كشفت الأيام الأخيرة عن أن خطاب وزير المال الإسرائيلي بتسلئل سموتريتش، الذي ألقاه في اليوم الذي تلا فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، لم يكن حبراً على ورق أو نية لخطة مستقبلية. ففيه، أعلن سموتريتش أن 2025 هو عام السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بقوله إن "السيادة على كل أرض يهودا والسامرة هي الطريقة الوحيدة لمنع إقامة دولة فلسطينية إرهابية، وردنا على النازيين الجدد في حماس وحزب الله وإيران ومخربي الضفة الغربية".
بعد هذه الكلمات بأيام، اجتمعت شخصيات قيادية من المستوطنين ورؤساء المجالس الإقليمية لمستوطنات الضفة في فندق "رمادا" في القدس، ليضعوا مخطط زميلهم على الطاولة. وهو أفيحاي بوارون عضو الكنيست عن حزب الليكود. مؤكدين أن هناك فرصة تاريخية لتنفيذه في ظل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
ويرمي المخطط، بحسب صحيفة "يسرائيل هايوم"، إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل من خلال إقامة أربع مدن جديدة من بينها مدينة للدروز، ومدينة لليهود المتدينين (الحريديم). كما يهدف إلى نقل سكان من داخل إسرائيل الى تلك المدن وتحويل المدن الفلسطينية في الضفة الى سلطات إقليمية تدير نفسها بنفسها تحت سيطرة إسرائيلية، فضلاً عن إلغاء السلطة الفلسطينية.
وبعد اجتماع القدس المفصلي هذا، أعلن سموتريتش، حسبما نقلت القناة 14 الإسرائيلية، عن مصادرة 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الاستيطاني. وستكون المستوطنة الأولى المستفيدة، هي مستوطنة "يافيت" التي ستتوسع بنحو 20 ألف دونم، ومستوطنة "معاليه أدوميم" (من أكبر مستوطنات الضفة)، التي ستُضاف إليها 2600 دونم على حساب أراضي الفلسطينيين.
بوارون... عرّاب المخطط
"نعيش الآن فرصة بإمكاننا استغلالها بشكل غبي أو ذكي. إن استخدمناها بشكل غبي، سيكون هناك 700 ألف مستوطن في الضفة بعد أربع سنوات، وإذا كنا أذكياء، فسوف ننشئ الظروف لتحويل يهودا والسامرة والأغوار إلى جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، هذه كانت كلمات أفيحاي بوارون خلال اجتماع القدس الذي طرح مخططاً تفصيلياً لعملية الضم.
ويهدف المخطط وفق صحيفة "يسرائيل هايوم" إلى "إلغاء السلطة الفلسطينية من خلال توسيع سيطرة مجالس المستوطنات في الضفة، بحيث تكون هذه المجالس مسؤولة عن مناطق نفوذ المجالس الإقليمية والمناطق القريبة منها والسيطرة على الأراضي والتجمعات السكانية الفلسطينية في مناطق "ج" (أي المناطق التي تخضع للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية)، وضمها بشكل كلي إلى الأراضي الإسرائيلية، على أن تُشكّل سلطات محلية عربية تحوّل إسرائيل إلى حكم فيدرالي".
هذا الاقتراح هو محاولة يائسة من المؤسسة الإسرائيلية اليمينية للزجّ بالدروز بغير إرادتهم في مشروع الاستيطان، ولإعادة بناء هويّتهم
وحسب بوارون، فإن "فكرة حل الدولتين ينبغي أن تزال من الأجندة السياسية وإلى الأبد، وبموجب توجيه واضح من المستوى السياسي". وسيكون وضع السكان العرب في تلك المناطق مشابهاً لوضع سكان القدس الشرقية، فيعتبرون "مقيمين" فقط، يحصلون على خدمات من الحكومة الإسرائيلية مثلما حصلوا قبل عام 1967 تحت الحكم الأردني.
ويضيف بوران "يتعين علينا الوصول إلى نقطة لا يستمر الأميركيون فيها من النقطة التي توقفوا عندها في خطة صفقة القرن التي وضعت المستوطنات في حلقات خانقة، لأن تلك الخطة تعني فقدان السيطرة الإسرائيلية الفاعلة في يهودا والسامرة".
ويشمل المخطط "تطوير البنية التحتية وإنشاء محطات توليد كهرباء ومناطق صناعية في الضفة الغربية الأمر الذي سيحول الضفة الى إمبراطورية من الطاقة والصناعة".
يقول لرصيف22 سليمان بشارات، مدير مؤسسة يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية إن "إسرائيل تعمل على إعادة البنية الهيكلية للجغرافيا الفلسطينية لكسر معادلة المساحات التي تم تقسيمها وفق اتفاقية أوسلو حسب مناطق "أ" و"ب" و"ج" (بين السيطرة الإسرائيلية والفلسطينية). إذ عملت إسرائيل على كسر هذا التقسيم لكي تفتح المجال أمام إمكانية إعادة هيكلة الضفة الغربية، فتُحقق ثلاثة أهداف رئيسية: الهدف السياسي المتمثل في مستقبل الوجود الإسرائيلي والدولة اليهودية على كامل الأرض الفلسطينية، والهدف الأمني لتعزيز الأبعاد والقواعد الأمنية بما يحقق حماية كاملة لوجودها، والهدف الاستيطاني من خلال تعزيز وجود المستوطنين في الضفة الغربية".
محاولة الزجّ بالدروز في المخطط
يقول الكاتب والناشط الحقوقي مرزوق حلبي لرصيف22: "هذا الاقتراح هو محاولة يائسة من المؤسسة الإسرائيلية اليمينية للزجّ بالدروز بغير إرادتهم في مشروع الاستيطان، ولإعادة بناء هويّتهم". مؤكداً أن "هذا الاقتراح هو تعميق لتوريط الدروز التاريخي في مواجهة لا تنتهي- إلى جانب المؤسسة الإسرائيلية- ضدّ مجموعة انتمائهم التاريخية في المشرق العربي وضد ثقافتهم، وكذلك توريط المجموعات الدرزية المماثلة في سورية ولبنان وتحويلها إلى مجموعات مُشتبه بها وعُرضة للتخوين".
ويضيف حلبي: "في السابق هللت المؤسسة الإسرائيلية لفكرة مستوطنة درزية في الجليل على أنقاض قرية حطين وسواها. وشاركها في ذلك بعض الموتورين. لكن لا المستوطنة قامت ولا تمّ حلّ الضائقة السكنية في القرى الدرزية، فلا أحد من الدروز طلب أو يطلب مثل هذا الحلّ لضائقة الأزواج الشابة فيفكّر بأمر شيطانيّ كهذا. الدروز لا يريدون مستوطنة في الجليل أو في الضفة، الدروز يريدون أرضهم وتلالهم التي صادرتها الحكومة، ليبنوا فوقها ويبقوا فيها. على الدروز الأحرار أن يدافعوا عن اسم جماعتهم، وعلى القيادة الدينية أن تعلن موقفاً رافضاً ومندّداً بهذا الاستعمال العدواني لاسم الطائفة المعروفية ورموزها".
وفي السياق نفسه، يقول ممثل حراك المجلس الشعبي الدرزي صالح أبو ركن لرصيف22: "نحن كأبناء الطائفة المعروفية نستهجن كيف يقحم اسم الطائفة في هذا المخطط بغير حق. ونتوجه إلى كبار الطائفة أن يستنكروا هذا الأمر. فلا يعقل أن يرى ابن الطائفة كيف يتم بناء المستوطنات على أراض فلسطينية، وأن يحمل في الوقت مفسه ورقة هدم بيته المقام على أرضه؟"
ويستمر التوسع الاستيطاني
ويشير بشارات إلى أن عدد المستوطنين قبل أوسلو تضاعف حتى بلغ 700 ألف في القدس والضفة. "تزامنت الزيادة الديمغرافية تلك مع تثيبت جغرافيا الاستيطان المتمثلة في حجم المصادرات المتصاعد وإقامة المستوطنات وتحويل المستوطنات الصغيرة إلى مستوطنات ذات مساحات جغرافية كبيرة"، يقول.
ويردف: "هنا بدأت ملامح رسم المرحلة التي يتم التحضير لها حتى الآن. والتوسع الاستيطاني لا يتجسد في توسيع المستوطنات نفسها وحسب، وإنما توسيع المناطق المحيطة بها وتطوير البنية التحتية من خلال شق الطرق وشبكات المياه والاتصالات، نتحدث عن تكامل حلقات تهيئة الواقع على الأرض لتنفيذ الضم والسيطرة الإسرائيلية بشكل كامل".
إغلاق الإدارة المدنية سيعني ضماً رسمياً للضفة الغربية، في اللحظة التي ستضطر الوزارات الإسرائيلية إلى منح خدماتها لسكان هذه المنطقة
ويؤكد بشارات أن إسرائيل وضعت عشرات البوابات على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وبذلك "وصلنا الى مرحلة التتويج لهذا الواقع الجديد. ربما ما ينتظره الاحتلال هو فقط الفرصة السياسية واللحظة التاريخية التي يمكن أن يتم الإعلان فيها عن قرار سياسي لتطبيق السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية".
لقد أصبحت حركة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية تسير بوتيرة عالية ومتسارعة جداً منذ تشكيل الحكومة اليمينة الحالية. وهذا يعود إلى توفر ثلاثة عوامل أساسية، هي عامل سياسي متمثل في تلاشي خيار حل الدولتين واستبعاده من الأجندة والحيز السياسي الإسرائيلي، والعامل السلطوي بوجود حكومة يمينية متطرفة تضم وزراء في مواقع قيادية للأحزاب الداعمة للاستيطان، والعامل التنظيمي الذي يدفع النمو المتسارع لحركة الاستيطان في السنوات الأخيرة التي أصبحت تتشكل من منظومة متكاملة من المؤسسات، منها مؤسسات تمويلية وتعليمية ومنصات إعلامية وحركات شبابية وجماعات ضاغطة داخل الكنيست.
وربما شهدت الأشهر التي تلت بدء حرب الإبادة على غزة، لا سيما في الأشهر الأخيرة، مصادرات متتالية للأرض. إذ سُجلت أكبر عملية مصادرة للأراضي في الضفة، منذ أكثر من 3 عقود، بحسب هيئة مقاومة الاستيطان، إذ صودر 12،750 دونماً جنوب نابلس.
ماذا يعني إغلاق الإدارة المدنية؟
وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت"، فقد أعلن سموتريتش أن الحكومة عازمة على إغلاق الإدارة المدنية بهدف ضم الضفة الى إسرائيل، وأنه بحث هذا الأمر شخصياً مع نتنياهو من أجل تنفيذه في ظل إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وقد حولت إسرائيل الإدارة العسكرية في الضفة عام 1981، إلى إدارة مدنية بهدف "إتاحة المجال للفلسطينيين للمشاركة في إدارة شؤونهم تحضيراً لإنشاء سلطة حكم ذاتي بموجب اتفاقيات كامب ديفيد. لكن نادراً ما ينظر إلى الإدارة المدنية باعتبارها خطوة إلى الأمام في تحويل الأرض المحتلة إلى مساحة أكثر ملاءمة لسكن المستوطنين. مثلًا، بموجب قرار 947 للعام 1981، الذي أوعز بإنشاء الإدارة المدنية، تم انتداب ممثلين عن الوزارات الإسرائيلية المختلفة ليترأسوا أقساماً حيوية داخل هيكلية الإدارة المدنية.
وصرح سومترتيتش خلال لقائه مع المسؤول في الإدارة المدنية هشام عباس: "آمل أن تكون لدينا فرصة كبيرة مع الإدارة الأمريكية الجديدة في واشنطن من أجل إنشاء تطبيع كامل وإدخال وزارات الحكومة إلى هنا".
وأضاف: "لقد بحثت هذه الخطة مع السفير الإسرائيلي المعين حديثاً في واشنطن يحيئيل لايتل. وأعتقد أن إغلاق الإدارة المدنية هي خطوة مهمة جداً تمهيداً لتنفيذ مخطط الضم". وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلى أن "إغلاق الإدارة المدنية سيعني ضماً رسمياً للضفة الغربية، في اللحظة التي ستضطر الوزارات الإسرائيلية إلى منح خدماتها لسكان هذه المنطقة".
وضع قانوني ضبابي لسكان الضفة
بحسب صحيفة "The timed of Israel"، فقد وافقت الهيئة العامة للكنيست على مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية، وذلك بعد القرار الذي اتخذه الكنيست في شباط/ فبراير من العام الحالي، برفض الاعترافات الدولية "الأحادية الجانب" بالدولة الفلسطينية.
وينص القرار على أن الكنيست "يعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية غرب الأردن"، ويعتبر أن "إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة".
ما ينتظره الاحتلال هو فقط الفرصة السياسية واللحظة التاريخية التي يمكن أن يتم الإعلان فيها عن قرار سياسي لتطبيق السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة
يقول لرصيف22 رائد نعيرات، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية: "ما يعرف بمشروع حل الدولتين أصبح وهماً بسبب الإجراءات الإسرائيلية على أرض الواقع. أما منح المواطنين وضعية "مقيم" كمواطني القدس، فسيخلق جدلاً كبيراً، لا سيما أن هنالك أسئلة حول ماهية هذه الوضعية الجديدة وامتيازاتها ومحدداتها؟".
ويردف: "على سبيل المثال، مواطنو القدس يحملون الجواز الأردني والهوية الزرقاء المقدسية الإسرائيلية، ولا يحملون الجنسية الإسرائيلية. ووفق الخطة المقترحة، هل سيحمل مواطنو الضفة الهوية "الزرقاء" إضافة إلى الهوية والجواز الفلسطينيين؟ أم ستسقط عنهم الأوراق الفلسطينية تماماً؟ العديد من النقاشات والتساؤلات تُثار حول هذا موضوع، في حين لم تتضح تفاصيله بعد في ظل الواقع السياسي المعقد والتغيرات المتسارعة التي تمر بها القضية الفلسطينية".
ويختم نعيرات "مشكلة الخطر الديمغرافي والقنبلة الديمغرافية الموقوتة ستبقى قائمة لدى إسرائيل. إذ يشكل الفلسطينيون- بصرف النظر عن الهوية التي يحملونها- خطراً ديمغرافياً على هذا الدولة حسب الرؤية الإسرائيلية. وستظل التعقيدات، في ضوء هذه "القنبلة"، قائمة. ولن تجلب الأمن أو الاستقرار للمنطقة".
كيف يواجه الفلسطينيون شعبياً ورسمياً؟
"يدق هذا المخطط ناقوس الخطر وبتطلب جهوداً رسميةً وشعبيةً لإحباطه. لكن في ظل الانقسام وتعطيل الانتخابات العامة والتمسك بتجليات اتفاق أوسلو وتبعاته، فإن منظمة التحرير ستبقى عاجزة عن القيام بأي تحرك"، يقول الناشط فايز السويطي عضو المؤتمر الشعبي الفلسطيني لرصيف22. مشيراً إلى أن ثمة فصائل قد جمدت مشاركتها في اجتماعات المنظمة، وفصائل مهمشة، وفصائل لا تحرك ساكناً وتخشى من قطع مستحقاتها الشهرية من الصندوق القومي. وفي الوقت نفسه، شرعت إسرائيل في محاصرة السلطة مالياً وسياسياً".
ويتابع: "بالحد الأدنى، يجب الضغط لتشكيل قيادة موحدة مؤقتة تضع برامج وطنية تحاصر عنجهيات إسرائيل ومستوطنيها. أما على الصعيد الشعبي، فيمكن تشكيل لجان للحراسة وهيئات وطنية لانخراط المواطن فيها لتنظيم خطوات وطنية وسياسية وقانونية، والضغط لفضح سياسات إسرائيل ومقاطعتها اقتصادياً، وإقصائها من المؤسسات الدولية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
KHALIL FADEL -
منذ 10 ساعاتراااااااااااااااااااااااااائع ومهم وملهم
د. خليل فاضل
Ahmed Gomaa -
منذ يومعمل رائع ومشوق تحياتي للكاتبة المتميزة
astor totor -
منذ 5 أياماسمهم عابرون و عابرات مش متحولون
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفعلاً عندك حق، كلامك سليم 100%! للأسف حتى الكبار مش بعيدين عن المخاطر لو ما أخدوش التدابير...
Sam Dany -
منذ أسبوعانا قرأت كتاب اسمه : جاسوس من أجل لا أحد، ستة عشر عاماً في المخابرات السورية.. وهو جعلني اعيش...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلماذا حذفتم اسم الاستاذ لؤي العزعزي من الموضوع رغم انه مشترك فيه كما ابلغتنا الاستاذة نهلة المقطري