شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
تركيا والتصعيد ضد أكراد سوريا… ما هي خيارات إدارة الشرع لحسم هذا الملف؟

تركيا والتصعيد ضد أكراد سوريا… ما هي خيارات إدارة الشرع لحسم هذا الملف؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

في الشرق الأوسط، عندما تتحرّك الجغرافيا تتحرّك المصالح، وعندما تشتعل الحدود يكون هناك دائماً طرف ثالث يراقب بصمت، متحيّناً الفرصة. هذا ما يحدث راهناً في سوريا حيث تهاجم تركيا مناطق تركّز الأكراد في شمالها، وكأنما تحاول فرض نفسها كقوة لا يمكن تجاهلها في المعادلة السورية، حتى لو كان ذلك على حساب مزيد من الفوضى في البلد الذي لم تستقرّ أوضاعه منذ إسقاط نظام الأسد، نهاية العام المنقضي، وحتّى لو أحرجت هجماتها الحكومة السورية الجديدة التي وقّعت قبل أيام اتفاقاً وصفه السوريون بـ"التاريخي"، مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

جاء تكثيف الهجمات التركية أخيراً، متزامناً مع تصاعد الاشتباكات على الحدود السورية اللبنانية، ما دفع البعض إلى التشكيك في أن تكون هذه المواجهات غير مقصودة، وعدّها مدفوعةً بشيء أكبر من مجرد اشتباكات متفرّقة. ويبقى السؤال: من المستفيد من إشعال هذه الجبهة الآن؟

برغم أنّ الأحداث تبدو منفصلةً، إلا أنّها في الواقع تشكّل أجزاء من مشهد إقليمي واحد، حيث الفوضى ليست عرضاً جانبياً، بل هي عامل أساسي في اللعبة، حتّى إسرائيل التي تتابع المشهد وكأنها تلعب الشطرنج، تحرّك الأحجار هنا وهناك، وتنتظر أن ينهار كل شيء لصالحها.

في هذا التقرير، يحاول رصيف22، الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال تحليلات وآراء مجموعة من الناشطين والباحثين المتخصصين في الشأن السوري وتقاطعاته الإقليمية والدولية.

يرى الناشط المدني حسين الشبلي، أنه لا يمكن فهم الرؤية التركية لسوريا بمعزل عن تقييم تركيا للمنطقة عموماً، فالدولة التركية تعي طوفان الشرق الأوسط الجديد وتتمنى الاستفادة منه بقدر ما تخشى مخاطره، لذلك ترى الفرصة السورية نعمةً ونقمةً في آن واحد

تركيا والأكراد والحكومة السورية… ماذا تريد أنقرة؟

منذ بدء تصعيد تركيا والفصائل الموالية لها، ضد مواقع "قسد"، في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل 654 شخصاً، بينهم 66 مدنياً. وبينما تتواصل الاشتباكات والاستهدافات على محورَي سدّ تشرين وجسر قره قوزاق، يقول المرصد إنّ الهجمات التركية الأخيرة تشكّل "تصعيداً غير مسبوق، في وقت تحاول فيه أنقرة فرض واقع ميداني جديد".

"استمرار الهجمات التركية على الكُرد في سوريا، برغم التقارب مع دمشق، ما هو سوى استمرار للسياسة التركية المعلنة منذ سنوات، والتي تهدف إلى إضعاف الوجود الكردي على طول حدودها. تركيا لم تكتفِ بالتدخل العسكري واحتلال أجزاء من الأراضي السورية، بل تواصل عمليات القصف واستهداف سبل عيش المدنيين بشكل ممنهج". هذا ما يقوله المدير التنفيذي لرابطة "تآزر" للضحايا، عز الدين صالح، في حديثه إلى رصيف22، ويضيف: "بصرف النظر عن الاتفاق بين الحكومة السورية و'قسد'، فإنّ مسؤولية حماية جميع المواطنين تقع على عاتق الدولة السورية، لذا يجب عليها التحرّك بشكل فعّال لحماية سيادتها ومنع تركيا من استهداف أراضيها ومواطنيها".

ويؤكد صالح، أنّه بعد توقيع الاتفاق مع "قسد"، الذي ينصّ على دمجها في الجيش السوري الجديد، يتوجّب على الدولة السورية تفعيل الدبلوماسية مع تركيا والدول الحليفة والمجتمع الدولي، من أجل الضغط على تركيا لوقف هجماتها غير القانونية، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عنها.

ويختم صالح، حديثه بالتأكيد على أنّ حماية السوريين والسوريات دون تمييز، وضمان عودة المهجّرين إلى مناطقهم بأمان وكرامة، يجب أن يكونا أولويةً وطنيةً للحكومة السورية في المرحلة القادمة.

الرؤية التركية لسوريا… بين المخاوف والفرص

من جهته، يرى الناشط المدني حسين الشبلي، أنه لا يمكن فهم الرؤية التركية لسوريا بمعزل عن تقييم تركيا للمنطقة عموماً، فالدولة التركية تعي طوفان الشرق الأوسط الجديد وتتمنى الاستفادة منه بقدر ما تخشى مخاطره، لذلك ترى الفرصة السورية نعمةً و نقمةً في آن واحد.

كما يؤكد الشبلي، أنّ وحدة سوريا بالنسبة لتركيا، ليست مجرّد قضية سياسية، بل هي مسألة اقتصادية وإستراتيجية حيوية. فسوريا الموحّدة تعني طريقاً للطاقة نحو أوروبا، ما يجعلها ممراً حيوياً لمصالح تركيا الاقتصادية، وفرصةً لترسيم الحدود البحرية مع دمشق، وهو ملف بالغ الأهمية لأنقرة، وغنيمة اقتصادية لشركاتها في إعادة الإعمار، حيث تسعى لتكون طرفاً رئيسياً في إعادة بناء سوريا، وتجديد خط سكة حديد الحجاز نحو الخليج، وهو مشروع تاريخي يحمل أبعاداً اقتصاديةً وإستراتيجيةً كبرى، إذ يربط تركيا بأكثر الأسواق استهلاكاً في المنطقة.

القضية الكردية... مفتاح خرائط المنطقة

إلى ذلك، يؤكد الشبلي، أنّ "تركيا تدرك أنّ القضية الكردية ليست مجرد ملف داخلي، بل هي عامل مؤثر في إعادة تشكيل المنطقة عموماً، لذا فإنها تتعامل مع قسد بحذر شديد، خوفاً من امتداداتها الإقليمية والدولية".

الرئيس التركي أردوغان يسعى إلى تحقيق اختراق في ملف الأكراد داخل تركيا وتقديمه كإنجاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصةً مع تصاعد شعبية منافسه، عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو. لهذا، لا يريد أردوغان إنهاء الصراع في سوريا بطريقة تفتح جبهةً كرديةً جديدةً داخل تركيا

كما يلفت إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يسعى إلى تحقيق اختراق في ملف الأكراد داخل تركيا وتقديمه كإنجاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصةً مع تصاعد شعبية منافسه، عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو. لهذا، لا يريد أردوغان إنهاء الصراع في سوريا بطريقة تفتح جبهةً كرديةً جديدةً داخل تركيا.

وبناءً على ذلك، يقول الشبلي، إنّ زيارة الوفد التركي إلى دمشق بعد الاتفاق بين "قسد" والأخيرة، أرادت أنقرة من خلالها إيصال رسالة مفادها أنه لا يمكن حلّ القضية الكردية في سوريا بشكل منفصل عن القضية الكردية داخل تركيا.

ما الذي تريده تركيا من "قسد"؟

يرى الشبلي، أنّ ما تريده تركيا من "قسد"، فعلياً، يتلخص في "التخلّي عن أجندتها الأممية، كما فعلت هيئة تحرير الشام سابقاً، والتحوّل إلى فصيل سوري يطالب بالمحاصصة داخل حكومة دمشق، لا أكثر، والانفصال نهائياً عن حزب العمال الكردستاني (PKK)، وإخراج عناصره من سوريا، وإنهاء بنيتها العسكرية، حتى لا تتحوّل إلى نموذج منظّم يشبه النموذج التركي في سوريا".

ويشدّد على أنّ "تركيا لا تريد أن تبقى القضية الكردية ذات طابع نضالي، سواء في سوريا أو داخل أراضيها، لأنها تدرك أن ذلك قد يفجّر الداخل التركي، خاصةً مع تآكل الهوية الأتاتوركية لصالح هوية عثمانية إسلامية غير قادرة على استيعاب الأكراد ذوي التوجهات اليسارية".

ما الذي يجب أن تفعله دمشق؟

أما في ما يخصّ ما ينبغي على الحكومة السورية الحالية فعله، إذا أرادت حكومة دمشق تقليل المخاوف التركية والكردية على حد سواء، فيقول الشبلي، إنّ عليها التحرّك بسرعة لخلق بيئة أكثر استقراراً، وإرسال رسائل واضحة إلى جميع الأطراف بأنّ سوريا لن تكون ساحةً لتصفية الحسابات الإقليمية.

فضلاً عن ذلك، يحثّ الشبلي، الإدارة الحالية أيضاً على "تفكيك أسباب القلق التركي من خلال طمأنة أنقرة بأنّ وحدة سوريا تعني أيضاً منع أي شكل من أشكال الانفصال الكردي"، و"إيجاد تسوية للقضية الكردية داخل سوريا بحيث تصبح 'قسد' جزءاً من الدولة السورية، دون أن تكون أداةً لأجندات خارجية"، و"إعادة هيكلة الجيش السوري ليصبح أكثر توازناً وتمثيلاً للمكوّنات كافة، ما يجعله قادراً على فرض سيادته ومنع أيّ تدخلات خارجية".

كذلك، يرى الشبلي، في "تشكيل حكومة أكثر شموليةً وتمثيلاً للأطياف كافة، بما يخلق إجماعاً داخلياً ودولياً لدعم المرحلة الانتقالية في سوريا، عاملاً لا يمكن تجاهله لإنهاء هذا الملف".

ومن وجهة نظر الشبلي، أيضاً، أنّ تركيا ترى في ظلّ استمرار الهجمات، صعوبة تقدير التقلّبات في المنطقة وعدم استقرار سوريا بعد، لذلك، وتجنّباً لأيّ سيناريو فوضوي وتفادياً لكل المخاطر التي سبق ذكرها، تنوي خلق منطقة عازلة واحتلال عين العرب (كوباني)، معرباً عن اعتقاده بأنّ "أنقرة لا تنوي ترك أمنها القومي عرضةً للصدفة لخاطر حكومة دمشق".

إذاً، لا يبدو أنّ تركيا ستترك أمنها القومي عرضةً للمجهول، ولا سيّما أنّ المنطقة لا يبدو أنها تتجه إلى الاستقرار في المدى المنظور. والسؤال المهم هنا: هل تستطيع دمشق استباق الأحداث وتجنّب سيناريوهات أكثر تعقيداً؟ ربما الأيام كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.

هل إسرائيل المستفيد الأكبر؟

سؤال آخر لا يقلّ إلحاحاً، يتعلّق بإسرائيل المتربّصة بما يحدث في سوريا، والتي لم تفوّت الفرصة منذ إسقاط نظام الأسد، لتدمير القدرات العسكرية للجيش السوري من جهة، واحتلال الأراضي السورية من جهة ثانية، ومحاولة تأليب بعض الدروز على محيطهم من جهة ثالثة لمنح احتلالها أراضيهم شرعيةً بينما هدفها الأساسي توسيع نفوذها.

في هذا السياق، يقول الناشط الفلسطيني السوري أحمد إبراهيم، لرصيف22، إنّ "استمرار إسرائيل في استهداف الأراضي السورية، جزء من المخطط الصهيوني الذي يسعى إلى ضرب القدرات العربية، وإضعاف أيّ قوة قد تشكل تهديداً لهذا الكيان". ويشدد على أنّ إسرائيل تختلق الذرائع لتنفيذ مخططاتها العدوانية، فبعد أن كانت تبرّر هجماتها سابقاً بوجود القوات الإيرانية وقوات حزب الله اللبناني على الحدود القريبة منها، أصبحت اليوم تستهدف سوريا بحجة أنّ النظام الجديد متطرّف ويجب منعه من امتلاك أي قدرات عسكرية، ولا سيّما في الجنوب السوري.

"على الحكومة السورية الحالية، إذا أرادت تقليل المخاوف التركية والكردية على حدّ سواء، التحرّك بسرعة لخلق بيئة أكثر استقراراً، وإرسال رسائل واضحة إلى جميع الأطراف بأنّ سوريا لن تكون ساحةً لتصفية الحسابات الإقليمية"

وينبّه إبراهيم، إلى أنّ الهدف الحقيقي لإسرائيل من اعتداءاتها الراهنة على الأراضي السورية، هو إخراج سوريا من دائرة أي صراع عربي مع إسرائيل، وتدمير قدراتها العسكرية بغض النظر عن الجهة الحاكمة، لدفعها نحو "التطبيع أو السلام" الذي تزعمه تل أبيب، برغم معرفتها بأنّ السلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقّق إلا بزوال الاحتلال.

تقاطعات الوضع السوري والقضية الفلسطينية

كما يؤكد أنّ "المشروع الصهيوني، منذ نشأته، لم يكن يقتصر على احتلال فلسطين فحسب، بل كان يهدف إلى إقامة 'إسرائيل الكبرى' من الفرات إلى النيل، بما يشمل أراضي من الجزيرة العربية والأردن ولبنان. والشعب الفلسطيني، برغم كل الضغوط والمعاناة، لا يزال يقف سدّاً منيعاً أمام تنفيذ هذا المخطط، حيث لم تشعر إسرائيل بالأمان منذ 77 عاماً بسبب استمرار المقاومة".

كذلك يشدد إبراهيم، على أنّ إسرائيل التي تحاول استغلال الظروف الراهنة في سوريا للسيطرة على مواقع إستراتيجية واقتصادية، لا تزال تواجه واقعاً مغايراً لطموحاتها، حيث إنّ الشعب السوري وإدارته الجديدة، كما هو الحال في الجنوب اللبناني، يرفضان الاستعمار والاحتلال ويصرّان على الدفاع عن أرضهما.

وفي ما يتعلّق بتأثير هذه الأحداث على القضية الفلسطينية، يشير إبراهيم إلى أنّ توسّع إسرائيل في جرائمها لا يزيدها إلا ضعفاً، إذ تتزايد الأصوات الدولية المنددة بجرائمها، كما أنّ الضغط الشعبي على الحكومات يتصاعد لوقف هذه الانتهاكات.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image