أصدرت الغرفة الجزائية في محكمة استئناف نواكشوط، الأربعاء 14 أيار/ مايو الجاري، حكماً بسجن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، 15 سنةً نافذةً، بينما حكمت على المدير السابق لشركة كهرباء "صوملك"، محمد سالم ولد إبراهيم فال، الملقّب بـ"المرخي"، بالسجن سنتَين، وعلى صهر الرئيس السابق، محمد ولد امصبوع، بالسجن سنتَين أيضاً، كما أمرت بحلّ هيئة الرحمة التي أسسها النجل الراحل للرئيس السابق، أحمد، وقضت بمصادرة ممتلكاتها.
تأتي هذه الأحكام في إطار ما يُعرف إعلامياً بـ"ملف العشرية"، وبعد جولات من الترافع والتقاضي، وتتويجاً لمسار قضائي استمرّ سنوات، بدأه تحقيق برلماني أواخر عام 2019، ومرّ بمراحل عدة من البحث الابتدائي والمساءلة القضائية، قبل أن يُعرض الملف على المحكمة الجنائية المختصّة في قضايا الفساد، ثم على محكمة الاستئناف.
قرار محكمة الاستئناف، الذي لا سبيل إلى نقضه إلا عبر الطعن أمام المحكمة العليا، أثار الكثير من النقاش والجدل بين الموريتانيين، فهناك من يراه سيراً على نهج محاسبة المفسدين في مقابل من يعدّه مجرد تصفية حسابات سياسية بين صديقَين سابقَين، تحوّلا إلى غريمين سياسيين.
"كنت في القاعة وقت صدور الحكم، ارتفع العويل من طرف سيدات (أخواته وابنته)، وضجّ الحضور بالقول: 'هذا ظلم بيّن'، وردد البعض أنه 'فضيحة'، في ظلّ صمت محامي الطرفَين… الحكم كان صاعقاً للأطراف كافة"
القرار بين التوقّع والصدمة
وكان الترقّب سيد الموقف قبل النطق بالقرار والحكم على ولد عبد العزيز، إذ توقّع البعض تخفيف الحكم في مرحلة الاستئناف، فيما انتظر آخرون تشديده، ولم يتوقّف السجال بعد صدور الحكم. وفي حديث إلى رصيف22، يقول المحامي الموريتاني محمد سيدي ولد عبد الرحمن: "أعتقد أن القرار الصادر عن محكمة استئناف نواكشوط في حق الرئيس السابق وآخرين، يمثل استجابةً لطلبات النيابة العامة ويعكس غلبة الاعتبارات السياسية على المبررات والأسباب القضائية في الملف، باعتبار أنّ النيابة العامة تابعة لوزير العدل الذي يُعدّ جزءاً من السلطة التنفيذية".
ويشرح المحامي: "تجسدت مجاراة النيابة في كون القرار قد أدان محمد ولد عبد العزيز، بثلاثة أضعاف مدة السجن المحكوم بها عليه من محكمة الدرجة الأولى (من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنةً)، فيما تمت مضاعفة التعويض المحكوم به لصالح الدولة من 50 مليون أوقية إلى 100 مليون (من مليون و200 ألف إلى نحو 2.5 ملايين دولار أمريكي تقريباً)".
بدوره، يقول رئيس تحرير موقع "تقدمي" الصحافي، محمدي ولد دهاه، الذي حضر الجلسة وكان متابعاً للملف منذ بدايته، لرصيف22: "الحكم الصادر في حق الرئيس السابق، كان مفاجئاً لنا كمتابعين لمسار المحاكمة. عادةً يكون حكم محكمة الاستئناف أخفّ من الحكم الابتدائي والحكم الصادر من محكمة الاستئناف في هذه الحالة كان مضاعفاً. كنت في القاعة وقت صدور الحكم، ارتفع العويل من طرف سيدات (أخواته وابنته)، وضجّ الحضور بالقول: 'هذا ظلم بيّن'، وردد البعض أنه 'فضيحة'، في ظلّ صمت محامي الطرفين… الحكم كان صاعقاً للأطراف كافة".
كذلك، يلفت ولد دهاه، إلى أنّ "مسار الملفّ المتشعب بدأ بلجنة تحقيق برلمانية، أصدرت تقريراً يضمّ 300 شخصية ورست على 10 شخصيات بالإضافة إلى 'هيئة الرحمة'. ربما كان الجميع يتوقع إطلاق الرئيس السابق بعد قرابة 4 سنوات في السجن، فمسار الملف كان شاسعاً بين الحكم الابتدائي وحكم محكمة الاستئناف".
على النقيض مما سبق، يرى الناشط السياسي سيد محمد الأمين في حديثه إلى رصيف22، أن "الحكم الصادر في حق ولد عبد العزيز، كان منتظراً وغير مستغرب، لأنّ التهم فيه تقتضي أحكاماً قاسيةً من الناحية القانونية. أما من الناحية السياسية، فالجميع يعلم أنّ يد النظام الحاكم اندسّت في هذا الموضوع القضائي حيث أراد الأخير تصفية أخطر غريم سياسي له، رأى فيه تهديداً لسلطته".
وفي مؤتمر صحافي، أعرب منسق دفاع الطرف المدني في الملف -الدولة - المحامي إبراهيم ولد أبتي، عن رضاه عن الحكم. أما رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس السابق، محمدن ولد اشدو، فقد وصف الحكم الصادر بحقّ موكله من طرف محكمة الاستئناف، بأنه "مشوب بعدم الاختصاص وتجاوز السلطة".
هل دسّت السياسة أنفها في الملف؟
منذ فتحِ الملف والحديث عن محاسبة ولد عبد العزيز، حضر نقاش طبيعته السياسية، وهو ما يعدّه البعض تشويهاً لملف ليكون "بداية ردع حقيقي للمفسدين"، و"صفحةً في محاربة الفساد" في البلاد. وحسب سيدي ولد محمد الأمين، "قد يشكل هذا الحكم سابقةً قضائيةً من شأنها أن تؤسس لمبدأ محاسبة المسؤولين السامين في هذا البلد الذي يعاني من الفساد واستغلال النفوذ".
"الجميع يعلم أنّ انتقائيةً واضحةً استُعملت في تحميل مسؤولية ما جرى من فساد لبضعة أشخاص، من بينهم ولد عبد العزيز، فكيف ينجو من المحاسبة أعوان الرئيس الذين لا يزالون يتبوّأون أعلى المناصب في ظل النظام الحالي؟ هذا يشير إلى أنّ المحاكمة هدفها تصفية حسابات سياسية مع من لم يرضَ عنه النظام الحالي"
مع ذلك، يستدرك ولد محمد الأمين: "الجميع يعلم أنّ انتقائيةً واضحةً استُعملت في تحميل مسؤولية ما جرى من فساد لبضعة أشخاص، من بينهم ولد عبد العزيز، فكيف ينجو من المحاسبة أعوان الرئيس الذين لا يزالون يتبوّأون أعلى المناصب في ظل النظام الحالي؟ هذا يشير إلى أنّ المحاكمة هدفها تصفية حسابات سياسية مع من لم يرضَ عنه النظام الحالي، أو بعبارة أخرى: لا علاقة لهذه المحاكمة بمكافحة الفساد في ظل النظام الحالي، وإنما هي حقّ أريد به باطل؛ مكافحة فساد العشرية الماضية بهدف الانتقام من أشخاص محددين، أو جعلهم كبش فداء لحملة وهمية لمكافحة الفساد".
بدوره، يؤكد المحامي محمد سيدي ولد عبد الرحمن، أنه لا يعتقد أنّ "التعامل القضائي مع هذا الملف يشكّل إضافةً نوعيةً لمحاربة الفساد، ولا لمساعي تكريس الشفافية، حيث شمل البحث على مستوى لجنة التحقيق البرلمانية ملفات 'رصيف الحاويات' و'فساد شركة أسنيم وخيريتها' و'صفقة بولي هوندون'"، لافتاً إلى أنّ هذه الملفات الثلاثة استُبعدت مبكراً من 'ملف العشرية' دون إعلان الأسباب، وبعد استجواب شرطة الجرائم الاقتصادية لمئات المشتبه بهم وتضمين شهاداتهم في محضر البحث الابتدائي وإحالتهم إلى القضاء، لم تتابع النيابة العامة إلا 13 متهماً أحيلوا إلى القضاء واقتصر الحكم الأخير على إدانة ثلاثة منهم بالحبس النافذ، ما يعني أن الملف انتهى إلى 'ذيل سمكة' كما يقال".
من جهته، يرى الصحافي محمدي ولد دهاه، أنّ "هذا الحكم سيكون بدايةً لخلق نوع من الخوف لدى المسؤولين من المتابعة القانونية لاحقاً، والالتزام بأنّ الأوامر العليا أو أوامر المسؤولين لا بدّ من تلقّيها كتابياً وألا تكون شفهيةً"، موضحاً أنه "كانت توجد المادة 93 لحماية الرؤساء، وبعد هذه المحاكمة، ربما نشهد محاكمات مقبلةً لمسؤولين حاليين".
وردّاً على سؤال: هل هي لمحاربة الفساد؟ يقول ولد دهاه: "المحاكمة ظهرت مع تصاعد الخلاف بين رفيقين لعقود من الزمن، وحديث عن نزاع على مرجعية الحزب، ويقال إنّ المعارضة السابقة لولد عبد العزيز، وأقصد أحمد داداه وولد مولود، استفادت من الخلاف، وطلب الأخيران سجن ولد عبد العزيز، وفتح ملفات الفساد، لكن الملف برمّته سابقة في تاريخ القضاء الموريتاني وسيكون له ما بعده".
يشير المتحدث أيضاً، إلى أنّ "ولد عبد العزيز قاد البلاد خلال عشريته بيد من حديد، وكان صارماً مع مناوئيه وحتى المقربين منه وله عداوات كثيرة، كما أنه طرد رجال أعمال، منهم ولد بوعماتو وولد الشافعي، اللذان عادا إلى البلاد بمجرد خروجه من الحكم. وبعودة ولد بوعماتو، فُتح ملف اللجنة البرلمانية والرئيس السابق نفسه يتهمه بأنه هو من حرّك البرلمان والدولة عليه".
فضلاً عما سبق، "هناك أيضاً أزمة المرجعية في الحزب الحاكم، حيث يرى الرئيس السابق أنه هو المنتسب رقم 1 إلى الحزب ومؤسسه، وهناك حديث عن خلاف خاص بين الرئيسين السابق والحالي، ويقال إنّ آخر رسالة بعث بها ولد الغزواني (الرئيس الحالي)، إلى ولد عبد العزيز، على واتساب، لم يفتحها الأخير حتى اللحظة. هناك أيضاً شائعات غذّت الملف منها الحديث عن محاولة الرئيس السابق الاتصال بعسكريين، وهو ما نفاه مراراً ولم تعلّق عليه السلطات بل تركته 'حديثاً للصالونات'"، يردف.
وبرغم الحديث عن تسييس الملف، يشدد المحامي ولد أبتي، على أنّ دفاع الدولة كان يركز على الوقائع، ويأتي بالحسابات والأموال الموجودة، سواء العقارية أو الأموال المنقولة، متهماً الطرف الآخر -أي دفاع ولد عبد العزيز- بـ"محاولة تسييس الملف" لتجنّب نقاش "التهم والحجج الدامغة التي قدمناها".
برغم اتهامات تسييس الملف، يشدد المحامي ولد أبتي، على أنّ دفاع الدولة كان يركّز على الوقائع، ويأتي بالحسابات والأموال الموجودة، سواء العقارية أو الأموال المنقولة، متهماً الطرف الآخر (دفاع الرئيس السابق)، بـ"محاولة تسييس الملف" لتجنّب نقاش "التهم والحجج الدامغة التي قدّمناها"
أي مستقبل للملف وللمتهم؟
من المتوقع أن يتقدم دفاع ولد عبد العزيز، بالطعن في القرار، وهو ما تترتب عليه إحالة الملف إلى الغرفة الجزائية في المحكمة العليا. لكن المحامي محمد سيدي ولد عبد الرحمن، يتوقع رفض الطعن، قائلاً: "ليست لديّ معلومات خاصة تتعلق بالملف ولكنني أتوقع، بحكم الممارسة المهنية، أن يقدّم دفاع الرئيس السابق طعناً بالنقض ضد القرار ليحال إلى الغرفة الجزائية في المحكمة العليا التي ربما ترفض الطعن ضده ما لم تتغير التوجهات".
وينبّه في الوقت نفسه، إلى أنه "في حال توجه السلطة السياسية إلى إنهاء الملف، يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر مرسوماً بالعفو بناءً على المادة 37 من الدستور، ولأنّ العفو الرئاسي يتعلق بالعقوبات، من سجن وغرامة، فمن الوارد أن يثار إشكال التعويضات المحكوم بها لصالح الدولة، والتي لا يملك رئيس الجمهورية حق العفو فيها".
وتجدر الإشارة إلى أنّ محمد ولد عبد العزيز، المولود في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1956، يُعدّ أحد أكثر الرجال الذين حكموا موريتانيا جدلاً وارتباطاً بقضايا المال العام والإثراء غير المشروع، وكذلك بالانقلابات العسكرية، حيث تميّز مساره بالصعود السريع لسلّم الجيش والترقّي في الرتب العسكرية وتولّي المهام العسكرية المهمّة، ليصل عام 2008 إلى رتبة جنرال في عهد الرئيس الموريتاني حينها سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله (حكم موريتانيا ما بين 2007 و2008)، الذي كلّفه بقيادة حرس الرئيس الخاص، وقد انتهت علاقتهما بانقلاب ولد عبد العزيز، على الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله، بعدما أقال الأخير الأوّل من قيادة الحرس الرئاسي في 6 آب/ أغسطس 2008.
قوبل الانقلاب آنذاك بالرفض والمقاومة من طرف المعارضين الموريتانيين بأطيافهم المختلفة، فاستقال بعدها من المجلس العسكري الذي تشكّل على خلفية انقلابه، وترشّح للانتخابات الرئاسية بعد أن وقّع اتفاقاً مع المعارضة في العاصمة السنغالية داكار، عُرف إعلامياً بـ"اتفاق داكار"، وفاز ولد عبد العزيز في الانتخابات التي نُظّمت بعد ذلك في عام 2009، على وقع اتهامات له من المعارضين بتزوير الانتخابات، واتهامات لاحقة له بالتنصّل من "اتفاق داكار" مع المعارضة.
وأعيد انتخاب ولد عبد العزيز، عام 2014، في انتخابات قاطعها أكبر أطياف المعارضة الموريتانية، واستمر الاستقطاب السياسي في موريتانيا، وظل يتصاعد مع الاحتقان الشعبي والمطلبي.
وخرج ولد عبد العزيز، من مشهد الرئاسة وجدل الحكم في 2019، إذ يمنع الدستور الموريتاني الترشح لفترة رئاسية ثالثة، ليعلن وقوفه مع صديقه وزميله الجنرال محمد ولد الغزواني، الذي يحكم موريتانيا حالياً في فترته الثانية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
رزان عبدالله -
منذ 18 ساعةشكرأ
حكيم القضياوي المسيوي -
منذ يومينترامب يحلب أبقار العرب، وهذه الأبقار للأسف تتسابق للعق حذاء المعتوه ومجرم الحرب ترامب!
Naci Georgopoulos -
منذ يومينOrangeofferis a convenient platform for finding the latest promo...
Naci Georgopoulos -
منذ يومينgutscheine7.de is a German coupon platform that helps users discover...
Naci Georgopoulos -
منذ يومينJust found couponasion— it’s a site that lists working discount...
Naci Georgopoulos -
منذ يومينPromopro.co.uk – UK Promo Codes & Deals:A reliable UK-based platform...