موسم رمضاني آخر ينتهي مخلّفاً وراءه مجموعةً من الأعمال والنقاشات التي تخصّ المرأة والمجتمع في مصر، وسجالاً لا ينتهي حول ما إذا كانت الدراما الرمضانية منصفةً للمرأة أو لا. وبينما يصعب حسم الإجابة عن هذا التساؤل، يمكن تحديد أبرز النقاط الإيجابية والسلبية المتعلقة بالأعمال الفنية التي عُرضت في رمضان 2025، ولعلّ أبرزها أوجاع النساء غير الشائع الاهتمام بها، والتي جرى تناولها بشكل لافت واحترافي، وفي مقدّمتها التشنّج المهبلي و"الفيبروميالجيا" والأمومة القسرية.
من بين 38 عملاً درامياً تصدّرت الموسم الرمضاني هذا العام (28 منها امتدّت على 30 حلقةً، و10 اكتفت بـ15 حلقةً)، لمعت مجموعة من الأعمال، وحظيت بمشاهدة واسعة، بل أثارت نقاشات مهمةً بما تناولته من قضايا حساسة، إيجاباً وسلباً.
وفي ما خصّ القضايا المتعلّقة بالنساء والأمومة والطفولة، يمكن تقسيم الأعمال الفنية إلى أعمال واقعية نجحت في تجسيد الواقع وتقديمه للقارئ بشكل احترافي، وأخرى غير واقعية واتسمت بالمبالغة وتقديم نماذج "درامية شعبوية" لا تشبه واقع المرأة المصرية أو قضاياها الرئيسية.
في هذا التقرير، نتناول أبرز ما تضمّنته دراما رمضان هذا العام في ما يخصّ المرأة.
في مقدّمتها تسليط الضوء على أوجاع النساء غير الشائع الحديث عنها، مثل التشنّج المهبلي و"الفيبروميالجيا" والأمومة القسرية… مائدة نسائية دسمة لكن شديدة التباين في دراما رمضان المصرية 2025
المرأة الواقعية والقضايا غير المعتادة
لا خلاف على أنّ مسلسل "لام شمسية"، هو نجم الموسم الرمضاني 2025، في مصر، بلا منازع، إذ يناقش "كوكتيلاً" من القضايا النسوية بامتياز، بشكل احترافي ربما لم نعتده منذ سنوات.
قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال والنساء هي الثيمة الرئيسية للعمل، لكن قضايا أخرى لا تقلّ أهميةً، مثل العلاقة مع الشريك النرجسي المتلاعب، وإهمال الصحة النفسية للنساء، وتكذيب الضحايا، والتشنّج المهبلي وأسبابه وتأثيره على المرأة والشريك، والوصمة المجتمعية التي تلحق بالضحايا في حوادث التحرّش، ولا سيّما الذكور منهم، والخيانة الزوجية، وإلقاء أعباء التربية ورعاية الأسرة على كواهل النساء وحدهنّ، كانت جميعها حاضرةً وبقوة في أحداث العمل.
لم يعمل المسلسل على التوعية وتصحيح المفاهيم في هذه القضايا فحسب، بل أيضاً ساهم في تقديم نماذج إيجابية حقيقية قلّما تمّ تسليط الضوء عليها، مثل زوجة الأب الحنونة، وزوج الأمّ المحبّ والداعم. إثارة قضية "الأمومة القسرية"، كانت من بين أهم النقاط المضيئة والجريئة في العمل الذي لم يخشَ ردّة فعل مجتمعية غاضبة، وأوضح تبعات هذه المسألة باحترافية عالية.
على الرغم من أنّ "ظلم المصطبة"، يقوم على ثيمة متكرّرة هي صراع رجلَين ("حسن" ويؤدي دوره إياد نصار، و"حمادة" ويؤدي دوره فتحي عبد الوهاب)، على امرأة ("هند" تؤدي دورها ريهام عبد الغفور)، إلا أنّ العمل يضيء على مجموعة من العادات والمفاهيم الاجتماعية المجحفة بحق المرأة، فضلاً عن محاولته تفكيك بعض المفاهيم التي تُستخدم عادةً ذريعةً للعنف ضد النساء، وأحياناً لقتلهنّ، وفي مقدمتها "الشرف" و"العار".
في "منتهي الصلاحية"، الذي يناقش واحدةً من أخطر الظواهر على الأسرة المصرية في السنوات الأخيرة، "المراهنات"، يسلّط المسلسل الضوء على الخرس الزوجي، والصداقة بين الأمّ وابنتها، وحقّ المرأة في الزواج بعد الانفصال، وتفهّم الأبناء لذلك، ويستعرض الاستخفاف بآلام النساء النفسية والجسدية غير المرئية، المتمثلة في الألم العضلي الليفي (الفيبروميالجيا)، الذي تُشخّص به بطلة العمل "رانيا" (هبة مجدي)، ما تترتب عليه حملات توعية بالمرض وبصعوبات تشخيصه والتعايش معه، وتفهّم الآخرين له.
من أهم السمات التي امتاز بها العمل، تلك الصورة الواقعية للمرأة المصرية، ومختلف المواقف التي تعيشها، والشكل الذي هي عليه ونراها به في الواقعة حتى وهي "مضروبة"، وردود أفعالها غير المثالية التي تدفعها أحياناً إلى رفض المساعدة، ومهادنة المعنِّف حتى "لا تخرب البيت"، أو ربما لشعورها بالذنب وإن لم تكن مذنبةً.
وفي "80 باكو"، نجح صنّاع العمل في الإضاءة على حياة شريحة من النساء الكادحات اللواتي قلّما جرى تناولهنّ بهذا الشكل الاحترافي والموضوعي البعيد عن التنميط أو التشويه أو على أقلّ تقدير التركيز على جانب واحد من حياتهنّ.
في "الكوافير"، حيث تجتمع النساء ويتعاملن بعفوية وحميمية مفرطة مع بعضهنّ البعض، أُثيرت قصص حقيقية متكرّرة بحسّ يتراوح بين الكوميديا الخفيفة والدراما، بما في ذلك العنف ضد النساء والحياة مع زوج مدمن، والسرطان والتعايش مع آثاره من منطلق ملهم وداعم لا من منطلق سوداويّ، والاستقلال المالي للمرأة، والسطو على أموالهنّ، والتنمّر على النساء بسبب معايير الجمال المفروضة عليهنّ.
بدوره، قدّم مسلسل "إخواتي"، توليفةً مميزةً لأربع شقيقات جسّدن شخصيات نسائيةً واقعيةً وغير مثالية من واقع المرأة المصرية، مع إبراز مجموعة من التحدّيات اليومية التي يعشنها بسبب علاقاتهنّ مع بعضهنّ البعض، أو علاقاتهنّ مع الشركاء الذكور بما في ذلك التحرّش والعنف الأسري وقمع الحرية، وإثارة قضايا أخرى لا تقلّ أهميةً مثل التبنّي.
في المقابل، وكما في مسلسلَي "نص الشعب اسمه محمد"، و"وتقابل حبيب"، تكرّرت ثيمة "المرأة خطّافة الرجل"، في مسلسل "الأميرة… ضل حيطة"، الذي تقوم ببطولته ياسمين صبري في دور زينب، التي تتزوج من رجل نرجسي معنِّف -وهي ثيمة تكرّرت أيضاً- يخطف طفلهما، ويحاول طمس شخصيتها ويورّطها في قضايا جنائية، ويتسبّب في مشكلات عدة لعائلتها.
ياسمين عبد العزيز لا تغامر في "وتقابل حبيب"
لا تتمتع أيّ نجمة تلفزيونية مصرية حالياً، بما تتمتّع به الفنانة ياسمين عبد العزيز، من شعبية جارفة وموهبة لافتة في الوقت نفسه، وهو ما يدفع المنتجين إلى منحها بطولة عمل رمضاني في كل عام، دون وساطة أو محاباة.
القسط الأكبر من التشويه والإساءة إلى النساء، استأثرت به الأعمال المصنّفة "شعبيةً"، حيث اعتماد البطل على صوته الغليظ، واستعراض قوّته. ومشاهد ضرب النساء وإهانتهنّ وفرض السيطرة عليهنّ، لم تكن أكثر من عناصر إضافية لهذه الصورة. أما النساء، فانقسمن بين نساء "ضعيفات" يعشن في كنفه، و"شريرات" يحاربهنّ وينتصر عليهنّ
وفي سبيل حرصها على "النجاح المضمون والمعتاد"، لا تغامر ياسمين، بمناقشة قضايا نسائية جريئة، وتكتفي -للعام الذي لا يمكن عدّه على التوالي- بعمل يتناول نساء يتصارعن على رجل واحد، ورجالاً يتصارعون على المرأة نفسها. خليط من قصص الحب الصعبة، وما يتخلّلها من جرح وخيانة وخداع وضعف وكبرياء فانتقام، لا يفشل في جذب انتباه الجمهور، وإجباره على المتابعة، مهما كانت الأحداث متوقعةً.
ما هو أكثر إزعاجاً من تصوير أنّ حياة النساء -من شرائح اجتماعية عدة في ظلّ ما تفرضه الأوضاع في مصر من تحدّيات- لا يحرّكها سوى التخطيط للإيقاع بالرجل، محاولة ترسيخ صورة النساء "الحرابيق" (تعبير دارج يعكس الشرّ)، والرجل "القليل الحيلة" الذي تحرّكه النساء. كوكتيل لطالما استُخدم لتبرير خذلان الرجال وأحياناً جرائمهم بحق شريكاتهم.
"إش إش" و"سيد الناس" و"فهد البطل" و"حكيم باشا"
ليس مفاجئاً أنّ القسط الأكبر من التشويه والإساءة إلى النساء، استأثرت به الأعمال المصنّفة "شعبيةً"، حيث يعتمد البطل على صوته الغليظ، واستعراض قوّته، وممارسة العنف على آخرين. مشاهد ضرب النساء وإهانتهنّ وفرض السيطرة عليهنّ، لم تكن أكثر من عناصر إضافية تُكمل هذه الصورة.
حتّى الأدوار النسائية في هذه الأعمال، انقسمت بين نوعَين من النساء لا ثالث لهما: نساء خاضعات ضعيفات يعشن في كنف البطل وحمايته، ونساء شريرات يحاربهنّ البطل وينتصر عليهنّ. هذا بالطبع باستثناء "إش إش"، الذي تقوم بدور البطولة فيه مي عمر، وتدور الأحداث حولها، فتُضرب وتُهان بقية النساء لأجلها. وهو أمر غير واقعي في أيّ حال، ولا يعكس ما تعيشه النساء فعلياً.
كوميديا هذا العام لا تُنصف النساء
يمكن القول إنّ كوميديا الموسم الرمضاني 2025، خذلت النساء، ولم تكن منصفةً في تجسيد مشكلاتهنّ والتعبير عن قضاياهنّ، بل تورطت كما في مواسم سابقة في تنميطهنّ، واستهانت بمشاعرهنّ وأوجاعهنّ.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
"أشغال شقة جداً"
في حين واصل "أشغال شقة جداً"، نجاحه الواسع للعام الثاني على التوالي، سقط مراراً وتكراراً في فخ تنميط النساء وتشويههنّ والإساءة إلى قضاياهنّ العادلة.
يدور العمل حول معاناة أسرة الطبيب الشرعي حمدي (هشام ماجد)، وزوجته ياسمين (أسماء جلال)، في الحصول على مساعِدة منزلية. وتتكرّر المواقف الطريفة مع كل مساعِدة منزلية يستقدمانها.
من خلال شخصية المساعدة المنزلية "مدينة" (تؤدي الدور الفنانة السودانية إسلام مبارك)، جرى ترسيخ الصورة النمطية عن المرأة الإفريقية بتجسيدها في صورة امرأة عملاقة تتّسم بالقوّة المفرطة والشراهة، وتمّ استغلال ذلك كمدخل لـ"الضحك".
في حلقة أخرى، جرى تشويه نضال النساء لإثبات نسب أطفالهنّ في حالة سيدة تبحث عن والد جنينها من بين عشرات الرجال الذين أقامت معهم علاقات جنسيةً خارج إطار الزواج، بعدما فشلت هي وزوجها في إنجاب طفل، وينتهي الأمر باتهامها من قبل الزوج، بـ"الزنا". خلافاً لتشويه قضية إثبات النسب، جرى تمرير الكثير من العبارات المتّصلة بأفكار مسيئة، أخطرها أنّ "الشرف مرتبط بفرج المرأة، والمرأة فقط".
"نص الشعب اسمه محمد"
في "نص الشعب اسمه محمد"، وبرغم أنّ بطل العمل "محمد" (عمر عصام)، وهو مهندس متزوج وأبّ لطفلة، يعيش على أموال والدة زوجته، إلا أنّه على علاقة بأخرى ولاحقاً يتزوّج من ثالثة. القصّة المعتادة نفسها لرجل تركض خلفه النساء بلا سبب واضح كما يبدو من الأحداث، مع تمرير الكثير من الأفكار المغلوطة.
في علاقة "محمد" بزميلته في العمل "نجلاء" (دنيا سامي)، التي تلاحقه و"تجبره" على الزواج بها، يتم تمرير الكثير من التعابير المسيئة إلى النساء.
كذلك، تُبرّر "سارة" (مايان السيد)، التي تعلم أنّ "محمد" متزوّج وتواصل مشاركته خداع أهلها لإتمام خطبتهما، علاقتها به مرةً بأنّ المشكلة في زوجته "مي" (هاجر السراج)، ومرةً بأنّ "الحب بيعمي"، ولم تتركه إلا بعدما اكتشفت أنها تعرّضت للخدعة نفسها، إذ تزوّج سرّاً من صديقتها "نجلاء"، في أثناء علاقتهما.
ربما تكون مثاليةً للغاية مطالبة الفنّ بأن تكون له رسائل هادفة في سياق قضايا المرأة أو غيرها من القضايا الجادة، ومع الاعتراف الكامل بأنّ الترفيه في حد ذاته رسالة مهمة يؤديها الفن، إلا أنه وعلى أقل تقدير ينبغي ألا يُسهم الفن في الإساءة إلى النساء، أو ترسيخ الأفكار النمطية عنهنّ، أو تشويه قضاياهنّ العادلة
من المشاهد الصادمة أيضاً في المسلسل، حين يعلم "محمد"، أنّ زوجته "مي"، خلعت الحجاب، وتصله صورة لها مع رجل آخر في مكان عام على ما يبدو، فيذهب إلى منزلها، ويقوم بصفعها في حضور والدتها التي تخبره بأنها تتفهم غضبه، وتطلب منه فقط عدم ضربها "بالقلم". وحين تطلب ابنتها الطلاق منه تنهرها، بالعبارة المعتادة: "معندناش بنات تتطلّق"، برغم ما حدث.
"عايشة الدور"
برغم موهبتها في تمثيل مختلف الألوان الفنية والغناء والاستعراض وغيرها، إلا أنّ الفنانة دنيا سمير غانم، لم توظّف ذلك لخدمة قضايا النساء في العمل الكوميدي الذي تقوم ببطولته هذا العام، "عايشة الدور".
ففي حين أنّ قصة المسلسل تدور حول أمّ شابة لطفلين مراهقين ومطلّقة، تضطر إلى تجسيد شخصية فتاة جامعية، وما في ذلك من معايشة للتباين بين الأجيال، إلا أنّ التعامل مع صعوبات الحياة ورعاية الأبناء بعد الانفصال والتواصل بين الأجيال (الآباء/ الأمهات والأبناء)، جاء سطحياً وغير واقعي في أيّ حال بل وقع في فخ التناقض مرات عدة.
فبينما تمّ تسليط الضوء على كذب الأبناء على ذويهم، وتلخّصت الحلول المقدّمة لاحتوائهم في الأسلوب الوعظي، تكذّب بطلة العمل نفسها وتجسّد شخصية ابنة شقيقتها. كذلك تتلصّص على ابنتها وتقرأ مذكراتها وتفتش بين مقتنياتها.
ختاماً، ربما تكون مثاليةً للغاية مطالبة الفنّ بأن تكون له رسائل هادفة في سياق قضايا المرأة أو غيرها من القضايا الجادة، ومع الاعتراف الكامل بأنّ الترفيه في حد ذاته رسالة مهمة يؤديها الفن، إلا أنه وعلى أقل تقدير ينبغي ألا يُسهم في الإساءة إلى النساء، أو ترسيخ الأفكار النمطية عنهنّ، أو تشويه قضاياهنّ العادلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ يوميناتمنى الرد يا استاذ ?
Apple User -
منذ يومينهل هناك مواقف كهذه لعلي بن ابي طالب ؟
Assad Abdo -
منذ 4 أيامشخصية جدلية
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامأن تسخر التكنولوجيا من أجل الإنسان وأن نحمل اللغة العربية معنا في سفرنا نحو المستقبل هدفان...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أياملم تسميها "أعمالا عدائية" وهي كانت حربا؟
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعnews/2025/03/12/nx-s1-5323229/hpv-vaccine-cancer-rfk في هذا المقال بتاريخ لاحق يشدد الأطباء على...