شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل تُهدد مزاجية الموظفين اللاجئين السوريين في ألمانيا؟

هل تُهدد مزاجية الموظفين اللاجئين السوريين في ألمانيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الاثنين 28 أبريل 202510:07 ص

لطالما عُدّت ألمانيا نموذجاً للدقة والشفافية في الإدارة. وفقاً لفهرس تصورات الفساد لعام 2024، الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية، سجلت ألمانيا 75 نقطةً من أصل 100 في فهرس تصورات الفساد، وبذلك تكون في المرتبة 15 بين الدولة الأقل فساداً من جملة 180 دولةً. 

لكن الواقع يكشف أحياناً عن صورة مختلفة، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات المسؤولة عن شؤون اللاجئين. فعلى الرغم من وجود قوانين واضحة تنظّم إجراءات اللجوء والإقامة، إلا أنّ التطبيق الفعلي لهذه القوانين يشوبه أحياناً فساد إداري يعيق حياة اللاجئين، ويعرقل اندماجهم في المجتمع. هذا الفساد لا يتمثل في استغلال النفوذ أو سوء الإدارة فحسب، بل يتجلى بشكل واضح في التعامل المزاجي لبعض الموظفين مع القوانين، ما يؤدي إلى تفاوت واضح في تنفيذها.

كيف يؤثر هذا الفساد على حقوق اللاجئين؟ وما هي التداعيات الاجتماعية والإنسانية لهذا الخلل الإداري في واحدة من أكثر الدول التي تُعرف بالبيروقراطية والانضباط القانوني؟

معايير متناقضة

يتيح القانون الألماني وإجراءات البيروقراطية للموظفين الحكوميين، خاصةً أولئك المختصين بشؤون اللاجئين، مرونةً في اتخاذ القرارات. إلا أنّ هذه المرونة ليست دائماً إيجابيةً كما يتصور البعض، إذ إن سلبياتها تفوق إيجابياتها. ففي كثير من الأحيان، يؤدي ذلك إلى إصدار قرارات تعتمد على تقديرات شخصية أو مزاج الموظف المسؤول، ما يفضي إلى تباين في تطبيق الإجراءات وعدم المساواة بين اللاجئين. على سبيل المثال، قد يُمنح بعض اللاجئين تسهيلات خاصةً دون غيرهم، بناءً على علاقات شخصية أو معايير غير موضوعية، كأن يسهّل الموظف أو يصعّب للاجئ ما، خدماته بناءً على تقييم شخصي لا أكثر، ما يخلّ بمبدأ العدالة والشفافية في تقديم الخدمات.

تُحقق السلطات الألمانية مع موظفة في مكتب الهجرة بتهمة تلقي رشاوى بقيمة 41 ألف يورو من لاجئين، مما يثير تساؤلات حول مدى تفعيل معايير النزاهة

في حادثة متكررة بين اللاجئين السوريين في ألمانيا، تعكس تناقضات إداريةً مثيرةً للدهشة داخل سلطة شؤون الأجانب (Ausländerbehörde)، يروي "عبد الله. خ" و"علي. ك" (اكتفى كل منهما بنشر اسمه الأوّل)، من ميونخ، تجربتهما التي تسلّط الضوء على تفاوت واضح في معايير التعامل الإداري.

تقدم "عبد الله"، بطلب لتجديد إقامته الفرعية، فتمت الموافقة على تمديدها لثلاث سنوات وفق قانون اللجوء، بينما حصل "علي" على تمديد لعام واحد فقط، برغم أنهما تقدّما بالطلب معاً، ويعملان بعقد دوام كامل في الشركة ذاتها. وأعرب الاثنان عن استغرابهما من غياب التفسير الواضح لهذه القرارات، مشيرين إلى أن هذه الحالات شائعة ومتكررة.

يعلّق "علي"، قائلاً: "الموظف هنا هو القانون، فهذه ليست المرة الأولى، ولا يمكنك الاعتراض على قراره. لا يوجد اعتبار للمساواة أو العدالة، وإن حاولت الاحتجاج، فقد يعرقل إجراءاتك مستقبلاً".

طرق ملتوّية

الحصول على الجنسية الألمانية من "مكتب الجنسية" (Einbürgerungsbehörde)، التابع للمدينة أو المقاطعة التي يقيم فيها الشخص، عملية تخضع لشروط قانونية واضحة.

"سارة" (اكتفت بذكر اسمها الأول)، لاجئة تقيم في ولاية بريمن، منذ أكثر من عشر سنوات، مستقلة مالياً، تتقن الألمانية، اجتازت اختبار الجنسية، ولا تمتلك أي سجل جنائي، لكنها لم تتمكن من الحصول عليها حتى الآن. والسبب كما تقول: "يبدو أن هناك طرقاً غير قانونية لتسريع الجنسية مقابل رشاوى تُدفع لموظفين أو وسطاء. لم أرَ ذلك بعيني، لكن لا تفسير للتأخير سوى هذا". وتضيف: "أو أن الأمر متوقف على نظرة الموظف للمتقدم. ربما لم يعجبه شكلي. ففي دائرتي حصلت صديقتي على الجنسية خلال عام فقط، بينما لا يزال ملفي عالقاً منذ قرابة ثلاث سنوات من دون أي سبب مقنع".

في كانون الثاني/ يناير 2024، أفادت وسائل إعلام ألمانية، بأن الشرطة في مدينة أوسنابروك في ولاية "ساكسونيا السفلى" شمالي البلاد، فتحت تحقيقاً مع موظفة في مكتب الهجرة، بتهمة تلقي رشاوى بقيمة 41 ألف يورو في أكثر من 300 حالة. هذه الادعاءات، وإن كانت لا تشمل جميع المؤسسات، إلا أنها تطرح تساؤلات جديةً حول الشفافية في التعامل مع طلبات التجنيس، ومدى قدرة الرقابة الداخلية على كشف التجاوزات الشخصية للموظفين.

كما أن الأمر لا يتوقف على التجنيس، إذ يستند المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) المسؤول عن دراسة طلبات اللجوء وتحديد وضع الحماية، إلى تصورات مسبقة للموظف بشأن تحديد وضع المتقدم أيضاً.

جغرافية الحظ 

هذا التصور الفردي يفتح المجال لاستغلال السلطة وفساد الإجراءات، حيث يصبح من الصعب تتبع المسؤوليات وتحديد المعايير الرسمية، ما يدفع اللاجئين إلى تغيير مواقع سكنهم باستمرار والانتقال إلى مدن أخرى، وأصبح تنقّل اللاجئين بين المدن والولايات ظاهرةً متزايدة.

خلقت هذه المزاجية خللاً ديموغرافياً واضحاً في أماكن تجمعات اللاجئين في ألمانيا، وليس سببه دافع البحث عن فرص اقتصادية أو سكن ميسّر فحسب، بل البحث عن أماكن يمتلك فيها الموظفون المسؤولون عن شؤونهم لطفاً أكثر ومرونةً أكبر في إجراءات من قبيل إصدار وتجديد تصاريح الإقامة، ومعالجة طلبات لمّ الشمل العائلي، ومنح تصاريح العمل للأجانب، والتعامل مع طلبات الجنسية لبعض الفئات، وتنفيذ قرارات منع الترحيل أو منح الإقامات الاستثنائية. أي أنّ هكذا قرار يأتي استناداً إلى التقارير المتداولة عن سلوك الموظف في مركز العمل أو إدارة الأجانب بالدرجة الأولى.

في حين تفرض بعض الولايات، مثل بريمن وهامبورغ وبعض الدوائر الريفية في بافاريا، إجراءات صارمةً ومزاجيةً مفرطةً للموظفين تجعل الحصول على تصاريح الإقامة أو العمل أمراً معقداً، إذ يجد اللاجئون تعاملاً أكثر سلاسةً في ولايات كولاية شمال الراين وستفاليا مثلاً، حيث يُظهر الموظفون مرونةً أكبر في معالجة الطلبات.

حتى إن هذا الأمر يختلف داخل الولاية نفسها من مدينة إلى أخرى، لذا باتت هذه الظاهرة تسبب اضطراباً اجتماعياً وقانونياً يزيد من معاناة الفئات الضعيفة ويعرقل تحقيق نظام إداري عادل ومستقر. 

يجد اللاجئون تفاوتاً في سهولة الحصول على تصاريح الإقامة بين الولايات الألمانية، إذ تتسم بعضها بالتشدد ، بينما تتميز أخرى بالمرونة

كما أنّ هذه الفجوة الإدارية جعلت اللاجئين يتعاملون مع اختيار مكان سكنهم كإستراتيجية قانونية، وليس كمجرد مسألة راحة أو توافر وظائف. فأمثال أنس وحمزة وقاسم (أسماء مستعارة)، يدركون أن انتظار حصولهم على إقامة وموافقة للمّ شمل أسرهم في مدينة مثل نورنبيرغ (بافاريا)، قد يستغرق وقتاً أطول من اللازم، برغم استيفائهم الشروط القانونية، بينما في مدينة لاوف القريبة، تسير الإجراءات بسلاسة أكبر بسبب اختلاف تعامل الموظفين المحليين. هذا التفاوت دفعهم للبحث عن مكان سكن في هذه المدينة بحثاً عن إدارات أكثر تفهّماً.

إحصائيات رسمية تشير إلى أنّ أكثر من 3.5 ملايين لاجئ مسجّلون في ألمانيا اليوم، لكن توزيعهم غير متكافئ بسبب اختلاف المعايير الإدارية بين الولايات

هذا التنقل المستمر، والذي من أهم أسبابه تشدد الموظفين في التعامل مع اللاجئ، لا يؤثر على استقرار اللاجئين فحسب، بل يخلق أيضاً تحديات ديموغرافيةً وإداريةً، حيث تتكدس بعض الولايات باللاجئين، في حين تبقى أخرى شبه خالية منهم.

وفقاً للمكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا، بلغ عدد السوريين المقيمين في البلاد نحو 973،000 شخص، حتى نهاية عام 2023. وفي ولاية شمال الراين وستفاليا، بلغ عدد السوريين المقيمين نحو 286،000 شخص، أي ما نسبته 21% من إجمالي عدد اللاجئين، ما يجعلهم ثاني أكبر جالية أجنبية في الولاية بعد الأتراك. وتستقبل الولاية يومياً، العديد من اللاجئين القادمين من ولايات أخرى، في وقت بلغت فيه نسبتهم إلى عدد السكان في مدن مثل هامبورغ 2%، وبريمن 0.9%.

مرونة ومزاج 

يمنح الإطار القانوني في ألمانيا الموظفين الحكوميين، بما في ذلك العاملين في مؤسسات شؤون اللاجئين، صلاحيات تقديريةً تتيح لهم مرونةً في اتخاذ القرارات بناءً على خبراتهم المهنية. تهدف هذه المرونة إلى تمكينهم من التعامل بفعالية مع الحالات الفردية، وتقديم خدمات تتناسب مع الظروف الخاصة لكل متقدم، ما يعزز من كفاءة الإدارة العامة. ومع ذلك، يثار تساؤل جوهري حول مدى توحيد القوانين والإجراءات، وما إذا كان هذا النهج يؤدي إلى تفاوتات إدارية بين الولايات والمقاطعات.

يكشف "مجد قزح"، وهو موظف سابق في منظمة الدياكوني (Diakonie)، في مدينة بون، أنّ قسماً كبيراً من اللاجئين الذين يتقدمون للمنظمة للمساعدة تكون شكواهم متمثلةً بمقارنة أنفسهم بغيرهم من أقرانهم في الحصول على الأوراق القانونية من مؤسسات الدولة المعنية باللاجئين.

يقول "قزح": "في المؤسسة نحن نساعدهم في تقديم الدعم القانوني والاجتماعي واللغوي لمساعدتهم على الاندماج. لكننا لا نمتلك إجابةً عن آلية تعامل الموظفين مع اللاجئ في ما يتعلق بحصوله على أوراقه من شكل ونوع الإقامة إلى مدتها الى التجنيس إلى أمور أخرى كثيرة. صحيح أنها تستند إلى القانون لكن الموظف يتعامل معها وفق صلاحيات يراها اللاجئ غير عادلة".

مجد قزح: قسم كبير من شكاوى اللاجئين السوريين الذين يتقدمون بطلباتهم إلى المنظمات القانونية والحقوقية، يتمثل في مقارنة أنفسهم بغيرهم من أقرانهم في الحصول على الأوراق القانونية من مؤسسات الدولة المعنية بشؤون اللاجئين.

عدم وجود معايير موحدة في التعامل مع طلبات اللجوء والإقامة، قد يدفع الأفراد إلى البحث عن "نقاط ضعف" في النظام، بدلاً من اتّباع إجراءات واضحة ومتّسقة. هذا التفاوت قد يؤسس لخلق بذور العنصرية والمزاجية بناءً على أفكار مسبقة في ذهن الموظف أمام اللاجئ، والموظف هو بشر في النهاية يخضع لتقلبات المزاج الشخصي من فرح وحزن، ما قد يثير تساؤلات حول مدى فعالية سياسات اللجوء في ألمانيا، وما إذا كان ينبغي إعادة النظر في مركزية القرارات لتجنب تفاوت الممارسات بين الولايات، ما قد يحوّل إجراءات اللجوء إلى مسألة تعتمد على الموقع الشخصي للموظف بدلاً من معايير قانونية موحدة.

هامش خطير

تستند هذه المرونة إلى القوانين واللوائح الإدارية التي تنظّم عمل الموظفين الحكوميين. على سبيل المثال، يحدد القانون الأساسي لجمهورية ألمانيا الاتحادية (Grundgesetz)، الإطار العام لعمل المؤسسات الحكومية والموظفين. ففي المادة 85 منه، يُسمح للولايات بتنفيذ القوانين الاتحادية كمسألة خاصة بها، ما يمنحها بعض المرونة في التطبيق. 

كما تؤكد المادة 20 من القانون الأساسي (GG)، على مبدأ دولة القانون (Rechtsstaatsprinzip)، وبرغم أن هذا يعني أن جميع القرارات الحكومية يجب أن تستند إلى معايير قانونية واضحة، لكنها تسمح بوجود هامش من التقدير الإداري. 

وفي ما يتعلق بمؤسسات شؤون اللاجئين، تُمنح السلطات المحلية والإقليمية صلاحيات تقديريةً للتعامل مع الحالات الفردية لطالبي اللجوء. تهدف هذه الصلاحيات إلى مراعاة الظروف الشخصية لكل طالب لجوء، وضمان اتخاذ قرارات عادلة ومنصفة. ومع ذلك، يجب أن تُمارس هذه المرونة ضمن القوانين المحددة، مثل قانون اللجوء (Asylgesetz – AsylG)، واتفاقية جنيف للاجئين، بجانب المعايير الأوروبية المشتركة في سياسة اللجوء.

وعليه، وبرغم أن الهدف من منح المرونة والتقدير الإداري هو تحسين كفاءة وفعالية الخدمات، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى تحديات، منها التفاوت في تطبيق القانون والذي قد يؤدي التفسير الشخصي للموظفين إلى اختلافات في كيفية تطبيق القوانين والإجراءات، ما يخلق حالةً من عدم المساواة بين اللاجئين المستفيدين، إذ يجب تعزيز الرقابة الداخلية على المؤسسات المعنية، وفتح قنوات رسمية تتيح للاجئين الإبلاغ عن التجاوزات دون خوف. كما يتطلب الأمر ضغطاً إعلامياً ومجتمعياً لضمان معاملة جميع اللاجئين بعدالة، بغضّ النظر عن خلفياتهم أو جنسيتهم.

في النهاية، تبقى ألمانيا دولة قانون، وما تم كشفه هنا ليس إلا انعكاساً لثغرات يمكن تداركها لضمان بيئة أكثر شفافيةً وعدالةً للجميع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image