بخطوات ثقيلة، ونعلَين منهكَين، منتصف نهار حارّ جدّاً لا يُشبه طقس آذار/ مارس الذي اعتاد التونسيون أن يقولوا عنه "مطر مارس ذهب خالص"، كان عبدون، يسبق معدّة التقرير خطوات عدة، باحثاً عن مكان آمن للانزواء فيه، حتّى يتمكّن من الحديث عمّا يعيشه في تونس، دون أن تصطاده عيون الأمن أو ربما بعض مناهضي الهجرة الغاضبين من وجوده ورفاقه في بلدهم ولو لفترة مؤقتة.
عبدون، كاميروني في بداية العقد الثالث من العمر، ترك زوجةً وطفلَين خلفه في بلاده، وسعى وراء "الحُرقة" -الهجرة غير النظامية- أملاً في الوصول إلى أوروبا لتأمين حياة أفضل له ولأسرته الصغيرة. ربما كان عبدون، أوفر حظّاً من يحيى، الذي وصل إلى تونس قبل أكثر من عامين من غامبيا، فما كادت مراسلة رصيف22، تبدأ بالحديث معه، حتّى فرّ هارباً من سيارة البوليس التي ظهرت فجأةً من أحد الأزقّة.
وفي تونس، لا تكاد أزمة الأفارقة مهاجري جنوب الصحراء، تهدأ، حتّى تزحف موجة جديدة على السطح وينطلق معها تسونامي آخر من خطابات الكراهية والعنصرية والتحريض ضد المهاجرين.
آخر التطورات
وفي أحدث تطوّر في هذا الملف، أعلنت الصفحة الرسمية للإدارة العامة للحرس الوطني، في بيان بتاريخ 17 آذار/ مارس الجاري، عن تنفيذ عمليات عدة منفصلة ليلاً، شملت عمليات نجدة وإنقاذ وإحباط محاولات اجتياز الحدود البحرية خلسةً، ما أسفر عن إنقاذ 612 مهاجراً غير نظامي من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وإحباط محاولات لاجتياز الحدود البحرية نحو أوروبا، وانتشال 18 جثةً تعود لمهاجرين من الجنسيات نفسها.
تحريض مستمرّ من "نواب الشعب" وشلال "معلومات مضلّلة" لا يتوقف… أين الدولة التونسية من أزمة المهاجرين الأفارقة؟
ثم تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لقارب تابع للحرس الوطني وهو يدخل ميناء صفاقس، محمّلاً بأعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين، ما أثار العديد من التساؤلات حول الجدوى من منع المهاجرين من الوصول إلى وجهتهم، ومن المستفيد من هذه السياسات، وما هو مصير هؤلاء المهاجرين؟
تعقيباً على ذلك، قال النائب السابق والناشط السياسي والحقوقي التونسي مجدي الكرباعي، عبر فيسبوك، إنّ الحادثة دليل يؤكد نظرية تحوّل تونس إلى "حارس حدود" لأوروبا، وفق مذكرة التفاهم التي وُقّعت بين الطرفين في أعقاب الضغط الذي مارسه نظام الرئيس قيس سعيد، على الأوروبيين للتمتّع ببعض المنح والمساعدات، والتي لا تزال بنودها غامضةً إلى اليوم، حتّى للجانب الأوروبي.
ويشرح الكرباعي، لرصيف22: "تونس تحوّلت إلى مركز لتجميع المهاجرين، بما يتطابق مع النقطة السادسة من البرنامج الانتخابي لجورجيا ميلوني"، مدلّلاً على ذلك بانخفاض أعداد المهاجرين الذين وصلوا إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، منذ بداية العام الجاري، إلى نحو 8 آلاف مهاجر، وهو انخفاض كبير مقارنةً بالفترة نفسها من العام 2023.
وأشار الناشط السياسي والحقوقي، إلى أنّ هذا جاء بعد 19 حزيران/ يونيو 2024، حيث تمّ الإعلان عن منطقة SAR التونسية، أي منطقة البحث والإنقاذ التي تم تسجيلها رسمياً في Global SAR Plan-GISIS، التابعة للمنظمة البحرية الدولية (IMO)، والتي تتيح لحرس السواحل التونسي أن يصل إلى حدود اللون البنفسجي لإرجاع المراكب والمهاجرين على مقربة من جزيرة لامبيدوزا، بما يشمل المراكب التي انطلقت من ليبيا.
وتشير دراسة ميدانية حديثة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن وضع المهاجرين خلال 2024، إلى أنّ أكثر من 67% من المستطلعة آراؤهم لا يشعرون بالأمان في تونس، بينما فقد نحو 60% منهم الأمل في الوصول إلى أوروبا، واشتكى أكثر من 80% منهم من سوء معاملة السلطات للمهاجرين.
دراسة ميدانية حديثة أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن وضع المهاجرين خلال 2024
ما الذي أجّج الأزمة؟
في آخر إحصائية صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، كشف العميد خالد بن جراد، المدير المركزي في التفقدية العامة للحرس الوطني، ورئيس لجنة الھجرة غير النظامية، في كانون الثاني/ يناير 2025، في تصريحات صحافية، عن وجود أكثر من 20 ألف مھاجر غير نظامي في جھة العامرة، أكبر نقطة تجمّع في ولاية صفاقس.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، فإنّ "ما أجّج الأزمة الأخيرة هو توظيف بعض نواب البرلمان لهذا الملف لدعم شعبيتهم أو لتأليب الرأي العام، بالتزامن مع حملة منسّقة على شبكات التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام، أعادتنا إلى المشاهد السابقة في عام 2023، نفسها".
محنة المهاجرين الأفارقة في تونس
وكانت الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان، قد دعت في بيان لها، في 15 آذار/ مارس الجاري، السلطات التونسية، إلى تبنّي سياسات توازن بين حماية حقوق الإنسان والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وإلى تنسيق الجهود مع المجتمع المدني، من أجل معالجة هذا الملف "بعيداً عن أيّ حسابات سياسيّة أو خطاب تحريضي". وأدانت ما وصفته بـ"العنصرية المؤسساتية والخطاب التحريضي الصادر عن بعض النواب"، وفق ما جاء في البيان.
من النواب المناهضين للهجرة والمتّهمين بالتحريض ضد المهاجرين الأفارقة في البلاد، النائبة عن جهة صفاقس فاطمة المسدي، التي تقول لرصيف22، إنّ "هذه المسألة تجاوزت كل الخطوط الحمراء".
وبينما ترى أن "لا أحد يستهدف المهاجرين ولا وجود لأيّ خطاب عنصري"، وأنّ الأمر يتعلّق بـ"حق الإنسان التونسي في الأمن وفي أرضه وفي عرضه، هو ما تمّ انتهاكه"، دعت المسدي الدولة التونسية إلى توفير أرض في الصحراء كمركز إيواء مؤقّت تمهيداً لترحيل جميع المهاجرين غير النظاميين، قائلةً إنّ "الحلّ الوحيد هو في الترحيل سواء كان الترحيل طوعيّاً أو قسرياً".
من جهته، يضيف بن عمر، في حديثه إلى رصيف22، أنّ النواب حاولوا من خلال استثارة مشاعر التونسيين، تأليب الرأي العام حول ملف الهجرة. ويدلّل على ذلك بانتشار صور وفيديوهات قديمة ومضلّلة ساهمت في تأليب الرأي العام كما حدث في جهة الملاسين (حي شعبي)، وهو ما دفع عدداً من المواطنين إلى حمل العصي والبحث عمّن وصفوهم بـ"الوصفان"، وهو مصطلح يصم الناس وفق لون بشرتهم، وهو الأمر الذي رأى فيه مراقبون تغييباً لمؤسسات الدولة ونشراً للفوضى.
محنة المهاجرين الأفارقة في تونس
ولعلّ هذا ما دفع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، في الـ13 من آذار/ مارس الجاري، إلى اعتبار أنّ الأزمة الأخيرة تغذّيها بشكل أساسي موجة كبيرة من الأخبار المضلّلة والمزيّفة التي تكاد تمثّل حملات تضليل معلوماتي منظّمة وحملات دعائيةً هدفها الأساسي التلاعب بعواطف التونسيين ومنعهم من الاطلاع على مجريات الأمور وأبعادها المختلفة وسياقاتها الدولية والإقليمية والوطنية والمحلية.
ودعت النقابة منتسبيها، في بيانها، إلى السعي وراء الحقيقة مثلما ينصّ على ذلك المبدأ الأول من ميثاق الشرف الصحافي، والعمل على إيصالها إلى الرأي العام في إطار حقّه في النفاذ إلى المعلومة، وأن يلتزم الصحافي بالدفاع عن قيم المساواة بين الجنسين، وبعدم التمييز، وبالدفاع عن الحريات الفردية والعامة، بالإضافة إلى إنارة الرأي العام بإعطاء خلفية للتونسيين/ ات لفهم الأحداث والسياقات المتعددة والمركّبة التي تفسّر ظاهرة الهجرة غير النظامية ونتائجها على تونس.
أين الدولة؟
فضلاً عن النواب والأخبار المضلّلة، يؤكد بن عمر، أنّ "سياسات الدولة هي التي خلقت أزمة مهاجري جنوب الصحراء، بعد أن رضخت للشروط الأوروبية، وتبعاً لذلك منعتهم من التنقّل والعمل والسكن، ودفعت بهم إلى غابات الزيتون، بالإضافة إلى حرمانهم من تلقّي المساعدات القادمة من المجتمع المدني أو حتّى تلك الآتية من عائلاتهم، وتالياً صاروا عالقين في تونس".
"رسمياً، الدولة في وضع سلبي، فهي لا تتحدّث إلى الرأي العام، ولا تتحدّث عبر الإعلام المحلي أو الصحافة العالمية"، يستفيض بن عمر، مستدركاً: "وحتّى إن تحدّثت، فيكون ذلك عبر عناوين عامة وفضفاضة تتخفّى وراء شعارات السيادة الوطنية، دون تبيان لإستراتيجيتها في التعامل مع هذه الوضعية".
ويلفت بن عمر، إلى أنّ الدولة التونسية دائماً ما توكّد في تقاريرها للهياكل الأممية تقديمها المساعدات للمهاجرين وعملها على الإحاطة بهم، وهذا ما جاء في المقرّر الذي قدّمته الدولة التونسية، إلى المقررين الأمميين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
ويستغرب بن عمر، صمت الدولة إزاء ما يحدث مؤخراً، قائلاً: "اليوم الدولة تتخفّى، أو تنتظر تأجيج الأوضاع وانزلاقها إلى سيناريوهات أخرى مخيفة، برغم تأكيدها سابقاً في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، في جوابها عن استفسارات لمقرّرين أمميين تتعلّق بانتهاكات بحقّ المهاجرين والمجتمع المدني في تونس، عملها بالشراكة مع المجتمع المدني على حماية ورعاية المهاجرين مهما كان وضعهم الإداري حتّى أولئك الموجودين بطريقة غير نظامية".
"جئت إلى تونس سعياً وراء الحلم الأوروبي"
بالعودة إلى عبدون، يقول إنه غادر بلاده بعدما وعد أسرته بـ"الثراء والاجتماع معاً في أوروبا"، مشدّداً على أنّ "تونس ليست سوى محطة للذهاب إلى أوروبا. لا أستطيع البقاء هنا، وكل ما يحدث معي من تتبعات بوليسية وعنصرية يدفعني أكثر نحو السعي وراء هذا الحلم".
كان عبدون غاضباً، وكأنّنا جئناه في الوقت المناسب لينفّس من غضبه. يروي: "عندما وصلت إلى تونس، سُرقت وثائقي وأموالي وهاتفي. لم أتمكّن من تقديم شكوى واسترجاع وثائقي وأموالي، لأنه قد يتم ترحيلي فوراً، ولأجمع المال الكافي للحرقة (الهجرة غير النظامية) إلى أوروبا، أعمل في البناء والفلاحة وجمع القوارير البلاستيكية".
يسترسل عبدون، في روايته بتأثّر وحنق: "اتفقت اليوم مع أحدهم على بعض الأعمال الفلاحية البسيطة لمدة ساعتين بـ20 ديناراً (نحو 7 دولارات)، لكني تفاجأت عندما وصلت إلى مكان العمل بمهام تتطلّب مني يوماً كاملاً وربما أكثر، فطلبت منه زيادة مبلغ الأجرة، لكن صاحب العمل رفض وعندما أبلغته برفضي العمل توجّه إليّ بكلمات نابية".
ويردف عبدون: "شهر رمضان شهر كريم، والعباد فيه تتراحم في ما بينها، بينما أهانني هذا الشخص بكل عنصرية. لقد قبلت بالـ20 ديناراً التي لا تكفي حتّى لإطعامي، ولا تكفي لأرسلها إلى عائلتي التي تنتظرني في الكاميرون".
"تونس بلد جميل لكن يصعب العيش فيه"
"لماذا ينادوننا black black؟ حتّى في تونس هناك سود!"، هكذا يتساءل شريف ممادي، طالب الهندسة المدنية من مالي، متعجّباً من الخطاب العنصري الذي يقول إنه يتعرّض له يومياً. يقول شريف، لرصيف22، إنّ تونس بلد يضمّ جامعات ممتازةً وفيه فرصة تعلّم جيدةً، وربّما جيّد للعمل فترةً معيّنةً لجمع المال، لكنّه لا يفكّر أبداً في الاستقرار فيه، فهو يحلم بالعودة إلى مالي وخدمة شعبه ووطنه.
ويشرح شريف: "نحن شعوب غنية، وأوروبا قامت بسرقة ثرواتنا واستغلال مقدّراتنا، تونس ليست إلا محطة للمغادرة باتجاه أوروبا لاسترجاع ما سرقوه منا"، مضيفاً: "لا ننكر أن موجة الهجرة غير عادية، ويجب أن يكون الدخول إلى تونس بشكل نظامي احتراماً لحرمة البلاد، لكن أيضاً من المهم أن نتذكّر أنّ المهاجر قادم من عائلة فقيرة وبطالة وحروب"، مستغرباً "رواية المؤامرة من أجل توطينهم في تونس".
تعرفنا أيضاً إلى إلفي كامبينغا من الكونغو، وهي صاحبة مشروع حلاقة، كانت مع جارتها الخياطة التونسية، أمينة، التي استقبلتنا مع إلفي وشريف بحفاوة، في صورة مغايرة تماماً للتونسيين المناهضين للهجرة على الشبكات الافتراضية.
تتعجّب إلفي، أيضاً، من رواية التوطين، قائلةً: "تونس ليست البلد المناسب للاستقرار نهائياً، بسبب مضايقات البوليس وبعض التصرفات العنصرية حتّى من قبل بعض الأطفال في حضور أولياء أمورهم".
لا تنكر إلفي، في حديثها إلى رصيف22، قيام بعض المهاجرين بتصرفات ترفضها، مشدّدةً على أنه حتّى هذه التصرفات لا ينبغي أن تكون مبرّراً للحكم على جميع المهاجرين إذ إن في كل الأوطان والأجناس السيئين والصالحين، وفق تعبيرها.
اللافت أنّ المجتمع المدني في تونس، خاصةً الجمعيات الناشطة في هذا الملف، يجد نفسه في وضعية المهاجرين نفسها، محاصراً ومقموعاً وموصوماً، وفق ما يفيد به بن عمر، الذي يعترف: "لقد صار مجال التأثير الميداني للمجتمع المدني محدوداً، فنحن إزاء سلطة لا تسمع، لا تتفاعل، ولا تعترف أصلاً بدور المجتمع المدني على المستوى الداخلي على عكس ما تروّجه في الخارج"
أما م. ر، وهو مواطن تونسي يعيش في جهة الساحل، فضّل عدم ذكر اسمه، فيقول إنه لم يرَ من مهاجري جنوب الصحراء "ما يعيب أو يخيف"، معرباً لرصيف22، عن رفضه لما يُتداول في مواقع التواصل الاجتماعي من خطابات عنصرية وتحريضية.
كما يرى الناشط في المجتمع المدني، وحيد خصيبة، أنّ نظرية المؤامرة، ومزاعم التوطين التي يروّجها مناهضو الهجرة في تونس "غير منطقية"، حيث إنّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد بعيد جداً عن حلم التوطين.
من جهة أخرى، يرفض خصيبة، حالات الهجرة غير النظامية التي يرى أنها "تهدّد الأمن وتنشر الفوضى"، ويستنكر في الآن نفسه الحملة التي تستهدف أفارقة مهاجري جنوب الصحراء من خطابات وتصرفات يعدّها عنصريةً.
بالعودة إلى المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بن عمر، فهو يأسف لما يعدّه "استيراد مقاربات يمينية متطرّفة شبيهة بتلك التي استهدفت مسلمي أوروبا في وقتٍ ما، وخلقت الإسلاموفوبيا، وتونستها من قبل دعاة العنصرية والكراهية في تونس تحت مسمى 'نظرية الاستبدال العظيم'، انطلاقاً من الخطاب الرسمي في شباط/ فبراير 2023، الذي يكرّره ويتبنّاه منذ ذلك الحين عدد من نوّاب الشعب".
ويستفيض بن عمر، شارحاً: "تقوم هذه النظرية على نقطتين: مسألة التلاعب، والنّمو الديمغرافي، والنقطة الثانية تتمثل في وجود مؤامرة خفيّة تقودها القوى الخفيّة وتتمثّل في المجتمع المدني". كما يضيف أنّ من استورد هذه المقاربات في تونس يعلم ويعي تمام العلم أنها الطريق إلى السلطة والبقاء على رأس السلطة في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
اللافت أنّ المجتمع المدني في تونس، خاصةً الجمعيات الناشطة في هذا الملف، يجد نفسه في وضعية المهاجرين نفسها، محاصراً ومقموعاً وموصوماً، وفق ما يفيد به بن عمر، الذي يعترف: "لقد صار مجال التأثير الميداني للمجتمع المدني محدوداً، فنحن إزاء سلطة لا تسمع، لا تتفاعل، ولا تعترف أصلاً بدور المجتمع المدني على المستوى الداخلي على عكس ما تروّجه في الخارج، في ظلّ مقاربة تعدّ المجتمع المدني مكوّناً أساسياً في نظريّة المؤامرة".
تفتقر تونس حتّى اليوم إلى منظومة قانونية داخلية تحمي المهاجرين واللاجئين، برغم الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها والملزمة بحماية هذه الفئات التي تتكفل بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وفق النائب السابق والناشط السياسي والحقوقي مجدي الكرباعي
ويستدرك بن عمر قائلاً: "برغم هذه المحدودية في تأثير المجتمع المدني على مستوى السياسات، لكنّه لا يزال يشكّل نوعاً آخر من الضغط، للتنبيه من الانزلاق إلى مثل هذه المقاربات العنيفة في التعامل مع الآخر".
ولا ينفي بن عمر، تضرّر بعض المواطنين من أشخاص محددين من المهاجرين، لكن لا يجب أن يكون هذا تبريراً لتعميم بعض الممارسات الفردية على جميع المهاجرين، مذكّراً بالوصم الجماعي بالإرهاب للمهاجرين التونسيين في فرنسا إثر عملية الدهس الإرهابية في نيس، التي تورّط فيها مواطن من جنسية تونسية يعيش في فرنسا، داعياً التونسيين إلى عدم الوقوع في الخطأ نفسه.
التزامات تونس القانونية حيال المهاجرين
وتفتقر تونس حتّى اليوم إلى منظومة قانونية داخلية تحمي المهاجرين واللاجئين، برغم الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها والملزمة بحماية هذه الفئات التي تتكفل بها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وفق النائب السابق والناشط السياسي والحقوقي مجدي الكرباعي.
ويشير الكرباعي، في هذا الصدد، إلى بعض المبادرات الفردية المدنية لحماية هذه الفئة الهشّة وتأطيرها، والتي انتهت بأصحابها إلى السجن اليوم، على سبيل المثال رئيس بلدية سوسة السابق محمد إقبال ونائبته، ورئيس المجلس التونسي للاجئين مصطفى الجمالي، على خلفية التزامهم بالبعد الإنساني.
ويذكّر الكرباعي، بالقانون رقم 50 لسنة 2018 لمناهضة كل فكر عنصري وأشكال التمييز، والذي يجرّم كل خطابات وأفعال العنصرية ولم يعد معمولاً به اليوم في ظلّ تنامي الخطاب الشعبوي، والخطاب العنصري الذي انطلق من أعلى هرم السلطة ممثلاً في خطاب قيس سعيد، الشهير في شباط/ فبراير 2023، بنشر نظرية المؤامرة وتغيير التركيبة الديموغرافية، لتتدحرج كرة الثلج.
والمشهد باختصار حتّى كتابة هذه السطور، مكوّن من مهاجرين عالقين، ومواطنين تشحنهم خطابات تحريضية من هنا وهناك، وناشطين معتقلين بينما تحتسي السلطة الرسمية القهوة في أحد أحياء العاصمة، متوعّدةً بمحاربة "الفساد".
ويبقى السؤال: متى تتوقف الدولة التونسية عن التنصّل من مسؤولياتها في ملف المهاجرين؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Souma AZZAM -
منذ يومينالدروز ليسوا نموذجًا واحدًا في الاعتقاد والسلوك. اما في مستوى العقيدة، فهم لا يؤمنون بالسحر، وإن...
محمد دراجي -
منذ 3 أيامأخي الفاضل قبل نشر مقالة عليك بالتحقق خاصة في علم الأنساب والعروش والقبائل فتسمية بني هجرس ولدت...
م.هيثم عادل رشدي -
منذ أسبوعمقال رائع وضع النقاط على الحروف فالحقيقة أن النزاعات جعلت أبناء شعوبنا متشردين ولاجئين ومهاجرين...
Sohila Amr -
منذ أسبوعتعود من جديد شعلة ثورة في نفوس، وكأنها لعنة كلما كذبنا وقلنا انها صدفة او خدعة اصبنا بها ولكن لقد...
Yusuf Ali -
منذ أسبوعلن أعلق على كل كلامكِ والكثير من المغالطات التي وردت، وسأكتفي بالتعليق على خاتمتكِ فقط:
قلتِ:...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعThis media body is clearly within the circles of the Makhzen. Otherwise, it would not have been...