"هل تصبح سوريا الخطة 'ب' أمام ترامب لحل أزمة غزة؟"، سؤال طرحته صحيفة "إندبندنت عربية" في تقرير نشرته في 8 شباط/ فبراير الجاري، مشيرةً إلى تقديم مسؤولين أمريكيين بالفعل عرضاً للحكومة السورية الجديدة لاستضافة آلاف الفلسطينيين من قطاع غزة في مدن سكنية جديدة تُبنى ضمن مشاريع إعادة إعمار سوريا، مع إسهام الولايات المتحدة في دعم عملية الاستقرار والازدهار الاقتصادي للبلد المنهك اقتصادياً جرّاء سنوات الحرب الطويلة.
ومطلع الشهر الجاري، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحافي، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البيت الأبيض، عن خطّته وتصوّره لمستقبل قطاع غزة، وذلك عبر تحويله إلى مركز اقتصادي وسياحي عالمي ونقل سكّانه الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وهو المخطّط الذي قوبل برفض فلسطيني وعربي شديدين.
وفي أول رد فعل سوري رسمي، على خطة ترامب، قال رئيس المرحلة الانتقالية في البلاد، أحمد الشرع، خلال بودكاست "ذا ريست إذ بوليتيكس" البريطاني: "أعتقد أن هذه جريمة كبيرة جداً لا يمكن أن تحدث وأعتقد أنها لن تنجح".
"صفقة عقارية"
تعقيباً على خطة ترامب، يقول الصحافي والمحلل السياسي السوري علاء محمد لرصيف22: "ترامب يستهدف حلّ القضية الفلسطينية من وجهة نظره من خلال تحويل غزة إلى مشروع عقاري وإخلائه من أهله بشكل كامل ونهائي في محاولة لـ'إنهاء الخطر' المزعوم الذي تشكّله على إسرائيل بعدما فشلت كل محاولات واشنطن وتل أبيب السابقة للإجهاز على مقاومة غزة".
"لن تسجّل الإدارة الجديدة في سوريا على نفسها مع بداية استلامها الحكم هذه الخطوة التي تضعها في موضع الشبهات، وبصفتها إدارة مؤقتة لا يمكن لها اتخاذ قرار إستراتيجي كهذا"
بدوره، يعتبر المحامي الفلسطيني رامي جلبوط أن "التهجير والتطهير العرقي من جرائم الحرب بدون أدنى شك، فنظراً لخطورتهما على المجتمعات، اتفقت البشرية على اعتبارهما جريمتيّ حرب يلاحق من يرتكب أياً منهما أمام المحاكم الدولية ويعاقب بأشد العقوبات".
ويضيف لرصيف22: "من الصعب استنتاج أهداف خطة ترامب الحقيقية في الوقت الراهن، فكل ما يطرحه غير منطقي وغير مسبوق ويطرحه بطريقة وقحة وسافرة وبلغة وأسلوب الرجل الأبيض، كما يصرّح علناً بأنه سيقوم بارتكاب هذه الجريمة بحق الفلسطينيين ويستمر في الاستخفاف والتنمّر والإصرار على الغي عندما يقول إن هذا الاقتلاع للفلسطينيين من أرضهم هو لراحتهم ومصلحتهم".
أما أمين سر مؤتمر الأحزاب العربية السوري، عبد الله منيني، فيرى أن "ترامب يعتمد سياسة جديدة في ولايته الثانية تقوم على عقد صفقات لتنفيذ خططه من خلال الاستعانة بـ'أسلوب الصدمة' وهذا ما فعله من خلال طرحه لغزة الذي يعتبر سابقة في العمل السياسي كونه يطلب من شعب كامل الخروج من أرضه".
ويؤكد الناشط الاجتماعي الفلسطيني أحمد ابراهيم أن "ترامب يستهدف تحويل كل فلسطين وليس غزة فقط إلى 'أرض يهودية'، بهدف إراحة إسرائيل أولاً، ومن ثم الاستفادة اقتصادياً من خيرات الغاز الموجودة في أرض غزة".
عراقيل أمام "الأرض البديلة"
"سوريا لن تكون أرضاً بديلة لخطة ترامب أبداً، ولن يقبل بذلك أحد"، هكذا يؤكد علاء محمد لرصيف22، مدللاً على حديثه بأنه "كثيراً ما حُكي عن توطين الفلسطينيين في سوريا ولكن الجواب من مختلف الأنظمة المتعاقبة منذ عام 1948 هو الرفض لأن قبول دمشق بخيار كهذا يخدم إسرائيل وحدها بينما يضر فلسطين وسوريا".
ويتوقّع علاء: "لن تسجّل الإدارة الجديدة في سوريا على نفسها مع بداية استلامها الحكم هذه الخطوة التي تضعها في موضع الشبهات، وبصفتها إدارة مؤقتة لا يمكن لها اتخاذ قرار إستراتيجي كهذا، عدا عن حاجة هكذا خطوة إلى قرار عربي شامل، فضلاً عن أن الفلسطينيين أنفسهم يرفضون هذا المخطط لتمسّكهم بأرضهم وبيوتهم… إنهم ما زالوا يحتفظون بمفاتيح بيوتهم منذ نكبة عام 1948، كيف يتوقع أحد أن يرضوا بأوطان بديلة؟".
من جهته، ينبّه عبد الله منيني إلى "ضرورة التركيز على أن واشنطن تستثمر في الفوضى في سوريا لتنفيذ بعض الخطط، نظراً لكون الأوضاع في دمشق غير مستقرّة حالياً، وربما تكون أرضاً خصبة لتنفيذ المشاريع السياسية" على غرار مخطط ترامب.
وهو يضيف: "لا أعتقد أن تحويل الخطة إلى سوريا لحل مسألة غزة -من وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية- خطة مناسبة أو قابلة للتحقيق، لرفض الفلسطينيين لها أولاً، ولقلق إسرائيل من الحدود السورية ثانياً، فكيف سيكون الحال إذا انتقل الغزيون إلى سوريا؟"، مرجّحاً أن ترامب حدّد مصر والأردن لتنفيذ الخطة كون لديهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وهو ما لا يتوفّر في حالة سوريا".
"تهجير الفلسطينيين إلى سوريا من شأنه أن يؤزّم الوضع فيها أكثر، وأي خرق في نسيج المجتمع السوري حالياً ستكون له تداعيات خطيرة لا يستطيع أحد تحملها".
ويرفض رامي جلبوط مناقشة الفكرة مستبعداً حدوث التهجير بأي حال. يقول: "لن نناقش خيارات سوريا أو الأردن أو مصر كوجهات محتملة لاستقبال الفلسطينيين لأن التهجير لن يتم. من أهم أسباب فشل هذا المشروع هو جهل المخططين والمنفذين بطبيعة غزة والغزيين، فإذا كان التمسّك بالأرض فطرة بشرية فإنه لدى الغزيين يفوق ذلك بكثير… مناقشة هذا الأمر مجرّد مضيعة للوقت".
كذلك، يشعر أحمد إبراهيم بالطمأنينة لرفض دمشق أن تكون أراضيها "وطناً بديلاً" في سياق خطة ترامب، بالإشارة إلى أن "الإدارة السورية الجديدة صرّحت علناً أنها ضد خطة ترامب ومؤيدة لحق الفلسطينيين في أرضهم، إضافة إلى أن الشعب السوري تاريخياً يرفض الظلم والاحتلال كما أن مشكلته مع إسرائيل كبيرة خصوصاً بعد الاستهدافات الأخيرة واحتلال بعض الأجزاء من الجنوب السوري عقب إسقاط نظام الأسد، لذلك لا يمكن لدمشق القبول بهذه الخطة".
إغراءات… وضغوط
إلى ذلك، يعتقد علاء أن واشنطن ستحاول إغراء دمشق وأحياناً الضغط عليها بملفات حساسة منها العقوبات الأمريكية على سوريا، والاعتراف بالإدارة الجديدة، ومساهمات إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد، من أجل القبول بخطة ترامب. لكنه يستدرك بأن إدارة أحمد الشرع تمتلك خيارات فعّالة للرفض، أولها أن الاعتراف الدولي بإدارته قادم لا محالة بتوطين الغزيين أو بدونه، مردفاً بأن الخطة ستُجابَه بعراقيل من دول كبرى تتداخل في القضية الفلسطينية مثل روسيا والصين وتركيا وإيران.
في السياق ذاته، يشير منيني إلى أنه "لدى الإدارة الجديدة عدة أولويات؛ على رأسها البحث عن الاستقرار، وملف النازحين، وعدم امتلاكها للشرعية القانونية لاتخاذ مثل هذه القرارات. إن ابتزازها برفع العقوبات غير مُجدٍ لأن الدول مُلزمة حالياً بالرفع لأنها كانت مفروضة على النظام السابق".
من زاوية أُخرى، يشدّد رامي جلبوط على أن "موافقة الحكومة السورية على استقبال فلسطينيين "مهجَّرين من غزة" يجعلها "شريكة في ارتكاب الجريمة وهو أمر مرفوض ولا أعتقد أن الإدارة ستقبل بالخطة لهذا السبب".
ينبّه عبد الله منيني إلى "ضرورة التركيز على أن واشنطن تستثمر في الفوضى في سوريا لتنفيذ بعض الخطط، نظراً لكون الأوضاع في دمشق غير مستقرّة حالياً، وربما تكون أرضاً خصبة لتنفيذ المشاريع السياسية"
"تأزيم المأزوم"
رأى علاء محمد أن "القبول بخطة ترامب وتوطين الفلسطينيين في سوريا سيزيد من أعباء البلاد، وسيؤثّر على عملية البناء وإعادة الإعمار لسنوات، ولدى سوريا تجربة سابقة مع استقبال العراقيين أثرت على وضع البلاد رغم كونها فترة استضافة مؤقتة، فكيف مع استقبال مليون فلسطيني بشكل دائم".
ومن وجهة نظر ديمغرافية، يؤكد عبدالله منيني أن "تهجير الفلسطينيين إلى سوريا من شأنه أن يؤزّم الوضع فيها أكثر، وأي خرق في نسيج المجتمع السوري حالياً ستكون له تداعيات خطيرة لا يستطيع أحد تحملها، عدا عن وجود التزام أخلاقي سوري بحق العودة للفلسطينيين، وبالتالي سيرفض الطرفان هذه الحلول".
وحول تأثير تهجير الغزاويين إلى سوريا، يعلق رامي جلبوط: "بطبيعة الحال، وبكل تأكيد، سيعيق الأمر عملية بناء سوريا، لأنه سيضع الدولة أمام ملف خطير وكبير جداً في مرحلة مبكرة من عملية البناء، وهو ما يفوق طاقة الدولة حالياً ولن تستطيع التعامل معه".
ضغط بأسلوب آخر
يتسابق الجانبان الأمريكي والإسرائيلي في الضغط على حكومة دمشق الحالية من خلال تصريحات يراد منها تكريس عزلة الإدارة الجديدة، وتهديدها بذرائع من بينها فلول النظام والعلاقة مع إيران وحزب الله، لتمرير مخططاتها في بلد تعاني من التدخّل الخارجي المتعدّد منذ 14 عاماً.
"لا أعتقد أن تحويل الخطة إلى سوريا لحل مسألة غزة -من وجهة النظر الأمريكية الإسرائيلية- خطة مناسبة أو قابلة للتحقيق، لرفض الفلسطينيين لها أولاً، ولقلق إسرائيل من الحدود السورية ثانياً"
وبرز خلال الأسبوعين الأخيرين تصريح مدير مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأمريكي، سيباستيان غوركا، في إطار إجابته على اعتراف واشنطن بسلطة أحمد الشرع إذ قال: "هل يسيطر على كل سوريا؟ لا. لا يسيطر... كان جهادياً لفترة طويلة، فهل أصلح نفسه؟ هل هو رجل أفضل الآن؟ هل يؤمن بالحكومة التمثيلية... هذه الأسئلة يجب توجيهها للمسيحيين والعلويين وأي شخص عانى بسبب الحركة الجهادية التي يقودها الشرع... أنا درست الحركات الجهادية 24 عاماً، لم أر أبداً قائداً جهادياً ناجحاً يصبح ديمقراطياً أو يؤمن بحكومة تمثيلية".
ورغم إسقاط نظام الأسد، لم يتخلّ نتنياهو عن تلميحاته وتهديداته لسوريا. فخلال مؤتمر صحافي في إسرائيل مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، توعّد نتنياهو: "إسرائيل ستتصرف لمنع ظهور أي تهديد بالقرب من حدودنا في جنوب غرب سوريا. إذا كانت هناك اليوم أي قوة في سوريا تعتقد أن إسرائيل ستسمح لقوات معادية أخرى باستخدام سوريا كقاعدة عمليات ضدنا، فهي مخطئة كثيراً".
والأهم من كل ذلك، تحرّك إسرائيل الفعلي على الأراضي السورية حيث استهدفت معظم الترسانة العسكرية التي كان يملكها الجيش السوري زمن بشار الأسد، عدا عن خرقها لاتفاقية فض الاشتباك مع سوريا 1974 واحتلالها محافظة القنيطرة وبعض القرى في محافظة درعا، بحجة تشكيل درع أمني لها يحميها من "الإرهاب".
يأتي هذا بينما تأثّرت جميع قطاعات الحياة في سوريا من جراء الحرب العسكرية التي شهدتها البلاد ولاسيما في مجال الخدمات والطاقة والاقتصاد الذي يعيش حالة انهيار هي الأسوأ ربما منذ استقلال سوريا. يضاف إلى ذلك حالة التخبّط الأمني وسط غياب سيطرة الحكم الجديد على كامل الجغرافيا السورية، مع وجود خلافات داخلية سياسية مع الأكراد في شمال شرق سوريا، وانتشار خطابات طائفية تهدد بحمام دم في أي فرصة، علاوة على الاستهدافات الإسرائيلية لدمشق وتدمير كامل تركة الجيش السوري العسكرية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Some One -
منذ ساعتينالذي كتب وتخيل هذه العلاقة، وتخيل مباركة الوالدين، وتقبل المجتمع لهذه المثلية الصارخة. ألم يتخيل...
مستخدم مجهول -
منذ يوماول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Apple User -
منذ 3 أيامl
Frances Putter -
منذ 3 أيامyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 5 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 5 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?