شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
مصير أردوغان في يد الأكراد والإدارة السورية في يده... عن تركيا والحليف العربي

مصير أردوغان في يد الأكراد والإدارة السورية في يده... عن تركيا والحليف العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أحدث اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، صدعاً في المؤسسة التركية الحاكمة. فهذا الاعتقال والخلفية التي شرعنته، أثبتا بوضوح أنّ التجربة الديمقراطية في تركيا، لا تزال هشّةً وتسودها علامات استفهام كثيرة.

الاعتقال والتهم المنسوبة إلى أوغلو، جاءا في سياق أشمل وأكبر وأعمّ مما نُسب إلى هذا الرجل، حيث برز رأيان في الداخل التركي؛ الأوّل يقول إنّ هذه الاعتقالات جاءت على خلفية سياسية، مردّها إلى أنّ الرجل هو المرشح الرئيس للمعارضة التركية للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستُجرى في العام 2028، وأن تبكير السلطة في هذا الإجراء، هو لضمان التخلّص من تبعات وجود معارضة فاعلة، وقادرة على هزيمة حزب "العدالة والتنمية". 

فيما ذهب رأي آخر إلى القول إنّ الإجراء قضائي، وليس للسلطات الحاكمة دور في هذه الحادثة.

هل تفقد تركيا "ديمقراطيتها"؟ 

بغضّ النظر عن مدى وجود مقاربة فعلية لحادثة الاعتقال، إلا أنّ هناك حديثاً دائماً من قبل المعارضة، عن تغوّل السلطات التركية وإحكامها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وتالياً فإنّ المؤسسة القضائية التركية، تخضع بشكل فعليّ للسلطات الحاكمة، ولها مسار واضح في التدخّل فيها، منذ حادثة الانقلاب التي وقعت في تركيا صيف 2016، حيث ضاقت حدود التجربة الديمقراطية إلى أبعد حد.

مسعى أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى تغيير الدستور للسماح للرئيس بولاية ثالثة، يحتاج إلى النوّاب الكرد في البرلمان. لذا يرى البعض أن محاولة إمام أوغلو، تعطيل التقارب والاتفاق بين السلطة والأكراد قد يكون السبب الفعلي وراء اعتقاله

تقول الباحثة في علم الاجتماع السياسي والمتخصصة في الشأن التركي والإقليمي الدكتورة هدى رزق، في حديثها إلى رصيف22: "الاعتقالات الأخيرة جاءت وفق ظروف ومناخات داخلية وخارجية، الأولى تتعلّق بالحلول التي تعدّها الدولة للمسألة الكردية، والثانية بالاستعدادات المبكرة للانتخابات الرئاسية". فكما هو معلوم، مصير التجربة الديمقراطية التركية بزعامة حزب "العدالة والتنمية"، ذي الميول الإسلامية، على المحكّ، خاصةً أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استنفد فترتَين رئاسيتَين. 

وتشير رزق، إلى "وجود مسعى للسلطات الحاكمة إلى تغيير الدستور للسماح للرئيس بولاية ثالثة، وهذا التغيير بحاجة إلى النوّاب الكرد في البرلمان، وربما محاولة إمام أوغلو، تعطيل التقارب والاتفاق بين السلطة والأكراد، هي السبب الفعلي وراء اعتقاله".

تستبعد رزق، أن تكون هناك تأثيرات مباشرة للحدث التركي على العالم العربي، ولا سيّما أنّ السلطة في تركيا "لديها تصوّراتها الخارجية التي تحظى بالدعم الأمريكي والأوروبي في ما يتعلّق بالملف السوري". 

سوريا في مركز الحدث التركي

ويرى الصحافي والإعلامي السوري أنيس المهنا، المقيم في دمشق، في تصريح لرصيف22، أنّ العلاقات التركية العربية "مركزها اليوم في سوريا، خاصةً أنّ تركيا هي الراعي الأول لتجربة الحكم الجديد فيها". 

اهتزاز الديمقراطية في تركيا، لا سيما إذا نجح أردوغان في تغيير الدستور، قد يكون له انعكاس على التجربة الجديدة في سوريا، ويشجع الإدارة الحاكمة على "الاستفراد في الحكم".

لكنه يشير إلى تخوّفات محددة من الحدث التركي، تتعلق بـ"انعكاس ما يحدث في تركيا على الصعيد السوري، حيث يمكن للتجربة الجديدة في دمشق أن تستفرد بالحكم، مستفيدةً من مسار التجربة التركية".

وتشير رزق، إلى أنّ "الدول العربية التي تتفق مع تركيا أو تختلف، لا توجد فيها حكومات ديمقراطية، والمسألة المهمة في هذا السياق، هي رأي الشارع العربي في تجربة الحكم في تركيا". وقد مرّ هذا الرأي بمحطات تاريخية متعددة بحسب قولها. تقول: "الترقّب في أول التجربة، والإعجاب ثانياً بمنجزاتها، والحذر منها في المحطة الثالثة، خاصةً بعد فشل انقلاب 2016، وما تلاه من تراجع ونكوص في مسار التجربة الديمقراطية، إذ لم تعد هذه التجربة المثال الحيّ والفعلي للشارع العربي".

ويلفت مهنا، إلى "وجود دولة حقيقية في تركيا، مكتملة المعالم والمؤسسات، الأمر الذي نفتقده في سوريا والكثير من البلاد العربية، لهذا من الصعب علينا فهم المسار السياسي التركي والصراع بين حزب السلطة والمعارضة، داخل فضاء الدولة ومؤسساتها، فكثرٌ منّا عندما يشاهدون المظاهرات في أغلب المدن التركية، يتبادر إلى أذهانهم مباشرةً أنّ النظام التركي في خطر، وأنّ تركيا ذاهبة إلى العنف، لكن عندما ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى، نجد أنّ الصراع السياسي التركي الداخلي مرتبط بالتجربة التركية، ولا يمكن تعميمه". 

هل ينقذ الأكراد أردوغان؟  

الصحافي والكاتب السوري الكردي المقيم في ألمانيا، شيروان إبراهيم، يشير إلى وجود تداخل فعلي وحقيقي في ما يجري على الساحة التركية من أحداث، على صعيد الملف السوري عموماً، والكردي على وجه الخصوص. يقول لرصيف22: "الأحداث الكبرى في تركيا تؤثر بشكل مباشر على شكل علاقتها وتعاملها مع سوريا عموماً، والملف الكردي خصوصاً، بسبب الارتباط الحيوي والمعقّد في ملفات كثيرة لها امتداد في البلدين. فالتظاهرات الحالية ليست عاديةً بل هي حدث كبير له تأثير مباشر على الوضع الكردي في تركيا بالدرجة الأولى، وهذا الأمر قد يتطوّر إلى سباق بين السلطة والمعارضة لكسب كل منهما الشارع الكردي إلى جانبه، باعتبار أنّ التظاهرات حتى الآن تتركّز في مدن ثقل حزب الشعب الجمهوري بالدرجة الأولى، وليس في عموم تركيا".

ويلفت إبراهيم، إلى أنّ "أردوغان حسب حسابه بشكل محكم قبل الإقدام على خطوة إزاحة إمام أوغلو، ومقرّبيه، من طريقه قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، إلا في حالة واحدة، وهي خروج التظاهرات عن سيطرة الجميع. حتى الآن الاحتمال ليس كبيراً، ولأنّ غاية خطوات أردوغان الداخلية تصبّ في تمديد رئاسته، فهذا يعني أنه بحاجة إلى كسب كردي، وهو ما فعله كثيراً في جولات مفصلية سابقة منذ مجيئه إلى سدّة الحكم قبل 24 عاماً، وحتى الآن".

بحسب محللين، فتجربة حزب "العدالة والتنمية" في الحكم، مرشّحة إلى خاتمة واضحة بعد أكثر من ربع قرن، وأنّ هذه التجربة استنفدت مراحلها، وقد تركت بصمةً واضحةً في حياة الدولة التركية ومجتمعها، وذلك من خلال نهضة تركيا الداخلية، وتحالفاتها الإقليمية، خاصةً مع قطر وسوريا وليبيا والصومال، وصولاً إلى الإمساك ببعض خيوط الملف الفلسطيني

يضيف: "بسبب ارتباط نقاط كثيرة وأساسية حالياً بين الوضع السياسي الكردي في تركيا وسوريا، فإنّ مفتاح محاولة أردوغان -إن حدثت- لكسب الشارع الكردي في تركيا، أو على الأقلّ لضمان عدم انضمامه إلى تحرّكات المعارضة، يكمن في تقديم بعض التنازلات للأكراد في سوريا أيضاً، والحصول على ضمانات من الشارع الكردي لكسبه في مسألة تمديد رئاسته، فبيضة القبّان في هذا الحسم الشارع الكردي في تركيا، لكن ما زال غير واضح ما إذا كانت هناك تغييرات إزاء هذا الملف".

ويرى أنّ المخاض والصراع السياسيين اللذين يحدثان في تركيا سيصبّان في مصلحة الحالة الكردية؛ سواء في تركيا، أو في سوريا، فـ"أردوغان العاشق للحكم، سيفعل كل شيء للحفاظ عليه، وهو يدرك تماماً أنّ أحد شروط البقاء في الحكم مرتبط بإرضاء الأكراد". 

مصير التحالفات وتقسيم النفوذ 

وحتى تنتهي هذه الجولة من الصراع السياسي الداخلي، يبقى المشهد السياسي التركي عموماً، أسير جملة من العوامل الداخلية والخارجية، فيما يبدو أنّ المعارضة التركية هي الحلقة الأضعف في هذا الصراع حتى الآن، في ظلّ توافق دولي إقليمي على أدوار كبرى لحكومة "العدالة والتنمية"، في ملفات إقليمية. فمن سيلتفت إلى هذا الصراع الداخلي، إذا كانت الحكومة التركية قد أعدّت نفسها سلفاً للعب أدوار تتقاسم فيها النفوذ مع الدول الكبرى؟

ومع هذا، فإنّ تجربة حزب "العدالة والتنمية" في الحكم، بعد أكثر من ربع قرن، مرشّحة هي الأخرى إلى خاتمة واضحة، خاصةً أنّ هذه التجربة استنفدت مراحلها، وقد تركت بصمةً واضحةً في حياة الدولة التركية ومجتمعها، وذلك من خلال نهضة تركيا الداخلية، وتحالفاتها الإقليمية، خاصةً مع قطر وسوريا وليبيا والصومال، وصولاً إلى الإمساك ببعض خيوط الملف الفلسطيني.

إنما، ومع أيّ تحوّل في السلطة لصالح المعارضة في تركيا، فإنّ تلك التحالفات ستعاد صياغتها من جديد، فرؤية حزب الشعب الجمهوري العلماني، مختلفة عن رؤية العدالة والتنمية ذي الميول الإسلامية، مع أنّ الدولة العميقة في تركيا تبقى الحارس للمصالح العليا للدولة، وتستثمر في التوجّه الإسلامي والعلماني على حدّ سواء، طالما أنّ المصالح القومية تبقى نافذةً.

علاقة تركيا بالعالم العربي، وبالتحديد بالدول المتحالفة معها، هي علاقة مصلحة تفرضها الظروف المرحلية، وقد فتحت لتركيا بوابة الدخول إلى العالم العربي وامتلاك نفوذ فيه، بعد أن عجزت عن الدخول من بوابة الاتحاد الأوروبي. فمع أردوغان، نما النفوذ التركي، ومعه سيبقى، فيما غيابه عن المشهد السياسي سيعزز العلاقات التركية العربية وفق قواعد جديدة تقوم على الاحترام المتبادل بين تلك الدول. لكن هذا الغياب سيقوّض بالتأكيد التجربة السورية السلطوية الجديدة، بحرمانها من الرعاية التركية المهيمنة.



رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image