شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
في عالم جديد... هل تصبح روسيا حليفة واشنطن على حساب الأوروبيين؟

في عالم جديد... هل تصبح روسيا حليفة واشنطن على حساب الأوروبيين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الأحد 2 مارس 202502:17 م

"لقد تم إنشاء الاتحاد الأوروبي من أجل خداع الولايات المتحدة، هذا هو الغرض منه، وقد قاموا بعمل جيد في ذلك"، هذه الكلمات لم تخرج من قادة روسيا أو الصين، ولكن جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي أعلن اعتزامه فرض رسوم جمركية والمضي قدما في حرب تجارية مع بروكسل، في أحدث تصعيد بين واشنطن والاتحاد الأوروبي.

إعلان ترامب التصعيد تجاه بروكسل، يأتي تزامناً مع تحولات كبرى تشهدها العلاقات بين موسكو وواشنطن، خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة بعد الانخراط في مفاوضات في العاصمة السعودية الرياض؛ سعياً للتوصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار في حرب أوكرانيا، ووسط الاستعداد لعقد قمة كبرى تجمع الرئيسين الأمريكي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على الترتيب بالسعودية.

تلك التحولات، أثارت قلق القادة الأوروبيين، خاصة وأنها تتزامن مع تهديدات ترامب بالتراجع عن التزامات واشنطن الدفاعية تجاه أوروبا، وانتقاد نائب الرئيس الأمريكي "جيه دي فانس" للحلفاء الأوروبيين بشكل غير مسبوق، حينما قال إن التهديد من الداخل مثير للقلق أكثر من روسيا، في إشارة للأوروبيين، إضافة إلى غيابهم عن محادثات أوكرانيا التي يقودها ترامب بشكل أحادي، فيما اعتُبر تهميشاً فَجاً للدور الأوروبي، حتى أن كيث كيلوج مبعوث الرئيس الأمريكي إلى أوكرانيا للأوروبيين، أكد منتصف شباط/فبراير الجاري، إن إدراجهم في المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا "لن يحدث".

انطلاق ترامب وإدارته في المفاوضات مع موسكو، بدون دعوة الأوكرانيين ولا الأوروبيين للمشاركة، أثار قلق الزعماء في العواصم الأوروبية، مثل برلين ولندن وباريس، حيث سارع بعضهم إلى البيت الأبيض؛ لمحاولة إثناء ترامب عن مساعيه، خاصة وأن خطوته هذه تشكل تراجعاً عن تحالف امتد لعقود، لتظهر أسئلة غير مسبوقة، من نوع: إلى أن تسير العلاقات الأوروبية-الأمريكية؟ وهل تجري المصالحة الروسية-الأمريكية على حساب القارة العجوز؟ وهل يُقدم الأوروبيين تنازلات في الفترة المقبلة؟.

تحول جوهري في العلاقة عبر الأطلسي

تقول الكاتبة الصحافية فابيولا بدوي، إن هناك تحولا جوهرياً في طبيعة التحالف والعلاقات عبر الأطلسي، بين القارة الأوروبية والولايات المتحدة، حيث لم تَعد بنفس القوة التي كانت عليها خلال حقبة الحرب الباردة أو حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانتقلت العلاقة من التكامل الاستراتيجي إلى البراغماتية المتوترة.

وعن السبب في هذا التحول، تشير بدوي في حديثها لرصيف22، إلى أن الولايات المتحدة في العقود الماضية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت تعتبر أوروبا حجر الزاوية في سياستها الخارجية، لكن بعد حرب العراق، وحرب أفغانستان، والأزمة المالية العالمية، بدأت في إعادة تقييم التكاليف الاستراتيجية الخارجية ومنها الإنفاق على قواتها في أوروبا وحلف الناتو، كذلك فإن تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن "الناتو منظّمة عفا عليها الزمن" وزيادة تركيز واشنطن على الصين كخصم استراتيجي، أضعفت ثقة الأوروبيين، الذين تعالت أصواتهم مؤخراً بضرورة الاستقلال الدفاعي عن واشنطن، على اعتبار أن دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء "جيش أوروبي مستقل" ليست مجرد شعار، بل جزء من إدراك أوروبي متزايد بأن أمريكا لن تكون حامي أوروبا الدائم.

سياسة ترامب تجاه أوروبا هي ترجمة "تذمر أمريكي" مُمتد منذ عقود، من الاعتماد على الإنفاق والدعم الأمريكي، والتمييز ضد الصادرات الأمريكية من سيارات ومنتجات زراعية، حيث خَشي الكثير من قادة أمريكا السابقين الدخول في معركة مع الحلفاء الأوروبيين إلا أن ترامب قرر ذلك، وهو ما أثار قلقاً أوروبياً كبيراً

وسبق أن دعا ماكرون لإنشاء جيش أوروبي مستقل عن التبعية الأمريكية، وبعيداً عن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بالقول: "لن تحترمنا الولايات المتحدة كحلفاء، إلا إذا كانت شؤوننا الدفاعية ذات سيادة. لهذا، على أوروبا بناء استقلالها كما تفعل الصين".

علاقات مصالح لا تحالف

تستطرد الكاتبة الصحافية حول أسباب التحول الجوهري الذي أصاب علاقة بروكسل وواشنطن، بالإشارة إلى التوترات التجارية بين الجانبين، حيث فرض ترامب رسومًا جمركية على الصلب الأوروبي، وهدد بفرض ضرائب على السيارات الألمانية، في الوقت الذي حاول الاتحاد الأوروبي تبنّي سياسات موازنة مع الصين، وهو ما أغضب واشنطن التي تريد اصطفافًا أوروبيًا كاملاً ضد بكين.

وفي أحدث تهديداته للكتلة المكونة من 27 دولة، تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية على كل السلع القادمة من أوروبا وفي مقدمتها "واردات السيارات" بنسبة تصل إلى 25%، معتبرًا أن بروكسل استغلت ثروات الأمريكان، وفي نفس الوقت ترفض قبول السيارات والمنتجات الزراعية الأمريكية.

وبحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فقد بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي نحو 235 مليار دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 13% عن عام 2023، فيما يفرض الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر ثالث أكبر شريك تجاري لواشنطن، رسوماً جمركية بنسبة 10% على السيارات، والتي تمثل قيمتها 4 أضعاف نسبة الرسوم التي تفرضها الولايات المتحدة البالغة 2.5%، وسط تصاعد انتقادات المسؤولين الأمريكيين من ضرائب القيمة المضافة الأوروبية التي لا تقل عن 17.5%.

"العلاقات الأوروبية - الأمريكية لم تعد تحالفًا غير مشروط، بل أصبحت قائمة على مصالح متبادلة ومتغيرة، لذلك بدأت أوروبا البحث عن بديل لتحالفها مع واشنطن، إلا أن البديل الفعلي غير واضح حتى الآن"، تضيف فابيولا بدوي.

وتذهب الكاتبة المُقيمة في باريس، إلى مخاوف كبرى لدى بروكسل، بشأن تهميش دورها، وجعلها في موقف المُتلقي للقرارات بدلاً من صانعها، وإمكانية أن تذهب صفقة ترامب وبوتين لرفع بعض العقوبات عن روسيا مقابل انسحاب جزئي من أوكرانيا، أو حتى تقليل الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا، ما يجعل القارة العجوز أضعف عسكريًا وأكثر عرضة للضغط الروسي.

أوروبا أمام خيارات صعبة 

وترى فابيولا أن أوروبا أمام خيارات صعبة، لا سيما وأن ترامب يبدو عازمًا على صفقة مع نظيره الروسي بوتين، لاستخدامها لاحقًا كورقة ضغط ضد الصين، مشيرة إلى أن الصفقة في جميع الأحوال ستؤدي إلى تجميد الصراع في أوكرانيا دون حل عادل، مما يترك أوروبا في مأزق استراتيجي، خاصة وأنها حتى ولو دعمت كييف عسكريًا وماليًا، إلا أنها لا تستطيع مواجهة موسكو بدون الدعم الأمريكي.

تعالت مؤخراً أصوات أوروبية تنادي بضرورة الاستقلال الدفاعي عن واشنطن، منها دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء "جيش أوروبي مستقل".

وتعتبر أن أوروبا في "مرحلة انتقالية بين الاعتماد على أمريكا والسعي للاستقلال الاستراتيجي"، خاصة وأن واشنطن ترامب لم تعد تضمن حماية أوروبا كما في الماضي، مما يفرض على الأوروبيين إعادة التفكير في أمنهم، والعلاقة مع روسيا وأوكرانيا قد تكون العامل الحاسم في مستقبل التحالف الأوروبي – الأمريكي، والبحث عن أدوات جديدة تمنحهم نفوذًا أكبر.

وعن الأدوات التي قد تزيد من نفوذ الأوروبيين وتجعل ترامب يُعيد حساباته، تذهب الكاتبة الصحفية إلى "أدوات محدودة" في مقدمتها التلويح بزيادة التعاون مع الصين والهند كقوى اقتصادية للحد من الاعتماد على واشنطن، إضافة إلى الضغط من خلال الكونغرس الأمريكي عبر اللوبيات السياسية والدبلوماسية، خاصة وأن العديد من أعضاء الكونجرس يؤيدون استمرار الدعم لأوكرانيا، بالتزامن مع التذكير بأن الاتحاد الأوروبي ضمن أكبر الشركاء التجاريين لأمريكا، وأي اضطراب في العلاقات قد يضر بالشركات الأمريكية الكبرى.

"فرنسا وبريطانيا تمتلكان قدرات نووية، وألمانيا تضاعف إنفاقها العسكري، مما يعني أن أوروبا قد تصبح قوة دفاعية مستقلة، وهو أمر قد يدفع واشنطن لإعادة التفكير في استراتيجياتها"، تستطرد الكاتبة.

وانقسام أوروبي

وفي الوقت الذي طالب فيه الرئيس الفرنسي في أكثر من مناسبة بضرورة توحيد الموقف والصوت الأوروبي، تُبدي فابيولا بدوي تخوفها من خطورة الانقسام الأوروبي فيما يتعلق بمسألة صفقة أوكرانيا، مشيرة إلى أن بولندا ودول البلطيق ترى أن التهديد الروسي خطير للغاية، وأنه لا يمكن الوثوق بأي صفقة مع موسكو، بينما تميل فرنسا وألمانيا إلى سياسة أكثر مرونة لكنها تخشى فقدان النفوذ، وإيطاليا والمجر تتجهان نحو موقف أكثر براغماتية مع موسكو، في الوقت الذي تبقى بريطانيا خارج الحسابات الأوروبية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ورغبتها في تعزيز علاقتها مع واشنطن والتي قد تكون على حساب علاقتها بأوروبا.

وتتوقع أن تذهب أوروبا الفترة المقبلة لزيادة الإنفاق الدفاعي، بالتزامن مع اتخاذ موقف أكثر مرونة فيما يخص روسيا، وعرض الاضطلاع بالوساطة في بعض محادثات أوكرانيا، أو إرسال قوات حفظ سلام، للاحتفاظ ببعض النفوذ.

وفيما اعتمد مجلس الأمن الدولي الإثنين الماضي 24 شباط/فبراير، بتأييد روسيا لمشروع قرار أمريكي يدعو إلى إرساء سلام في أوكرانيا في أسرع وقت ممكن، بدون أن يتضمّن أيّ إشارة إلى وحدة أراضي كييف، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأمريكي في البيت الأبيض، الولايات المتحدة لدعم نشر قوات أوروبية في أوكرانيا كشكل من أشكال الضمانات الأمنية، مشيرًا إلى أن التوصل لهدنة في أوكرانيا "ممكن خلال أسابيع، ويجب أن يكون اتفاقًا سريعًا وليس هشًا".

قلق أوروبي من تكرار سيناريو أوكرانيا

إلى ذلك، تتفق الباحثة المتخصصة في الشأن الأوروبي في مجلة السياسة الدولية منى سليمان، مع سابقتها في وجود حالة انقسام أوروبي إزاء المسألة الأوكرانية، بين رفض استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، ووجوب استمراره، خاصة وأن هناك قلق أوروبي من تكرار سيناريو كييف وعودة بوتين لمهاجمة أوروبا في غضون ثلاث إلى أربع سنوات من توقيت توقف حرب أوكرانيا، بعد استعادة قوته الاقتصادية والعسكرية.

وتضيف سليمان في حديثها لرصيف22، بأن دول البلطيق وشمال أوروبا هي الأكثر تخوفًا من وقف حرب أوكرانيا دون ضمانات أمنية لأوروبا، حيث ترى تلك الدول أن السيناريو الذي يقوده الرئيس الأمريكي لا يُحجّم قدرات موسكو، بل يمنحها الفرصة لترميم قواها في مقابل إضعاف موقف القارة الأوروبية، إلا أن المعضلة تبقى في أن بعض الدول التي تقود أوروبا على غرار فرنسا وألمانيا وإيطاليا لا يرغبون في المضي قدمًا في معاداة روسيا، ويتخذون موقفًا مرناً. بينما تبقى بريطانيا خارج تكتل بروكسل على الرغم من الدعوات الأخيرة للعودة من جديد للاتحاد الأوروبي، والتي ستحتاج لإجراء استفتاء وفترة زمنية ليست بالقصيرة.

هناك انقسام أوروبي إزاء المسألة الأوكرانية، بين رفض استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا، ووجوب استمراره، خاصة وأن هناك قلق من تكرار سيناريو كييف وعودة بوتين لمهاجمة أوروبا في غضون ثلاث إلى أربع سنوات من توقيت توقف حرب أوكرانيا، بعد استعادة قوته الاقتصادية والعسكرية

وتشير الباحثة إلى أن أوروبا لا تمتلك موقفا موحدا يمنحها فرصة للدخول والتأثير في محادثات واشنطن وموسكو حول أوكرانيا، خاصة مع صعود اليمين المتطرف في القارة العجوز بشكل لافت مؤخرا، والذي يؤيد ترامب في الكثير من سياساته ويرفض الدعم المُطلق لكييف، معتبرة أن الفرصة الوحيدة أمام أوروبا للمشاركة في مسألة أوكرانيا تتلخص في الدفع بقوات عبر حلف شمال الأطلسي "الناتو" كقوات حفظ سلام بعد التوصل لاتفاق يُنهي الحرب الجارية.

ويتفق المحلل السياسي، أكثم سليمان في عدم وجود موقف أوروبي موحد، وغلبة المصالح الخاصة على المصلحة العامة للاتحاد، معتبرًا أن أوروبا الحالية "تنقصها القدرة العسكرية والاقتصادية والإرادة والاستقلالية"، ولذلك فإن تأثيرها في المشهد الدولي تراجع بشكل واضح بالسنوات الأخيرة.

ويضيف الباحث المُقيم في ألمانيا في حديثه لرصيف22، أن واشنطن وموسكو تسيران في اتجاه المصالحة والتي ستكون على حساب الأوروبيين، الذين سيدفعون ثمن تسليم أمرهم لواشنطن في ظل حكم الرئيس السابق جو بايدن، فالأمور تغيرت بشكل واضح مع قدوم ترامب للبيت الأبيض، والذي ينتهج سياسة تخضع للحسابات الاقتصادية بالمقام الأول.

"أوروبا لن تتمكن من فِعل الكثير، ولا تمتلك أدوات مؤثرة، والتغيرات في العلاقة مع واشنطن عميقة وبعيدة المدى، وإن كانت هناك محاولات لإظهار أن أوروبا ما زالت على نفس مستوى العلاقة مع واشنطن على المستوى الشكلي فقط"، يستطرد أكثم سليمان.

هل تَسحب واشنطن قواتها من أوروبا؟

وفي سياق غياب الموقف الأوروبي الموحد وعدم امتلاك أدوات مؤثرة، يشير المحلل السياسي إلى أن أوروبا ستقدم تنازلات لواشنطن، وسترضخ لضغوط ترامب بإنفاق المزيد من الأموال على موازنة الدفاع لكل دولة أو في حلف الناتو، مستبعدا في الوقت ذاته أن تسحب أمريكا قواتها المُنتشرة في القارة الأوروبية، خاصة وأن الأخيرة بعيدة حاليًا عن الوصول لمرحلة الدفاع الذاتي المستقل عن واشنطن.

وقبل اندلاع حرب أوكرانيا، بلغ عدد الجنود الأمريكيين الموجودين في أوروبا 65 ألف جندي، وكان توجه واشنطن هو تقليص هذا الرقم، إلا أن الحرب الأوكرانية دفعتها لعكس سياستها والرفع من أعداد جنودها في القارة العجوز ليصل عددهم حسب وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى 100 ألف جندي، منتشرين في مختلف الدول الأوروبية، ترافقهم معدات عسكرية كبيرة منها 150 طائرة حربية، و140 سفينة حربية قرب السواحل الأوروبية إضافة لعدد من أنظمة الدفاع الجوي.

أما حالياً، فأعداد الجنود الأميركيين في أوروبا، تفوق أعداد الجنود الموجودين في جيوش أوروبية بأكملها. كما في بريطانيا مثلاً، حيث تعداد الجنود لا يتعدى 75 ألف جندي. وفيما تتواجد القواعد العسكرية الأمريكية في كل من ألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا وإيطاليا ورومانيا وبولندا والنرويج وهنغاريا، وتعتبر ألمانيا أكبر دولة أوروبية من حيث عدد القواعد الأمريكية (تستضيف 5 من الحاميات العسكرية السبع للجيش الأمريكي في أوروبا).

ترامب يكرر نموذج الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وانفتاحه على الصين لإضعاف الاتحاد السوفيتي في مطلع سبعينيات القرن الماضي، مع عكس الأدوار هذه المرة.

وينضم عضو الحزب الجمهوري، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة "مورى ستايت" الأمريكية، إحسان الخطيب، لسابقه في استبعاد إمكانية سحب القوات الأمريكية من أوروبا، مشيراً إلى أن الوجود الأمريكي في أوروبا "تاريخي يعود للحرب الباردة"، ورغم وجود اختلاف في وجهات النظر والمصالح حاليًا، إلا أن العلاقة الأوروبية تبقى هي الأهم بالنسبة لواشنطن خارجيًا، وإن كان من الممكن خفض أعداد تلك القوات الفترة المقبلة.

وعن إمكانية تفكك التحالف الأوروبي-الأمريكي، يؤكد الخطيب في حديثه لرصيف22، أن هذا التحالف "تاريخي وثقافي ومصلحي أيضًا"، وليس حلف مرحلي اصطناعي صنعه الأفراد أو إدارة معينة، وواشنطن لا ترغب في إنهاء أو تفكك هذا التحالف، وإن كانت تحت إدارة ترامب تنتهج مبدأ "أمريكا أولاً"، وتحاول الضغط على بروكسل للالتزام بنسبة الإنفاق الدفاعي المتفق عليها في معاهدة الناتو، لا سيما وأنهم بحاجة أكبر لحلف الأطلسي من وجهة نظر ترامب، كذلك للضغط في شق التبادل التجاري المتزايد بين أوروبا والصين، التي يعتبرها الرئيس الأمريكي أهم أعدائه في ولايته الثانية.

وفي الوقت الذي تشير المفوضية الأوروبية لحاجة دول التكتل إلى ما يقارب من 500 مليار يورو بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية خلال العقد المقبل، والاستمرار في تقديم الإمدادات العسكرية لأوكرانيا، يطالب ترامب الدول الأوروبية برفع سقف عتبة الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 5%، وهي عتبة لم تدركها أي دولة داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، التي يبلغ فيها حجم الإنفاق العسكري فيها نسبة 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي.

هل تكون المُصالحة الروسية الأمريكية على حساب أوروبا؟

ويعتبر أستاذ العلوم السياسية، أن سياسة ترامب تجاه أوروبا هي ترجمة "تذمر أمريكي" مُمتد منذ عقود، من الاعتماد على الإنفاق والدعم الأمريكي، وسياسة التمييز ضد الصادرات الأمريكية من سيارات ومنتجات زراعية، حيث خَشي الكثير من قادة أمريكا السابقين الدخول في معركة مع الحلفاء الأوروبيين إلا أن ترامب قرر ذلك، وهو ما أثار قلقاً أوروبياً كبيراً.

وبينما اعتبر الخبراء والمحللون الذين تحدثوا إلينا، أن مُصالحة واشنطن وموسكو المُنتظرة ستكون على حساب أوروبا، يرفض إحسان الخطيب هذا الأمر، مشيراً إلى أن أوكرانيا ليست في حلف الناتو، وليس هناك إجماع أوروبي على أوكرانيا. فألمانيا وغيرها من الأوروبيين رفضوا انضمام كييف إلى الناتو؛ وبرلين كانت من أكثر الدول محاباة وتعاوناً مع روسيا، لدرجة الاعتماد الكلي على الطاقة الروسية.

ترامب يرى أن الحرب المفتوحة لسنوات بين أوكرانيا وروسيا "ليست خياراً واقعياً"، والصين هي التهديد الاستراتيجي الذي يجب أن تستعد له واشنطن، ولذلك فمن مصلحتها فض الحلف الروسي الصيني، إلا أن ذلك لا يعني التخلي عن بروكسل، فالعلاقة بينهما أهم وأعمق من رئيس يرحل بعد أربع سنوات، كذلك العلاقة بين نخبه واشنطن ونخبه أوروبا قوية ولن تُنهيها سياسة ترامب، خاصة وأن نخبة واشنطن يرون أن أسلوب الأخير "فَجٌ" وليس مناسباً مع حلفاء تقليديين كالأوروبيين.

مجابهة الصعود الصيني

ويربط عضو الحزب الجمهوري سياسات ترامب تجاه أوروبا بديون واشنطن، والتي بلغت 36 تريليون دولار، وكذلك مجابهة صعود بكين، معتبراً أن ترامب يكرر نموذج الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون وانفتاحه على الصين لإضعاف الاتحاد السوفيتي في مطلع سبعينيات القرن الماضي، مع عكس الأدوار هذه المرة، خاصة وأن بكين تٌشكل تهديداً وجودياً لهيمنة واشنطن، وحققت تقدماً كبيراً في عدة مجالات هامة، واستمرار الحرب يقوي من التحالف الصيني-الروسي.

ويختتم إحسان الخطيب بالإشارة إلى أن ترامب قرر كسر ملاطفة واسترضاء الأوروبيين وهم في حالة "شتات" بالأساس، والذهاب نحو الهدف الاستراتيجي الأمريكي بالحيلولة دون اقتراب الصين من الحدود الأمريكية، حيث أن موسكو قريبة جغرافياً من واشنطن، واستمرار تحالفها مع بكين يعني اقتراب الصين من أمريكا، لذلك فالمصحلة تقضي بكسر الجمود في العلاقة مع روسيا، وخلق تفاهمات تقوم على مبدأ المصلحة المُتبادلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image