منذ أن كشفت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، الأحد الماضي، عن صعود ملفتلأحزاب اليمين، سيطر على ملايين المهاجرين، من بينهم أبناء الجاليات العربية، في دول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرين، هاجسُ الخوف من جديد.
وعلى الرغم من أن التهديدات التي يتعرضون لها تختلف من بلد لآخر، يخشى المهاجرون في الغالب فقدان وضع أحسن بكثير من الوضع الذي فرضَ عليهم ترك أوطانهم الأمّ، والعيش في ظلّ مناخ من الحريات يتيح لهم التعبير عن ذواتهم، وبناء مستقبلهم.
على سبيل المثال، من بين 5 ملايين عربي يعيشون في فرنسا، هناك نسبة عالية تخشى تزايد الحملاتِ العنصرية ضدّهم، خاصّة بعد حصول حزب الجبهة الوطنية اليميني على ربع مقاعد فرنسا في البرلمان الأوروبي. ولكن بعض الفرنسيين، من أصول جزائرية وتونسية ومغربية بصورة خاصة، لا يرون هذ التهديد شاملاً. يقول المخرج الجزائري المقيم بفرنسا، مالك أيت عودية، في تصريح لرصيف22 إن "هناك فئات مختلفة من المهاجرين العرب في فرنسا، فهناك المتجنسون (غالبيتهم من المغرب والجزائر وتونس) وهؤلاء لا يمكن طردهم "إذ لديهم حقوق المواطنين الكاملة".
"بعضهم صوّت لصالح الجبهة الوطنية" يقول عودية، على الرغم من أن الحزب الذي تتزعمه ماري لوبان Marine Le Pen لديه سياسات متشددة ضد المهاجرين. إلا أن تصويت بعض أبناء المهاجرين دليل على أنهم لا يرون أنفسهم مهاجرين، بل مواطنين يشعرون بالقلق من تفاقم المشاكل الاقتصادية وضغوط الهجرة على البلاد.
هناك فئة أخرى من "المقيمين بطريقة قانونية في فرنسا وهؤلاء لا يخشون شيئاً ما لم يرتكبوا مخالفات" وفق أيت عودية. في المقابل، هناك عرب دون وثائق قانونية، مما يجعل وضعهم أكثر حرجاً، لكن بالنسبة لهم "القوانين تم تشديدها منذ فترة بعيدة". يرى المخرج الجزائري أن "فوز الجبهة الوطنية لن يغير كثيراً من الأشياء في واقع المهاجرين"، لكنه يلفت النظر إلى خطورة تأثير أفكار اليمين المتطرف في أوروبا على الأحزاب التقليدية ووسائل الإعلام، معتبراً أن هناك "إحساساً جديداً بدأ يظهر من خلال اللهجة الأكثر تشدداً تجاه المهاجرين".
وبينما يدعو أيت عودية إلى الحذر أكثر في مواجهة صعود موجة أحزاب اليمين، فإن حصول النازيين الجدد على مقاعد في البرلمان الأوروبي، من ألمانيا واليونان تحديداً، يزيد من مخاوف المهاجرين العرب وغيرهم في أوروبا.
يقول محامي مغربي بفرنسا إن العنصرية التي كانت باريس تحاربها من خلال الأحزاب التقليدية، صارت القوة الأولى. ويعلق ساخراً "فرنسا التي دانت العنصرية في عملية غزو أوكرانيا ينبغي أن تتهيأ لتكون ضحية الغزو". تترجم المواقف العصبية للمهاجرين العرب في أوروبا حالة القلق التي تنتابهم جرّاء سيطرة خطاب عنصري على المزيد من مساحات الرأي العام، وكان العنصريون من أحزاب مختلفة يقودون حملات ضد المهاجرين في أوروبا، متهمين إياهم بأنهم السبب في الضائقة الاقتصادية التي يعيشونها.
ظل حزب الاستقلال البريطاني، الذي حقق تقدماً تاريخياً بحصوله على 27.5 في المئة من الأصوات (24 نائباً في البرلمان الأوروبي)، لفترة طويلة ينتقد الحكومة بسبب ما يحصل عليه المهاجرون من امتيازات. لكن العرب في المملكة المتحدة ليسوا أكثر عرضة للتمييز العنصري من أبناء جاليات آسيوية أخرى، مثل الباكستانيين والهنود، الذين يشكلون الأقلية الأبرز بـنسبة 7.5 في المئة من السكان، لأنهم فئة قليلة نسبياً ويندمجون بسهولة في النسيج الاجتماعي البريطاني حسب باحثة عربية مقيمة ببريطانيا. كما أن حزب الاستقلال البريطاني، بخطابه المشكك بالمشروع الأوروبي أصلاً، يزيد من انتقاداته للمهاجرين من أوروبا الشرقية، خاصة مع انضمام رومانيا وبلغاريا للاتحاد.
صعود اليمين ظاهرة ترسخت في الكثير من الدول الأوروبية، حيث حصل حزب السياسي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز Geert Wilders في هولندا على أربعة مقاعد، وحصل حزب الشعب المناهض للهجرة في الدنمارك على حصة الأسد من أصوات الناخبين، بلغت نسبة 26.7 بالمئة. تتكرر المخاوف من تبعات هذه الأصوات على المهاجرين أو أبناء الأقليات في البلاد، خاصة وأن أحزاب اليمين- الوسط قد تشعر أنها مضطرة للتوجه إلى أقصى اليمين لمواجهة الشعبية المتصاعدة لأحزاب اليمين المتطرف.
في بقية بلدان أوروبا الجنوبية المطلة على البحر المتوسط، حصل مناهضون لسياسات الاتحاد الأوروبي على أغلبية الأصوات، ففي إيطاليا وهي بوابة الكثير من العرب نحو أوروبا، حصل المناوئون للاتحاد الأوروبي على 25 مقعداً في البرلمان الأوروبي المؤلف من 751 مقعداً، كما حصل نظراؤهم في بولندا على 23 مقعداً.
ملف المهاجرين في أوروبا كان على الدوام ورقة انتخابية، بين المتنافسين، لكنه صار هذه المرة سلاحاً بيد اليمين المتطرف الذي يروج لخطاب عنصري ضحيته الأولى القادمون من الضفتين الشرقية والجنوبية.
مع الأزمة الاقتصادية منذ عام 2009، باتت العنصرية تتصاعد، إذ ارتبطت بتهم للمهاجرين بـ"سرقة" الوظائف. ستشهد الأشهر المقبلة تصريحات سياسية متصاعدة حول الهجرة والاقتصاد، إذ تستعد دول مثل بريطانيا والدنمارك لانتخابات عامة تنعكس عليها نتائج انتخابات أوروبا الأخيرة. وسيكون على المهاجرين أن يصوتوا لمن يحمي مصالحهم، أو يمكن أن يمثل صوتهم في برلمانات أوطانهم الجديدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين