شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
عشرات الإضرابات عن الطعام في سجون تونس... ما الذي يحدث؟

عشرات الإضرابات عن الطعام في سجون تونس... ما الذي يحدث؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحرية

الثلاثاء 11 فبراير 202501:28 م

في الـ14 من كانون الثاني/يناير 2025، وبالتزامن مع إحياء ذكرى الثورة التونسية، أعلنت الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة، الناشطة الحقوقية سهام بن سدرين (75 عامًا)، دخولها في إضراب عن الطعام داخل سجن النساء، في محافظة منوبة التونسية، الواقعة شمال البلاد.

وقالت بن سدرين، التي ترأست الهيئة بين سنوات 2014 و2018، في بيان مقتضب نشرته على صفحتها الرسمية على فيسبوك، إنها قرّرت الدخول في إضراب عن الطعام "احتجاجًا على الظلم المسلّط عليها، وللخروج من الحفرة التي رُدمت فيها ظلمًا مهما كلفها الأمر". 

وفي 27 من نفس الشهر، أعلن عضو هيئة الدفاع عن بن سدرين، طارق العبيدي، نقل موكلته إلى قسم الإنعاش في مستشفى الرابطة بالعاصمة تونس، بعد مرور أسبوعين على إضرابها عن الطعام، في حين اعتبرت منظمات حقوقية أنّ "إحالة وتتبع بن سدرين قضائيًا بتهم كيدية تندرج في إطار سياق سياسي، يتسم بإخماد كل الأصوات الحرة والمعارضة والحقوقية".

معارضون موقوفون: "الإضراب وسيلة للتحرّر" 

بن سدرين ليست أول سجينة سياسية تلجأ للإضراب عن الطعام للدفاع عن حقها في محاكمة عادلة، فقد سبقها إلى هذا الشكل الاحتجاجي سجناء سياسيون بارزون، خاضوا إضرابات الجوع للمطالبة بالتسريع في محاكماتهم، بينما تصف المعارضة التونسية ما يحدث بـ "معركة الأمعاء الخاوية"، وتعتبره وسيلة للتحرّر. 

تقول سكينة بن سدرين، شقيقة سهام بن سدرين، إنّ أختها المودعة في السجن منذ الأول من آب/أغسطس 2024، قرّرت تعليق إضرابها عن الطعام، مع نهاية الشهر الماضي، بعد تدهور وضعها الصحي. 

تدهورت الحالة الصحية للمعارضة التونسية سهام بن سدرين (75 عامًا) بعد أسبوعين من دخولها في إضراب احتجاجي عن الطعام ونقلها إلى المستشفى، ما اضطرها لتعليقه رضوخاً عند رغبة عائلتها، وهي بهذا واحدة من عشرات المعارضين المضربين طلباً لتسريع محاكماتهم

وتضيف في حديثها لرصيف22، أنّ شقيقتها نُقلت إلى المستشفى بعد أن عانت من ارتفاع ضغط الدم، وجفاف شديد، واضطراب مستويات الأملاح، مؤكدة أنّ وضعها الصحي تدهور بشكل خطير، نتيجة إضرابها عن الطعام وتقدمها في السنّ. 

ورغم تعليقها لإضراب الجوع، نزولاً عند رغبة عائلتها، إلا أن سهام لا تزال ترقد في المستشفى وتخضع لرعاية طبية مكثّفة ودقيقة، بحسب شقيقتها، والتي تشير إلى أنّ الفترة التي قضتها في المستشفى أثّرت بشكل لافت على الوضع النفسي للعائلة. 

وأكدت أنّه تم فرض رقابة أمنية مكثّفة على قسم الإنعاش التي ترقد فيه، وأنهم لم يتمكنوا من زيارتها أو معرفة تفاصيل وضعها الصحي إلاّ بعد 5 أيام من تواجدها في المستشفى، وتقول إنهم نجحوا أثناء زيارتها في إقناعها بتعليق إضراب الجوع حفاظًا على حياتها.

وأكدت سكينة بن سدرين أنّ شقيقتها اعتزلت السياسة في السنوات الأخيرة، وقررت التفرّغ لتربية أحفادها والاهتمام بعائلتها، لكنها وجدت نفسها محرومة من حريتها ومسجونة بتهم كيدية. 

ووفق شقيقة بن سدرين، فإنّ الناشطة الحقوقية كانت معارضة شرسة لنظام زين العابدين بن علي، الذي أسقطته ثورة شعبية في 2011، وأنها سُجنت وتعرّضت لمضايقات وملاحقات قضائية على خلفية دفاعها عن حق التونسيين في دولة ديمقراطية ومدنية. 

وأكدت أنّ سهام بن سدرين خاضت تجربة الإضراب عن الطعام في فترة حكم بن علي، وأنّ إضرابها حينها كان خارج أسوار السجن، وأنها كانت في تلك الفترة تتمتع على الأقل بصحة جيّدة، لكنها الآن تعاني من أمراض مزمنة.

وتواجه بن سدرين تهمًا تتعلّق بـ 6 قضايا تحقيقية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، أبرزها قضية "تزييف التقرير الختامي للهيئة"، في الجزء المتعلق بنزاع الدولة التونسية مع البنك الفرنسي التونسي.

الحرية قبل الحياة

في 12 من شباط/فبراير 2024، دخل أيضًا ستّة سياسيين معارضين في إضراب عن الطعام، من داخل سجنهم بالمرناقية، كانوا جميعهم قد أوقفوا في قضية عُرفت بـ"التآمر على أمن الدولة". 

هؤلاء هم الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، والقياديان في جبهة الخلاص المعارضة جوهر بن مبارك ورضا بالحاج، والناشط السياسي خيام التركي، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.

وقال هؤلاء في بيانٍ لهم حينها، إنّ إضرابهم عن الطعام يأتي احتجاجًا على "مرور سنة على اعتقالهم دون أي جريمة، وأيضًا لتعبيرهم عن تمسكهم بحقوقهم الكاملة وحرّيتهم".

وفي تاريخ 19 من نفس الشهر، دخل رئيس حركة النهضة والرئيس السابق للبرلمان التونسي راشد الغنوشي (83 عامًا)، في إضراب عن الطعام من داخل السجن المدني في المرناقية، وذلك "تضامنًا مع المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام، ومساندة لكل المعارضين في مختلف السجون التونسية، ولكل معتقلي الرأي"، وفق بيانٍ أصدرته حينها هيئة الدفاع عن الغنوشي.

في شباط/فبراير من العام الماضي دخل 6 معارضين في إضراب عن الطعام من داخل سجنهم، كانوا جميعهم قد أوقفوا في قضية عرفت بـ"التآمر على أمن الدولة". 

وقالت هيئة الدفاع، إنّ الغنوشي قرر خوض "معركة الأمعاء الخاوية، وإنه يدعو التونسيين إلى التمسك بتونس ديمقراطية تتسع للجميع على أساس التعايش القائم على الحرية والعدالة، وعلوية القانون واستقلالية القضاء".

ومع نهاية نيسان/أبريل 2024، قرّر المعارضون الستّة تنفيذ إضرابٍ ثانٍ عن الطعام، احتجاجًا على ما اعتبروه "احتجازًا تعسفيًا" لهم، بعد انقضاء الآجال القانونية للإيقاف التحفظي والمحدّدة بـ 14 شهرًا في القانون التونسي، وجاء الإضراب بعنوان "الحرية قبل الحياة".

كما نفّذ موقوفون آخرون إضرابًا عن الطعام من داخل سجونهم، بينهم الصحافية شذى بالحاج مبارك، والناشط السياسي مصعب الغربي، ونائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحري، وجميعهم تم إيقافهم عقب الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد، بتاريخ 21 تموز/يوليو 2021، وتلاحقهم اتهامات عديدة أبرزها "التآمر على أمن الدولة". 

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2025، إنّ الحكومة التونسية كثّفت قمعها للأصوات الناقدة، وشدّدت حملتها على منظمات المجتمع المدني، ووسّعت من نطاق الاعتقالات السياسية والاحتجازات التعسفية.

وأكّدت المنظمة في التقرير أنّ أكثر من 80 شخصًا، بينهم معارضون سياسيون ونشطاء ومحامون وصحافيون، اعتُقلوا حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2024 لأسباب تتعلق بممارسة حقوقهم، كما استهدفت السلطات أعضاء المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي انتقدت سياسات الرئيس قيس سعيّد، ما أدى إلى خنق الفضاء العام المكتسب بعد الثورة.

منذ حكم الحبيب بورقيبة

خلال السنوات الذي حكم فيها بن علي تونس، خاض عشرات المعارضين السياسيين والصحافيين والناشطين الحقوقيين إضرابات عن الطعام، للمطالبة بالحقوق الأساسية وحرية الرأي والتعبير والمساواة بين جميع التونسيين. 

ومن أشهر إضرابات الجوع الذي عرفتها تونس، نذكر الإضراب الذي نفذه 8 معارضين ينتمون لتيارات سياسية مختلفة بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005 بعنوان "الجوع ولا الخضوع"، مستغلين تنظيم تونس للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات.

ويقول رئيس جبهة الخلاص الوطني (معارضة) أحمد نجيب الشابي، وأحد أبرز المشاركين في إضراب 18 تشرين الأول/أكتوبر 2005، إنّ قصته مع الإضراب عن الطعام بدأت منذ سنة 1968، أي عندما كانت تونس تحت حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وأنه خاض عشرات الإضرابات داخل السجن وخارجه وفي المهجر (باريس تحديدًا).

ويروي الشابي في حديثه مع رصيف22، بأنّه شارك في إضراب 18 تشرين الأول/أكتوبر 2005 والذي كان خارج أسوار السجن، وأنّهم اتخذوا من مكتب المحامي والناشط الحقوقي عياشي الهمامي، مقرًّا لتنفيذ إضرابهم، مستغلين تواجد عشرات الصحافيين الدوليين الذين قدموا إلى تونس حينها لتغطية القمة العالمية حول مجتمع المعلومات، باعتبار أنّ الإعلام المحلي كان خاضعًا لسيطرة السلطة.

خلال حكم بن علي، خاض عشرات المعارضين إضرابات عن الطعام للمطالبة بالحقوق الأساسية، ومن أشهرها إضراب الـ 2005 بعنوان "الجوع ولا الخضوع"، حيث استغل المضربون والسجناء وجود عشرات الصحافيين من العالم الذين زاروا تونس لتغطية للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات


ويرى الشابي أنّ الإضراب عن الطعام هو السلاح الأخير الذي يتبقى أمام الإنسان للدفاع عن حقوقه وللمطالبة بحقه السياسي والمدني، مشيرًا إلى أنّ إضراب 18تشرين الأول/أكتوبر، والذي دام 33 يومًا، كان بهدف "نيل حقوق مدنية عامة، منها التداول السلمي على السلطة".

ووفق الشابي، فإنّ إضراب الجوع الذي يلجأ إليه السجناء السياسيون أكثر من غيرهم، عادة ما يكون موجهًا للرأي العام وليس للسلطة، مشيرًا إلى أنّ الهدف منه هو بعث رسالة إلى الرأي العام كي يتبناها ويضغط على السلطة، للاستجابة للحقوق الأساسية للمساجين.

في ذات السياق، يؤكد الشابي أنّ إضرابات الجوع التي خاضتها الطبقة السياسة في زمن حكم بورقيبة، كانت تهدف للفت أنظار الرأي العام الدولي، باعتبار أنّ تونس كانت في ستينيات القرن الماضي تتسم بغياب الرأي العام الداخلي، مؤكدًا أن الرأي العام التونسي بدأ يتشكل ويتفاعل مع القضايا العادلة مع نهاية الثمانينيات.

وعن زمن حكم بن علي، يقول الشابي إنه تم تصحير الساحة السياسية منذ انتخابات 1989، ونتج عن هذا التوجه خفوت دور الرأي العام الداخلي، وتراجع مشاركته وتأثيره في الشأن العام للبلاد.

وفي تعليقه على إضرابات الجوع الذي عرفتها تونس إبان ثورة 2011، أشار الشابي إلى أنّ تلك الإضرابات لا تهدف لاستعطاف السلطة وإنما لكسب تأييد الرأي العام، باعتبار أنّ السلطة الحالية في تونس لا تكترث كثيرًا لصحة السجناء السياسيين أو حريتهم، وفق قوله. 

قطيعة بين السلطة وسجناء الرأي في تونس

يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، في حديثه لرصيف22، إنّ مساجين الرأي في تونس وجدوا أنفسهم مضطرين لخوض إضرابات متتالية عن الطعام من وراء القضبان، تكون أحيانًا وحشية ودون اتباع أدنى القواعد الصحية للحفاظ على حياتهم. 

ووفق الجورشي، فإنّ اللجوء للإضراب عن الطعام يدلّ على وجود قطيعة كاملة بين السلطة ومساجين الرأي، الذين كانوا، قبل دخولهم إلى السجن وإثارة متابعات قضائية ضدهم، جزءًا من النخبة التونسية ولهم بصمتهم في الساحة السياسية.

في ظل مصادرة الحقوق في السنوات الأخيرة، يرى مراقبون أن التجربة أثبتت أن الإضراب عن الطعام في تونس لم يعد وسيلة كافية لإحداث التغيير أو تحصيل الحقوق.

وفي تقييمه ما إذا كان الاحتجاج عن طريق الإضراب عن الطعام ناجع ويُلفت نظر السلطة، يقول إنّ التجربة أثبتت أن الإضراب عن الطعام في تونس بعد 25 تموز/يوليو 2021 لم يعد وسيلة كافية لإحداث التغيير أو تحصيل الحقوق.

ويؤكد أنّ المساجين الرأي في تونس يعانون داخل سجونهم، وأنّ وضعيتهم تحتاج تدخلاً عاجلاً وسريعًا من قبل منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية، داعيًا السلطة إلى مراعاة ظروفهم، والتعامل معهم كمواطنين لهم كامل الحقوق. 

وأشار إلى أنّ السلطة الحالية أثبتت أنها لا تتفاعل مع إضراب الجوع كشكل احتجاجي للمطالبة بالحقوق الأساسية للسجناء السياسيين، وأنها غير مستعدة للاستجابة لطلباتهم، ما يعني أنّ الإضراب عن الطعام، حتى وإن كان وحشيًا، لم يعد وسيلة لإقناع صاحب القرار، مؤكدًا أنّ "إضرابات الجوع زمن بن علي كانت وسيلة للضغط وافتكاك الحقوق، وكانت السلطة تتفاعل معها في كثير من الأحيان".

حوار وطني في تونس

وفي تعليقه على ما تمّ تداوله مؤخرًا بخصوص عزم الرئيس التونسي فتح باب الحوار مع الأحزاب والشخصيات السياسية، أشار المحلل السياسي إلى أنّ مجرد الحديث عن حوار وطني بتونس أثار بعض التفاؤل في الساحة السياسية، ودفع المتابعين للشأن العام بتوقع حصول انفراج في الملف السياسي.

ويشير إلى أنّ الأخبار المتداولة أكدت استثناء بعض الأحزاب من الحوار المنتظر، ما يعني أنّ الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة التي عارضت سياسة قيس سعيّد بشدّة، وحركت الشارع التونسي ضدّه، لن تكون طرفًا في الحوار.

وتوقع الجورشي أن الحوار سيقتصر فقط على الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان التونسي والشخصيات المساندة لمسار 25 تموز/يوليو 2021، وأنه لن يكون مفتوحًا أمام كل من عارض سعيّد أو انتقد سياسة حكمه للبلاد، مستذكرًا بذلك تصريحات رئيس البرلمان التونسي إبراهيم بودربالة، الذي اعتبر فيها أنّ "الدعوات التي تنادي بحوار وطني ترمي في الحقيقة إلى الانقضاض على ما وقع إنجازه، والتقدم الذي حصل للشعب التونسي من خلال إنجاز مؤسسات تعمل في ظروف طيبة، من شأن عملها أن يحقق الطمأنينة والأمل للشعب التونسي في مستقبل أفضل".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image