شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
ماذا يحدث في مخيمات الضفة الغربية؟ وما الذي تحاول إسرائيل الوصول إليه؟

ماذا يحدث في مخيمات الضفة الغربية؟ وما الذي تحاول إسرائيل الوصول إليه؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الخميس 13 فبراير 202511:44 ص

تستمر الحملة العسكرية التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "السور الحديدي"، في مخيمات شمال الضفة، خاصة مخيم جنين، منذ 21 كانون الثاني/يناير 2025، وفور وقف إطلاق النار في غزة. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تُخف أهدافها "المعلنة" من العملية؛ كـ "الحفاظ على الأمن"، و"التخلص من خلايا الفصائل المسلحة وبُناها التحتية"، إلا أن ثمة أهدافاً تبدو أكثر جذرية من تلك "العسكرية" المعلنة.

حرية إسرائيل في المخيم

"إن الاقتحامات الإسرائيلية المتتالية لمخيمات الضفة الغربية، وحدوث خسائر في الأرواح والمباني والطرق، تؤشر على وجود نية إسرائيلية للهدم والإبادة والتفريغ من السكان. وإذا ما نظرنا إلى الاجتياحات التاريخية الممتدة حتى اللحظة، وما أسفرت عنه من تغييرات على الفضاء العام وبنية المخيم وعمرانه، يمكن وصف ما ترمي إليه إسرائيل بإعادة هندسة المخيم ونزع الصفة السياسية والاجتماعية عنه"، يقول الباحث السياسي إبراهيم ربايعة، لرصيف22.

ويتطابق ذلك مع مرمى إسرائيل في فرض السيادة على الضفة وبنيتها التحتية، فقد صرّح سموتريتش، أن "عام 2025 سيكون عام السيادة في الضفة الغربية"، وقد أصدر تعليمات لإدارة الاستيطان للبدء بعمل جماعي من أجل إعداد البنية التحتية اللازمة لفرض هذه السيادة.

تغيرت معالم مخيم جنين- الذي يتربّع على 372 دونم، ويسكنه 16 ألف لاجئ- بشكل شبه كامل. يقول مدير العلاقات العامة والإعلام في بلدية جنين، بشير مطاحن، لرصيف22: "منذ بداية العملية الأخيرة، هدم الجيش الإسرائيلي حوالي 200 وحدة سكنية، وأتلف جميع الشوارع الفرعية والرئيسية في المخيم، من أجل التمهيد والتأسيس لخطة إعادة بناء جديدة. كذلك قسّم المخيم إلى أربع وحدات سكنية، ووسّع الشوارع في كل وحدة، على نحو يفصل الحارات عن بعضها البعض، وبالتالي تم هدم أي بيت لا يتوافق مع المخطط الهيكلي الجديد".

إذا ما نظرنا إلى الاجتياحات التاريخية الممتدة حتى اللحظة، وما أسفرت عنه من تغييرات على الفضاء العام وبنية المخيم وعمرانه، يمكن وصف ما ترمي إليه إسرائيل بإعادة هندسة المخيم ونزع الصفة السياسية والاجتماعية عنه

وكانت نوايا المخطط الجديد قد ظهرت بشكل جلي في قيام الجيش الإسرائيلي، يوم الثاني من شباط/فبراير 2025، بنسف منطقة في المخيم، وهدم 20 وحدة سكنية، مستهدفاً بشكل أساس مقطعاً طولياً لشوارع رئيسية، ومخترقاً حارة "الدمج"؛ وهي حارة نفذت فيها الفصائل الفلسطينية عمليات نوعية، وهكذا، أصبحت المنطقة أكثر انكشافاً على القناصين والآليات العسكرية فور حدوث حدث أمني ما.

وقد طالت هذه المخططات مخيم طولكرم؛ ثاني أكبر مخيمات الضفة الغربية بعد مخيم بلاطة، ويسكنه حوالي 10 آلاف لاجئ. يقول فيصل سلامة، رئيس اللجنة الشعبية في المخيم، في حديث لرصيف22: "لقد دمر الجيش الإسرائيلي حوالي 300 مبنى بشكل كامل، يشمل منازل وشققاً تسكن فيها عشرات الأسر. لقد نُسفت واحترقت بشكل كلي. كما لحقت أضرار جزئية بما يقارب 2000 منزل".

ويردف: "عمل الجيش على توسعة الشوارع الضيقة باستخدام المتفجرات والجرافات الثقيلة، الأمر الذي أسفر عن تدمير كامل للطرقات والبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، ما عمّق من معاناة المخيم ومن تبقى فيه من السكان".

وعن حالة النزوح من المخيم، فأضاف: "أصبحت حارات المخيم فارغة، ومن تبقى من سكانه هم الذين يعيشون على أطرافه، ويقدرون بنحو 3 أو 4 آلاف لاجئ، يهدّدهم خطر التهجير طبعاً".

وكانت إسرائيل طالبت صباح اليوم، الأربعاء 12 كانون الثاني/يناير 2025، سكان مخيم نور شمس، شرق طولكرم، بالخروج من المخيم، ذلك بعد أن كانت "الأونروا" قد أعلنت أن العملية العسكرية أدت إلى تهجير نحو 40 ألف فلسطيني من بيوتهم في شمال الضفة الغربية.

وقد أعاقت العملية العسكرية الإسرائيلية عمل المؤسسات في تقديم خدماتها للمخيمات المذكورة، وعلى رأسها "الأونروا"، التي قالت في بيان لها إنها لم تتمكن من تقديم الخدمات داخل مخيم جنين منذ أشهر، ولم تتلق أي تحذير مسبق بشأن الانفجارات، حيث لم يعد مسموحاً الاتصال بين الموظفين والسلطات الإسرائيلية، بعد سنّ إسرائيل قانوناً يحظر عملها، الأمر الذي يعرض حياة المدنيين للخطر.

كيف بدأت القصة؟

بدأت النقاشات حول إعادة هندسة مخيم جنين بعد اجتياحه عام 2002، وذلك في مرحلة إعادة بناء المخيم، حيث طرحت بعض الجهات الدولية المانحة التي أشرفت على تقديم المساعدات، اقتراحات لبناء مبان مختلفة عن الطابع العمراني السابق في المخيم. وفي المقابل، ظلت شبكة الطرق موضوعاً مثيراً للجدل ومصدراً للاستياء لفترة طويلة من قبل الأهالي الذين حاولوا الضغط لناحية إبقاء المكان على طابعه.

خرائط لمخيم جنين تُظهر محو حارة الحواشين خلال اجتياح عام 2002

تقول المواطنة إسراء (اسم مستعار) لرصيف22: "لطالما حرصنا على أن تكون بيوتنا ذات خصوصية في الحماية من أي هجوم أو حصار من قبل إسرائيل، بحيث تسمح لنا طبيعتها والطرق الواصلة بينها بالتنقل بين البيوت، وتبادل الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب، دون أن نكون منكشفين ومرئيين للقناصة الإسرائيليين".

وتردف: "وبعد هدم حارتنا أثناء اجتياح 2002، رفضنا التصميم الجديد لبيتنا بكل الطرق الممكنة. فصحيح أن التخطيط الجديد وفّر لنا بيوتاً تحافظ على خصوصيتنا أمام البيوت المجاورة، لكنها كشفتنا أمام بنادق العدو".

وتشير دراسة لجامعة "النجاح" تحت عنوان "الخصائص العمرانية والتخطيطية للمخيمات الفلسطينية، حالة دراسة لمخيم جنين"، إلى أن العمليات الإنسانية في إعادة تأهيل المخيم نجحت في إدخال عدد من التحسينات في البيوت، مثل تحسين التهوية، وتم بناء أو إعادة تأهيل عدد من المرافق المجتمعية، بما في ذلك مسجد جديد، ومركز نسائي، ومدرسة ابتدائية مع مساحة ترفيهية للأطفال.

لطالما حرصنا على أن تكون بيوتنا ذات خصوصية في الحماية من أي هجوم أو حصار من قبل إسرائيل، بحيث تسمح لنا طبيعتها والطرق الواصلة بينها بالتنقل بين البيوت، وتبادل الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب، دون أن نكون منكشفين ومرئيين للقناصة الإسرائيليين

"وعلى الرغم من أهمية عملية إعادة البناء بعد الاجتياح، إلا أنها أخفت ملامح عامة للمخيم من حيث توزيع المباني، ومعالم الأزقة وبعض الشوارع والساحات"، تضيف الدراسة، وتشير إلى أننا "إذا أخذنا حارة الحواشين على سبيل المثال (تظهر في الخارطة السابقة)، نستطيع أن نرى التغيرات بشكل واضح، وكيف تغير الحي إلى عناصر عمرانية جديدة، من حيث الشوارع الواسعة واستقامتها، والأرصفة المبلطة، وواجهات المباني المستوية دون أي بروزات، والتشابه الممل في الوحدات السكنية المتجاورة، دون ترك مجال لأي نوع من الخصوصية، ما جعل سكان المخيم يشعرون بغربة في مكان سكنهم".

"لدى دخولي الحارة للمرة الأولى شعرت بالغربة، وكأني في أحد أحياء الإمارات الوسيعة، كما اختفت معالم سبلنا في التواصل مع بعضنا البعض"، تقول إسراء.

يذكر أن حارة الحواشين تقع في مركز المخيم، وكانت معقلاً للفصائل قبل الاجتياح، وتميزت بتضاريسها المعقدة وأزقتها المتشابكة وبيوتها المتلاصقة.

شارع تم توسيعه في مخيم جنين نتيجة لاجتياحه عام 2002

ربما لم يستسلم أهالي المخيمات لإعادة الهندسة، فقد غيروا من تكتيكاتهم في الدفاع عن مخيمهم وأرضهم، فأخذوا يحرقون الإطارات ويعلقون الشوادر البلاستيكية فوق الزقاق والشوارع لمنع الطائرات من مراقبتهم، كما بدأت الفصائل بتنفيذ عمليات عسكرية خارج حدود المخيم وفي المستوطنات المجاورة، كعملية "حومش" على سبيل المثال لا الحصر، وطوّرت تقنيات التفجير عن بعد، كي لا تصبح مكشوفة أمام آليات الجيش الإسرائيلي.

صورة المخيم كبؤرة مشتبكة على الدوام

في ظل حالات النزوح المستمرة من المخيمات إلى القرى والمناطق المجاورة، وبالتزامن مع الحصار والاجتياحات المستمرة، ظهرت تخوّفات لدى الأهالي بتفريغ المخيم منهم بشكل تدريجي. تقول المواطنة سارة (اسم مستعار) من مخيم طولكرم، والنازحة إلى قرية سفارين، لرصيف22: "كنا في السابق، ننفذ أوامر الخروج من بيوتنا لساعات فقط، ريثما تنتهي العملية العسكرية. لكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها إخراجنا من البيوت لمدة طويلة، حتى أننا اضطررنا للنزوح أكثر من مرة. كما أن عمليات الهدم غير مسبوقة، وقد يُباد المخيم كما أُبيدت مخيمات قطاع غزة".

إن تصور المخيمات على أنها بؤرة مشتبكة على الدوام، له أبعاد استراتيجية على شعور السكان، إذ يقول ربايعة: "إن عدم الشعور بالأمان لدى الناس في المخيمات، ليس جديداً عليهم. فهم يشعرون كذلك منذ أن أعيدت هندسة أماكنهم كي تكون أكثر انكشافاً. وإعادة الهندسة تعني أولاً الهدم والاستهداف الكامل، وإبادة المكان كما حدث في مخيم جباليا".

ويضيف: "إن هدم مخيمات الضفة وإعادة بنائها مرات ومرات، بالتزامن مع حالات النزوح، ستجعل الناس أكثر غربة عن المكان وأقل التصاقاً به".

وفي سبيل تعزيز صورة المخيمات كمناطق غير آمنة، يجري أيضاً فصل المدن والقرى عنها بصورة تدريجية، حيث أشار مصدر رسمي (رفض الكشف عن هويته) لرصيف22، إلى أنه "تجري الآن محادثات بين الارتباط الفلسطيني والإسرائيلي بخصوص إعادة فتح الأسواق في مدينة جنين، مع الإبقاء على حالة الحصار في المخيم".

كما أن إطالة أمد الوجود الإسرائيلي هناك يعزّز من عسكرتها على الدوام، وكأنه جزء اعتيادي من حياة الناس، وغير هجين على المخيمات. يقول ربايعة في هذا السياق: "تأتي عملية فصل المخيم عن محيطه كجزء من استهداف الحاضنة الشعبية التي تتمتع بها المخيمات، خاصة أن كتائب المقاومة انتقلت ككرة الثلج إلى القرى المجاورة. فمن مخيم جنين انتقلت إلى القرى مثل كتيبة اليامون، كتيبة طمون، كتيبة كفردان، كتيبة قباطية، كتيبة الفارعة وغيرها. وقد انتشرت هذه الفكرة في المخيمات، سيما مخيم جنين، لأنه لم يقم على أسس عشائرية، أو قبلية، أو فصائلية، بل جاء بهوية جامعة تنتهج كل سبل المقاومة كوسيلة للدفاع عن الأرض".

محو المخيم… محو حق العودة

تعتبر السياسة مكوناً وجودياً في المخيمات الفلسطينية لارتباطها بحق العودة، والحق في تقرير المصير، فيعتبر أهالي المخيمات أن أي استهداف لمكانهم هو محاولة لطمس هذا الحق.

يقول رئيس اللجنة الشعبية في مخيم جنين، محمد الصباغ، لرصيف22: "طُرحت سابقاً رؤية سياسية إسرائيلية بإدماج المخيمات مع المدن، لكن الطرح لم يكن جدياً على أرض الواقع، بيد أنها بدأت تأخذ منحى جدياً الآن، حيث أخبرت إسرائيل البلديات عن وجود مخططات لضم المخيم إلى الأحياء المجاورة، وتفكيك التجمعات الأساسية هناك، ما ينذر باندثار المؤسسات الفاعلة في المخيمات وتصفية قضية اللاجئين، فالمخيمات هي الشاهد الأخير على جرائم النكبة عام 1948".

هدم مخيمات الضفة وإعادة بنائها مرات ومرات، بالتزامن مع حالات النزوح، ستجعل الناس أكثر غربة عن المكان وأقل التصاقاً به

ويتابع: "الوضع في المخيمات كارثي. لسنا بحاجة للإغاثة فقط، بل لدعم سياسي للاجئين وحق العودة. نحتاج إلى الوحدة الوطنية من أجل مواجهة هذه التحديات، وإلا سنصبح فريسة سهلة بيد إسرائيل".

يذكر أن الفلسطينيين في جنين يرفضون فتح الأسواق أو التنقل داخل المدن التي تحاصر فيها المخيمات، كرسالة وحدوية بين المخيم والمدينة، فيقول جواد أحمد (64 عاماً) من مدينة جنين، لرصيف22، واصفاً علاقة المكانين: "منذ بداية حصار مخيم جنين، رفضت فتح دكاني الوحيد الذي أعتاش منه. ما يحدث هناك يحدث لنا. نحن لسنا مفصولين عن المخيم. هناك حارة في المخيم تسمى (جورة الذهب)، يؤمن سكانها أن قوى خفية في تلك الحفرة تعطيهم الخير في حياتهم. وبالنسبة لنا؛ سكان المدينة، المخيم هو جورة الذهب التي تعطينا معنى الصمود والمقاومة على الأرض".

يذكر أن مشاهد إبادة المواقع المرتبطة بالذاكرة الجماعية للمخيم، هي وسيلة أخرى لمحو الطابع السياسي عنه، كهدم دوار الحصان، لما يحمله من دلالات صنعه من بقايا سيارة إسعاف استهدفتها إسرائيل سابقاً، وكذلك هدم قوس النصر، والكثير من نصب الشهداء والمقابر، وكتابة عبارات من الشتائم على جدران المكان. وتفيد عائلات هناك بأن الجنود يمزقون ويتبولون على صور أبنائهم الشهداء أمام أعينهم، كوسيلة لممارسة القهر عليهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image