شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عالم مختلف تماماً... كيف سيغيّر جيل

عالم مختلف تماماً... كيف سيغيّر جيل "بيتا" قواعد اللعبة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الثلاثاء 25 فبراير 202501:18 م

يُنشر هذا النصّ ضمن "لنتخيّل"، وهو ملفّ مفتوح يضم نصوصاً، مدوّنات، قصصاً، مقابلات وتقارير صحافيةً نتخيّل من خلالها المستقبل الذي نوّد أن نعيش فيه، أو ذلك الذي سيُفرض علينا.  

مع دخولنا عام 2025، يستقبل العالم أول مواليد جيل "بيتا" Gen Beta، الجيل الذي سيعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. يُعرَف جيل "بيتا"، بأنّه الفئة المولودة بين عامَي 2025 و2039، وهو الجيل الذي يلي جيل "ألفا" (Gen Alpha (2010-2024. وفقاً لتصنيف شركة الأبحاث الأسترالية "ماكريندل"، التي استخدمت الأحرف اليونانية لتسمية الأجيال. يتميز هذا الجيل بنشأته في عالم قائم على التكامل التكنولوجي، حيث ستصبح الحدود بين العالمين الرقمي والواقعي غير واضحة. سيولد أفراد جيل "بيتا"، لأبوين من جيل الألفية الأصغر سنّاً (الذين تتراوح أعمارهم الآن بين 31 و45 عاماً)، وجيل زد Gen Z، الأكبر سنًّا (بين 16 و30 عاماً)، ومن المتوقع أن يشكلوا نحو 16% من سكان العالم بحلول عام 2035. 

في ظل التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الذكية، سيكون هذا الجيل أول من ينشأ في بيئة رقمية متكاملة منذ الطفولة، حيث سيؤثر الذكاء الاصطناعي على مختلف جوانب حياة أفراده، من التعليم والعمل إلى النقل الذاتي والرعاية الصحية المتطورة والبيئات الافتراضية الغامرة، ما سيعيد تشكيل قيمهم وسلوكياتهم وطموحاتهم بطرائق غير مسبوقة.

على مستوى التربية، تتخذ التكنولوجيا دوراً مزدوجاً، حيث يستخدمها بعض الآباء، خاصةً من جيل الألفية وجيل Z، كأداة تعليمية واتصالية، بينما يدرك آخرون مخاطرها ويسعون إلى تحقيق توازن بين العالم الرقمي والتجارب الواقعية. كما أنّ نشأة جيل بيتا ستتزامن مع تحديات عالمية كبرى، مثل التغيّر المناخي والتحولات الديموغرافية، ما سيجعل الاستدامة والوعي البيئي جزءاً أساسياً من قيمهم.  

أما من حيث التواصل الاجتماعي، فسيعتمد جيل "بيتا" على التكنولوجيا في بناء العلاقات، التعلم، وتطوير المسارات المهنية، لكن مع وعي أكبر بأهمية الحفاظ على الهوية الرقمية وضبط التفاعل مع العالم الافتراضي. بهذا، سيكون جيل "بيتا"، نموذجاً لجيل متصل بامتياز، لكنه في الوقت ذاته يسعى إلى تحقيق التوازن بين الانغماس في التكنولوجيا والحفاظ على فرديته في عالم سريع التغير.

سيولد جيل "بيتا" في عالم مختلف تماماً عن العالم الذي نشأ فيه آباؤهم وأجدادهم. التكنولوجيا لن تكون مجرد أداة، بل ستكون البيئة الأساسية التي يعيشون وينشؤون فيها.

جيل "زد" كآباء… كيف يشكّلون مستقبل جيل "بيتا"؟

إنّ ولادة جيل جديد لا تعني فقط قدوم أفراد جدد إلى العالم، بل تعني أيضاً ظهور نموذج جديد في التربية والتنشئة. هنا يبرز جيل "زد"، الذي كان يوماً ما مكوناً من الأطفال الرقميين الأوائل، وأصبح اليوم الجيل الذي يربّي أطفال الذكاء الاصطناعي.

على عكس آبائهم من جيل الألفية، الذين تبنوا التكنولوجيا في سنّ الشباب، نشأ جيل "زد" وهو غارق في العالم الرقمي، وعانى من تحديات مثل الإدمان الرقمي، الخصوصية الرقمية، والقلق الناتج عن وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا قد يجعله أكثر وعياً بضرورة تحقيق التوازن بين العالمين الرقمي والواقعي، عند تربية جيل "بيتا".

وعليه، لطالما كانت التكنولوجيا عاملاً أساسياً في تشكيل الأجيال الجديدة، لكنها اليوم لم تعد مجرد أداة، بل بيئة كاملة يعيش فيها الأطفال. يدرك العديد من الآباء الجدد، خاصةً من جيل "زد"، تأثير الشاشات والإفراط في الاتصال الرقمي على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية. هذا الوعي قد يدفعهم إلى البحث عن توازن بين العالم الرقمي والتجارب الواقعية، في محاولة لتجنّب الأخطاء التي عانوا منها هم أنفسهم.

في حديثها إلى رصيف22، عبّرت مريم (25 سنةً)، المتزوجة منذ عامين والتي تستعدّ لخوض تجربة الأمومة، عن مخاوفها بشأن تربية أطفالها، قائلةً: *"لا أريد أن يتربّى أطفالي بالطريقة ذاتها التي نشأت عليها. نحن أبناء هذا الجيل، كبرنا في بيئة ميّزت بيننا بسبب اختلافاتنا، وتربينا على الخوف من الخروج عن المألوف، وهو ما تطلب مني وقتاً طويلاً للتخلص من آثاره. لذلك، سأحرص على غرس قيم التقبل والاحترام في أطفالي". 

وتعتقد مريم، أنّ جيل "زد"، هو الجيل الأكثر وعياً بالصدمات النفسية التي خلّفتها أساليب التربية التقليدية، وهو ما يدفعهم إلى تثقيف أنفسهم حول المناهج الحديثة التي تناسب الجيل القادم. وتضيف: "أخشى أن أنقل لأطفالي خيباتي وصدماتي، لكنني أعمل على تثقيف نفسي حول أساليب التربية الحديثة التي تتماشى مع واقعهم المستقبلي".  

أما عن علاقتها بالتكنولوجيا والتربية، فتؤكد أنّ فرض قيود على استخدام الأجهزة الرقمية لأطفالها ضرورة وليس ترفاً، قائلةً: "العالم الرقمي اليوم أصبح كالغابة الوحشية، وهو أمر يخيفني. لا أريد أن أعرّض أطفالي لذلك، لكنني في الوقت ذاته لا أرغب في عزلهم عن العالم. لذا، سأبحث عن توازن يضمن لهم الأمان دون أن يكونوا خارج السياق".

فهل سيتمكن هذا الجيل من استخدام التكنولوجيا كأداة للابتكار والتقدم دون أن يفقد تواصله مع القيم الإنسانية الأساسية؟ 

إعادة تشكيل العالم… كيف سيغيّر جيل "بيتا" قواعد اللعبة؟

سيولد جيل "بيتا" في عالم مختلف تماماً عن العالم الذي نشأ فيه آباؤهم وأجدادهم. التكنولوجيا لن تكون مجرد أداة، بل ستكون البيئة الأساسية التي يعيشون وينشؤون فيها. وتشمل بعض التغيرات الكبرى التي سترافق نشأة هذا الجيل:

التواصل الاجتماعي المدمج بالتكنولوجيا: سيكبر هذا الجيل في بيئة تعتمد على التواصل المعزز بالذكاء الاصطناعي، والتفاعل في البيئات الافتراضية (Metaverse)، ما سيغيّر مفهوم العلاقات الاجتماعية والتفاعل البشري.

عالم بلا نقود ورقية: مع تزايد الاعتماد على العملات الرقمية والاقتصاد غير النقدي، لن تكون لجيل "بيتا" علاقة تُذكر بالنقود الورقية، وسيكبر في عالم تعتمد جميع المعاملات المالية فيه على التكنولوجيا.

العمل والتعليم من أيّ مكان: مع تطور الذكاء الاصطناعي، ستصبح الوظائف أكثر مرونةً وافتراضيةً، ما يعني أنّ جيل "بيتا" لن يواجه مفهوم "العمل المكتبي التقليدي"، بل سيتفاعل مع أسواق عمل عالمية، حيث تكون المهارات أهم من المواقع الجغرافية.

يتوقع الخبراء أن يكون جيل "بيتا"، أكثر اندماجاً مع التكنولوجيا الذكية والذكاء الاصطناعي مقارنةً بالأجيال السابقة، حيث ستصبح هذه الأدوات عنصراً أساسياً في حياتهم اليومية، تماماً كما كان الحال مع جيل "ألفا". ومع ذلك، سيترعرع هذا الجيل في عالم يواجه تحديات مناخيةً متزايدةً، ما سيجعل التغير المناخي قضيةً حاسمةً تؤثر على مستقبلهم. ومع مرور الوقت، سيتولى قادة من جيل الألفية وجيل "زد" المناصب القيادية، ليحلّوا محل جيل الطفرة السكانية وجيل "إكس"، ما قد يساهم في تغيير السياسات والإستراتيجيات المتعلقة بالمناخ.

أما في ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، فمن المتوقع أن يكبر جيل "بيتا" في بيئة رقمية متطورة، لكن طبيعة تفاعلهم مع هذه المنصات قد تختلف عن الأجيال السابقة. نظراً إلى تجربة جيل "زد" مع الإدمان الرقمي والمحتوى المفرط، قد يتجه آباء هذا الجيل إلى تقليل تعرّض أطفالهم للإنترنت، على عكس آباء جيل الألفية الذين كانوا أكثر انفتاحاً على دمج التكنولوجيا في حياة أطفالهم. ويرى خبراء أنّ هذا الوعي المتزايد قد يدفع نحو تقنين استخدام الشاشات وتأخير انخراط الأطفال في وسائل التواصل الاجتماعي.

في السنوات الأخيرة، ارتبط جيل "ألفا" بظاهرة "أطفال الآيباد"، حيث أصبحوا مستهلكين لمحتوى رقمي سريع ومتغير، وأنتجوا مصطلحات رقميةً يصعب على الأجيال الأكبر فهمها. ومع استمرار تطور الإنترنت، قد يواجه جيل "بيتا" بيئةً رقميةً أكثر تعقيداً، ما يثير تساؤلات حول تأثير التكنولوجيا على أسلوب تفكيرهم وتواصلهم الاجتماعي.

جيل "بيتا"... خبراء التكنولوجيا بالفطرة

إذا كان جيل "ألفا" قد عُرف بـ"جيل الآيباد"، فإنّ جيل "بيتا" سيكون جيل الذكاء الاصطناعي. منذ لحظة ولادتهم، سترافقهم تقنيات مثل المساعدات الافتراضية الذكية، الروبوتات، التعلم التكيفي، والواقع المعزز، ما سيجعلهم أكثر قدرةً على التعامل مع التكنولوجيا من أي جيل سبقهم.

لكن مع هذا التقدّم، يطرح الخبراء تساؤلات حول كيفية تأثير هذه التنشئة على المهارات الاجتماعية، القدرات الإبداعية، والصحة النفسية لهذا الجيل. فهل سيؤدي الاعتماد الكبير على التكنولوجيا إلى عزلة اجتماعية، أو سيمكّنهم من تطوير مهارات جديدة تعزز من المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات السريعة؟

قد يكون جيل "بيتا" أكثر ذكاءً تكنولوجياً واستدامةً بيئيةً، لكنه أيضاً سيكون أمام اختبارات غير مسبوقة في كيفية موازنة هويته الإنسانية مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي


التكنولوجيا والتغيّر المناخي في صميم حياة جيل "بيتا"

بجانب التكنولوجيا، سيكون التغيّر المناخي أحد أهم القضايا التي ستشكّل وعي جيل "بيتا". مع استمرار الكوارث البيئية، سيكبر هذا الجيل في عالم الاستدامة فيه لم تعد خياراً، بل ضرورة.

بيئة تعليمية تعتمد على الاستدامة: ستصبح المدارس والمناهج أكثر تركيزاً على تعليم الأطفال أساليب العيش المستدامة، وتطوير مهارات إعادة التدوير، والزراعة الحضرية، واستخدام الطاقة النظيفة.

تقنيات ذكية للحفاظ على البيئة: نظراً إلى أنّ التكنولوجيا ستكون جزءاً أساسياً من حياتهم، فمن المتوقع أن يساهم جيل "بيتا" في تطوير حلول ذكية لمواجهة تغيّر المناخ، مثل الذكاء الاصطناعي لإدارة الموارد، أو أنظمة البناء المستدامة.

وعي بيئي أعمق: مقارنةً بالأجيال السابقة، من المتوقع أن يكون لجيل "بيتا" إحساس أعمق بالمسؤولية البيئية، وسيعدّون التغيّر المناخي تهديداً مباشراً لهم وليس مجرد قضية نظرية.

مع كل هذه التغيّرات، يظلّ السؤال الأهم: كيف سيبدو المستقبل مع جيل "بيتا"؟ 

-سيرثون عالماً يواجه تحديات ضخمةً، لكنهم سيكونون أكثر قدرةً على التكيّف، الابتكار، وحل المشكلات بطرائق لم تكن ممكنةً من قبل.

-سيعيشون في مجتمعات أكثر ذكاءً واستدامةً، حيث ستندمج التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة، من المنازل الذكية إلى وسائل النقل ذاتية القيادة.

-سيتفاعلون مع بيئات افتراضية متقدمة، ما قد يعيد تعريف مفاهيم الهوية، العلاقات، وحتى معنى الحياة اليومية.

بناءً على ما سبق، مع استمرار التطور التكنولوجي وتصاعد التحديات البيئية، يقف جيل "بيتا" عند نقطة تحول حاسمة في تاريخ البشرية. سيولد هذا الجيل في عالم يتطلب مهارات جديدةً وقدرةً غير مسبوقة على التكيّف مع التغيرات السريعة، لكنه أيضاً يحمل إمكانيات هائلةً لإعادة تشكيل المستقبل بطرائق لم تكن ممكنةً من قبل.

قد يكون جيل "بيتا" أكثر ذكاءً تكنولوجياً واستدامةً بيئيةً، لكنه أيضاً سيكون أمام اختبارات غير مسبوقة في كيفية موازنة هويته الإنسانية مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي. فهل سيتمكن هذا الجيل من استخدام التكنولوجيا كأداة للابتكار والتقدم دون أن يفقد تواصله مع القيم الإنسانية الأساسية؟ 

الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image