شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كوميديا جعلتنا نبتسم ونقول

كوميديا جعلتنا نبتسم ونقول "شكراً" في آخر النهار… مسلسل "نسمات أيلول"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتنوّع

الاثنين 24 مارس 202511:26 ص

إذا نظرنا إلى المسلسلات الكوميدية السورية التي أنتجت في السنوات الأخيرة، سنجد مسلسلَين مهمَّين: "خربة" و"ضيعة ضايعة" بجزئيه الأول والثاني. العملان قد سبقا الحرب السورية بقليل، وسيطرا طويلاً على سوق الكوميديا السوري، لأنّ الحرب أوقفت الإنتاج الدرامي بصفة عامة، وضيّقت الفرص على الكوميديا بشكل خاص، فلا كوميديا من دون حرية، وبالطبع من الصعب أن تُصنع الكوميديا في ظلّ الحرب والمآسي من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ العملَين استعرضا الأحداث الواقعية البسيطة وغير المفتعلة لحياة الريف، وهو ما شكّل للمشاهد فرصةً للهروب بعيداًً عن الواقع الدموي لسوريا والوطن العربي في السنوات الأخيرة، وفرصةً مؤقتةً لتناسي السباق المعرفي والتكنولوجي الذي على الإنسان أن يخوصه ليبقى حيّاً وقادراً على التفاعل مع العالم.

تُعرض في موسم رمضان الحالي 2025، أعمال سورية كوميدية عدة، مثل مسلسل "ما اختلفنا"، من تأليف ممدوح حمادة وإخراج وائل أبو الشعر، ومسلسل "يا أنا يا هي" الأردني السوري، من تأليف أمل عرفة وإخراج فادي وفائي، ومسلسل "نسمات أيلول"، للكاتب علي صالح والمخرجة رشا هشام شربتجي.

انتظار ما تقدّمه رشا شربتجي

بعد النجاح الساحق للمخرجة رشا شربتجي، في رمضان الفائت 2024، في مسلسل "أولاد بديعة"، استبشرنا بما ستقدّمه في رمضان الحالي، وقد اختارت أن تقدّم عملاً كوميدياً خفيفاً ترافقها فيه نخبة من نجوم سوريا من الجيلين القديم والجديد، أبرزهم في الكوميديا الممثل محمد حداقي.

لا يحاول مسلسل "نسمات أيلول" أن يتذاكى على المشاهد، ولا يحاول افتعال مواقف درامية مفصلية وفارقة تغيّر في بنية العمل وتزيد من عنصر التشويق فيه، فهو كأيّ عمل كوميدي قروي/ريفي، يقدّم الأحداث اليومية للأبطال 

يحكي العمل قصة عائلة تعيش في ريف حمص، تربطها علاقات متشابكة مبنية على القرابة أولاً، والمصلحة ثانياً، وتتقدم الثانية على الأولى أحياناً، ضمن سياق درامي يبرر ذلك، خاصةً أن خطوط العمل الدرامية الأساسية هي العلاقات بين إناث العائلة وذكورها، الذين يعانون من سوء الواقع السوري والفقر وانعدام الفرص.

في طابع كوميدي ساخر يُعرَض اليوم العادي للقرية؛ رتيب ومملّ وبعيد عن الإنجاز والرغبة في التقدم، ومحكومة أحداثه بالعلاقات بين الجيران، القائمة على الاستعراض أو النميمة، والتي يتخللها الحسد والحقد. ترأس العائلة الجدّة أمينة، وتقوم بدورها الممثلة صباح الجزائري، إذ تلعب دوراً كوميدياً مركباً لشخصية بخيلة ومحبّة لعائلتها تستخدم سلطتها للقيام بممارسات غير أخلاقية كالسرقة والكذب، إلا أنها مغلّفة بمبررات درامية تسوّقها للمشاهد بصورة تسهّل عليه تقبّلها والالتفات إلى الجزء الكوميدي فيها، وهو عدم قيام الجدّة بالدفاع عن نفسها حين يُكتشف أمرها، خاصةً أنها تستخدم السرقة كوسيلة لإعادة توزيع الثروات.

القرية على حقيقتها

ربما من الصعب على من لم يعِش في القرية، أن يتقبّل ماهية العلاقات بين الأسر الممتدة. إنها تقوم بالدرجة الأولى على انعدام الخصوصية والأسرار، والتدخلات المستمرة في حيوات بعضهم بعضاً، والممارسات الخطأ المبنية على الأعراف والتقاليد وتكريس الأخطاء والمبالغة فيها جرّاء الابتعاد عن المدينة وما تفرضه من استقلالية الفرد وحريته وتطوره. استخدم العمل هذه الحقائق كنقطة انطلاق لتقديم مشاهد درامية كوميدية، لا تشويق فيها، ولا تصاعد مستمر في الأحداث، إنما استعراض لما يعيشه أبناء القرى في بلاد الشام. فقد قدّم جوهر العلاقات في القرية كبناء وتسلسل وتفاعلات، كما هو في الواقع، معتمداً على الأداء المميز للممثلين والديكورات المختارة بعناية وانتباه، والكوادر الجميلة والإخراج المتفوق لجعل العمل مكتمل العناصر كوميدياً من حيث القصة والسيناريو والتمثيل والإخراج.

لا يحاول العمل أن يتذاكى على المشاهد، ولا يحاول افتعال مواقف درامية مفصلية وفارقة تغيّر في بنية العمل وتزيد من عنصر التشويق فيه، فهو كأيّ عمل كوميدي قروي/ريفي، يقدّم الأحداث اليومية للأبطال كما هي دون فلسفة أو دروس تنمية بشرية، أو صراعات طويلة ومعقدة، أو إقحام لأفكار وأحداث بعيدة عن الواقع. ومن هذه المقومات بالذات، تحصد الأعمال الكوميدية جماهيريتها، فقد أغرقتنا شركات الإنتاج بالأعمال المليئة بالتشويق والصراعات الدرامية والعقد والبطل الواحد والأوحد. أما الواقع، فهو في أبشع حالاته في كل الوطن العربي. وعليه، ما الذي يمكن أن يبعث السلام والهدوء في نفس المشاهد أكثر من متابعة عائلة تعيش في القرية منفصلةً تماماً عن الواقع، وتتفاعل مع بعضها بعضاً بطريقة ساخرة وخفيفة ظلّ؟

لقد اعتدنا التشويق... فما الحلّ؟

في بعض الأحيان، ينجح المشهد في إضحاك المشاهد، وتالياً السيطرة على انتباهه، من خلال استخدام كلمات وأفعال "غير لائقة" كما يراها البعض، كالشتيمة والاستهزاء والسخرية، لكن هل هناك حياة تخلو من هذا؟ ألا نشتم بعضنا يومياً وفي الغالب تحبّباً؟ ألا نسخر من حياتنا وواقعنا مرات عديدة في اليوم؟

في بعض الأحيان، ينجح المشهد في إضحاك المشاهد، وتالياً السيطرة على انتباهه، من خلال استخدام كلمات وأفعال "غير لائقة" كما يراها البعض، كالشتيمة والاستهزاء والسخرية. لكن هل هناك حياة تخلو من هذا؟

من جهة أخرى، يتسرب الملل في الحلقة الواحدة مرات عدة، فالإيقاع بطيء، والأحداث تقريباً متوقعة، والتشويق معدوم، إلا أنّ الحيلة التي استخدمتها المخرجة رشا شربتجي، لحلّ هذه الأزمة، هي التركيز على أن يستمتع المشاهد بصرياً، وأن يصدّق القصة عبر التفاصيل المهمة التي تظهر في البيوت والمحال والطبيعة والديكور؛ فقد اعتنت بالديكور والإكسسوارات والملابس والتفاصيل الصغيرة الأخرى، لتخلق نوعاً من النوستالجيا لدى المتلقّي تقعده يومياً ليشاهد الحلقة. ونحن بصورة ما نشاهد البيوت التي عشنا فيها، أو بيوت أجدادنا.

الكوميديا تحت المجهر

تتلقّى الأعمال الكوميدية نقداً لاذعاً وقاسياً من النقّاد ومن الممثلين الكوميديين الذين برعوا في الأعمال السورية القديمة في فترة كان عرّابها المخرج هشام شربتجي. مجمل هذه الانتقادات تتحامل على استخدام الممثلين للتهريج والشتم والتنمر كوسيلة لإضحاك المشاهد، أو تلوم الكاتب/ة على تقديمه/ا شخصيات معدومة الأفق والطموح ولا رغبة لديها في تخطي كل الصعاب من أجل محاولة الوصول إلى الحلم. لكن مثل هذا النقد منفصل عن السياق وعن الواقع، فالواقع المليء بالحروب والصراعات وانعدام الأفق في بلاد الشام بالكامل، يُصعّب وصول الكوميديا إلى الناس، وكذلك الإصرار على أن تكون الدراما شرطياً أخلاقياً على الناس لا تقدّم سوى مكارم الأخلاق، برغم أنّ الحقيقة هي أننا في بلاد الشام نهوّن على أنفسنا عبر السخرية منها ومن الآخر، ونستهزئ بمفهوم السعي من أجل الحياة كل يوم ونحن في الطريق إلى عملنا، ونشتم مرات عديدة من دون حدود لننفّس عن غضبنا وقلّة حيلتنا.

لهذا علينا أن نقول "شكراً" عند نهاية النهار حين نبتسم ونضحك على هدوء القرية ووداعة أحداثها وجمالها عبر حلقات مسلسل "نسمات أيلول".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image