شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"مو" في موسمه الثاني... الهوية الفلسطينية بلا تأتأة في الـ"مينستريم"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والمهاجرون العرب

الجمعة 21 فبراير 202511:01 ص

في عالم المسلسلات التي تتناول قضايا الهوية والاغتراب، نادراً ما نجد عملاً يقدّم تجربة اللاجئ الفلسطيني، بعيداً عن الصور النمطية. لكن مسلسل "مو"، خاصةً في موسمه الثاني الذي يُعرض على منصة "نتفلكس"، استطاع أن يخطو خطوةً جريئةً نحو تقديم سرد أكثر عمقاً وإنسانيةً، فلم تعد مجرد قصة مهاجر يحاول التكيف مع واقعه الجديد، بل تحولت إلى رحلة بحث عن الذات، حيث تتداخل الهوية الفلسطينية مع المنفى، والحنين مع محاولات التعايش.

ولكن الفارق الرئيس بين الموسمين، هو أنّ الموسم الأول قدّم الهوية الفلسطينية كجزء من الخلفية، بينما في الموسم الثاني أصبحت جزءاً أساسياً من القصة.

الفارق الرئيس بين الموسمين، هو أنّ الموسم الأول قدّم الهوية الفلسطينية كجزء من الخلفية، بينما في الموسم الثاني أصبحت جزءاً أساسياً من القصة.

هذا التطور يعكس تحولاً في طريقة تناول فلسطين في الإعلام الغربي، حيث أصبح هناك قبول أكبر لسرد الرواية الفلسطينية من منظور شخصي وإنساني. "مو"، الذي أبدعه محمد عامر ورامي يوسف، وأخرجه سولفان نعيم، يُعدّ من الأعمال النادرة التي تعكس تجربة اللاجئ الفلسطيني في الولايات المتحدة، ممزوجةً بالكوميديا والدراما الاجتماعية.

فبعد النجاح الكبير للموسم الأول، جاء الموسم الثاني ليكمل رحلة "مو نجار"، ولكن مع تطور ملحوظ في طريقة تناول الهوية الفلسطينية، ليصبح أكثر وضوحاً وجرأةً، وعلى ما يبدو فإنّ تصويره في زمن حرب الإبادة على غزّة جعله يخطو هذه الخطوات الجريئة.

في هذا المقال، سنقارن في البداية بين الموسمَين، ونحلل كيف تغيّر السرد والشخصيات، وبعدها ننتقل للحديث عنه فنياً، خاصةً في طريقة الإخراج، وإدارة المخرج لجميع العناصر الفنية.

من النجاة إلى المواجهة

في الموسم الأول، كان "مو نجار"، شخصيةً تحاول التأقلم مع واقعها الجديد، متجنباً المواجهة المباشرة مع ماضيه الفلسطيني أو وضعه القانوني غير المستقر في أمريكا. كان يسعى إلى البقاء، إلى إيجاد موطئ قدم في عالم يبدو أنه يرفضه باستمرار.

أما في الموسم الثاني، فالتغيير كان واضحاً منذ الحلقات الأولى، خاصةً بعد أن احتُجز "مو" في المكسيك، وشاهد بأمّ عينه ماذا تعني فكرة اللجوء من أشخاص غالبيتهم لديهم أوطان. لم يعد "مو" مجرد شخص يبحث عن الاستقرار بأيّ ثمن، بل أصبح أكثر وعياً بهويته الفلسطينية وأكثر استعداداً لمواجهة الحقيقة، سواء في ما يتعلق بماضيه أو بمستقبله. المسلسل لم يعد يدور فقط حول المعاناة اليومية لمهاجر غير موثق، بل أصبح يطرح أسئلةً أعمق: ماذا يعني أن تكون فلسطينياً في الشتات؟ كيف تتعامل مع ذاكرة المكان الذي غادرته؟ وهل يمكن للمنفى أن يصبح وطناً؟

رحلة البحث عن الجذور

من أكثر التطورات الملحوظة في الموسم الثاني، التعمق في الخلفية الشخصية لـ"مو". لم يعد مجرد شابّ يروي نكاتاً ساخرةً عن وضعه، بل أصبح شخصيةً أكثر عاطفيةً ووعياً.

بدأنا نرى جوانب لم تكن واضحةً في الموسم الأول، مثل صراعه الداخلي بين الانتماء الفلسطيني والاندماج في المجتمع الأمريكي، ورغبته في الحفاظ على تراثه مقابل حاجته إلى الشعور بالقبول.

التحول الكبير في شخصيته انعكس أيضاً على علاقاته، سواء مع عائلته أو أصدقائه أو حتى مع نفسه. لم يعد "مو" يهرب من مشكلاته بروح ساخرة فقط، بل بدأ يواجهها مباشرةً، حتى لو كان ذلك يعني الدخول في صراعات أكبر.

في الموسم الأول، كان "مو" يُقدَّم كشخص يحاول التكيّف مع واقعه الجديد في أمريكا، دون التطرق العميق إلى جذوره الفلسطينية. نعم، كانت هناك تلميحات حول معاناته كلاجئ فلسطيني، لكنها كانت في الخلفية، وغالباً ما كانت تعكس الضغوط العامة التي تواجهها أي عائلة مهاجرة في الولايات المتحدة.

أما في الموسم الثاني، فقد تغيّرت طريقة تقديم الشخصية بشكل واضح. أصبح مو أكثر وعياً بهويته الفلسطينية، وأقلّ اهتماماً بالتأقلم المطلق على حساب جذوره. لم يعد يخشى الحديث عن فلسطين بشكل مباشر، وأصبحت القضية حاضرةً في تفاصيل يومياته، سواء من خلال نقاشاته أو القرارات التي يتخذها. هذا التطور جعل الشخصية أكثر عمقاً، حيث لم يعد مجرد شخص يبحث عن الاستقرار، بل أصبح شخصيةً تحمل رسالةً ثقافيةً وسياسيةً.

فالهوية الفلسطينية انتقلت من تلميحات إلى خطاب واضح، فهناك لحظات في الموسم الثاني تضع الهوية الفلسطينية في صلب القصة، دون الحاجة إلى الالتفاف حولها أو تقديمها بحذر.

المسلسل لم يعد يدور فقط حول المعاناة اليومية لمهاجر غير موثّق، بل أصبح يطرح أسئلةً أعمق: ماذا يعني أن تكون فلسطينياً في الشتات؟ كيف تتعامل مع ذاكرة المكان الذي غادرته؟ وهل يمكن للمنفى أن يصبح وطناً؟

الرموز البصرية ودورها في تعزيز السرد

من الأمور التي جعلت الموسم الثاني أكثر تأثيراً، استخدام الرموز البصرية بشكل ذكي، سواء من خلال الألوان أو الأزياء أو حتى التفاصيل الصغيرة التي تعكس الانتماء الفلسطيني. هناك مشاهد يظهر فيها "مو" وهو يحمل أشياء ترمز إلى فلسطين، مثل مفتاح قديم يرمز إلى حق العودة، وهو عملياً لا يفارقه سواء في يقظته أو نومه من خلال أحلام تأتي على شكل أفراد من عائلته وتحديداً جدّه، أو من خلال مأكولات فلسطينية تجعل الهوية محسوسةً حتى في أبسط اللحظات اليومية.

وهنا، من المناسب الانتقال إلى الشخصية "الإسرائيلية" الحاضرة في العمل، التي جاءت بناءً على قرار اتخذته حبيبته السابقة ماريا (تيريزا رويز)، الأمريكية من أصول مكسيكية، والتي تخلى عنها "مو" في أثناء تواجده في المكسيك، فقررت أن تستبدله بإسرائيلي كي تضمن أنه لن يعود لها. دوره عملياً منوط بقدرته على سرقة المأكولات العربية، ونسبتها إلى مطبخهم "الإسرائيلي"، خاصةً أنه صاحب مطعم شهير في مدينة هيوستن في ولاية تكساس، وهي المدينة الشاهدة على أحداث الموسمَين.

المفارقة أنّ المواجهات التي كانت تحدث بين "مو"، وهذه الشخصية، هي الأضعف في المسلسل، لأنها تعطي انطباعاً بأنّ الخلاف أصبح معوياً، فاختصار المأساة الإنسانية بمعركة معوية يدمّر فكرة القضية الفلسطينية. فالصراع على صحن فلافل أو حمص، ومن أحق به، ليس لبّ الحكاية، خاصةً أنك بالفعل لديك قضية تستحق العدالة وتستحق أن تكون إنسانيةً.

من الممكن أن مثل هذه الحوارات تؤثر على المتلقي غير الناطق بالعربية، والعمل أساساً موجه إلى هذه الفئة التي تحتاج إلى التبسيط في تناول فلسطين.

لا يعني هذا أنّ موضوع المطبخ وتراثه ليس مهماً، لكن تناوله ضمن عمل قوي في الوقت الراهن تحديداً قد لا يعجب كثيرين.

المفارقة أنّ المواجهات التي كانت تحدث بين "مو"، وهذه الشخصية الإسرائيلية، هي الأضعف في المسلسل، لأنها تعطي انطباعاً بأنّ الخلاف أصبح معوياً، فاختصار المأساة الإنسانية بمعركة معوية يدمّر فكرة القضية الفلسطينية

التحوّل في النغمة والأسلوب الدرامي

بينما اعتمد الموسم الأول على التوازن بين الكوميديا والدراما، أصبح الموسم الثاني أكثر ميلاً إلى الجانب الدرامي. لا يعني هذا أنّه تخلّى عن حس الفكاهة، لكنه أصبح يستخدم الكوميديا بطريقة أكثر ذكاءً، حيث لم تعد مجرد أداة للضحك، بل أصبحت وسيلةً لكسر التوتر والانتقال بين المشاهد الثقيلة.

أحد أبرز التغيرات كان في طبيعة الحوارات، بحيث أصبحت أكثر نضجاً وعمقاً بالرغم من التخبط مرات عديدة، ولم تعد مجرد ردود فعل ساخرة على مواقف الحياة. أصبحت هناك مساحة للصمت والتأمل، ما منح الشخصيات بعداً إنسانياً أكثر تعقيداً.

كيف ساهم الإخراج في تشكيل الهوية البصرية للمسلسل؟

بفضل توظيف ذكي للكاميرا، الإضاءة، الألوان، والرموز البصرية، استطاع الإخراج بإدارة سولفان، في الموسم الثاني من "مو"، أن يمنح القصة بعداً عاطفياً وإنسانياً أعمق.

لم يكن مجرد توثيق للأحداث، بل كان أداةً لسرد الصراع الداخلي للشخصية بطريقة بصرية مؤثرة. هذا ما جعل الموسم الثاني أكثر نضجاً، وأكثر قدرةً على إيصال تجربة اللاجئ الفلسطيني في الشتات بشكل حقيقي وغير نمطي.

ما يميز الموسم الثاني من "مو"، هو أنه لم يكتفِ بتكرار نجاح الموسم الأول، بل قرر أن يذهب أبعد، أن يكون أكثر جرأةً وصدقاً.

في العديد من المشاهد، نلاحظ أنّ "مو" لا يبقى ثابتاً كثيراً، بل دائماً في حالة حركة، حتى عندما يتحدث في لحظات توتر أو حيرة. هذه الحركة المستمرة تعكس عدم استقراره النفسي، وشعوره بأنه لم يجد بعد المكان الذي ينتمي إليه.

وفي المشاهد التي يكون فيها مضطراً إلى اتخاذ قرار صعب، نراه واقفاً في منتصف الطريق أو في أماكن مزدحمة، ما يرمز إلى ضياعه بين خيارات متعددة لا تمنحه أي يقين.

وعندما يعود إلى قريته بورين، تجده وقد أصبح ثابتاً، قوياً وصلباً.

اتّسم الإخراج بتركيز بصري وسردي يعكس التحولات الداخلية للشخصية. المخرج سولفان استخدم اللقطات القريبة لإبراز التوتر العاطفي، بينما وظّف اللقطات الواسعة للتعبير عن العزلة.

الألوان والإضاءة لعبتا دوراً مهماً؛ حيث كانت المشاهد الدافئة تعكس الحنين إلى فلسطين، بينما المشاهد الباردة جسدت قسوة الواقع.

الإيقاع السردي كان متوازناً بين الدراما والكوميديا، ما جعل التفاعل بين الشخصيات أكثر طبيعيةً.

الأداء المميز للممثلة فرح بسيسو، التي تؤدي دور "يسرا"، والدة "مو"، يؤكد على ما تتمتع به هذه الممثلة من طاقات تحتاج فعلاً إلى توظيف من خلال مخرج يستطيع أن يعطيها المساحة كي تتألق. الحديث عنها وعن أدائها يحتاج إلى مقال منفصل.

شيرين دعيبس، بشخصية "ناديا"، شقيقة "مو"، التي أبدعت كمخرجة، تقف أمام كاميرا سولفان وتترك بصمتها بخفّة وتميّز.

الممثل عمر ألبا، بشخصية "سمير" المصاب بالتوحد، يمتاز بالنضوج وبتمكّن واضح في الأداء تعززهما المساحة التي مُنحت له كي يعبّر عن نفسه أكثر.

وكان ملح العمل منوطاً بشخصيات الممثلين والممثلات الفلسطينيين مثل كامل الباشا، الذي غالباً ما يضيف لأي عمل يكون فيه، وريم تلحمي التي عززت من قوة الرسالة في العمل من خلال صوتها والأغاني التراثية التي صدحت بها.

بشكل عام، نجح الإخراج في تقديم تجربة بصرية عميقة جعلت الموسم الثاني أكثر نضجاً وتأثيراً، حيث دمج الفن البصري بالسرد ليحكي قصة اللاجئ الفلسطيني بطريقة حساسة وإنسانية.

نجح الإخراج في تقديم تجربة بصرية عميقة جعلت الموسم الثاني أكثر نضجاً وتأثيراً، حيث دمج الفن البصري بالسرد ليحكي قصة اللاجئ الفلسطيني بطريقة حساسة وإنسانية.

لماذا الموسم الثاني تجربة مختلفة؟

ما يميز الموسم الثاني من "مو"، هو أنه لم يكتفِ بتكرار نجاح الموسم الأول، بل قرر أن يذهب أبعد، أن يكون أكثر جرأةً وصدقاً.

لم يعد المسلسل عن فلسطيني في أمريكا، بل عن التجربة الفلسطينية نفسها، عن الشتات والمنفى والانتماء، وعن الهوية التي لا تُختصر في وثيقة سفر أو مكان إقامة.

هذا التحول جعل الموسم الثاني أكثر تأثيراً، وأكثر قدرةً على لمس مشاعر المشاهدين، سواء كانوا فلسطينيين أو من أي ثقافة أخرى تعيش تجربة الاغتراب. إنه عمل يطرح أسئلةً تتجاوز القصة نفسها، وتفتح باباً للنقاش حول ما يعنيه أن تكون لاجئاً، مهاجراً، أو ببساطة إنساناً يبحث عن مكان ينتمي إليه.

الموسم الثاني لم يقدّم إجابات واضحةً أو نهايات سعيدةً تقليديةً، بل ترك الشخصيات والجمهور أمام تساؤلات مفتوحة.

هل يمكن للمنفى أن يصبح وطناً؟ هل البحث عن الاستقرار يعني التخلي عن الجذور؟ هل يمكن لشخص مثل "مو"، أن يجد السلام بين هويتين متناقضتين؟

هذه الأسئلة لم تكن مجرد عناصر في القصة، بل كانت صدى لحالة يعيشها الكثير من الفلسطينيين في الشتات. المسلسل لم يحاول تقديم حلول سطحية، بل ترك الأمور مفتوحةً، وهو ما جعله أكثر صدقاً وواقعيةً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image