يأتي هذا المقال ضمن نشرة أسبوعية متّصلة بتدقيق "المعلومات"، ينشرها رصيف22، بالتعاون مع "مجتمع التحقّق العربي"، وهو مشروع بحثي متخصص يعتمد على البرمجيات لدعم منصّات التحقّق الإخباري العربية، وذلك عبر بضع آليات، منها استحداث قاعدة بيانات تجمع محتوى منصّات التحقّق إلكترونياً بمعايير تقنية موحدة ما يتيح أدوات بحث وتحليل واسعة النطاق.
تتصدى نشراتنا المختلفة لاضطراب المعلومات، والتحديات التي يفرضها علينا في الوصول إلى الحقيقة، ما يضمن تقديم أخبار دقيقة وموثوق بها للجمهور.
اشتباكات عنيفة واعتداءات مروّعة شهدتها مدن وقرى الساحل السوري على مدار الأيام الأخيرة، بدأت بهجوم من موالين للنظام السابق على قوات الأمن السورية، ما أسفر عن مئات القتلى والمصابين من الجانبين، بينهم مدنيون. رافقت هذه الأحداث موجة من المعلومات المضلّلة، إذ زعمت بعض الروايات فرار الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بينما ادّعى آخرون اعتقال قائد الفصيل المسلح المناهض للحكومة. كما انتشرت على نطاق واسع منشورات تتحدث عن تدخل قوى خارجية في سوريا.
هل فرّ الشرع من دمشق؟
عقب هجوم شنّه موالون لنظام بشار الأسد السابق ضد قوات الأمن السورية، انتشرت معلومات مضلّلة تزعم تحقيق المهاجمين تقدّماً عسكرياً وانتصارات ميدانيةً. وفي هذا السياق، تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم متضاربةً، من بينها ادّعاء البعض فرار أحمد الشرع، من القصر الرئاسي في دمشق، في حين زعم آخرون اعتقاله.
هل توعّد أحمد الشرع، في خطاب متلفز، الحوثيين والحشد الشعبي في حال تدخّلهما في الشؤون السورية استغلالاً للأحداث في الساحل السوري؟… هذا ما أسفر عنه التدقيق في منشورات رائجة عدة حول تدخّلات خارجية مزعومة في "فتنة الساحل"
دقّقت منصة "ترو بلاتفورم" السورية المتخصّصة في تدقيق المعلومات، هذه المزاعم، وكشفت زيفها، إذ لم يُعلن رسمياً عن وقوع أيّ اشتباكات في العاصمة السورية دمشق. كما لم تنشر أيّ مصادر موثوقة هكذا معلومات عن الشرع.
وفي اليوم التالي لأحداث العنف، ظهر الشرع في كلمة متلفزة، معلّقاً على الأحداث، وداعياً من وصفهم بـ"فلول النظام السابق" إلى تسليم أسلحتهم والاستسلام.
وتواترت شهادات على انتهاكات ارتكبتها عناصر موالية لوزارة الدفاع السورية والأمن الداخلي في محافظات الساحل، ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان حتّى 11 آذار/ مارس 2025، مقتل ما لا يقلّ عن 1،093 مدنياً غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية وبعض الأشخاص من المسيحيين، فضلاً عن 25 شخصاً من السنّة قتلهم موالون للنظام الساقط.
ورافق العملية المضادة التي شنّتها القوات الحكومية السورية في مناطق الساحل السوري، رواج بعض المعلومات المضلّلة عن تمكّن هذه القوات من اعتقال مقداد فتيحة، قائد مجموعة "درع الساحل" المشاركة في الهجمات على الأمن السوري.
لكن منصة "ترو بلاتفورم"، كشفت زيف هذا الادّعاء، كما نشر فتيحة، مقطع فيديو توعّد فيه النظام السوري الحالي بشنّ هجمات أخرى.
تدخّلات خارجية
كما تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنباء عن تدخّلات خارجية في هذه الاشتباكات لصالح طرفيها. من أبرز هذه الادّعاءات، رواج صور لمركبات عسكرية، وزعم أنّ الجيش التركي أرسل تعزيزات لدعم الجيش السوري في معارك الساحل.
حقيقة دخول مركبات عسكرية تركية إلى سوريا
أجرت منصة "فارق" السورية المتخصّصة في تدقيق المعلومات، بحثاً عكسياً عن مصدر هذه الصور، أسفر عن أنها صور قديمة للجيش التركي لدى دخوله إلى سوريا عام 2019، ولا علاقة لها بالأحداث الجارية.
كما راج فيديو للشرع، يُعلن فيه إلقاء القبض على عناصر حوثيّة، شاركت في الاعتداءات في الساحل السري، محذّراً جماعة الحوثي من التدخل في شؤون بلاده. منصة "يوب يوب" اليمنية المتخصّصة في التحقيقات مفتوحة المصدر والتحقّق من المعلومات، أثبتت أنّ الفيديو معدّل باستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ أضيف الصوت إلى كلمة الشرع التي علّق فيها على الأحداث.
على النهج نفسه، نشرت صفحات أخرى، مقطع فيديو للشرع توجّه فيه بالحديث إلى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مطالباً إياه بعدم التدخل في الشؤون السوريّة، ومنع قوات الحشد الشعبي من الدخول إلى سوريا، استغلالاً لأحداث الساحل.
رسالة أحمد الشرع إلى رئيس الحكومة العراقية
وأوضحت منصة "صحيح العراق"، أنّ الفيديو يعود إلى يوم 5 كانون الأول/ ديسمبر 2024، عندما كان الشرع يستمع إلى كلمة السوداني، في أثناء حديثه عن الأوضاع في سوريا خلال جلسة برلمانية، قبل أن يطالب الأول الثاني بأن ينأى بالعراق من أن يدخل في أتون حرب جديدة في ظلّ ما يجري في سوريا.
وفي سياق الأنباء عن وجود مقاتلين أجانب في سوريا، علّق وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو، على ما شهده الساحل السوري، منتقداً "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين؛ بمن فيهم الجهاديين الأجانب، الذين قتلوا الناس في غرب سوريا في الأيام الأخيرة"، مؤكداً دعم بلاده للأقليات الدينية والعرقية، وتعازيها للضحايا، ومطالبتها الحكومة المؤقتة بمحاسبة مرتكبي "المجازر ضد الأقليات".
وكشفت "ترو بلاتفورم"، عن حذف وسائل إعلام عربية الجزء الذي انتقد فيه روبيو، "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين" من ترجمتها للخطاب، ما عدّته "انتقائيةً وتحريفاً جزئياً" لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي.
"اعتقال مقداد فتيحة" و"رفع دروز سوريا علم إسرائيل على دوار العنقود في السويداء" و"هروب الشرع إلى خارج سوريا"... الكثير من المعلومات المضلّلة وجدت فرصةً للرواج في سياق ما يُعرف بـ"فتنة الساحل"، فكيف فنّدتها منصات تدقيق المعلومات العربية؟
إسرائيل تستغل "فتنة الساحل"
وسرعان ما دخلت إسرائيل إلى دائرة الصراع السوري، مستمرةً في نهجها الذي اتّبعته منذ الأيام الأولى للإطاحة بنظام الأسد، بشنّ هجمات على الأراضي السورية، وإطلاق تصريحات تصف النظام الجديد بـ"المتطرّف".
ونشر حساب "إسرائيل تتكلم العربية"، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، على فيسبوك، صورتين متقابلتين، على أنهما لأحمد الشرع؛ واحدة عقب تقلّده منصب الرئيس الانتقالي، والأخرى يظهر فيها رجل في ثوب مقاتل إسلامي، مع ادّعاء أنه الشرع عندما كان مقاتلاً في "جبهة النصرة".
الخارجية الإسرائيلية تنتهز أحداث الساحل السوري
وكشف "صحيح مصر"، أنّ الصورة المتداولة مضلّلة، وسبق تداولها كما سبق أن دقّقتها أيضاً "صحيح العراق"، موضحةً أنّ المقاتل الظاهر في الصورة قائد ميداني تابع لـ"جبهة النصرة"، قبل تغيير اسمها إلى "هيئة تحرير الشام"، ويُدعى "أبو محمد الكردي".
وقبل أيام من اندلاع اشتباكات الساحل السوري، اندلعت اشتباكات في مدينة جرمانا السورية بين أفراد من الدروز وقوات حكومية. وقتها أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يسرائيل كاتس، استعداد إسرائيل للتدخل لحماية الدروز في جرمانا، واصفين النظام السوري بـ"المتطرف".
عقب ذلك، انتشرت معلومات مضلّلة على مواقع التواصل الاجتماعي، تدّعي رفع أتباع شيخ الدروز في سوريا، حكمت الهجري، علم إسرائيل على دوار العنقود في مدينة السويداء السورية.
أكدت "فارق"، صحة الصورة المتداولة، لكنها لم تتمكّن من التحقق من هوية الشخص الذي رفع العلم الإسرائيلي، خصوصاً أنّ الهجري أوضح في تسجيل مصوّر، أن "مشروعنا وطني سوري بامتياز، ومن يغرّد خارج هذا الإطار لسنا بصدد النقاش معه".
كما انتشرت مقاطع فيديو عن خروج الدروز للاحتفال بعد تصريحات نتنياهو، إلا أنّ "مجتمع التحقق العربي"، كشف في تقريره عن حملة منسّقة تستهدف دروز سوريا، تتضمّن معلومات ومقاطع فيديو مضلّلةً، بجانب خطاب تحريضي وطائفي، وذلك في أعقاب الاشتباكات التي شهدتها مدينة جرمانا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
diala alghadhban -
منذ يومينو انتي احلى سمرة
حاولت صور مثلك بس كان هدفي مو توثيق الاشياء يمكن كان هدفي كون جزء من حدث .....
ssznotes -
منذ يومينشكرًا لمشاركتك هذا المحتوى القيم. Sarfegp هو منصة رائعة للحصول...
saeed nahhas -
منذ يومينجميل وعميق
Mohamed Adel -
منذ أسبوعلدي ملاحظة في الدراما الحالية انها لا تعبر عن المستوى الاقتصادي للغالبية العظمى من المصريين وهي...
sergio sergio -
منذ أسبوعاذا كان امراءه قوية اكثر من رجل لكان للواقع رأي آخر
أمين شعباني -
منذ أسبوعهذا تذكيرٌ، فلا ننسى: في فلسطين، جثثٌ تحلق بلا أجنحة، وأرواحٌ دون وداعٍ ترتقي، بلا أمٍ يتعلم...