شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"بدون سابق إنذار"... دراما تتحدى القوالب النمطية في رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والحريات العامة

الأحد 7 أبريل 202412:44 م

بدأت الدراما المصرية، وفي خطوة مهمة، بالتفكير في إنتاج أعمال درامية بعيدة عن موضة الـ30 حلقةً، التي ارتبطت بشكل مباشر بشهر رمضان؛ الأمر الذي أتاح إنتاج عدد أكبر من الأعمال الدرامية في الموسم الواحد. ليس هذا فحسب، بل أعاد الابتعاد عن الـ30 حلقةً، للدراما المصرية، بريقها وجماهيريتها لتنافس الأعمال التي تنتجها وتعرضها المنصات، لأنها مشوّقة وقصيرة، ومثيرة وجذابة، ولا مجال فيها للملل أو لهجرة الجمهور بسبب الإطالة.

بطبيعة الحال ليست كل الأعمال التي قُدّمت على تلك الشاكلة بالمستوى نفسه. قلة قليلة منها حققت تلك المعادلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل "بدون سابق إنذار"، الذي قُدّم في النصف الثاني من شهر رمضان، وعدّه النقّاد أحد أهم الأعمال الدرامية المهمة.

تدور قصة العمل حول عمر، الطفل الوحيد لعائلته، الذي يصاب بمرض "اللوكيميا" (سرطان الدم)، ويحتاج إلى متبرع من أقاربه، لتكتشف العائلة أنه ليس ابنها الحقيقي، ولتبدأ رحلة البحث المحموم عن نسبه في سبيل الحفاظ على حياته وسط تضارب المشاعر والشكوك.

تدور قصة العمل حول عمر، الطفل الوحيد لعائلته، الذي يصاب بمرض "اللوكيميا" (سرطان الدم)، ويحتاج إلى متبرع من أقاربه، لتكتشف العائلة أنه ليس ابنها الحقيقي، ولتبدأ رحلة البحث المحموم عن نسبه في سبيل الحفاظ على حياته وسط تضارب المشاعر والشكوك

لكن العمل لن يتوقف فقط عند تلك المعضلة أو المصيبة، بل سيتجاوزها ليطرح مواضيع عائليةً تمس المجتمع المصري، خاصةً طبقة المتعلمين فيه من متوسطي الدخل، الذين يشكلون شريحةً مهمةً ومؤثرةً في المجتمع ومن المهم جداً التوقف عندها، فيعرض لبعض المشكلات الزوجية والخلافات التي تدمر العائلة وفي مقدمتها الأزمات الاقتصادية في ظل مسؤوليات لا تُعدّ ولا تحصى، إلى درجة تصبح فيها تلك العائلات نموذجاً مصغراً عن مجتمع كامل يعيش حياة الرفاهية (منزل جميل ومدارس دولية وغيرها). لكنه في الوقت عينه غير قادر على حمل أعباء تلك الحياة التي أرادها لنفسه والتي ستستنزفه مالياً وجسدياً وعاطفياً لاحقاً.

اللافت في العمل ليس فقط موضوعه الجذاب، وإنما طريقة كتابته التي تشبه إلى حد كبير ورش الكتابة، ولكن بطريقة مختلفة عما اعتدنا عليه في الأعمال الدرامية التي ارتبط نتاجها بالورش. فالعمل وقبل أن يصبح جاهزاً للعرض على الشاشة، مر بمراحل متعددة، بدءاً من الفكرة التي كتبتها السورية ألمى كفارنة، وقامت بمعالجتها، وكفارنة سبق لها أن شاركت في الكتابة ضمن ورشة مسلسل "رسالة الإمام" الذي لعب بطولته الفنان خالد النبوي، ولديها مشاريع لأعمال أخرى قيد الإنجاز في مصر. عن ذلك تقول: "هذا النوع من الورش أو الكتابة ليس جديداً بل هو نوع متعارف، فهناك من يؤسس للحكاية والشخصيات ومسارات تحركها، وكان لدينا اتفاق حول هيكلة كل حلقة، أما بناء الحلقات بحواراتها فكانت منوطةً بورشة الكتّاب الثلاثة".

عمر، الطفل المصاب بمرض "اللوكيميا" في الفيلم

وكان العمل قد ضمّ ثلاثة كتّاب للسيناريو والحوار منهم الكاتب الشاب عمار صبري، الذي كانت له بصمة في مسلسل "لعبة نيوتن" الذي لعبت بطولته منى زكي، وتجارب أيضاً في كتابة القصص القصيرة، والكاتبة سمر طاهر المعروفة بنصوصها التي قدّمتها في مجال أدب الأطفال، وسبق لها أن شاركت في كتابة المسلسل الكوميدي "السبع صنايع"، كما شاركت في كتابة الحوار ضمن ورشة مسلسل "حجر جهنم"، والكاتب كريم الدليل الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو والحوار لعدد من الأعمال الفنية، ومنها مسلسل "أبواب الشك"، ومسلسل "الطاووس".

ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتاح فيها للكتّاب الثلاث، كتابة حلقات تلفزيونية كاملة بشكل منفرد ومنفصل، ويؤكد على ذلك وضع اسم الكاتب بجانب الحلقة التي قام بكتابتها، والحقيقة أننا كمشاهدين لولا تلك الإشارة لما استطعنا التمييز بين كاتب وآخر، فالعمل مكتوب بإيقاع واحد وروح واحدة، وربما يعود السبب في ذلك إلى طبيب السيناريو الكاتب الشاب عمرو الدالي، الذي بدأ تجربته في الكتابة قبل سنوات مع الورش، وأصبح اليوم اسماً مهماً بين كتّاب السيناريو من أبناء جيله، أو ممن هم أكبر منه سناً وتجربةً، ولعب في العمل دور طبيب السيناريو Doctor script الذي يشبه دوره إلى حد كبير دور الدراماتورغ في المسرح، بينما في الدراما التلفزيونية والسينمائية مهمته ضبط الدراما داخل الحلقات.

أو ربما يعود السبب كما ترى كفارنة إلى المخرج هاني خليفة الذي قام بضبط إيقاع العمل لما يملكه من رؤية فنية وفكرية وقدرة على توليف الأشياء بحيث تظهر بتلك النتيجة متناغمةً. ومهما كان السبب لا بد لنا من الاعتراف بأن العمل كان جذاباً ومثيراً وينتهي دوماً بحدث مهم ومشوّق، كما أن معظم حواراته بدت راقيةً وإنسانيةً وتقدّم صورةً ونموذجاً إيجابيين لما يجب أن يكون عليه المجتمع.

"المختلف في هذا العمل، طريقة تناول الموضوع، واختيار فرضيات وردود أفعال الشخصيات حوله، وهذا كله كان أصيلاً في العمل، بالإضافة إلى أن كل الموضوعات التي طُرحت، خاصةً إصابة الطفل بمرض اللوكيميا والتوعية النفسية والطبية، سواءً للطفل أو للأهل، كنا ننظر إليها كجزء من واجب مجتمعي لم يأتِ عبر المصادفة"

برغم كل ما سبق، رأى بعض النقاد أن العمل ليس أصيلاً، وربطه البعض الآخر بأعمال درامية وأفلام أجنبية، إلا أنه بمتابعة تفاصيله ومجريات أحداثه، سنشعر فعلاً بأصالته. تقول كفارنة: "بدايةً، المنتج محمد مشيش كان مهتماً بفكرة تدور حول سؤال: ماذا لو استيقظت عائلة فجأةً لتكتشف أنها تربّي ابناً ليس ابنها؟ صحيح أن موضوع تبديل الأطفال ليس جديداً، وربما ظهر في مئات الأعمال الدرامية.

لكن المختلف في هذا العمل، طريقة تناول الموضوع، واختيار فرضيات وردود أفعال الشخصيات حوله، وهذا كله كان أصيلاً في العمل، بالإضافة إلى أن كل الموضوعات التي طُرحت، خاصةً إصابة الطفل بمرض اللوكيميا والتوعية النفسية والطبية سواء للطفل أو للأهل، كنا ننظر إليها كجزء من واجب مجتمعي لم يأتِ عبر المصادفة، وإنما كان جزءاً من مشروع لدى المنتج الذي سبق وأنتج مسلسل 'حلاوة الدنيا'، بالشراكة مع المنتج جمال سنان، ودارت معظم أحداثه حول مرضى السرطان، ولعبت بطولته هند صبري إلى جانب ظافر عابدين، وهو موضوع مهم جداً بالنسبة له ويريد دعمه ودعم المصابين بذلك المرض، وبدوري أعيش الهواجس نفسها تجاه ذلك الموضوع وربما أيضاً المخرج".

نجح العمل ليس فقط بسبب مخرجه أو حتى موضوعه الجذاب، بل أيضاً بسبب من جسّدوه دماً ولحماً على الشاشة، وفي مقدمتهم الطفل سليم يوسف الذي لعب دور عمر، الطفل الصغير المصاب بالسرطان بطريقة عفوية جداً، ولكن مفعمة بالإحساس والصدق، وهو دور صعب جداً. بجانب النجم أسر ياسين صاحب البصمة المميزة والحضور الأخّاذ غير المتكلف.

كما تؤدي النجمة التونسية عائشة بن أحمد واحداً من أجمل أدوارها وبدت فيه ملتحمةً تماماً مع البيئة المصرية إلى درجة نكاد نصدق لوهلة أنها مصرية، بالإضافة إلى الحضور المتميز لكل من أحمد خالد صالح وجهاد حسام الدين التي ستترك بصمةً حقيقيةً على الساحة الفنية بعد هذا العمل، والفنانتين القديرتين نهال عنبر وحنان سليمان والفنان إسلام حافظ ومجموعه كبيرة من النجوم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

شكل حياتنا اليومية سيتغيّر، وتفاصيل ما نعيشه كل يوم ستختلف، لو كنّا لا نساوم على قضايا الحريات. "ثقافة المساومة" هذه هي ما يساعد الحكام على حرماننا من حريات وحقوق كثيرة، ولذلك نرفضها، ونكرّس يومياً جهوداً للتعبير عن رفضنا لها، والدعوة إلى التكاتف لانتزاع ما لنا من قبضة المتسلّطين. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image