تراقب طائفة الموحّدين الدروز في سوريا اليوم، بكثير من التساؤلات والتخوفات، ما يحدث على الساحل السوري من أحداث عنف من جهة، ومع الأكراد من اتفاق دمجٍ وقّعته قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مع الإدارة السورية الجديدة من جهة أخرى، ليبقى سؤال مصيرهم أو "قرارهم" إن تملّكوه، معلّقاً إلى حين.
خصوصية المكوّن الدرزي السوري، لا تأتي فقط من كونهم أقليةً دينيةً، بل لامتدادهم الجغرافي والتاريخي المتداخل في أربعة بلدان، ولمجمل الحسابات السياسية المتعلقة بجغرافيتهم الحدودية الحسّاسة، وعلاقات الطائفة الممتدة عبر أنظمة متعادية.
أبناء الطائفة الذين عانوا طويلاً من التقسيمات الحدودية التي مزّقت العائلات والطائفة، يتوقون إلى لمّ شملها، لكن هذا الهدف الواحد لا يعني أنّ الرؤى السياسية واحدة، ولا يعني أن الأثمان المتوقعة قد تكون سهلةً.
ماذا يريد الدروز؟
مطالب دروز سوريا واضحة منذ اليوم الأول، ولا تختلف عن مطالب معظم الأقلّيات، وتتمثّل في دولة علمانية لكل السوريين، بالإضافة إلى تحسين الخدمات في محافظة السويداء التي عانت من الحرب ومن قبله من التهميش، وتعاني من قلّة الموارد مقارنةً ببقية المحافظات الشمالية والوسطى والساحلية. ويخشى الدروز خصوصاً، من تهميش محافظتهم في أيّ تسوية مقبلة، أو من تقسيم البلاد دون أخذ مصالحهم في الحسبان. لذلك يطالبون بضمانات دستورية تكفل حقوقهم وتمثيلهم، مثل تضمين مبادئ اللامركزية الإدارية وتمثيل الأقليات في تعيينات الهيئات التشريعية والحكومية، إلى حين الوصول إلى صناديق الاقتراع، وهذا كله قبل إلقاء السلاح.
جاءت مطالب الدروز واضحةً وحازمةً منذ الأيام الأولى لسقوط الأسد: فهم يريدون دولةً مدنيةً علمانيةً تكفل حقوق الأقليات ولا تُختزل بلون واحد، بينما تؤكد قياداتهم الدينية على تبنّي خطاب وطني جامع: "الدين لله والوطن للجميع"، في إشارة إلى رفض أي نهج حكم طائفي
كما يتوجسون من فرض أيديولوجيا دينية متشددة، أو تهميش صوتهم في صياغة مستقبل البلاد، ولا سيّما أنّ ذاكرتهم الجماعية ما زالت مثقلةً بتجربة مريرة مع جبهة النصرة (سابقاً). فحين سيطر فرع القاعدة على منطقة جبل السمّاق في إدلب عام 2015، تعرّضت القرى الدرزية هناك لمجازر -كمجزرة قلب لوزة- ومصادرة أملاك، وحملة "أسلمة قسرية"، ما أدى إلى نزوح نحو نصف سكانها الدروز آنذاك.
تلك الصدمة رسّخت لدى دروز السويداء، مخاوف من تكرار السيناريو على يد الإدارة السورية الجديدة، خاصةً أنّ أحداث العنف في "جرمانا"، والتي أعقبت سقوط النظام، أعطت مؤشراً على جهوزية للعداء الطائفي بين بعض رجال الأمن من الإدارة السورية الجديدة والدروز كما رأى بعضهم. وبرغم أنّ شيوخ الطائفة تبرؤوا من الفاعلين ورفعوا عنهم غطاء الحماية الاجتماعية، إلا أنّ هذا الحدث عزز المخاوف، بدلاً من أن يقلّلها.
ومن هنا جاءت مطالب الدروز واضحةً وحازمةً منذ الأيام الأولى لسقوط الأسد: فهم يريدون دولةً مدنيةً علمانيةً تكفل حقوق الأقليات ولا تُختزل بلون واحد، فمنذ سقوط النظام رفع المتظاهرون في السويداء شعار "سوريا واحدة لا تقبل القسمة، بكل ألوانها"، داعين إلى فصل الدين عن الدولة، بينما تؤكد قياداتهم الدينية مثل الشيخ حكمت الهجري، المرجع الروحي الأبرز للدروز، والشيخ حمود الحناوي، أحد شيوخ عقل الطائفة، على تبنّي خطاب وطني جامع: "الدين لله والوطن للجميع"، في إشارة إلى رفض أي نهج حكم طائفي.
رفض للإعلان الدستوري
لم يكن ردّ فعل الأقليات الدينية مرحّباً، بعدما صادق الرئيس السوري أحمد الشرع، على مسودة "الإعلان الدستوري"، يوم الخميس 14 آذار/ مارس 2025، وما جاء فيه من بنود جدلية، كتعيين الرئيس ثلث المجلس التشريعي، وتحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات، وحظر حمل السلاح في كل سوريا، وحصر دين رئيس الجمهورية في الإسلام، والنصّ على أنّ الفقه الإسلامي هو مصدر التشريع.
رفض الدروز الإعلان الدستوري الذي أعلنته دمشق، على اعتباره لا يسوي بين السوريين، وقال الشيخ حكمت الهجري، إنّ "الحكومة الحالية لا تمثّل تطلعاتهم، ووصفها بأنّها "مطلوبة للعدالة الدولية".
عدّ الأكراد، الإعلان الدستور انقلاباً على اتفاق الدمج الذي سلّموا سلاحهم بموجبه. أما الدروز، فجاء ردّ فعلهم على لسان الشيخ حكمت الهجري، الذي عبّر عن موقفهم الرافض للإعلان الدستوري، مؤكداً أنّ الحكومة الحالية لا تمثّل تطلعاتهم، ووصفها بأنّها "مطلوبة للعدالة الدولية".
ووصف الهجري، زعيم طائفة الموحدين الدروز، حكومة دمشق بالـ "متطرفة"، معلناً رفض الطائفة لأي وفاق أو توافق مع السلطة الحالية في دمشق.
تصريحات أخرى خرجت من الطائفة تعقيباً على الإعلان الدستوري. فبالإضافة إلى تصريح الهجري، صرّح شيخ عقل الدروز في السويداء حمود الحناوي، في مقابلة تلفزيونية يوم الخميس 14 آذار/ مارس 2025، بأنّ "السلاح في السويداء هدفه الدفاع عن المحافظة، وأنّ أوان تسليم سلاح الدروز لم يأتِ بعد". في إشارة واضحة إلى استعداد الطائفة للتخلّي عن الحماية الذاتية لصالح حماية الدولة لهم. وقال عن أحداث الساحل إنها خطيرة جداً، دون أن يخفي تخوفات طائفته من مصير مماثل لما حدث مع الطائفة العلوية، أو أن يتعرّضوا لـ"انقلاب" بعد تسليم سلاحهم كما وصف الأكراد الإعلان الدستوري.
الوضع حالياً في الجنوب
يتركز الدروز في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ويمثلون نحو 3% من السكان. وقد تمتعت هذه المنطقة بهامش من الاستقلالية خلال الحرب بفضل تشكيل الدروز لجاناً محليةً للدفاع الذاتي منذ 2015، ما أبقاها في منأى -نسبياً- عن سيطرة النظام الصارمة. ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء على تردّي الأوضاع المعيشية في آب/ أغسطس 2023، تصاعدت مطالب الدروز لتصل إلى الدعوة الصريحة إلى رحيل الأسد.
وعليه، رحّب كثيرون منهم بسقوط النظام، لكن هذا لا يعني أنهم في الوقت ذاته لا يتوجسون من هيمنة التيارات الإسلامية السنّية على الحكم الجديد.عقب رحيل الأسد، ركّز قادة الحراك الدرزي على تأكيد أنّ ثورتهم لم تكن لأجل استبدال طاغية بآخر، بل لأجل تأسيس عقد اجتماعي جديد يصون كرامة الجميع.
إحدى أبرز أولويات الدروز أيضاً، هي الحفاظ على الأمن المحلي في ظلّ أي ترتيبات جديدة. فخلال الحرب، تولّت مجموعات محلية مثل حركة "رجال الكرامة"، مهمة الدفاع عن السويداء ضد داعش والفصائل المتطرفة، ما خلق واقعاً أمنياً خاصاً بالمحافظة. واليوم، يريد الدروز ضمانات بألّا يُملأ أي فراغ أمني بنفوذ ميليشيات خارجية أو فوضى سلاح.
وفي شكل من أشكال المهادنة، اقترح قائد الحركة الشيخ ليث البلعوس، الحفاظ على قوة أمنية ذات طابع محلي (ربما ضمن قوى الأمن الداخلي السورية)، تكون قادرةً على حماية المنطقة وتحظى بثقة الأهالي، وهو ما يُعدّ شكلاً من أشكال التعاون بين الطرفين، وليس دمجاً أو تسليماً للسلاح، على غرار الاتفاق الكردي.
المواقف الدولية والعربية
لا يبدو أنّ الأقليات في سوريا تحظى اليوم بحماية مباشرة من دول الطوق السوري. فعلى الرغم من التصريحات "الدولية" الداعية إلى حمايتهم والصادرة من دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، إلا أنّ معظم جيرانهم من الدولة المتاخمة مؤيدون لبسط سلطة الدولة السورية، وتفريغ الأقاليم من السلاح.
تلعب القوى الخارجية دوراً حاسماً في تهدئة أو تأجيج مخاوف المجموعات الثلاث مع الإدارة الحاكمة اليوم. ولعلّ أبرز مشهد اليوم، هو اصطفاف إقليمي جديد: إذ تدعم كل من تركيا وقطر الحكومة السورية الجديدة ذات الأغلبية السنّية، وتعدّ سقوط الأسد نصراً لمشروعها الإقليمي، وبطبيعة الحال، جاءت تصريحات الدوحة وأنقرة داعمةً تماماً لتحركات الإدارة السورية في ما أسماه الإعلام "حركات التمرّد" و"فلول النظام السابق".
أما السعودية، فقررت عدم ترك الساحة السورية بسهولة لأنقرة والدوحة، وتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي، ومعظم الدول العربية، وقد بدا هذا الترحيب بالإدارة السورية الجديدة في الحضن العربي، واضحاً في قمة القاهرة التي عُقدت باسم "قمة فلسطين" في آذار/ مارس الحالي.
في اليوم الأول من سقوط النظام، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بتصريح مثير للجدل، حين قال إنّ إسرائيل ستحمي دروز سوريا، وإن قواته تتمركز في ما أسماها "المنطقة العازلة في سوريا". كذلك دعت شخصيات درزية في إسرائيل مثل أعضاء كنيست من الطائفة، حكومة إسرائيل إلى التدخل بشكل مباشر لحماية دروز سوريا من أيّ هجمات طائفية محتملة
فأعلنت الرياض بوضوح دعمها إجراءات دمشق في بسط سيادتها على كامل التراب السوري ومواجهة أيّ تمرد انفصالي، عقب الأحداث التي حصلت في الساحل، ومن قبلها في أحداث "جرمانا" في جنوب سوريا، حيث الأغلبية الدرزية. حين اشتبكت مجموعات محلية مسلحة مع دورية أمنية تعود إلى الإدارة السورية الجديدة.
كما أيّدت السعودية صراحةً حملة الجيش السوري ضد التمرد العلوي الأخير، وعدّتها معركةً للحفاظ على وحدة البلاد، وصرّح أكثر من مسؤول سعودي، غير مرة خلال الفترة السابقة، بأنّ مجلس التعاون الخليجي لن يكرر خطأه مع العراق، ولن يعزل سوريا عن محيطها العربي، لتصبح ملعباً فارغاً لقوى إقليمية أخرى -في إشارة إلى أنقرة وطهران- الأمر الذي يترك الدروز في مواجهة مباشرة مع النظام الجديد، في حال أصرّوا على شرط علمانية الدولة الذي يتعارض بشكل صريح مع توجّه الشرع، ومع الإعلان الدستوري.
أما الأردن، فيهمّه بالدرجة الأولى منع الفوضى على حدوده الشمالية. وعليه، وبحسب "معهد كارنيغي" يُرجّح أنه ينسّق أمنياً مع قيادات السويداء ومع الجيش السوري الجديد لضبط الحدود وكبح أي تمدد لميليشيات موالية لإيران أو خلايا متطرفة في الجنوب، ولا سيّما أنّ منطقة الأزرق عند حدوده الشمالية مأهولة بالكامل من طائفة الموحدين الدروز، الذين تربطهم علاقات قوية مع الدولة الأردنية.
وقد رحّبت عمان، علناً، بتعهدات دمشق باحترام خصوصية دروز جبل العرب، في حين تبدي قلقها من بطء اندماج تلك المنطقة في مؤسسات الدولة الجديدة، ولا سيّما أنّ الأردن معنيّ جداً باستقرار الجنوب منعاً لتدفق اللاجئين أو امتداد الفوضى عبر حدوده.
وهنا تظهر إسرائيل كمعطى مهم في المعادلة الدرزية.
نتنياهو: "نحن سنحمي دروز سوريا"
إسرائيل أعلنت بوضوح أنها لن تسمح بتموضع أيّ قوة معادية قرب حدودها، وفي اليوم الأول من سقوط النظام، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بتصريح مثير للجدل، حين قال إنّ قواته تتمركز في ما أسماها "المنطقة العازلة في سوريا".
وبرغم أنّ تل أبيب تراقب بحذر نفوذ إيران وحزب الله في أيّ ترتيبات تخصّ العلويين، ولها قنواتها المباشرة مع الأكراد، إلا أنّ الدروز هم الأقلية التي تهمها أكثر من غيرها.
تشير تقارير أمريكية، إلى أنّ تل أبيب حاولت عبر قنوات خلفية أن تفتح حوارات مع زعامات محلية درزية لضمان طمأنتها وعدم ارتمائها في أحضان طهران. وبحسب موقع "إستراتيجيك"، يسود اعتقاد بأنّ إسرائيل قدّمت دعماً لوجستياً محدوداً لمجلس السويداء العسكري الدرزي خلال مواجهاته مع داعش في السنوات السابقة، وهي مستعدّة لاستمرار ذلك الدعم إذا ظهرت تهديدات جديدة للأقلية الدرزية جنوبي سوريا.
كذلك دعت شخصيات درزية في إسرائيل (مثل أعضاء كنيست من الطائفة)، حكومة نتنياهو، إلى دعم استقرار السويداء إنسانياً وأمنياً لتجنيبها سيناريوهات الفوضى أو الإرهاب. وطالب عضو الكنيست السابق أكرم حسون، حكومة إسرائيل بالتدخل بشكل مباشر لحماية دروز سوريا من أيّ هجمات طائفية محتملة.
ويُذكر أنّ لإسرائيل مصالح مباشرةً في الجنوب السوري، فهي تعدّ أي فراغ هناك تهديداً يمكن أن تستغلّه إيران أو التنظيمات الإرهابية. لذا، تحاول إسرائيل بحسب تقارير، تعزيز وجودها في محافظة القنيطرة عبر استمالة السكان، خصوصاً الدروز، مستغلةً الأوضاع الإنسانية المتدهورة وغياب مؤسسات الدولة السورية الجديدة، لتقدّم عروضاً اقتصاديةً تشمل فرص عمل برواتب مرتفعة داخل الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى مساعدات غذائية وطبية، وبناء مدارس ومستشفيات، وتمديد شبكات الكهرباء والمياه.
لا يحظى سيناريو التقسيم بإجماع لدى دروز سوريا، في المقابل هناك سيناريو آخر كالذي يطرحه الشيخ الهجري، وهو الحكم اللامركزي أو الفيدرالي الذي يمنح الجنوب صلاحيات واسعةً لإدارة شؤونه. ببرلمان محلّي وحكومة محلية تدير شؤون التعليم والأمن الداخلي والتنمية المحلية، مع بقائها ضمن دولة موحدة
غير أنّ هذه المحاولات تواجه رفضاً شعبياً، ولا سيّما من بعض القرى الدرزية، التي ترفض دعوات إسرائيلية للقاء الشيخ موفق طريف في الجولان المحتل، عادّةً ذلك "استغلالاً للانتماء الديني لتلميع الاحتلال". يتزامن ذلك مع توسّع عسكري إسرائيلي، تمثّل في إنشاء 12 موقعاً عسكرياً جديداً في القنيطرة، مجهزةً بمرافق سكنية وبنية تحتية حديثة، ما يشير إلى نية في إقامة وجود عسكري طويل الأمد في المنطقة.
سيناريوهات دروز سوريا اليوم
يبدو خيار التقسيم الكامل باستحداث كيان درزي مستقلّ في جبل الدروز، ضعيف الاحتمال ومرفوضاً من كثير من الأهالي. كما أنّ الدويلة الدرزية في "جبل العرب" أو "جبل الدروز"، التي كانت مطروحةً إبان الانتداب الفرنسي (1921-1936)، ليست نموذجاً مرغوباً فيه اليوم، خاصةً أنها محدودة الموارد، وستعتمد في حال إنشائها على دعم خارجي.
ومع ذلك، هناك سيناريو آخر كالذي يطرحه الشيخ الهجري، وهو الحكم اللامركزي، أو الفيدرالي الذي يمنح الجنوب صلاحيات واسعةً لإدارة شؤونه. في حال تبنّي سوريا نظاماً فيدرالياً شاملاً، قد يصبح إقليم جبل الدروز وحدةً فيدراليةً تتمتع ببرلمان محلّي وحكومة محلية تدير شؤون التعليم والأمن الداخلي والتنمية المحلية، مع بقائها ضمن دولة موحدة.
هذا السيناريو يلقى قبولاً مبدئياً لدى الكثير من الدروز، لأنّه يضمن تلبية طموحهم في الحكم الذاتي النسبي دون تمزيق البلاد.
في المقابل، الكونفدرالية كصيغة تجمع الجنوب مع كيان أو كيانين آخرين برابط فضفاض ليست مطروحةً بجدية في ما يخصّ الدروز، نظراً إلى صغر حجمهم الجغرافي والبشري نسبياً، ولأنّ أيّ كونفدرالية تتطلب وجود دولتين أو أكثر قائمة بذاتها. الدروز يفضّلون إما وحدةً اندماجيةً أو نوعاً من الاتحاد الفيدرالي داخل سوريا، وليس وضعاً كونفدرالياً مع جهة أخرى منفصلة، لذا لم يتم طرح هذا السيناريو من أي طرف.
ويظل سيناريو الدولة المركزية الديمقراطية، هو السيناريو المثالي الذي يأمل فيه كثير من السوريين، ويعني قيام نظام حكم مدني ديمقراطي تعددي في إطار دولة موحدة بسيطة (غير اتحادية). بموجب هذا السيناريو، تنجح السلطة الانتقالية في بناء مؤسسات وطنية جامعة -كجيش وطني محترف يضم المكونات كافة، وهيئات قضائية مستقلة، وحكومة تمثّل الجميع- دون الحاجة إلى ترتيبات فئوية.
في هذه الحالة، سيتم اعتماد اللامركزية الإدارية فقط (وليس السياسية)، بحيث تُمنح المحافظات صلاحيات محليةً واسعةً لإدارة شؤونها اليومية ضمن قوانين موحدة. هذا السيناريو يتطلب مصالحةً وطنيةً عميقةً وثقةً عاليةً بين مكونات الشعب، بحيث يشعر الجميع بالأمان في ظلّ حكومة مركزية عادلة. عندها تنتفي رغبة الدرزي أو العلوي أو الكردي في كيان خاص، إذا ضمن حقوقه كاملةً في الدولة الواحدة.
بعبارة أخرى، يصبح التنوع السوري مصدر ثراء ضمن حكومة ديمقراطية، كما هو حال دول غربية عديدة متعددة الأعراق لكن موحدة سياسياً، ويستلزم ذلك بالطبع اقتلاع جذور الاستبداد وبناء عقد اجتماعي جديد يؤكد المواطنة المتساوية ويجرّم أي تمييز على أساس ديني أو قومي. من فوائد هذا السيناريو أنه الأبسط والأقلّ كلفةً إدارياً، فلا حاجة إلى إعادة ترسيم حدود أو إنشاء برلمانات محلية، بل يكفي إجراء انتخابات حرّة عامة لاختيار ممثلين عن الشعب كله. كما أنّه يضمن وحدة الجيش والقضاء والسياسة الخارجية، ما يعيد لسوريا ثقلها الإقليمي مجدداً.
وقد عبّر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، عن هذا الطموح بقوله: "نريد نموذج حكم مدني ديمقراطي، يقوم على مؤسسات قوية وجيش جامع". لكن الإعلان الدستوري قد يقف حائلاً دون هذا الحلم، وقد يحيل الأقليات إلى فكرة اللامركزية، سواء الإدارية أو حتى السياسية، كحلّ وسط إلى حين استقرار سوريا، وتطوير البنية التشريعية بما يضمن تمثيل الجميع، وتحقيق مبدأ المواطنة العادلة، ولا سيّما في تداول السلطة دون أي اعتبار لفروقات عرقية أو دينية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
م.هيثم عادل رشدي -
منذ 13 ساعةمقال رائع وضع النقاط على الحروف فالحقيقة أن النزاعات جعلت أبناء شعوبنا متشردين ولاجئين ومهاجرين...
Zee Hilal -
منذ يومينAlso you have ZERO presence on social media or any search I have done. Are you real? Who is the...
Zee Hilal -
منذ يومينI was dating a gf who was Irish for 8 years and she was an alcoholic. Seriously why are you...
Zee Hilal -
منذ يومينLOVE is the reason we incarnate. Don't blame me because some low income people who are stuck are...
Zee Hilal -
منذ يومينYour druze! You should be ashamed of yourself! Oh. Your going to hear about this when we are...
Zee Hilal -
منذ يومينDon't blame the druze faith when people don't know what it is. If you want to marry someone like...