في الآونة الأخيرة، تصدرت أخبار انتحار أطباء وأطباء مقيمين (مساعدين) في إيران عناوين الأخبار، مما أثار التساؤل حول أسباب الانتحارت هذه، وكيفية معالجة هذه الأزمة التي تطال فئة مهمة في المجتمع، لا سيما أن الأطباء هم الملاذ الأخير للمرضى ولمن حاول الانتحار.
قضية انتحار الأطباء هذه، فاقمت المشاكل التي يواجهها القطاع الطبي في إيران، إذ تُعد هجرة الأطباء والممرضات من إيران، وتدهور البنية التحتية والمعدات في المستشفيات، وعجز الحكومة عن استيراد الأدوية والمعدات الطبية بسبب العقوبات الأمريكية، والرواتب المنخفضة، من أسباب تأزم الوضع الصحي والطبي في إيران.
وبرغم زعم المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن الوضع الصحي يتحسن باستمرار، لكن الأدلة والإحصاءات تشير إلى أن الوضع سوف يصبح أكثر خطورة، خلال السنوات القليلة المقبلة. وما يثبت ذلك، هي التقارير المنشورة عن هجرة الأطباء وانتحارهم، فبحسبها قد أقدم أطباء إيرانيون/ات على الانتحار كل عشرة أيام خلال العام الماضي.
المشاكل الاقتصادية وانتحار الأطباء
وحول هذا يقول المتحدث باسم منظمة النظام الطبي في إيران رضا لاري بور، إن أسباب زيادة حالات الانتحار في المجال الطبي "متعددة الأبعاد والأوجه"، حيث إن عبء العمل الملقى على عاتق الطبيب المقيم ثقيل للغاية، والرواتب التي يتلقاها هؤلاء الأشخاص، بالنظر إلى صعوبة عملهم، منحفضة للغاية.
في الآونة الأخيرة، تصدرت أخبار انتحار أطباء مقيمين في إيران عناوين الأخبار، مما أثار التساؤل حول أسباب الانتحارت هذه، وكيفية معالجة هذه الأزمة التي تطال فئة مهمة في المجتمع، لاسيما أن الأطباء هم الملاذ الأخير للمرضى ولمن حاول الانتحار
وعن يأس هؤلاء الأطباء، بشأن حياتهم المهنية المستقبلية، تحدث لاري بور: "ما يعيشونه الآن يتعارض مع أحلامهم قبل دخول المجال الطبي؛ فمن خلال دخلهم الضئيل هذا لا يمكنهم استئجار منزل في طهران، أو تلبية احتياجاتهم المعيشية حتى الضروريات اليومية".

كما اعتبر المشاكل الاقتصادية التي يواجهونها هؤلاء الأطباء، هي أحد الأسباب الرئيسية في ظهور المشاكل النفسية لديهم، وشرح أن "الشخص المقيم الذي يكون في الثلاثين من عمره، بمكانته الاجتماعية والعلمية، وبعمله طبيباً في المستشفيات، لا يزال يتلقى أموالاً من والديه لتلبية احتياجاته. وبالتأكيد، يؤدي هذا الأمر إلى ظهور التوتر والقلق، وبالتالي يجلب الاكتئاب والمشاكل النفسية لهؤلاء الأطباء".
في السياق نفسه، قال المستشار الاجتماعي لمنظمة النظام الطبي في إيران محمد ميرخاني إن "معدل الانتحار بين الأطباء والأطباء المقيمين قد ارتفع، ومن المرجح أن يتجاوز معدل انتحار الأطباء في إيران معدل سائر البلدان. وعوامل مثل انخفاض مستوى معيشة الأطباء ودخولهم، وانعدام الأمن الوظيفي، والتعرض للاعتداء من قبل أسر المرضى، وصعوبات دراستهم والسنوات الأولى من ممارسة الطب، وفقدان المكانة الاجتماعية، تعتبر أسباباً أساسيةً في زيادة محاولات الانتحار بين الأطباء".
وحدد المستشار الاجتماعي لمنظمة النظام الطبي، عاملاً آخر يؤثر على زيادة عدد حالات انتحار بين الأطباء الإيرانيين، وهو "بيئة الثكنات في المستشفيات"، موضحاً أن "هذا ينطبق بشكل خاص على الأطباء المقيمين، الذين لا يتمكنون من النوم لمدة 72 ساعة في بعض الأحيان، وهو أمر خطير للغاية، لأنه عادة ما يجعلهم مكتئبين ويحتاجون إلى علاج نفسي، إذ في الغالب لا يتم هذا العلاج في الوقت المناسب، أو لم يتم على الإطلاق".
رواتب الأطباء المقيمين
وفي إشارة إلى المشاكل القتصادية للأطباء المقيمين وساعات عملهم الكثيرة، وضح رئيس منظمة النظام الطبي في إيران محمد رئيس زاده: "حتى الآن، ینظر إلى الأطباء المقيمين، على أنهم طلاب ويجب أن يحصلوا على رسوم دراسية فحسب، ولكن من الضروري أن تتحول هذه النظرة، ويتم النظر إلى فترة الإقامة على أنها وظيفة، وأن المقيمين موظفون. ونتيجة لذلك يجب دفع رواتب المقيمين وفقاً لقانون العمل ومن الميزانية العامة للبلاد".
وبحسب رئيس زاده، إن العبء الأكبر في تقديم الخدمات في المراكز التعليمية الطبية الحكومية الإيرانية، يقع على عاتق الأطباء المقيمين، حيث يبلغ متوسط ساعات العمل للمقيمين من 300 إلى 400 ساعة شهرياً، في حين يبلغ الحد الأدنى لساعات العمل للعاملين الخاضعين لقانون العمل 180 ساعة، ولذلك يعمل المقيمون على الأقل ضعف ما يعمله الموظف بدوام كامل، ولكن عندما يتعلق الأمر بالرواتب والأجور، فإنهم يحصلون على مبالغ ضئيلة، تحت مسمى بدلات ورسوم.
وعن الأجور التي تتقاضاها هذه الفئة المهمة في قطاع الصحة في إيران، قال رئيس منظمة النظام الطبي: "إن الجزء الأكبر من دخل المراكز الطبية يأتي من عمل المقيمين، ولكن عندما يريدون دفع رواتبهم من دخل المستشفيات، يتم وضع آلاف الأعذار والذرائع لعدم دفع رواتب كافية، وتكون رواتب المقيمين الآن نحو 12 مليون تومان (نحو: 136 دولاراً)، في حين أن الحد الأدنى لراتب المساعدين يجب أن يكون من 20 إلى 25 مليون تومان (نحو: 226 إلى 283 دولاراً)".
قضية انتحار الأطباء فاقمت المشاكل التي يواجهها القطاع الطبي في إيران، إذ تُعد هجرة الأطباء والممرضات من إيران، وتدهور البنية التحتية والمعدات في المستشفيات، وعجز الحكومة عن استيراد الأدوية والمعدات الطبية بسبب العقوبات الأمريكية، والرواتب المنخفضة، من أسباب تأزم الوضع الصحي والطبي في إيران
بعد انتشار أخبار الانتحار وانخفاض رواتب الأطباء المقيمين في المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير، أعلن نائب وزير الصحة الإيراني سيد علي حسيني، عن خطة الحكومة لزيادة رواتب الأطباء المقيمين والمتدربين، شارحاً أن هذه الخطة موضوعة في جدول الأعمال ولم تنفذ بعد. وبموجب هذا القرار الجديد، سترتفع رواتب المقيمين العزاب من 12 مليون تومان (136 دولاراً) إلى 17 مليون تومان (192 دولاراً)، والمتزوجين من 15 مليون تومان (169 دولاراً) إلى 23 مليون تومان (260 دولاراً).
الأطباء المنتحرون... إحصاءات وأرقام
وبعيداً عن الأسباب الاقتصادية التي تُعد الرئيسية في انتحار الأطباء، يجب النظر إلى عدد محاولات الانتحار في القطاع الصحي الإيراني، الذي أثار قلق المسؤولين الإيرانيين لا سيما مسؤولي مجال الصحة. وبرغم عدم وجود إحصاءات رسمية عن حالات الانتحار في إيران، قالت الطبيبة النفسية نازيلا شاه منصوري إن "لغاية عام 2014 كان معدل الانتحار في إيران نحو 5.1 شخص من أصل 100 ألف شخص، لكنه الآن ارتفع بشكل كبير ووصل إلى نحو 7.4 شخص من أصل 100 ألف شخص".

هذه الأخصائية النفسية، نوهت أن عدد محاولات الانتحار تتغير باختلاف المجتمعات، حيث تتراوح بين 30 شخص من بين 100 ألف شخص في الدول الإسكندنافية وفنلندا واليابان (الأكثر انتحاراً حسب الإحصاءات). والجدير بالذكر أن محاولات الانتحار بين الأطباء، هي الأكثر شيوعاً على المستوى العالمي، لكن هذا لا يقلل من أهمية الموضوع، خاصة وأن حالات الانتحار بين العاملين في المجال الصحي، قد زادت في إيران خلال السنوات القليلة الماضية.
وحول الأرقام المقلقة لانتحار الأطباء في إيران، قالت شاه منصوري: "إذا نظرنا إلى المجتمع الطبي فحسب، فإن 13 من المقيمين والأطباء الشباب حاولوا الانتحار في عام واحد، بينما يبلغ عدد المقيمين في البلد نحو 13 إلى 14 ألف نسمة، ومن خلال عملية رياضية بسيطة نكتشف أن معدل الانتحار بين العاملين في المجال الصحي في إيران، يبلغ نحو 90 شخص من أصل 100 ألف شخص، وهو رقم يعتبر مرتفعاً للغاية".
ما يلفت الانتباه هو التحذيرات المتزايدة بشأن ارتفاع معدلات الانتحار في الأوساط الطبية الإيرانية؛ فقد انتشرت في الآونة الأخيرة أنباء وتقارير، بما في ذلك تصريحات رسمية من جمعيات طبية، تشير إلى ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار ليس بين الأطباء والأطباء المقيمين فحسب، بل إن حالات الانتحار بين الممرضات في إيران أيضاً ارتفع عددها أيضاً، ولذلك يمكن القول إن السبب الرئيسي لمحاولات الانتحار هذه، هو تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي لهذه الفئة، فضلاً على الأزمات والتحديات الاجتماعية التي يعيشونها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 7 ساعاتاول مرة اعرف ان المحل اغلق كنت اعمل به فترة الدراسة في الاجازات الصيفية اعوام 2000 و 2003 و كانت...
Apple User -
منذ يومينl
Frances Putter -
منذ يومينyou insist on portraying Nasrallah as a shia leader for a shia community. He is well beyond this....
Batoul Zalzale -
منذ 4 أيامأسلوب الكتابة جميل جدا ❤️ تابعي!
أحمد ناظر -
منذ 4 أيامتماما هذا ما نريده من متحف لفيروز .. نريد متحفا يخبرنا عن لبنان من منظور ٱخر .. مقال جميل ❤️?
الواثق طه -
منذ 4 أيامغالبية ما ذكرت لا يستحق تسميته اصطلاحا بالحوار. هي محردة من هذه الصفة، وأقرب إلى التلقين الحزبي،...