شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
عندما يتحوّل المخاض في فلسطين إلى صراع مع الوقت والحواجز

عندما يتحوّل المخاض في فلسطين إلى صراع مع الوقت والحواجز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الثلاثاء 8 أبريل 202512:55 م


لوغو مش ع الهامش

في فلسطين، لا تحمل الولادة لحظات انتظار الفرح والمولود الجديد فقط، بل قد تتحوّل إلى تجربة مريرة تختلط فيها مشاعر الخوف والعجز بسبب الحواجز العسكرية والإغلاقات المستمرة.

لا تواجه النساء الحوامل اللواتي يعشن في المناطق المحاصرة، ألم المخاض فحسب، بل ألم الطريق الطويل المليء بالمخاطر.

"بدي أخلّف... مش قادرة"

كانت أسيل كبها، وهي شابة من جنين، تدرك أنّ الولادة ستكون صعبةً، لكنها لم تتوقع أبداً أن تلد طفلها في سيارة زوجها، وسط الطريق، تحت رقابة جنود الاحتلال على حاجز برطعة.

أسيل وضعت مولودها في 11 شباط/ فبراير 2024، خلال العدوان على مدينة غزّة، في منطقة تعاني من الإغلاقات والحواجز التي جعلت وصولها إلى المستشفى مستحيلاً.

تروي أسيل، قصتها لرصيف22: "صار معي وجع وأعراض ولادة، صحيت من النوم وكنت أقول: بدّي أخلّف. جهّزت أموري، وطوال الوقت بنتصل على الإسعاف عشان تلاقينا. لكن السيارة اللي بتاخذ الناس من البلد ما قدرت توصلني، فاضطريت أطلع بسيارة جوزي".

في فلسطين، لا تحمل الولادة لحظات انتظار الفرح والمولود الجديد فقط، بل قد تتحوّل إلى تجربة مريرة تختلط فيها مشاعر الخوف والعجز بسبب الحواجز العسكرية والإغلاقات المستمرة

لكن الحاجز كان عائقاً أمام أسيل، إذ تأخرت الإسعافات، والوقت كان ينفد. ومع اشتداد الألم لم يعد هناك خيار سوى الولادة داخل السيارة، بمساعدة أمّ زوجها. لم يكن هناك مستشفى أو تجهيزات طبية؛ فقط الطريق البارد والانتظار القاتل عند الحاجز: "أنا فعلياً ولدت على الحاجز. ما لحقتش أطلع من البلد".

وهكذا وُلد ابنها في أجواء باردة، واضطر لاحقاً إلى البقاء في الحضانة بسبب انخفاض حرارته بعد الولادة في العراء.

الولادة وسط الاقتحام

أما أسماء عودة، فقد كانت تجربتها مختلفةً، لكنها لا تقلّ رعباً عن تجربة أسيل.

في 28 كانون الثاني/ يناير 2025، كانت أسماء في مستشفى في طولكرم، عندما بدأت تشعر بأعراض الولادة، لكنها صُدمت بأن المستشفى كان محاصراً من قبل جيش الاحتلال.

تروي أسماء، ما حدث معها لرصيف22: "عندما خرجنا من باب البيت، كان صوت الانفجار كبيراً جداً. كنت متوترةً وكانت هناك انفجارات واقتحام. عندما وصلنا إلى الإسعاف، أخبرنا المسعف عن وضع المستشفى؛ كانوا قد حاصروا مدخله منذ الليل".

"الوضع النفسي بعد الولادة كان صعباً جداً. لكنني أحاول أن أكون قويةً. في النهاية، هذه بلادنا، وهذا واقعنا. لكنني لن أنسى أبداً لحظة خروجي من المنزل وسط صوت الانفجارات، وأنا لا أعرف إن كنت سأصل إلى المستشفى أم لا"

عندما وصلت أسماء إلى المستشفى في طولكرم، تم تفتيش السيارة التي كانت تستقلّها من قبل الجيش، وحينها طلبت إدارة المستشفى نقلها إلى مستشفى آخر في نابلس، حيث خضعت لعملية قيصرية.

لكن الوضع لم يكن أقل صعوبةً بعد الولادة، إذ اضطرت أسماء إلى ترك طفليها التوأم في المستشفى، بعد أن وُلدا خديجَين. وهكذا، بقي التوأمان في المستشفى لمدة ثلاثة أسابيع، وكان من الصعب عليها زيارة أطفالها كل يوم بسبب الحواجز و الإغلاقات التي أعاقت تنقلها بشكل مستمر. تقول أسماء: "كان صعباً عليّ أن أزورهم كل يوم بسبب الحواجز وصعوبة الطريق، وكان لهذا الأمر تأثير نفسي كبير عليّ".

وتختم: "الوضع النفسي بعد الولادة كان صعباً جداً. لكنني أحاول أن أكون قويةً. في النهاية، هذه بلادنا، وهذا واقعنا. لكنني لن أنسى أبداً لحظة خروجي من المنزل وسط صوت الانفجارات، وأنا لا أعرف إن كنت سأصل إلى المستشفى أم لا".

"نحن نعتمد على الدقائق"

يروي محمد فتياني، وهو ضابط إسعاف في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، كيف تؤثر الحواجز العسكرية على عملهم، خاصةً عند نقل النساء الحوامل في حالات الولادة الطارئة.

بالنسبة للمسعفين، كل دقيقة تُحدث فرقاً، لكن الحواجز العسكرية تجعل من المستحيل التنبؤ بالوقت الذي يستغرقه الوصول إلى المستشفى.

يقول فتياني، لرصيف22: "نحن في الإسعاف كثيراً ما نعتمد على الدقائق، فالمدة الزمنية بين الاستجابة للحالة ووصولنا إلى المريضة ونقلها إلى المستشفى قد تكون العامل الحاسم في إنقاذ حياتها أو حياة الجنين. لكن عند الحواجز، كل شيء يصبح خارج سيطرتنا".

ويضيف: "نصل إلى الحاجز ونتوقف، ويطلب الجنود الهويات، ثم يفتشون السيارة، وأحياناً يجعلوننا ننتظر بلا سبب واضح. في بعض الحالات الحرجة، كل دقيقة تأخير قد تكون قاتلةً".

يستذكر فتياني، حادثةً تعامل معها خلال الإغلاقات، عندما حاولوا نقل امرأة على وشك الولادة من مخيم شعفاط في القدس، إلى مستشفى في المدينة: "كان الحاجز الإسرائيلي على مدخل المخيم مغلقاً واضطررنا لاحقاً إلى توليدها داخل سيارة الإسعاف ومن ثم نقلها إلى المستشفى".

ويتابع: "صحيح أننا مدرّبون على هذه الحالات، لكن الولادة في السيارة ليست آمنةً ولا حتى مؤهلة بشكل كامل، لا للأمّ ولا للطفل. النزيف، الاختناق، المضاعفات الطبية، كل شيء ممكن، في حين أن المكان المناسب لأي طارئ هو المستشفى فقط".

ويوضح أنّ هذه المعاناة ليست مجرد حالات فردية، بل جزء من واقع يومي يعيشه المسعفون في فلسطين، حيث تصبح عمليات الإنقاذ سباقاً مع الزمن، في ظل ظروف قاسية يفرضها الاحتلال: "المسعف عادةً يكون مستعدّاً لأيّ طارئ، لكن عندما يكون العائق أمامك حاجزاً عسكرياً، لا تستطيع فعل شيء".

الحواجز هي التي تحدد مصير حياتنا

تجارب أسيل كبها وأسماء عودة ليست استثناءً، بل جزء من واقع مرير تعيشه العديد من النساء الفلسطينيات اللواتي يجدن أنفسهنّ في مواجهة معاناة مزدوجة: آلام المخاض وصعوبات الاحتلال.

في تلك اللحظات الحرجة، قد تكون دقائق التأخير عند حاجز عسكري كفيلة بتغيير المصير، وقد تصبح المسافة القصيرة التي تفصل المرأة الحامل عن المستشفى أطول وأقسى مما يُحتمل.

في الحقيقة، الحواجز العسكرية والإغلاقات لا تعرقل فقط حركة سيارات الإسعاف، بل تسرق الوقت الذي قد يكون حاسماً في إنقاذ حياة الأم والجنين. ساعات الانتظار الطويلة، والبحث عن طرق بديلة، والخوف من عدم الوصول في الوقت المناسب، كلها عوامل تضيف عبئاً نفسياً وجسدياً على النساء الحوامل وعائلاتهنّ.

في حين أنّ الحمل والولادة من المفترض أن يكونا رمزَين للحياة، إلا أنهما في ظل الاحتلال يتحولان إلى تجربة محفوفة بالخطر والمجهول، حيث يصبح الوصول إلى المستشفى تحدّياً بحدّ ذاته، محفوفاً بالانتظار والترقب والخوف من الأسوأ

يُذكر أنّ إسرائيل كثّفت، منذ بدء عمليّاتها العسكريّة في الضفّة الغربيّة المحتلّة في شهر آب/ أغسطس 2024، والمتجدّدة في شهر كانون الثّاني/ يناير 2025، من الحواجز العسكريّة والبوّابات الحديديّة عند مداخل القرى والمدن الفلسطينيّة، ما تسبب في شلّ حركة المواطنين وتعطيل حياتهم اليوميّة.

وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وصل عدد الحواجز والبوابات الحديدية التي نصبها الجيش الإسرائيليّ في الضفة الغربية إلى 898 حاجزاً عسكرياً وبوابةً، منها 18 بوابةً حديديةً منذ بداية العام الجاري، و146 بوابةً حديديةً نُصبت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

بالنسبة للكثيرات، لا تنتهي الولادة بانتهاء الألم الجسدي، بل تبقى آثار الخوف والقلق عالقةً في أذهانهنّ.

ففي حين أنّ الحمل والولادة من المفترض أن يكونا رمزَين للحياة، إلا أنهما في ظل الاحتلال يتحولان إلى تجربة محفوفة بالخطر والمجهول، حيث يصبح الوصول إلى المستشفى تحدّياً بحدّ ذاته، محفوفاً بالانتظار والترقب والخوف من الأسوأ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image