أعلن الجيش الإسرائيلي، قبل أيام، عن استكمال السيطرة على محور "موراغ"، الذي يفصل مدينة رفح عن خان يونس جنوبي قطاع غزّة. فمنذ اللحظات الأولى لاستئناف الحرب على قطاع غزّة، بدأت قوات الفرقة 36 في الجيش الإسرائيلي، العمل على إنشاء منطقة عازلة في "موراغ"، ثم سرعان ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو، عن الهدف من السيطرة على المحور، وهو تقسيم قطاع غزّة، والضغط على حركة "حماس"، لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
لقاء هذا "الهدف"، دفع الغزّيون ثمناً باهظاً قبل استكمال المهمة العسكرية، تمثل في تهجير نحو 250 ألف فلسطيني من منطقة رفح، بحسب اعتراف الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى القتل والإعدامات الميدانية والجماعية التي رافقت اقتحام المنطقة، والمحو الكامل لمدينة رفح ومعالمها، ما دفع الجيش الإسرائيلي للقول إنّه "لم تتبقَّ في رفح بيوت لنهدمها".
يشكل محور 'موراغ' نقطة ارتكاز إستراتيجية بسبب موقعه الجغرافي، الذي من شأنه اقتطاع مساحة 74 كيلومتراً مربعاً من مساحة القطاع، أي ما يعادل 20% من مساحته الإجمالية
صحيح أنّ جميع التوقعات كانت تُشير إلى نية إسرائيل احتلال شمال القطاع، إلا أنّ "احتلال رفح" وإنشاء هذا الخط الفاصل، يحملان دلالات تكتيكيةً وإستراتيجيةً عدّة بالنسبة لإسرائيل. يؤكد الخبير في الشأن الإسرائيلي أحمد فياض، لرصيف22، أنّ "هذه المنطقة بمثابة شريان الحياة لقطاع غزّة، وهي بوابة لإمداده بالمساعدات الإنسانية ودخول البضائع التجارية من معبرَي رفح وكرم أبو سالم، والسيطرة عليه تعني التحكم في القطاع، وأن ملف المساعدات سيكون تحت تصرف الجيش الإسرائيلي". فهل تكون هذه السيطرة تمهيداً فعلياً لتقسيم القطاع واحتلاله؟ أو أنها ستُعدّ تكتيكاً لتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية المعلنة، وأوّلها "القضاء على حماس"؟

أيّ منطقة خسر الفلسطينيّون؟
"يرجع أصل تسمية 'موراغ'، إلى إحدى المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت في جنوب القطاع، قبل الانسحاب الإسرائيلي منه، وتطبيق خطة فكّ الارتباط عام 2005، في عهد رئيس الوزراء أريئيل شارون"، يقول الدكتور سامي الأسطل، أستاذ التاريخ السياسي في جامعة الأقصى، لرصيف22.
ويشير إلى أنّ هذه المستوطنة كانت ضمن ما يُعرف بتجمّع مستوطنات "غوش قطيف"، التي تم تأسيسها والإعلان عنها لأول مرة في أيار/ مايو 1972. حينها، كان الهدف من إنشائها هو بناء تجمع عسكري ثابت لمراقبة تحركات الفلسطينيين. لكنه تحوّل بعد عقد من الزمن إلى تعاونية زراعية تضم 21 مستوطنةً ومئات الدفيئات الزراعية.
ولفت الأسطل، إلى أنّ هذه المستوطنة تميزت بالمصانع والنشاط الاقتصادي والتجاري والزراعي الذي جعلها بمثابة السلّة الغذائية الأوسع لسكان القطاع لاحقاً.
"وقد اشتهرت المنطقة، قبل احتلالها، وفي أثنائه، بمساحتها الزراعية الخصبة لزراعة الخضروات والفواكه والورود التي كانت تصدّر إلى دول أوروبا، بجانب زراعة القمح ومختلف أنواع الزراعات الموسمية، التي وفرت الخضروات لمنطقة جنوب القطاع، حتى خلال فترة حرب الإبادة. وتالياً، شكّل احتلالها ومنع وصول المنتجات الزراعية منها، عامل ضغط على السكان وتهديداً حقيقياً لأمنهم الغذائي"، يضيف الأسطل.
يقول المزارع نافذ العمور (42 عاماً)، من منطقة المنارة، إنه ترك منزله ومزرعته هرباً من حمم القصف الإسرائيلي الذي استهدفه مباشرةً، بعيد إنذارات الإخلاء الإسرائيلية في 5 نيسان/ أبريل الجاري.
ويشير خلال حديثه إلى رصيف22، إلى أنّ إسرائيل لم تمهل السكان لأخذ أمتعتهم، وأنّ الجيش جرّف مئات الدونمات الزراعية، بما فيها دفيئاته الزراعية والأرض المجاورة لها خلال تقدمه المفاجئ لاحتلال المنطقة.
بعد تهجيره، نزح نافذ، إلى منطقة المواصي في مدينة خان يونس. "بالكاد استطعت توفير البذور والسماد واستصلاح البئر التي تضررت بفعل قصف إسرائيلي سابق. وهأنذا اليوم لا أملك سوى خيمة في منطقة مكدسة بالنازحين".
لكن تهديد السكان في غذائهم، والتلويح بعصا المجاعة، جاءا كعوارض جانبية لاحتلال المحور، الذي يبدو أنه يفرض معادلات أمنيةً وسياسيةً جديدةً، في مستوى المفاوضات، وفرض واقع "اليوم التالي".

ماذا يعني احتلال المحور؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أنّ ادّعاءات إسرائيل بضمّ رفح إلى المنطقة العازلة، إجراء واهٍ عملياً؛ لأنّ ثلثَي سكان رفح لم يعودوا إليها، وبقوا في النزوح خارجها منذ أيار/ مايو 2024.
ويضيف، في حديثه إلى رصيف22، أنّ احتلال "موراغ" يرمي إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، سواء كان ذلك من أجل الضغط على السكان أو على حركة "حماس" لتحقيق مزيد من المكاسب التفاوضية، بمعنى تحقيق معادلة الأرض مقابل الأسرى.
يوافق فياض، على هذا الرأي، قائلاً إنّ إسرائيل تُفاوض بالأرض، على اعتبار أنّ سلب الأرض هو أكثر ما يوجع حركة "حماس".
ويصف إبراهيم، خطوة السيطرة على المحور، بأنّها "دغدغة لأحلام اليمين الإسرائيلي"، من أجل الذهاب بعيداً نحو فتح شهيته حيال احتلال مدن أخرى، ثم إقامة مستوطنات جديدة.
ويلفت إلى أنّ اليمين الإسرائيلي يضغط على نتنياهو من أجل البقاء في منطقة "موراغ"، بهدف حماية قوات الجيش المتمركزة هناك، والسيطرة على جنوب مدينة خان يونس.
"يشكل محور 'موراغ' نقطة ارتكاز إستراتيجية بسبب موقعه الجغرافي، الذي من شأنه اقتطاع مساحة 74 كيلومتراً مربعاً من مساحة القطاع، أي ما يعادل 20% من مساحته الإجمالية. كما أنّ أهميته تكمن في كونه السلّة الغذائية لمحافظتَي رفح وخان يونس، ومعظم الخضروات المتوفرة في السوق تُصدّر من هذه المنطقة"، يضيف إبراهيم.
ويؤكد فياض، أنّ إسرائيل احتلت المحور لأنّ منطقة "موراغ" هي الأوسع في قطاع غزّة، فتصل إلى عرض 12 كيلومتراً أو ربما أكثر، فضلاً عن أن هذا المحور كان خطّ الإمداد لمستوطنات مجمع "غوش قطيف"، قبل انسحاب عام 2005.
إسرائيل لا تمتلك رؤيةً إستراتيجيةً لليوم التالي، واحتلال القطاع يُعدّ خياراً مرتفع التكلفة بالنسبة لإسرائيل، كما أنه لا يشكّل ضمانةً حقيقيةً للقضاء على حركة "حماس"
"وتالياً، فإنّ وجود حزام أمني مقتطع من قطاع غزّة يطول 41 كيلومتراً، ومن ثم الدخول في حزام آخر بعمق 12 كيلومتراً، يسمحان بوجود مسافة كبيرة لتأمين قوات الجيش"، يقول فياض.
ويؤكد على أنّ الجيش قد يعيد انتشاره أو تموضعه في هذا المحور بناءً على تفاهمات قد تصل إليها المفاوضات، على اعتبار سهولة الانتشار والانسحاب منه.
"هذا ما دفع بالجيش إلى احتلال هذا المحور دون غيره، مثل كيسوفيم ذي المساحة الضيقة والكثافة السكانية. لكن موراغ، وبسبب اتّساعه، فقد يشكل ورقة ضغط حقيقيةً، فضلاً عن تقليل الاشتباك والصدام مع المدنيين"، يضيف فياض.
تمهيد لاحتلال دائم؟
"إنّ احتلال مدينة رفح وعزلها، لا يعنيان محاولة السيطرة الأمنية على جزء من القطاع فحسب، بل تمهّد إسرائيل من خلالهما، لاحتلال مناطق جديدة، إن لم يتم التوصل إلى تفاهمات خلال المفاوضات الجارية"، يقول إبراهيم.
ويشير إلى أنّ رفح ستكون بمثابة نموذج لبقاء الجيش الإسرائيلي في أكثر من منطقة، لأنّ الأهداف الإسرائيلية، حسب خطة رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، القاضية بتوسيع العمليات العسكرية البرية، تقوم على نية القضاء على حكم "حماس" وما تبقّى من قدراتها العسكرية، بالإضافة إلى ترسيخ واقع جديد يهدف إلى تدمير القطاع وتهجير سكانه، وخلق مبرر للاستمرار في احتلال أجزاء واسعة منه في المستقبل المنظور".
وربما جاءت تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، لتؤكد ذلك، حين قال: "في شمال غزة أيضاً، في بيت حانون وأحياء أخرى، يتم إخلاء السّكان والاستيلاء على المناطق وتوسيعها كمنطقة أمنية، وكذلك في ممر نتساريم. سيتوسع نشاط الجيش قريباً، وبقوّة، نحو أماكن إضافية في أنحاء غزّة، وسيتعيّن على السكان إخلاء مناطق القتال".
وفي السياق، تشير تقديرات مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، إلى أنّ نسبة أراضي القطاع التي تخضع الآن للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، تصل إلى 40%.
لكن ورقة سياسات صادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"، أعدّها عوفر جوترمان، تحت عنوان "البدائل الإستراتيجية في قطاع غزّة"، تقول إنّ إسرائيل لا تمتلك رؤيةً إستراتيجيةً لليوم التالي، وإنّ احتلال القطاع يُعدّ خياراً مرتفع التكلفة بالنسبة لإسرائيل، كما أنه لا يشكّل ضمانةً حقيقيةً للقضاء على حركة "حماس".
وتشير الورقة إلى أنّ الطرح المرتبط بإعادة فرض الاحتلال المباشر والإدارة العسكرية على قطاع غزة، يفرض سيناريو يتولى فيه الجيش الإسرائيلي السيطرة الكاملة على القطاع، بهدف تفكيك بنية "حماس"، ونزع سلاحها، ومنع نشوء بدائل راديكالية، من دون تحمّل مسؤولية السكان مباشرةً. غير أنّ هذه المسؤولية، وفقاً لأحكام القانون الدولي، ستبقى ملقاةً فعلياً على عاتق إسرائيل كقوّة احتلال.
احتلال المحور سيشكل، بعداً آخر في حال سيطرت إسرائيل على ملف المساعدات أو سحبته من سلطة "حماس" في غزة، بما يشي ببسط السيطرة التدريجية على كل مناحي الحياة داخل القطاع
وتؤكد الورقة أنه بالرغم من أنّ هذا السيناريو قد يُفضي إلى تعزيز الاستقرار الأمني والاستخباراتي على المدى القصير، إلا أنه يتطلب كماً هائلاً من الموارد العسكرية والاقتصادية، ويُعرّض إسرائيل لمخاطر سياسية وقانونية، على رأسها تحميلها كامل تبعات الاحتلال، وتراجع فرص التطبيع مع العالم العربي، وتصاعد التوتر مع دول الجوار. كما أنّ الإبقاء على الاحتلال من شأنه أن يعيد إنتاج ديناميات المقاومة، ويُبقي حركة "حماس" فاعلاً كامناً تحت السطح.
المساعدات كمفتاح للسيطرة
"إن احتلال هذا المحور ربما يشير إلى السيطرة على المناطق التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم 'الجزر'، والتي ستكون بوابةً لتوزيع المساعدات الإنسانية التي سيشرف عليها الجيش على السكان، وفق ما يُروّج له في وسائل الإعلام الإسرائيلية"، يقول إبراهيم.
ويردف: "بحسب خطة الجيش في توزيع المساعدات التي رفضها رئيس هيئة الأركان السابق هرتسي هليڤي، ولاقت قبولاً من رئيسها الحالي إيال زامير، فإنّ خطوة احتلال رفح بما فيها محور موراغ، ستكون ضمن ما صرّح به زامير مؤخراً، وهو الحفاظ على حالة الغموض، ثم المفاجأة".
لذلك، يتفق فياض، مع ما طرحه إبراهيم، في أن القيادة الجديدة للجيش بعد إقالة وزير الأمن السابق ورئيس هيئة الأركان اللذين كانا ضد قيام الجيش بتوزيع المساعدات على السكان، لما له تداعيات، جاهزة لتنفيذ هذا المطلب من المستوى السياسي.
ويلفت فياض، إلى أنّ احتلال المحور سيشكل، كذلك، بعداً آخر في حال سيطرت إسرائيل على ملف المساعدات أو سحبته من سلطة "حماس" في غزة، بما يشي ببسط السيطرة التدريجية على كل مناحي الحياة داخل القطاع.
أيّ تغيّرات سيفرضها احتلال المحور على الأرض والناس؟
يرى فياض، أنّ احتلال هذا المحور سيعطي، بلا شك، مساحةً أكبر للجيش للمناورة، كونها منطقةً واسعةً وتتمتع بكثافة سكانية أقلّ من غيرها، ما سيمكّن الجيش من إنشاء المزيد من المواقع العسكرية على امتداد المحور.
كذلك، سيسهل على الجيش الانقضاض على مناطق أخرى في خان يونس، أو الدخول في محاور أخرى مثل كيسوفيم أو مفلاسيم، وإعادة تطبيق خطة شارون في سبعينيات القرن الماضي، المسمّاة "الأصابع الخمسة"، والتي هدفت حينذاك إلى إحكام السيطرة على قطاع غزّة.
وتشكل خطة شارون، خريطة الاستيطان في القطاع، وحصاره، وتقطيعه إلى مناطق معزولة.
أما على المستوى السكاني، فإنّ هذه الخطوة، بحسب فياض، ستمكّن الجيش من عدم السماح مرةً أخرى لأهل رفح بدخول المدينة دون إخضاعهم للتفتيش عبر بوابات إلكترونية، وكذلك التحكم بحركة السكان والنازحين في مدينة خان يونس وغيرها من المدن، تمهيداً لخطة التهجير في حال تم تطبيقها.
"إذا ما استمرّ الجيش في رسم وقائع على الأرض، فإنّ بقاءه لمدى أطول سيكون أمراً واقعاً، تلبيةً لمطالب اليمين الحاكم. هذا هو السيناريو المُخيف"، يقول فياض.
ويختم: "سيكون بقاء الجيش في المحور مكلفاً، وبحاجة إلى مزيد من الفرق العسكرية. لكن في الوقت الحالي، سيكون هذا محور النقاش في أروقة إسرائيل السياسية والعسكرية، في حال فشلت جهود التسوية، وأطلقت إسرائيل العنان للجيش في التوغل والبقاء لأمدٍ أطول داخل حدود القطاع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Hossam Sami -
منذ يومينالدراما المصرية فـ السبعينات الثمانينات و التسعينات كانت كارثة بمعنى الكلمة، النسبة الأغلبية...
diala alghadhban -
منذ 5 أيامو انتي احلى سمرة
حاولت صور مثلك بس كان هدفي مو توثيق الاشياء يمكن كان هدفي كون جزء من حدث .....
ssznotes -
منذ 5 أيامشكرًا لمشاركتك هذا المحتوى القيم. Sarfegp هو منصة رائعة للحصول...
saeed nahhas -
منذ 5 أيامجميل وعميق
Mohamed Adel -
منذ أسبوعلدي ملاحظة في الدراما الحالية انها لا تعبر عن المستوى الاقتصادي للغالبية العظمى من المصريين وهي...
sergio sergio -
منذ أسبوعاذا كان امراءه قوية اكثر من رجل لكان للواقع رأي آخر