شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
كوني أمّاً كـ

كوني أمّاً كـ"دينا الشربيني"… لا كـ"سميرة أحمد"!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الثلاثاء 25 مارس 202511:01 ص

في إطار اجتماعي كوميدي، قدَّم لنا مسلسل "كامل العدد"، على مدار ثلاثة أجزاء عُرض آخر جزء منها في النصف الأول من شهر رمضان الحالي، قصة امرأة مُطَلّقة لديها أربعة أطفال من زيجَتين سابقتَين، ورجل أرمل لديه ثلاثة أطفال، يتزوجان ويتشاركان في تربية الأطفال السبعة، ثم ينجبان الطفل الثامن ليكون الأخ الوحيد المشترك بين الفريقين.

قصة قد تُصنّف على أنها "فانتازيا"، تناولها فيلم مصري أُنتج عام 1976، من بطولة سميرة أحمد، حمل اسم "عالم عيال عيال"، وهو مأخوذ أصلاً عن الفيلم الأمريكي "أولادي أولادك أولادنا" (1968).

في مراهقتي، لطالما استقبلت أدوار الأمومة التي لعبتها سميرة أحمد، في الدراما الرمضانية، بالانبهار والدهشة، وتخيّلت نفسي أُمّاً تُقلّد حكمتها وحسن تصرفها. لطالما تمنّيت امتلاك تلك المثالية الفريدة.

على صخرة أرض الواقع، ومنذ خطواتي الأولى في مشوار أمومتي، تحطمت هذه الآمال، ورأيت بشكل عملي أنّ هذا النموذج المثالي هو تعريف للفانتازيا الفعلية، لا فيلم "عالم عيال عيال"، ولا مسلسل "كامل العدد".

أنا الآن أمّ لطفلة (3 سنوات)، أستقبل نموذج الأمّ الذي قدّمته دينا الشربيني، في "كامل العدد"، بانبهار شديد ودهشة حقيقية. تمنيت لو أكون أنا الأمّ التي جسّدتها الشربيني، وأعيش تفاصيل تلك العائلة الكبيرة الممتعة. 

"أنا الآن أمّ لطفلة (3 سنوات)، أستقبل نموذج الأمّ الذي قدّمته دينا الشربيني، في "كامل العدد"، بانبهار شديد ودهشة حقيقية. تمنيت لو أكون أنا الأمّ التي جسّدتها الشربيني، وأعيش تفاصيل تلك العائلة الكبيرة الممتعة"


تنشئة طفل تحتاج إلى مجهود قرية كاملة

في مجتمعاتنا الشرقية تحديداً، نصمّ آذاننا عن هذه العبارة (إفريقية الأصل)، ونردد بدلاً منها: "الستات اللي بتربّي"، و"الأب مهمته برّا البيت والأم تشيل البيت والعيال".

في مسلسل "كامل العدد"، وهو من تأليف اثنتين من "الأمّهات"، رنا أبو الريش ويسر طاهر، نرى ليلى، بطلة العمل، تمتلك جيشاً داعماً، من الأسرة والأصدقاء المقربين؛ أخت هي أمّ بديلة، وجيل الخبرات الممثل في خمسة أجداد من خلفيات وثقافات مختلفة، يرون كل الأحفاد أحفادهم، حتى غير البيولوجيين منهم، ويشاركون في حلّ الأزمات دون أي إجبار للأمّ، حيث يحترمون قراراتها، وإن تعارضت مع أفكارهم، ويوزعون "الحنّية" على الجميع، وزوج شريك أصيل -وإن كان يلعب الدور الثاني بحكم انشغاله في العمل- "يُغيّر" للرضيع ويُطعمه، ويحكي قصصاً للصغار قبل النوم، ويحضر تمارين، ويحتوي مشكلات الكبار، ويعمل ليل نهار ليوفر لهم حياةً ماديةً مستقرةً، ويقتطع من أوقات العمل مساحات للتجمعات والمناسبات العائلية، ويغازل زوجته، ويمدحها، ويكافئها بين الحين والآخر، ويشجعها عندما تُخطئ/ تُحبط، ويوفر لها مُرَبّيةً، ويطوّر من حياتهم... استأجر بيتاً في الجزء الأول، ثم اشتراه في الثاني، وفي الجزء الثالث استبدله بآخر أكبر مراعاةً لتغيّر مراحل الأولاد العمرية.

يختلف الزوجان، يغاران، يتشاجران، يتخاصمان، يتواجهان، يتناقشان، ويزوران استشاريّ علاقات أسرية؛ يلين أحدهما فيرضخ الثاني، أو تنفجر مشكلة جديدة لأحد الأبناء فيتّحدان لحلّها دون الالتفات إلى الخلاف.

على الجانب الآخر، نجد سميرة أحمد، في مسلسل "امرأة من زمن الحب" (1998)، لمؤلفه الراحل أسامة أنور عكاشة، تحارب الأشرار وحدها على جميع الأصعدة. يغيب الأب في مهمة خارج البلاد، ويأتمن أخته (بطلة العمل)، على أولاده الأربعة. تأتي الأخيرة من الصعيد دون سابق معرفة أو رابط حقيقي بالأولاد، لتعيد ترتيب الأوضاع وتربيتهم حسب معتقداتها الشخصية دون اعتبار لتغيرات الزمان والمكان. يرسم السيناريو بسذاجة، الأبّ متخاذلاً والخال والخالة منحرفَين، ولا أحد على الإطلاق يساعد العمّة في مهمتها. وبرغم ذلك يجعلها تنتصر ويحبّها الجميع في النهاية!

خلال أحداث المسلسل، يخطئ أحد الأبناء، فتطلب منه العمّة اختيار عقابه بنفسه؛ بهذه البساطة يشعر بالخجل والندم ويُحلّ الأمر.

أما في "كامل العدد"، فنرى تمرّداً حقيقياً، تغضب فيه الابنة فتهرب ليلاً من بيت الأم، لكنها لا تشطح بعيداً؛ تلجأ إلى بيت الخالة، وقد مهد السيناريو لهذه اللحظة بسلاسة منذ الحلقة الأولى التي رأينا فيها تلك الخالة مقيمةً مع الأبناء، بينما الأمّ في إجازة للاستجمام.

"تبكي الشربيني، في سلسلة "كامل العدد". تخطئ وتصيب. تخاف الفقد. تغار على أبنائها، وتعبّر عن احتياجاتها، وتبحث عن الحب دون خجل، وتطلب المساعدة أحياناً وتفرضها أحياناً أخرى"

"لا يا ندى إنتِ مش إنسان… إنتِ ماما"

وجّهت لي ابنتي، تلك العبارة دون وعي كامل بفحواها. بعد تفكير عميق منّي، وجدتها معبّرةً جداً. نحن الأمّهات نُعامَل ككائنات خارقة؛ علينا أن نفعل كل شيء خارج حدود المنطق، طالما أننا حصلنا على اللقب. القانون العُرفي يحوّلنا من خانة الإنسان العادي إلى خانة "الخارق أمّ".

صادفت وجه القانون الفاشي هذا في "قعدة ستات" يمارسن النميمة على "فُلانة الأرملة" التي تريد الزواج، وكيف ستُدخِل رجلاً غريباً على بناتها... حاولت في النقاش أن أقول إنّ هذا حقّها الشرعي والإنساني، فردعتني إحداهنّ: "اللي تتجوز تاني وهي معاها عيال، ست واطية".

"لسنا بحاجة كأمّهات إلى الانتصار الدائم. هذا محض جنون وتنفيذه مستحيل. لسنا بحاجة إلى حمل الهموم على الدوام لتُصكّ عُملة أمومتنا"

تبكي الشربيني، في سلسلة "كامل العدد". تخطئ وتصيب. تخاف الفقد. تغار على أبنائها، وتعبّر عن احتياجاتها، وتبحث عن الحب دون خجل، وتطلب المساعدة أحياناً وتفرضها أحياناً أخرى. تعي حقوقها كإنسانة كما تعي واجباتها كأمّ. تدير مشروعها الخاص بشراكة مع أبيها. تنجح أحياناً وتتعرض للنصب، وتخسر كل شيء أحياناً أخرى. تقاوم وتضحك وتوزّع الأحضان والقبلات على أفراد الأسرة كل لحظة بلا كلل. ووسط هذا الزحام، لا تنسى شراء وتخزين نوع الجبن المفضّل عند ابنها المسافر. 

أما نموذج الأمّ الذي جسّده مشوار سميرة أحمد، فركّز على مغازلة ذاك القانون العُرفي المُعجِّز للأمّهات، فهي دائماً مثال الحكمة الخالصة، وصواب الرأي على الدوام، والانغماس في مشكلات الأولاد حدّ نسيان نفسها، والتضحيات اللانهائية كأنّها شخص بلا رغبات واحتياجات. هي دوماً أمّ عزبة غيّب الموت زوجها، فالأمّ المثالية لا تُترك أو تُطلّق. هذه وصمة مجتمعية في حدّ ذاتها. وبالتأكيد ترفض الحب والارتباط بأيّ شخص جديد، لأنّ هذا ينتقص من قائمة تضحياتها ومثاليتها الزائفة.

لسنا بحاجة كأمّهات إلى الانتصار الدائم. هذا محض جنون وتنفيذه مستحيل. لسنا بحاجة إلى حمل الهموم على الدوام لتُصكّ عُملة أمومتنا.

فلنتقبل الهزائم والانهيارات، وبنفس راضية نعتذر عنها لأنفسنا ولأولادنا، ونقدّر لحظات الضعف والاحتياج إلى الدعم والحب.

فلنضحك ونسخر ونَلْهُ مع أطفالنا، ونستمتع برحلة الأمومة القصيرة، وإن طالت. فلنسامح أنفسنا على لحظات الفشل لأنها لا تعني بالضرورة أننا فشلنا، بل تثبت إصرارنا على المحاولة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image