بلغت 34.3 ملايين مستخدم، وفق تقرير Data Reportal لعام 2025، وهو موقع عالمي متخصّص بتحليل الاستخدام الرقمي في العالم، وينتج تقارير سنوية في هذا الجانب، بالشراكة مع مؤسسات دولية مثل شركتي "kepios" و"we are social".
وأوضح الحبيب، أنَّ نشاطات "بلّغ" تمثّلت في اعتقال مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن نشروا محتوى لم يكن دائماً "مسيئاً بل أحياناً مثيراً للجدل فحسب"؟، فتُوجّه إليهم عقوبة قانونية أو تُقام بحقهم دعاوى قضائية من قبل وزارة الداخلية، وهذه الإجراءات "تحوّلت إلى التأثير على حرية التعبير وشكلت تجاوزاً على الحريات الشخصية".
ويضيف أنَّ "المنصّة، كما يقال، تتلقى بلاغات من المواطنين، في محاولة لإشراك المجتمع في مراقبة المحتوى الهابط على حد وصف الداخلية، لكن بسبب غموض معايير المحتوى الهابط، وعدم وضوح آليات اتخاذ القرار بشكل عام، أصبحت المنصّة عبارةً عن فرض رقابة على الفضاء الرقمي وتهديد لبعض المؤثرين على الرأي العام ومساحات واسعة على المواطنين، بالرغم من أنَّ هنالك بعض الحالات التي استهدفت ممن يسيئون إلى المجتمع، وهذه أعداد قليلة جداً مقارنةً بمن تم توجيه دعاوى إليهم".
"أعلنت الجهات الرسمية أنّ عدد البلاغات وصل في الفترة الأولى إلى أكثر 100 ألف بلاغ، ما عكس تعطشاً مجتمعياً إلى التبليغ، لكنه في الوقت ذاته كشف خطراً حقيقياً يتمثل في إشراك المجتمع نفسه في انتهاك حرية التعبير، خصوصاً في ظلّ غياب أي إعلان رسمي عن نوعية الشكاوى، أو المستهدفين بها"
كما يشير الحبيب، إلى أنَّه على الرغم من ظهور نوع من المتشددين الذين ينشرون قضايا طائفيةً تثير النعرات الطائفية في المجتمع العراقي وتسيء إلى الناس، لكن لم تتم إقامة دعاوى قضائية بحقّهم، ومنهم رجال دين وسياسيون لم يُشملوا ضمن عمل منصّة "بلّغ"، مع أنَّ هنالك إساءات كثيرةً جداً أّثّرت على السلم الأهلي، وكان من المفترض أن تركّز المنصّة على هذا الموضوع، لكنها استهدفت المحتوى الاجتماعي والثقافي أو الذي يؤثّر على المواطن.
جدير بالذكر أنّ مؤشّر "حرّية الإنترنت" لعام 2024، الذي تطلقه "فريدوم هاوس" سنوياً، تطرّق إلى منصّة "بلّغ" ثلاث مرّات، وعدّها عاملاً ساهم في خفض حرية الإنترنت في العراق، حيث صنّف العراق من بين البلدان "الحرّة جزئياً"، وتمّت الإشارة إلى أنَّ صحافيين وناشطين ومدوّنين في البلاد يتعرضون لأعمال عنف بشكل روتيني، بالإضافة إلى عمليات اختطاف وحتى اغتيالات نتيجة منشوراتهم عبر الإنترنت.
وعن هذا، تقول الباحثة الأساسية في الجزء الخاص بالعراق من التقرير، آسيا عبد الكريم، لرصيف22، إنَّ "درجة العراق تناقصت من 43 نقطةً، في تقرير عام 2023 إلى 40 نقطةً في تقرير 2024 والتي تعتبر الدرجة الأخيرة في تصنيف ’حُرّ جزئياً‘ (حيث أنّ الدرجة 39 تعني ’غير حرّ‘)، والسبب بشكل أساسي هو تكرار الاعتقالات غير المبررة بسبب المنصّة‘. علماً أنَّ عملية خفض النقاط ليست بالعملية السهلة، فالعراق يدخل في مقارنة مع كل الدول من المنطقة ويجب إثبات وجود انتهاك حقيقي لحرية التعبير على الإنترنت كي توافق اللجنة العليا المشرفة على تنزيل النقاط، وتالياً لا تتم بعملية عشوائية".

وتضيف عبد الكريم: "أعلنت الجهات الرسمية أنّ عدد البلاغات وصل في الفترة الأولى إلى أكثر 100 ألف بلاغ، ما عكس تعطشاً مجتمعياً إلى التبليغ، لكنه في الوقت ذاته كشف خطراً حقيقياً يتمثل في إشراك المجتمع نفسه في انتهاك حرية التعبير، خصوصاً في ظلّ غياب أي إعلان رسمي عن نوعية الشكاوى، أو المستهدفين بها أو المعايير التي تم اعتمادها في اختيار المحتوى المبلّغ عنه، كما أنَّ التساؤلات حول المنصة بقيت مفتوحةً، خاصّةً مع استناد العقوبات لاحقاً إلى معايير مبهمة مثل المظهر العام، أو شكل الأفراد أو مشاعر المجتمع تجاههم، وهي مبررات استُخدمت لتبرير الاعتقال أو المضايقات دون وجود تعريف واضح ومحدد للمحتوى ’الضارّ‘".
وأصدرت مجموعة منظمات محلية ودولية معنية بالحقوق الرقمية، مثل مركز "ميترو"، و"مركز المعلومة للبحث والتطوير"، و"أكسس ناو"، بياناً في 16 كانون الثاني/ يناير 2025، أدانت فيه بشدّة استمرار السلطات العراقية في استخدام منصّة "بلّغ" في مراقبة المحتوى على الإنترنت وقمع حرّية التعبير.
وأشار البيان، إلى أنَّ "هذه المنصّة أُطلقت قبل عامين بذريعة مكافحة ’المحتوى غير اللائق‘ على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها أصبحت أداةً لتسهيل الاعتقالات التعسّفية والمضايقات والملاحقات القضائية ضد المبدعين والناشطين. وخلقت المنصّة مناخاً من الرقابة الصارمة والرقابة الذاتية، ما زاد من تدهور سجلّ حقوق الإنسان في العراق. نكرر دعوتنا للسلطات العراقية إلى إغلاق هذه المنصة وضمان حماية حرية التعبير، سواء على الإنترنت أو في الحياة اليومية".
رقابة ذاتية لتفادي التبليغ
ما بعد عمل المنصّة، ليس كما قبلها، حيث تم رصد تغيّر في سلوك العديد من صنّاع المحتوى العراقيين. قال المطرب الشعبي سعدون الساعدي، في مقابلة معه بعد اتهامه بنشر "المحتوى الهابط"، إنه ليس هابطاً، لكن استقبل اتصالاً من شخص في الدولة -لم يكشف عن هويته- وقال له أن ينشر اعتذاراً عن محتواه، وهو ما استجاب له الساعدي، واستنكر بالقول: "شنو محتواي؟ بس (أغنية) ’علّينا ناس هواي صاروا زعاطيط‘ بس هاي. سارق أموال؟ قاتل؟ شمسوي؟".
في الأثناء، قالت وردة العراقية، في مقطع فيديو: "أقدّم اعتذاري إذا نزل مني شيء غلط، أو محتوى مو حلو. كل ظنّي أنني أضحككم لا أكثر ولا أقل، فآني معتزلة نهائياً من البرنامج (تيك توك) وما حد راح يشوفني، وأعتذر من متابعيني". وحصل هذا بعد شمولها بحملة التحريض ضد ما يُعرف بـ"المحتوى الهابط".
صانع المحتوى محمد عبد الكريم، الملقّب بـ"حسن صجمة"، هو الآخر استهدفته الحملة وحُكم عليه بالسجن لمدّة سنتين، وبعد انتهاء محكوميته اعترف بأنَّ محتواه "أساء للذوق العام"، وأنَّ ليس هناك إنسان لا يخطئ، وأشار إلى أنَّ رأيه هذا عن قناعة وليس بضغط حكومي، وفي الوقت ذاته قال في لقاء مصوّر نُشر على منصّة يوتيوب، ردّاً على إمكانية استمراره في نشر محتواه إن لم تكن هناك رقابة: "أكيد، كان استمريت، لأن فلوس والإنسان يريد يعيش. الكل كانوا يقولون إنّه غلط، لكن أنا أخذت الموضوع على أنّه صحيح".
إيناس الخالدي، مطربة شعبية أخرى تنشر يومياتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت في مقطع فيديو بعد حملة الاعتقالات، قالت خلاله: "اتخذت قراراً نهائياً لا رجعة فيه، وسأحذف جميع صوري على منصّة إنستغرام، أمّا فيديوهاتي على منصّة تيك توك فسيتم حذفها كذلك، وسأعرض حساباتي للبيع. تحياتي لكم، كانت أيام حلوة لكن كنت في وقت طيش، والآن وعيت على نفسي وكل ما فعلته بحياتي كان خطأ".
رائد أبو حمرة، صانع محتوى ساخر، تم الحكم عليه بالسجن بالتهمة نفسها، وظهر في مقطع فيديو بعد الإفراج عنه، حيث قال ساخراً: "أحس نفسي جديد على السوشال ميديا، وأعتقد 5 أو 6 قصص أصورهن وأريد نشرهن ثم أحذفهن. أخاف والله أخاف، وأتمنى أن هذا الفيديو ليست فيه إساءة، أنا أحب الجميع".
تيسير العراقية، مطربة شعبية مثيرة للجدل، ظهرت أيضاً في مقطع فيديو وهي تبكي بعد أن نشرت وسائل إعلام خبراً يزعم أنَّ القضاء أصدر حكماً غيابياً عليها بالسجن لمدة سنة بتهمة "المحتوى الهابط"، وقالت في الفيديو: "أنا مواطنة عراقية كأي مواطن، صار لي سنتين لم أمارس عملي ولم أغنِّ ولم أرَ بشر… جالسة بين أربعة حيطان أفتح بثوث مباشرة وأغنّي للعالم، وأعمل بمواد التجميل كي أعيّش نفسي وأدفع الإيجار".
تصرّ الباحثة عبد الكريم على أنّ "منصة بلّغ في شكلها الحالي، تعكس انحداراً خطيراً في فهم الدولة لمفهوم الحرّيات العامة وحرّية التعبير، وتفتح الباب أمام رقابة مجتمعية غير منضبطة قد تتحول إلى وسيلة تصفية حسابات شخصية أو جماعية، خصوصاً في بيئة سياسية واجتماعية تعاني أصلاً من الاستقطاب وغياب العدالة"
وأوضحت العراقية، أنَّ دعايةً تشاع عنها كل يوم، وأنَّ الصفحات نشرت أنَّ هناك حكماً غيابياً مشدّداً ضدها، لذلك وجّهت تساؤلات إلى مجلس القضاء الأعلى ووزارة الداخلية، حول الجرم أو الذنب الذي ارتكبته، وطالبت بمحاسبة الوسائل الإعلامية التي بثّت الخبر -إن كان دعايةً كاذبةً- وأكّدت على أنَّها غير مذنبة وسترفع دعاوى قضائيةً ضدّ من شوّه سمعتها.
في المقابل، يدافع رجل الدين العراقي شهيد العتابي، في حديثه إلى رصيف22، عن عمل المنصة الذي يصفه بأنه "مسعى مميز"، ويضيف باقتضاب: "لا شكّ أنَّ لله فيه رضا ولكل المساهمين فيه أجراً وثواباً، علماً أن المنصّة كان لها أبلغ الأثر في تقليل المحتوى الهابط إلى حد جيد جداً، داعين وراجين أن تكون أكبر حزماً مما سبق من أجل القضاء تماماً على هذه الظاهرة، التي لا تمتّ إلى الواقع والدين والعرف العراقي والإسلامي بأيّ صلة".
لكن الباحثة عبد الكريم، تصرّ على أن "منصة بلّغ في شكلها الحالي، تعكس انحداراً خطيراً في فهم الدولة لمفهوم الحرّيات العامة وحرّية التعبير، وتفتح الباب أمام رقابة مجتمعية غير منضبطة قد تتحول إلى وسيلة تصفية حسابات شخصية أو جماعية، خصوصاً في بيئة سياسية واجتماعية تعاني أصلاً من الاستقطاب وغياب العدالة، كما أنَّ غياب الشفافية في المعايير والاجراءات، ورفض السلطات تقديم توضيحات حقيقية، يعمقان الشكوك حول أهداف المنصّة ويجعلانها أداةً لتكميم الأصوات بدلاً من تنظيم المحتوى".
ما بين مساندات عمل المنصّة والإشادة بدورها في الحدّ من المحتوى المسيء، وبين الآراء الناقدة لطريقة عملها وغياب الشفافية، لا تزال المنصّة تمارس مهامها، وتفرض الرقابة على المحتوى وتساهم في تغيير السلوك المجتمعي، على الرغم من الاعتراف الحكومي بأنَّها تفتقد تشريعاً قانونياً خاصاً بها، يمكّنها من أداء دورها بفعالية، فضلاً عن الرأي القانوني الذي أفاد بأنَّها "غير قانونية"، كونها استندت إلى قانون عقوبات قديم عُدّل في الثمانينيات، في وقت لم تكن فيه وسائل التواصل الاجتماعي موجودةً، وهذا ما يترك باباً مفتوحاً للتساؤل حول مستقبل المنصّة وتأثيرها، لو لن يتم تشريع قانون ينظّم عملها ويضع سياقاتها أمام أنظار الجمهور وصنّاع المحتوى الرقمي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Thabet Kakhy -
منذ 11 ساعةسيد رامي راجعت كل مقالاتك .. ماكاتب عن مجازر بشار ولا مرة ،
اليوم مثلا ذكرى مجزرة الحولة تم...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياميا بختك يا عم شريف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممحاوله انقاذ انجلترا من انها تكون اول خلافه اسلاميه في اوروبا
Aisha Bushra -
منذ 6 أيامA nice article,I loved it..
رزان عبدالله -
منذ أسبوعشكرأ
حكيم القضياوي المسيوي -
منذ أسبوعترامب يحلب أبقار العرب، وهذه الأبقار للأسف تتسابق للعق حذاء المعتوه ومجرم الحرب ترامب!