"رمضان يعني مصر، ومصر يعني رمضان"؛ هذه الجملة تتردد على ألسنة الكثير من المغتربين المصريين عندما يتحدثون عن تجربة قضاء شهر رمضان بعيداً عن الوطن. في بلاد لا تعرف كثيراً عن هذا الشهر، ولا تعكس مظاهره الروحانية أو الاجتماعية كما هو الحال في مصر، يصبح التحدّي الحقيقي للمهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا هو كيفية الاحتفاظ بوهج رمضان وسط بيئة لا تعيش مفرداته.
من أبرز ملامح رمضان في مصر والعالم العربي، سباق الدراما السنوي، حيث يتنافس المخرجون والنجوم على تقديم أعمال تلفزيونية تستحوذ على اهتمام المشاهدين طوال ثلاثين يوماً. هذا الارتباط الوثيق بين رمضان والتلفزيون يجعل الأعمال الدرامية بمثابة حلقة وصل بين المغتربين وأوطانهم، خاصةً الجيل الجديد منهم الذي قد يجد نفسه في بيئة لا تحتفي بالمناسبة كما اعتاد.
الارتباط العميق بين رمضان والتلفزيون يحوّل الأعمال الدرامية إلى جسر يصل المغتربين بأوطانهم
وبرغم أنّ الجالية العربية موجودة في البرتغال منذ عقود، إلا أنها تظل صغيرةً مقارنةً بالجاليات البرازيلية أو الأنغولية أو حتى الجاليات القادمة من دول شرق آسيا، لذلك لا تتمتع العاصمة لشبونة بأي أجواء رمضانية قد تجدها في مدن أوروبية أخرى مثل برلين أو باريس، حيث تكتظ الأسواق بالمحال العربية وتنتشر المطاعم التي تقدّم وجبات الإفطار والسحور.
في ظلّ هذا الغياب التام للأجواء الرمضانية، يصبح التلفاز والدراما ملاذاً مهماً للكثيرين، خاصةً الشباب الذين يعيشون أولى تجارب الغربة.
قارّتان وتلفاز واحد
يخوض يوسف علي، الشاب المصري البالغ من العمر 26 عاماً، والذي يعيش في مدينة "بورتو" شمالي البرتغال، تجربته الثانية مع رمضان في البرتغال بعيداً عن أسرته. بعد أن قرر الهجرة للعمل في لشبونة، قبل عامين، وجد نفسه مضطراً إلى التكيف مع إيقاع حياة مختلفة، حيث لا يُمنح إجازةً للسفر أو الاحتفال برمضان كما كان الحال في مصر.
يوسف علي: قررت أن أشاهد المسلسل الذي تشاهده والدتي في مصر، شعرت وكأنني لا أزال معها، كنا نتحدث يومياً عن الحلقات ونتوقع الأحداث المقبل، ربما يكون ذلك أمراً بسيطاً للبعض، لكنه كان يربطني بأجواء البيت والعائلة.
يقول يوسف: "السنة الماضية، لم يكن لديّ سوى هاتفي المحمول، وكنت أتابع من خلال مواقع المشاهدة الحيّة برنامج المقالب لرامز جلال الذي اعتدت مشاهدته منذ طفولتي كل عام، حتى أنني كنت أحفظ التتر الخاص ببرنامج المقالب الأشهر... خلال العام الماضي كنت أعيش في غرفة مشتركة مع أشخاص من دول آسيوية، ولم يكن بإمكاني شراء تلفاز ولا حتى لابتوب".
وبرغم أنه لم يكن من عشّاق مسلسلات رمضان، إلا أنّ "يوسف" قرر العام الماضي متابعة المسلسل الذي كانت تشاهده والدته في مصر، قائلاً: "شعرت وكأنني لا أزال معها. كنا نتحدث يومياً عن الحلقات ونتوقع الأحداث المقبلة. ربما يكون ذلك أمراً بسيطاً للبعض، لكنه كان يربطني بأجواء البيت والعائلة، خاصةً أنّ هذه كانت أول مرة أسافر فيها بعيداً عن مصر لفترة طويلة".
هذا العام، قرر يوسف، أن يجهّز نفسه بشكل مختلف، حيث استأجر غرفةً صغيرةً خاصةً به قبل أشهر عدة، واشترى تلفازاً ليتمكن من متابعة رمضان كما اعتاد. ما يميّز دراما رمضان في حياة المغتربين أنها لم تعُد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبحت عاملاً نفسياً يعيد إليهم شيئاً من الدفء العائلي. بالنسبة للجيل الجديد من المهاجرين، الذين لم ينشأوا في مجتمعات عربية متماسكة في أوروبا، يمكن لمسلسل أو برنامج ما أن يكون الرابط الذي يعيدهم وجدانياً إلى وطنهم. برغم أن "يوسف" مثال من بين مئات المغتربين، إلا أنّ قصته تعكس جانباً من تجربة آلاف الشباب الذين يواجهون الغربة بشاشة صغيرة، بحثاً عن رمضان الذي عرفوه في طفولتهم.
دراما "لمّ الشمل"
في إحدى شقق ضواحي لشبونة، حيث تُجبر أزمة السكن المغتربين على التعايش المشترك، يجتمع زوجان مصريان مع زوجين تونسيين تحت سقف واحد، يتشاركون المسكن، المطبخ، وحتى شاشة التلفاز في ليالي رمضان. أيمن، المصري البالغ من العمر 33 عاماً، ووليد، التونسي ذو الـ31 عاماً، يعيشان أول رمضان لهما في هذه التجربة الفريدة، حيث لا تقتصر المشاركة على تكاليف الإيجار الباهظة التي تتجاوز 1،500 يورو للشقّة الواحدة، بل تمتد أيضاً إلى الطقوس الرمضانية، وأهمها متابعة الأعمال الدرامية التي باتت جزءاً لا يتجزأ من الشهر الكريم.
بالنسبة لوليد، الدراما الرمضانية ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل هي جزء من هويته اللغوية والثقافية. يقول: "أنا تونسي مصري، لأنني عشت في مصر أكثر من سبع سنوات في أثناء دراستي الطب في جامعة القاهرة، ولهذا أتقنت اللهجة المصرية، والفضل في ذلك يعود للأعمال الفنية والمسلسلات التي كنت أشاهدها باستمرار".
هذا العام، ينتظر وليد بفارغ الصبر متابعة مسلسل محمد هنيدي، أحد أكثر الفنانين الذين يرسمون البسمة على وجهه، كما يقول. يضيف بحماسة: "العام الماضي، أبهرني مسلسل 'الحشاشين'، لكن هذا العام أتابع مسلسل محمد هنيدي، لأنه ممثلي المفضل، وربما أيضاً أشاهد 'المداح'، فقد شاهدت أجزاءه السابقة مع زوجتي، وأحببنا الغموض الذي يحيط بأحداثه".
أما أيمن، فقد جاب العديد من البلدان قبل أن يحطّ رحاله في البرتغال. عاش سنوات في الإمارات والسعودية، لكنه لم يجد لرمضان طعماً حقيقياً إلا في مصر. يقول: "في الخليج، كانت هناك أجواء رمضانية نادرة، لكن لرمضان في مصر طابعاً خاصاً. صوت المسحراتي، زينة الشوارع، الفوانيس، رائحة الحلوى، والأطفال وهم يلعبون الكرة ليلاً في الساحات والشوارع… هذه كلها تفاصيل لا تُعوَّض".
لأن أجواء رمضان في أوروبا تبدو باهتة مقارنة بالمشرق العربي، اجتمعت عائلتان عربيتان، تونسية ومصرية، في صالة معيشة واحدة، يتشاركان جهاز استقبال لمتابعة الأعمال الدرامية العربية
وبرغم أنّ الغربة صقلت شخصيته وأبعدته عن عادات كثيرة، إلا أنه وزوجته لا يزالان يحتفظان بواحدة من أهم الطقوس الرمضانية: متابعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية. يضيف: "طوال العام لا نهتم بمشاهدة التلفاز كثيراً، لكن في رمضان نبحث عن الأعمال الجديدة، سواء كانت مصريةً أو خليجيةً. أصبح الأمر عادةً ارتبطت بهذا الشهر الكريم منذ الطفولة".
ولأنّ الغربة قاسية، وأجواء رمضان في أوروبا قد تبدو باهتةً مقارنةً بالمشرق العربي، قرر أيمن أن يحمل معه قطعةً صغيرةً من الوطن. في أثناء زيارته الأخيرة لمصر، اشترى جهاز استقبال (رسيفر)، مزوّداً بجميع القنوات المصرية والعربية، ليشاهد التلفاز وكأنه في قلب القاهرة. يوضح: "في غرفة المعيشة المشتركة حيث يمكننا أن نقضي سهرات رمضان، وجدنا أنّ الأسرة التونسية كانت سعيدةً بالأمر، فهم أيضاً يحبّون الدراما المصرية ويحفظون أسماء الفنانين المصريين، من الكبار أمثال عادل إمام ويحيى الفخراني، إلى نجوم الجيل الجديد".
هذا التداخل الثقافي بين العائلات العربية في الغربة يعكس مدى تأثير الدراما الرمضانية على ربط المجتمعات ببعضها. وبرغم أنّ كل فرد في البيت يحمل ذكرياته الخاصة عن رمضان، إلا أنهم يتفقون جميعاً على شيء واحد: التلفاز ليس مجرد شاشة، بل نافذة تُعيد إليهم جزءاً من الوطن، ولو لساعاتٍ قليلة يومياً.
غربة أقلّ
أما إنجي عبد العزيز (27 عاماً)، والتي تعيش مع زوجها في وسط العاصمة البرتغالية لشبونة منذ عام ونصف، قادمَين من مصر مباشرةً، فترى أنّ لرمضان قيمةً مختلفةً تماماً في الغربة.
تقول: "كنا ننتظر رمضان بفارغ الصبر ونستعدّ له، لأنّ هذا الشهر هنا في البرتغال يحمل معنى أعمق، فهو يعزز إحساسنا بالانتماء، خاصةً أننا لا نزال نُعدّ مهاجرين جدداً ولم نتمكن بعد من إتقان اللغة البرتغالية بالشكل الذي يسمح لنا بالاندماج الكامل في المجتمع، الذي يبدو مجتمعاً منغلقاً إلى حدٍّ ما، لذلك ربما نشعر بأنّ متابعة الأحداث في مصر ومشاهدة الأعمال الدرامية الرمضانية يمنحاننا إحساساً أفضل بالترابط مع وطننا الذي نعتزّ به".
وبرغم أنّ إنجي، تحرص على متابعة المسلسلات الرمضانية، إلا أنها تفضّل المنصات الرقمية أكثر من التلفاز التقليدي، حيث حرصت على تأمين اشتراكات في منصات عدة تتيح مشاهدة المسلسلات في أي وقت من دون إعلانات مزعجة، موضحةً: "المشاهدة عبر التلفاز مضيعة للوقت بسبب اختلاف التوقيت بين مصر والبرتغال، بالإضافة إلى الإعلانات الكثيرة التي تقطع الحلقات، بينما توفر المنصات الرقمية تجربة مشاهدة أكثر راحةً وحريةً، حيث يمكنني متابعة المسلسلات في أي وقت يناسب جدول عملي، والذي أحياناً يكون في النهار وأحياناً يمتد حتى ساعات متأخرة من الليل".
إنجي تمثّل جيلاً جديداً من المغتربين الذين لم يعودوا يعتمدون على القنوات الفضائية كما كان الحال في الماضي، بل وجدوا في التكنولوجيا وسيلةً تجعلهم أقرب إلى وطنهم برغم بُعد المسافات، ومع تحول المشاهدة إلى تجربة شخصية غير مرتبطة بجدول البث التلفزيوني، لم يعد التلفاز هو الرابط الوحيد بالماضي والوطن، بل أصبحت الشاشة الصغيرة بين يديهم بمثابة جسر يُبقيهم على تواصل دائم مع الحياة في بلادهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Zee Hilal -
منذ 10 ساعاتAlso you have ZERO presence on social media or any search I have done. Are you real? Who is the...
Zee Hilal -
منذ 11 ساعةI was dating a gf who was Irish for 8 years and she was an alcoholic. Seriously why are you...
Zee Hilal -
منذ 11 ساعةLOVE is the reason we incarnate. Don't blame me because some low income people who are stuck are...
Zee Hilal -
منذ 11 ساعةYour druze! You should be ashamed of yourself! Oh. Your going to hear about this when we are...
Zee Hilal -
منذ 11 ساعةDon't blame the druze faith when people don't know what it is. If you want to marry someone like...
Zee Hilal -
منذ 11 ساعةI'm american druze and it seems like your a full of bullshit, but I empathize with your concerns....