حذف اسم "السلطة الفلسطينيّة" من أجندة وتعريف وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية؛ هذا ما يتطلبه قرار الوزير الإسرائيلي دافيد مسالم، الذي يقضي بوقف التعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية. وقد وُضعت الإشارة إلى "السلطة الفلسطينيّة" عام 2009، في ذكر الوزارة للأجسام التي تتعامل معها، فجاء ذكر السلطة في سياق العمل على تعزيز التعاون بين الطرفين، وتنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة.
ثمّ جاء قرار مسالم، لينصّ على أنّ السلطة لن تُعدّ إحدى الجهات والكيانات في المنطقة، كما هو محدد في اختبارات توزيع الأموال لدعم الوزارة للمؤسسات العامة التي تدير مشاريع وأنشطةً للتعاون الإقليمي. وبيّنت صحيفة "هآرتس"، أنّ قرار الحكومة يشكّل انتهاكاً لأهداف الوزارة في ما يتعلق بالتعاون مع الفلسطينيين، إثر فشلها في عقد لجنة اقتصادية مشتركة مع السلطة خلال السنوات السابقة.
مسار الحياد السلبي والتوازن الذي انتهجته السلطة الفلسطينية ما بين متطلبات إسرائيل من السلطة وما يمليه عليها دورها أمام شعبها، لم يعد مقبولاً إسرائيلياً
أيّام قليلة تلت هذا القرار -الذي يسحب أجزاء أخرى من السجادة من تحت أقدام السلطة الفلسطينية منذ أن جاء وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سمتريتش بخطّة "الحسم"- ليخرج إلى العلن خبر آخر يدلّل على ضعف دور السلطة، أو إضعافها، وهو رضوخها لضغوط جعلتها تخفف من فعالية قرار أممي كان يمكن أن يُنشئ آليةً لمحاسبة إسرائيل على جرائمها المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
تصحب هذا القرار مجموعة من الخطوات التي تقوم بها إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية، وتتمثّل في تشديد العقوبات المالية عليها، وتجميد النشاطات الاقتصادية والتجارية معها، واحتجاز أموال الشعب الفلسطيني، التي تجاوزت 7 مليارات شيكل (266 مليون دولار)، والتي اعتبرتها السلطة "سياسيةً استعماريةً عنصريةً تندرج في إطار حرب الإبادة والتهجير والضمّ". فهل هي خطوات تدريجية أخرى تجاه "تفكيك السلطة" الذي وعد به سموتريتش؟ أم أنها استمرار لمحاولات سابقة، حتى قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لإفراغ السلطة من قوّتها؟
هل خافت السلطة من عقوبات أمريكية؟
أسفرت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، من خلف الكواليس، على السلطة الفلسطينية، عن تخفيف قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي كان من شأنه أن يفضي إلى إنشاء آلية أممية تحقق في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحسب موقع "ميدل إيست آي البريطاني".
وكان نصّ القرار يدعو إلى "إرسال بعثة دولية لتقصّي الحقائق". لكن بعد الضغوط الامريكية، وافقت السلطة على إجراء تغيير على النص، بحيث يشير إلى "النظر في إنشاء بعثة لتقصّي الحقائق". وقال مسؤول أمريكي في هذا الصدد: "لقد نجحنا في إقناع السلطة الفلسطينية بتخفيف صيغة القرار".
وأضاف الموقع أنه قبل تمرير القرار بصيغته الأصلية، أرسل رئيسا لجنتَي الشؤون الخارجية في مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، رسالةً في 31 آذار/ مارس 2025، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حذّرا فيها من أن أيّ دولة عضو أو كيان أممي يدعم مثل هذه الآلية، قد يواجه عقوبات أمريكيةً كبيرة.
تُذكّر هذه الخطوة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، باللحظة الفارقة التي عاشها الشعب الفلسطيني حين اتخذ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، خطوةً في مسار محاسبة إسرائيل، وتقرر تشكيل لجنة تحقيق في كانون الثاني/ يناير 2009، إثر الحرب على غزّة. وخلص تقرير اللجنة، بعد التحقيق، إلى أنّ إسرائيل ارتكبت في حربها على غزّة عام 2008، أعمالاً قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
لم تعد إسرائيل تقبل بعلاقة لها شكل التنسيق الأمني فحسب، بل باتت تطالب بدور أمني كامل في ما يسمى "محاربة الإرهاب" و"محاربة حماس"
لكن في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2010، كُشف عن أن السلطة الفلسطينية، وبعد ضغوط إسرائيلية، تراجعت عن طلب مناقشة تقرير "غولدستون" في الأمم المتحدة. وكانت تقارير أخرى قد تحدثت في وقت سابق لهذا الكشف، عن تسريبات أفادت بأنّ السلطة قايضت التقرير بالمفاوضات، فعملت على تأجيل مناقشة "غولدستون"، مقابل استئناف المفاوضات مع إسرائيل.
الخروج من الدور "المتوازن"
"السلطة الفلسطينية في مأزق حقيقي. وربما هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب، لأنها بفقدانها القدرة على التأثير في صناعة الحدث، تفقد القدرة على التأثير في السياسات اللاحقة. من يصنع الحدث هو من يصنع السياسات. السلطة اختارت الحياد السلبي في هذه الحرب، فتهمّش دورها وأصبحت تلهث خلف الحدث"، يقول الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني، في حديثه إلى رصيف22.
ويضيف: "تشهد العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية متغيرات تكاد تكون نوعيةً. فلم تعد إسرائيل تقبل بعلاقة لها شكل التنسيق الأمني فحسب، بل باتت تطالب بدور أمني كامل في ما يسمى "محاربة الإرهاب" و"محاربة حماس". ومسار الحياد السلبي والتوازن الذي انتهجته السلطة الفلسطينية ما بين متطلبات إسرائيل من السلطة وما يمليه عليها دورها أمام شعبها، لم يعد مقبولاً إسرائيلياً".
ويلفت المشني، إلى أنّ إسرائيل استطاعت أن تدفع السلطة باتجاه حسم موقفها من هذا التوازن، عبر دورها في أحداث مخيم جنين مثلاً. خرجت السلطة من دورها تجاه الاقتراب من المتطلبات الإسرائيلية حدّ التماهي. وهذا ينسحب على مواقف سياسية خاصةً في ما يتعلق بغزة والمستوى الدولي".
ويرى المشني، أنّ إسرائيل ماضية إلى ما هو أبعد؛ تفكيك السلطة. إسرائيل تدرك أن السلطة، سواء كانت ضعيفةً أو قويةً، هي تعبير عن كيانية سياسية فلسطينية، كيانية لها شرعية دولية، وقابلة للتطور إلى دولة. صحيح أنّ إسرائيل لم تصبُ بعد إلى نقطة "التفكيك الكامل"، لكنها تسير باتجاهه عبر طرق متعددة. وتُفهم كل السياسات الإسرائيلية لإضعاف السلطة، كجزء من هذا السياق.
كيف تنظر إسرائيل إلى السلطة؟
يعتقد هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات"، أنّ الإسرائيليين ينقسمون إلى ثلاثة تيارات، في رؤيتهم تجاه السلطة الفلسطينية. الأول يمثّل توجهاً أساسياً داخل الحكومة، يتمثل في ضرورة زوال السلطة وتحويلها إلى إدارات تابعة للإدارة المدنية يُنشئها الحكم العسكري الإسرائيلي. الثاني، يرى أن تبقى السلطة الفلسطينية، ولكن مفرغة من أي دور أساسي أو سياسي أو وطني، وتقوم فقط، نيابةً عن إسرائيل، بتلبية ما تطلبه من قضايا إدارية أو اقتصادية أو سياسية، والأهم، أمنية. أما التيار الثالث، فلا يرى ضيراً في أن تبقى السلطة الفلسطينية وتمهّد لإقامة دولة فلسطينية. لكن هذا الرأي لا يمثل ثقلاً كبيراً وحقيقياً في المجتمع الإسرائيلي.
ويقول المصري في حديثه إلى رصيف22: "يشكّل التياران، الأول والثاني، نسبةً كبيرةً من المجتمع الإسرائيلي وفي الحكومة الإسرائيلية، التي تعمل على إفراغ السلطة من دورها ككيان أو كممثل أو كمفاوض. وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، توفرت لدى إسرائيل الفرصة لضمّ الضفة الغربية وتفريغ أكبر عدد من الفلسطينيين منها، وليس من غزّة فحسب".
وكان استطلاع إسرائيلي خلال حرب الإبادة، قد أشار إلى أنّ 70% من الإسرائيليين الشباب يعارضون قيام دولة فلسطينية، وأنّ الـ44% ممن هم في الستين من عمرهم وما فوق، ممن شهدوا أساساً مصافحات السلام مع الفلسطينيين، ودعموا قيام دولة فلسطينية، يشكلون الآن نسبة 32%.
وقد تبنّى الكنيست الإسرائيلي، في الثامن عشر من آب/ أغسطس 2024، قراراً يرفض إقامة دولة فلسطينية، بناءً على مقترح تقدّم به جدعون ساعر، معللاً قراره بأنّ "إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل ستكون مكافأةً للإرهاب".
احتلال "سبع نجوم"
على أرض الواقع، "تعمل إسرائيل على فرض عدد مهول من البوابات في الضفة، لتصبح الضفة الغربية عبارةً عن سجون سقفها السماء. وتالياً، إسرائيل ذاهبة باتجاه خطتها لعزل السكان الفلسطينيين عن المناطق "ج" (التي تسيطر عليها إسرائيل أمنياً والسلطة مدنياً)، ثم الإعلان عن ابتلاعها أو عن سيادة إسرائيلية على كل جغرافيا الضفة الغربية"، يقول نزار نزال، الخبير في قضايا الصراع، لرصيف22.
لكنه يتساءل: "هل سيكون هذا الابتلاع سلساً أم أنّ اللقمة ضخمة على المريء الإسرائيلي؟". من جانبه، يقول فايز عباس، الخبير في الشأن الإسرائيلي: "إنّ تفكيك السلطة وإنهاءها خطوتان من المستحيل أن تقوم بهما إسرائيل".
ويردف شارحاً في حديثه إلى رصيف22: "إسرائيل غير مستعدة لأن تتحمل مسؤوليات مدنية وخدماتية لملايين الفلسطينيين، وأن تقوم بدفع مليارات الدولارات على الصحة والتعليم والكهرباء والماء والبنية التحتية. فالواقع الحالي في الأراضي الفلسطينية، هو احتلال 'سبع نجوم'؛ تسيطر فيه إسرائيل على كل شيء وتتحكم في كل شيء، وفي الوقت ذاته، لا تخسر أي شيء. لذلك، لا مصلحة لها في حلّ السلطة وتفكيكها، ولا سيّما في ظلّ الموقف العربي الرسمي المؤيّد لها، وموقف المجتمع الدولي والتمثيل السياسي للسلطة أمامه".
"من الناحية السياسية، السلطة الفلسطينية في وضع لا تُحسد عليه. ستبقى على المستوى الدولي والعربي والداخلي قائمةً وموجودةً وممثلةً للشعب الفلسطيني. لكن من الناحية الأمنية، تسيطر إسرائيل بشكل كامل على الضفة الغربية، وهي معنية بوجود سلطة، لكن سلطة ضعيفة ومقيدة وغير فاعلة ولا تمتلك أي تجليات سيادية"، يضيف عباس.
ما المطلوب فلسطينياً؟
"تتمثل الأولوية اليوم في وحدة الشعب وتجميع قواه ومقدراته من أجل وقف حرب الإبادة، وتضميد الجراح، ووضع آليات تنفيذ اتفاق الإجماع الوطني، إعلان بكين، الذي يحظى بتوافق وإجماع شعبيين، وعدّه رافعةً لمواجهة الإبادة والضمّ والتصفية الشاملة والنهائية للقضية الفلسطينية وللحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني"، يقول جمال زقوت، رئيس مركز الأرض للأبحاث والدراسات، في حديثه إلى رصيف22.
الواقع الحالي في الأراضي الفلسطينية، هو احتلال 'سبع نجوم'؛ تسيطر فيه إسرائيل على كل شيء وتتحكم في كل شيء، وفي الوقت ذاته، لا تخسر أي شيء
ويضيف: يجب على القوى السياسية والنخب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والشخصيات الوطنية الوازنة ومؤسسات المجتمع المدني كافة، التعاون معاً من أجل إغاثة أبناء شعبنا في قطاع غزّة، ومواجهة حرب اجتثاث مخيمات الضفة وتصفية قضية اللاجئين واستكمال تهويد القدس، والتصدي لمخططات ضم الضفة الغربية، وأوهام حسم الصراع بتصفية الحقوق الوطنية للفلسطينيين، والاحتكام إلى إرادة الشعب عبر صندوق الاقتراع باعتباره حقاً طبيعياً ودستورياً".
ويختم المصري قائلاً: "من أجل تعزيز عوامل الصمود الفلسطيني، يجب أن يكون هناك اهتمام بتوحيد الفلسطينيين، أو في الأقلّ، حيال إيجاد نوع من التوافق والتكامل. فثمة مخاطر وجودية مشتركة ومخاطر تهدد الأرض وتهدد الشعب وتهدد النظام السياسي والمؤسسات الفلسطينية، تسعى إلى تحويل الفلسطينيين إلى شعب مشرّد، قضيته إنسانية فحسب، وليست سياسية، ولا يوجد ما يجمعه، لا كيان ولا قيادة ولا قرار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
diala alghadhban -
منذ يومو انتي احلى سمرة
حاولت صور مثلك بس كان هدفي مو توثيق الاشياء يمكن كان هدفي كون جزء من حدث .....
ssznotes -
منذ يومشكرًا لمشاركتك هذا المحتوى القيم. Sarfegp هو منصة رائعة للحصول...
saeed nahhas -
منذ يومجميل وعميق
Mohamed Adel -
منذ أسبوعلدي ملاحظة في الدراما الحالية انها لا تعبر عن المستوى الاقتصادي للغالبية العظمى من المصريين وهي...
sergio sergio -
منذ أسبوعاذا كان امراءه قوية اكثر من رجل لكان للواقع رأي آخر
أمين شعباني -
منذ أسبوعهذا تذكيرٌ، فلا ننسى: في فلسطين، جثثٌ تحلق بلا أجنحة، وأرواحٌ دون وداعٍ ترتقي، بلا أمٍ يتعلم...