شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
اكتشافات الغاز الموريتاني... أحلام

اكتشافات الغاز الموريتاني... أحلام "الدولة النفطية" تربكها كوابيس الفساد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 13 نوفمبر 202204:43 م

أعلنت شركة "كوسموس"، أن الشركاء في حقل "آحميم"، وهو حقل مشترك بين موريتانيا والسنغال، يتوقعون إنتاج أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال بحلول نهاية عام 2023، وهو الإعلان الذي انتظره الموريتانيون بترقّب، لما ستحدثه الطفرة الغازية المنتظرة من تغيّرات ضخمة في البلد، كما يأملون.

جاء إعلان الشركة هذا ضمن تقرير نتائج الربع الثالث، وبعد أسابيع من خبر ضمن السياق نفسه، إذ أُعلن في تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، عن اتفاق يهدف إلى تطوير قدرات موريتانيا النفطية والغازية، ووقِّع اتفاق ممتد على مدة 30 شهراً بين موريتانيا وشركة "PB"، وشركة "كوسموس"، يقضي بالبدء بالاستكشاف وتقاسم الإنتاج، في ما بعد، في حقل الغاز الوطني المسمى "بير الله"، وهو حقل خاص بموريتانيا وليس مشتركاً مع جارتها السنغال. تفتح هذه الأحداث والأخبار المتسارعة النقاش حول مصير الغاز الموريتاني المنتظر، وتطرح الأسئلة حول مدى إمكانية إسهام الثروة الجديدة في تطوير حال البلد وشعبه.

مشهد الغاز الموريتاني

تُقدَّر احتياطيات الغاز الموريتاني المتوقعة بنحو 110 تريليون قدم مكعب، إذ تملك اليوم ثالث الاحتياطيات الغازية في إفريقيا، بعد نيجيريا والجزائر.

في حديث إلى رصيف22، قال الاقتصادي محمد يسلم الفلالي، إن "تحليل قضية واقع الغاز صعبة لعدم توفر المعلومات، والموجود من معطياته متغيّر مع البانوراما العالمية والجيو-سياسية والأسعار في الأسواق، لكن أعطانا الله في فترة مهمة قدراً مهماً من الاكتشافات، ويقدّر الاحتياطي المكتشف بما يقارب 110 تريليونات قدم مكعب من الغاز، هذا حسب الدراسات والتوقعات التي قامت بها شركتا التنقيب مثل BP وكوسموس، وقطعاً هي مسألة مهمة بالنسبة إلى موريتانيا".

تُقدَّر احتياطيات الغاز الموريتاني المتوقعة بنحو 110 تريليونان قدم مكعب، إذ تملك اليوم ثالث الاحتياطيات الغازية في إفريقيا، بعد نيجيريا والجزائر. فهل تنجح في تحقيق طفرة اقتصادية أم تحاصرها مشاكل الفساد؟

أكد المتحدث أن "البلاد منذ الاستقلال وحتى اللحظة، في عجز في ما يخصّ ميزان المدفوعات. فالدولة منذ ميلادها وصادراتها لم تستطع تغطية حاجتنا من المواد الغذائية وما نحتاجه في الحياة اليومية وما يحتاجه اقتصادنا لكي يتحرك ويعمل، فمثلاً منذ 1975، كانت صادراتنا تغطي 80في المئة، من وارداتنا، وخلال الثمانينيات كنا نراوح عند ما بين 50 و60 في المئة، وكنا نعوض ذلك دوماً بالدَّين أو المنح من الدول الخارجية، وهذا يؤكد أهمية هذا الغاز لما سيجلبه من العملة الصعبة، فنحن في حاجة إليها، وستعطي روحاً لميزانية الدولة لم تكن عندها في السابق، وبالتأكيد سيظهر في ميزانية الدولة، وتالياً سيظهر في الاقتصاد الوطني بصفة عامة، هذا مع التأكيد على أن كل الموارد الطبيعية لديها خطورتها وتذبذباتها التي تؤثر على البرامج المستقبلية التي تصنع الدول والإستراتيجيات الاقتصادية".

وأضاف: "بالنسبة إلى العقود وفاعليتها، فقد تُكتشف حقول أخرى في المستقبل، لأن هناك شركات أخرى عاكفة على التنقيب. أعتقد أنه لا بد وأن يكون لهذا الواقع الجديد وهذه العقود تأثير، وتجارب الدول تظهر لنا أن المفعول قد يكون إيجابياً وقد يأتي سلبياً، ولا ترتبط كثرة الموارد بالاستقرار السياسي. بالعكس هناك دول حدثت فيها بلبلة وتضخم كبيران لأن الإنتاج الوطني ليس فيه غير ما يصدّر، مثل الغاز أو البترول، ويكون التضخم نتاجاً لذلك، وهناك أمثلة كثيرة".

نفع متوقع لكنه غير مباشر

ينتظر الموريتانيون والنخب منهم على وجه الخصوص، ما ستتيحه هذه الثروة من نفع للمواطنين، وهو انتظار يرافقه القلق الشديد، لما يرونه فساداً ينخر في الجسم الإداري في موريتانيا، ولتجاربهم السابقة مع الثروات التي تحتضنها موريتانيا، سواء الحديد أو النفط أو الذهب أو الثروة السمكية، وغير ذلك من الثروات. ويُذكر أن موريتانيا حلّت هذه السنة في الرتبة 140 من أصل 180 دولةً حول العالم، وذلك في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية عن الفساد في العالم، وقد حصلت على 28 نقطةً فقط هذا العام، وهو تراجع لموريتانيا في هذا المؤشر إذ صنّفها ضمن البلدان "الأكثر فساداً"، وكانت حلت في العالم 2020، في المرتبة 134 عالمياً.

يقول الفيلالي، عن تأثير الغاز المتوقع على حال الناس: "ستكون غالبية تأثيره على المواطن بطريقة غير مباشرة، مثلاً عن طريق ميزانية الدولة، كما حين توجه الدولة تلك الموارد ضمن بنود إستراتيجية مستقبلية، هدفها تنويع الاقتصاد الوطني".

"الحقيقة هذه فرصة تاريخية بالنسبة إلى موريتانيا، لكي تستعمل هذه الموارد استعمالاً يمكن أن يخرجنا من المرحلة التي نحن فيها"

"الحقيقة هذه فرصة تاريخية بالنسبة إلى موريتانيا، لكي تستعمل هذه الموارد استعمالاً يمكن أن يخرجنا من المرحلة التي نحن فيها"، يقول المتحدث، ويضيف: "حسب وجهة نظري، مع الغاز لا يجب أن تنخفض نسبة نمو الاقتصاد الموريتاني في السنوات العشر القادمة عن 6 أو 7 في المئة، لماذا؟ لأن هذا الرقم في العشرية القادمة هو الذي يمكن أن يغيّر وضعية البلد الاقتصادية، فكما هو معلوم مثلاً حين يكون النمو الاقتصادي 5 في المئة، وهي نسبة صعبة علينا من دون موارد كبيرة، فهذه الخمسة في المئة لمدة 14 سنةً مثلاً هي التي يمكن أن تضاعف الناتج المحلي، فنحن تقريباً حالياً ناتجنا ثمانية مليارات دولار، وبهذا النمو، أي بمعدل 5 في المئة، بعد 14 سنةً، سيكون الناتج المحلّي 16 مليار دولار، وهذا قليل ولن يخرجنا من مرحلة الفقر. وعليه، نحتاج إلى نمو متسارع، ونسبة نمو متوسطة أكبر، 6% أو 7%. لماذا أقول متوسطة؟ لأننا في السنوات الأولى من بداية الطفرة يجب أن نصل إلى 10% أو 11%، مثلما حدث في 2005، وتظل تلك الوتيرة لمدة سنوات قبل أن تنخفض. ذلك ما نحتاجه حقيقةً لكي يتغير الاقتصاد الوطني، وهذا لا يمكن أن يحدث من دون توجيه الموارد بطريقة منتجة".

نبّه المتحدث إلى أن "بداية إنتاج الغاز، أي في حدود 2025، ستكون مداخيلها محدودةً مقارنةً بما سيدخل للدولة في حالة واصلت الأسعار تسجيل مستوى مقبول، وهذا ما يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار لأن أسعار السوق غير مضمونة، ومن الآن وحتى 2025، تقول التقديرات إنه سيظل هناك شحّ في الغاز المسال، بسبب أن البنى التحتية التي يحتاجها الغاز يلزمها الوقت للبناء وكذلك البواخر التي تنقل الغاز، ولا بد لها من وقت للتصميم والبناء لذلك سيظل هناك قدر من عدم التوازن.

يوجد ما يكفي من الغاز الطبيعي لتغطية احتياجات العالم من هنا حتى 250 سنةً، إذ توجد احتياطيات في العالم تفوق احتياجه طوال هذه الفترة، حسب دراسات علمية، وتالياً فإن الغاز الطبيعي لن تكون فيه مشكلة، لكن الغاز المسال يحتاج إلى البنى التحتية ويحتاج إلى نظام ينتقل به من مكان إلى آخر، ويحتاج إلى محطات للتسييل ومحطات لإعادة التسييل والأنابيب التي يُنقل بها بعد التسييل، ويحتاج إلى بواخر خاصة لنقله من مكان إلى آخر، ومن هنا حتى 2025 و2026، لا بد أن تُستحدث بنى تحتية تفي بالغرض، والسؤال الذي يجب أن تطرحه الحكومة، هو هل ستكون الأسعار في 2025 و2026 في المستوى الذي يسمح بأن تكون تلك الموارد الكبيرة سامحةً بحدوث طفرة اقتصادية؟ بالتأكيد ستطرحه وتحاول الإجابة عليه، وترسم له إستراتيجيات مستقبلية. وبالرغم من أن أسعاره من المتوقع أن تظل خلال السنوات المقبلة مرتفعةً أو في مستوى مقبول، لكن بعد ذلك لا يُعرف مصير تطور الأسعار، ومن ينظر إلى اتفاقية "بير الله"، حيث تم الحديث عن دراسة مدتها سنتين بعدها سيؤخذ القرار النهائي في بداية 2026، وذلك لسببين، السبب الأول هو أنه لا بد من الوقت للدراسة ومعرفة كيفية الإنتاج والثاني هو أنه في تلك الفترة سيُعرف هل سيكون مربحاً أم لا، لأنه الآن هناك مشكلات مع روسيا ومشكلات البنى التحتية غير الكافية والشركات التي تصنع المحطات والبواخر ليست كثيرةً، ولديها الكثير مع العمل، وبعد 2025 قد تكون الحرب الروسية الأوكرانية قد انتهت وحدث صلح، وتكون البنية التحتية أصبحت جاهزةً".

وأضاف ولد الفلالي قائلاً: "هناك مسألة مهمة وهي الضرائب، فهناك مداخيل مهمة ستدخل إلى خزينة الدولة من الضرائب، وباختصار الأثر سيكون أثراً تصاعدياً وغير مباشر، وحسب نجاعة المشاريع التي ستقوم بها الدولة."

على الدولة تماشياً مع فرصة الغاز، أن تقوم "ببناء شركات يمكن أن يقف عليها الاقتصاد الوطني، وتبني أسواقاً عن طريق سوق مالية

تجدر الإشارة إلى أنه في الستينيات، أي في أيام السنوات الأولى للاستقلال، لم يكن هناك اقتصاد في الدولة، ولم يكن في موريتانيا ما يكفي من الكفاءات ولا المعرفة الإنتاجية ولا التحضر، وكانت السلطة هي التي ستخلق الاقتصاد، وأنشئت الشركات وكانت مؤسسات عموميةً كلها، من استيراد المواد الغذائية والنقل الجوي وغيرهما، وتصدير الأسماك والمواد البترولية والتكرير، وكان ذلك هو أساس الاقتصاد الموريتاني، وكانت البداية هي الشركات العمومية. مع حرب الصحراء، ما بين 1975 حتى 1979، حدث تدهور كبير في الاقتصاد الموريتاني، بسبب الحرب وأسباب أخرى، ومن بداية الثمانينيات كانت هناك تقريباً ثمانون شركةً هي التي يقف عليها الاقتصاد الموريتاني، وتم تحطيمها بتاتاً. هذا الحال يستحضره الفيلالي هذه الأيام، ويرى أن على الدولة تماشياً مع فرصة الغاز، أن تقوم "ببناء شركات يمكن أن يقف عليها الاقتصاد الوطني، وتبني أسواقاً عن طريق سوق مالية".

تفاؤل رسمي مشوب بحذر

نقاشات الغاز ترافقت مع تصريحات مثيرة للجدل لمسؤول موريتاني، هو وزير الشؤون الاقتصادية وترقية قطاعات الإنتاج في موريتانيا، عثمان كان، إذ قال في حوار مع صحيفة "لا تريبون آفريك"، إنه لا يتوقع أن تغيّر الثروة الغازية المكتشفة في نهر السنغال النمو الاقتصادي في موريتانيا، مؤكداً أن المستقبل الاقتصادي لموريتانيا مرتبط بقطاعات الثروة المتجددة، مثل الزراعة والثروة الحيوانية، وهو كلام كرره في إطلالة أخرى له في مجلة "جون أفريك"، قال فيها إن "التفاؤل قائم" بخصوص حقل الغاز المشترك مع السنغال، "ولكن أيضاً هناك حذر"، منبهاً إلى أنه "يجب علينا استخلاص الدرس من حقل شنقيط النفطي، إذ "كانت الانتظارات كبيرةً في سنوات 2003-2005"، بخصوصه، لكن "بعد أعوام أصبحت هناك خيبة أمل شاملة".

"يجب علينا استخلاص الدرس من حقل شنقيط النفطي، إذ كانت الانتظارات كبيرةً في سنوات 2003-2005 (...)  لكن بعد أعوام أصبحت هناك خيبة أمل شاملة"

هي تصريحات أثارت الجدل في وقتها وعُدّت تحطيماً مسبقاً لأحلام الموريتانيين بتغيير أوضاعهم، بل وصفها البعض بأنها تحضير للشعب لتقبّل النهب المتوقع للثورة وخفض التوقعات.

وقال محمد يسلم الفلالي، عن تصريحات الوزير: "أعتقد أن العبارة قد خانته، فهو حسب ظني كان يريد القول إن المنفعة لن تكون مباشرةً بل ستكون غير مباشرة. وأيضاً ربما كان يريد أن يقول للمواطنين إن المرحلة الأولى من الإنتاج، 2.5 سنوياً، وتالياً لا بد أن يُنزع منه الدين المستحق على شركة المحروقات، خاصةً أن الدولة مداخيلها قد تتساوى مع العجز في ميزان المدفوعات السنة الماضية. لكن بالتأكيد سيكون هناك أثر في ما يخص البنى التحتية، والعملة الصعبة التي ستدخل خزينة الدولة وذلك مفيد لقيمة العملة الوطنية الأوقية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image