شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
المسألة السورية (2)... ما الذي ينتظر الأكراد في

المسألة السورية (2)... ما الذي ينتظر الأكراد في "العهد الجديد"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 11 مارس 202504:57 م

قال أحد أساتذة السياسة: "إنّ أعتى وأكبر الحروب في العالم تنتهي على طاولة، وليس على الأرض"، في إشارة إلى قوة الدبلوماسية التي تتفوق أحياناً على قوة السلاح. ولعلّ الاتفاق الذي تمّ بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية الحالية برئاسة محمد البشير، مؤخراً، خير دليل على صدق هذه المقولة.

​في تطور مفاجئ -ومريح لمعظم الأطراف- وقّعت الحكومة السورية اتفاقاً، مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، أمس الإثنين 10 آذار/ مارس 2025، لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، في مؤسسات الدولة السورية.

توقيت الاتفاق أيضاً لا يغيب عن قراءة المشهد، إذ جاء بعد أحداث "فتنة الساحل" في الغرب السوري، والتي راح ضحيتها أكثر من 1،000 سوري بين رجال أمن ومدنيين، غالبيتهم من العلويين، واشتباكات "جرمانا" في الجنوب، حيث الأغلبية الدرزية، بينما ذهبت التوقعات إلى أنّ آخر فئة يمكن أن تقبل بالاندماج الكلي هي الأكراد، ولأسباب عدة: أولاً لأنهم الأقرب إلى الحكم الذاتي بحكم تشكيلهم مؤسسات ونظاماً حكومياً وحتى ما يشبه الجيش النظامي في مناطقهم، وثانياً لرفضهم ومن ثم إقصائهم عن المشاركة في المؤتمر الوطني، وثالثاً لأنّ مطالباتهم تعارضت مع تصريحات الحكومة السورية الجديدة، والرئيس الشرع، ولا سيّما دمج القوات الكردية في الجيش السوري.

فهل يضع هذا الاتفاق حدّاً للظلم التاريخي الذي لحق بالأكراد؟ وهل هو بداية الحصول على حقوقهم؟

بنود الاتفاق

يأتي اتفاق الدمج في 8 بنود، بحسب ما نشرت الرئاسة السورية، هي التالية:

1 - ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة في العملية السياسية ومؤسسات الدولة كافة بناءً على الكفاءة، وبغضّ النظر عن خلفيتهم الدينية أو العرقية.

2- الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة وحقوقه الدستورية.

اختلفت التجربة الكردية بشكل جذري عن تجارب الأقليات الأخرى خلال الحرب الأهلية السورية. إذ تمكنوا بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من بسط سيطرة شبه كاملة على مناطق شمال سوريا وشرقها، وتذوّق طعم الاستقلال ولو نسبياً، بعد سنوات من الاضطهاد

3- وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية.

4- دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرقي سوريا في إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.

5- تأمين عودة جميع المهجّرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية.

6- دعم الدولة السورية في مواجهة فلول الأسد، وجميع التهديدات التي تستهدف أمن سوريا ووحدتها.

7- رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفرقة بين مكونات المجتمع السوري كافة.

8 - تعمل وتسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.

خصوصية التجربة الكردية

لكن، لا بدّ من الإشارة إلى الاختلاف الجذري لتجربة الأكراد السوريين خلال الحرب الأهلية السورية، وما بعد سقوط الأسد، عن تجربة بقية الأقليات والمكونات، إذ تمكنت قواتهم بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من بسط سيطرة شبه كاملة على مناطق شمال سوريا وشرقها، وتذوّق طعم الاستقلال ولو نسبياً، بعد سنوات من الاضطهاد.

الاتفاق الذي وُصف بالتاريخي، يهدف إلى تعزيز وحدة الأراضي السورية، وضمان حقوق المكونات الكردية في الدستور، وهذا جزء من المطالب التاريخية للأكراد الذين عانوا كثيراً من إنكار هويتهم خلال الحقبة البعثية، وبالأخص خلال حكم حافظ الأسد، وخلال فترة الوحدة العربية في ما سُمّي بـ"الحزام العربي".

في تلك السنوات، تم تعريب مناطقهم قسراً، وترحيل البدو إليها وتوطينهم فيها وتمليكهم الأراضي، ومنعهم من التحدث بلغتهم أو التعامل بها في الإجراءات الورقية والرسمية، وحتى تغيير أسماء مناطقهم وقراهم ومدنهم إلى أسماء عربية، وأبرزها "كوباني" التي تغيرت إلى "عين العرب"، بالإضافة إلى صعوبة استخراجهم أوراقاً رسميةً، ومنعهم من بعض المهن. لذا يبدو أنّ البندين الأول والثاني من الاتفاق، سيعيدان بعض الحقوق الضائعة للأكراد، في حال اتفقت اللجان التنفيذية المشتركة، التي أقرّها البند الثامن، على المقصود بـ"الحقوق"، و"خصوصية المجتمع الكردي".

أقام الأكراد إدارةً ذاتيةً بحكم الأمر الواقع في تلك المناطق منذ عام 2014، مستفيدين من انشغال النظام في الجبهات الأخرى، وقد يصحّ القول بأنّ "اليد الطولى" في القضاء على تنظيم داعش كانت لهم، على الأقل في الشمال السوري، وهم الذين تعرّضوا لأشدّ أنواع الهجمات، ولسبي النساء من قبل التنظيم، ومن غيره من الفصائل المتطرفة.

بحسب البند الثامن، ستقع على عاتق اللجنة التنفيذية المشتركة، من الطرفين، خلق آليات تنفيذ وجداول زمنية واضحة لتحويل البنود إلى واقع ملموس، وتجاوز تضارب المصالح لصالح المصلحة العامة.

ومع سقوط الأسد، وجد الأكراد أنفسهم، قوة الأمر الواقع في المشهد السوري بجانب الحكومة الانتقالية،. لذا فمن المنطقي أن يتمحور هاجس الأكراد الأكبر حول خسارة مكاسب الحكم الذاتي التي انتزعوها خلال الحرب، وأن يخشوا من أن تحاول السلطة المركزية الجديدة -بتشجيع من تركيا- إلغاء إدارتهم الذاتية وانتزاع مناطقهم بالقوة، ولا سيّما أن التاريخ القريب يوثّق تعرّض الأكراد لهجمات من الجيش التركي وفصائل معارضة مدعومة تركياً، مثل عملية "نبع السلام" عام 2019، عندما سنحت الفرصة بانسحاب جزئي للقوات الأمريكية​.

لكن ما الذي جدّ في المعطيات السياسية والعسكرية، ليجلس الأكراد على طاولة ويوقعوا هذا الاتفاق مع الدولة المركزية، حليفة تركيا عدوّهم الأوّل؟

فيما تبدو بعض البنود فضفاضةً في صياغتها أو شعاراتيةً أكثر منها قانونية، مثل الذي ورد في البند السابع من رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بثّ الفرقة بين مكونات المجتمع السوري كافة، يبدو أنّ الاتفاق كله يتمحور بشكل أو بآخر حول البند السابع، الذي ينصّ على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرقي سوريا في إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، وهو ما يحقق المطالبات التركية، وليس مطالبات الدولة السورية فحسب.

ترامب وأوجلان… صنعا الفرق

كانت رسالة عبد الله أوجلان، بلا شكّ، دافعاً أساسياً للعديد من الأكراد، لإعادة التفكير في إستراتيجياتهم، فقد أحدثت الدعوة التي أطلقها مؤسس حزب العمال الكردستاني، من سجنه، يوم 27 شباط/ فبراير 2025، صدى واسعاً في الأوساط السياسية الإقليمية والدولية، خاصةً أنّ الدعوة تحمل في طياتها ملامح لإنهاء صراع دموي استمرّ إلى ما يزيد على أربعة عقود، شنّت خلالها القوات التركية حرباً قاسيةً على المكونات الكردية في كلّ من تركيا وسوريا والعراق، وفي المقابل ردّ المقاتلون الأكراد بهجمات مماثلة.

وعلى الرغم من أنّ قائد "قسد" في سوريا، مظلوم عبدي، كان قد صرّح في التعقيب على رسالة أوجلان، بأنها "إيجابية، لكنها لا تخصّهم"، في إشارة إلى أنها موجهة حصراً إلى حزب العمال الكردستاني في تركيا، لكن من الواضح أنها تركت أثر كرة الثلج على الأكراد في المنطقة عموماً.

لكن العامل الذي قد يكون حاسماً أكثر من غيره، هو الضغط الأمريكي، إذ يخشى الأكراد تكرار سيناريو تخلّي الحلفاء عنهم، سواء بانسحاب مفاجئ للقوات الأمريكية أو بصفقات إقليمية تأتي على حسابهم، خصوصاً أن ترامب، ألمح أكثر من مرة إلى احتمالية سحب القوات الأمريكية من سوريا، والمتمركزة في مناطق "قسد"، الأمر الذي قد يتركهم في مواجهة مباشرة مع الحكومة السورية، ومعها حليفتها تركيا.

فيما تبدو بعض البنود فضفاضةً في صياغتها أو شعاراتيةً أكثر منها قانونية، يبدو أنّ الاتفاق كله يتمحور بشكل أو بآخر حول البند السابع، الذي ينصّ على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية كافة في شمال شرقي سوريا في إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، وهو ما يحقق المطالبات التركية، وليس مطالبات الدولة السورية فحسب

تصريحات ترامب، بإمكانية سحب قوات بلاده من سوريا، عززتها كذلك تصريحات مسؤولين أمريكيين لشبكة "CNBC"، بأنّ وزارة الدفاع (البنتاغون) تعمل على وضع خطط لسحب جميع القوات الأمريكية من الأراضي السورية. وفي الوقت ذاته تناقلت تقارير أخباراً مفادها أنّ الاتفاق تم بضغط ورعاية من أمريكا.

الاتفاق يأتي في ظلّ تطورات حساسة، الأمر الذي يفتح باب التساؤلات حول الدور المستقبلي الذي قد تلعبه وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لـ"قسد"، والتي حظيت بدعم وتدريب مباشر من الولايات المتحدة. لذا فمن المرجح أن تكون لهذا الاتفاق انعكاسات إقليمية واسعة، خاصةً في ظلّ موقف تركيا الرافض لأيّ نفوذ كردي على حدودها.

… وتبقى التخوفات قائمةً

توقيع الاتفاق، ومع كل التفاؤل الذي صاحبه، لا ينفي التخوف من الخطاب الإسلامي -وهو تخوّف تشاركهم إياه الأقليات الأخرى- إذ يرون فيه تهديداً لمنجزاتهم الاجتماعية، مثل مشاركة المرأة الواسعة، وحرية المعتقد، واعتماد اللغة الكردية الذي رسّخوه في مناطق الإدارة الذاتية.

فقبل التوقيع، لم يخفِ الأكراد قلقهم على مصير قواتهم العسكرية؛ فهل سيتمّ دمج مقاتلي "قسد" في جيش وطني جديد أو يُفرض عليهم تفكيكه؟

وكان قائد قسد مظلوم عبدي، قد طالب الإدارة السورية سابقاً بأن يتم الاعتراف بقواته ودمجها في الجيش السوري المستقبلي، -ضمن هيكل مستقل- على غرار وضع البشمركة في كردستان العراق​، لضمان استمرار قدرة الأكراد على الدفاع عن مناطقهم. قبل أن يعود ويقول بالأمس بعد توقيع الاتفاق إن "سوريا فيها جيش واحد فقط، لا جيشين".

وطالب كذلك، بأن يحصّل الأكراد اعترافاً دستورياً بهويتهم القومية وحقوقهم الثقافية، كإقرار اللغة الكردية كلغة رسمية ثانية ومنح إقليمهم الحق في إدارة موارده الذاتية​. وهو ما يبدو أنهم حصلوه، وفقاً للبند الثاني من الاتفاق.

قبل التوقيع، لم يخفِ الأكراد قلقهم على مصير قواتهم العسكرية؛ فهل سيتمّ دمج مقاتلي "قسد" في جيش وطني جديد أو يُفرض عليهم تفكيكه؟

وقد أكد مسؤولون أكراد أنهم مستعدون ليكونوا جزءاً من سوريا الجديدة شرط أن يتم الاعتراف بخصوصيتهم​، بالمقابل، وقد سعت الحكومة الانتقالية منذ أيامها الأولى إلى تبديد هواجس الأقليات عبر خطاب تصالحي وإجراءات ميدانية. كما لم يتردد قادة الفصائل المنتصرة، وعلى رأسهم الشرع، ورئيس الخارجية الشيباني، في توجيه رسائل طمأنة علنية، مثل تأكيدهم احترام التنوع الديني والثقافي في سوريا الجديدة​، وأن لا أحد فوق القانون ولا أحد سيعاقَب جماعيًا بسبب طائفته​.

الشيطان في التفاصيل

لكن التنفيذ الفعلي لهذا الاتفاق سيظلّ مرهوناً بالتطورات الميدانية، ومدى تفاعل الأطراف الدولية المعنية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمةً في تحديد مستقبل الشمال السوري.

فالشيطان يكمن في التفاصيل، وبحسب البند الثامن والأخير من الاتفاق، ستقع على عاتق اللجنة التنفيذية المشتركة، التي سيتم اختيارها من الطرفين، خلق آليات تنفيذ وجداول زمنية واضحة لتحويل البنود إلى واقع ملموس، وتجاوز تضارب المصالح لصالح المصلحة العامة لسوريا الدولة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image